عبد الحليم حافظ .. العندليب العابر بأحاديث العواطف وحروف النايات

عبد الحليم حافظ .. العندليب العابر بأحاديث العواطف وحروف النايات
الأحد 10 دجنبر 2017 - 05:30

في قلب حياتنا جميعاً سينبثق عالياً اسم مُحاصر بالتحديات، تقاطعت في مسيرته الشخصية والفنية ومنذ الهواء الأول تحولات من الأحداث المتلاحقة، وكلنا يُخيط مسافاته في شوارع الأحلام، التي أخذت حيزاً أوسع مع هذا الصوت الممتلئ نضارة والمتغلغل في جبين الأيام وسرّ الكلام.. كان يأتي من باب الحنين على غصن يخضرّ بالحكايات، مقتبساً من البحر وضفاف العاشقين وأحاديث الأوطان إيقاعه ورسائله، فنكون بين فرح وحزن وانتظار وأمل..

عبد الحليم علي شبانة (عبد الحليم حافظ 1929 / 1977) رسم خرائط أخرى إزاء دور الفن وقيمته، خلّفت مجالا للتفاعل، بعيداً عن تجسيد أكذوبة التفوق، نستحضر عبرها زمناً متوهجاً..كما نستحضر تلك النواحي الهادئة التي تشحذ الخيال برفقة عقول ماهرة من شعراء وملحنين (نزار قباني، صلاح عبد الصبور، صلاح جاهين، عبد الرحمان الأبنودي، صالح جودت، محمد عبد الوهاب، مرسي جميل عزيز، محمد حمزة، كمال الطويل، رياض السنباطي، محمد الموجي، بليغ حمدي، كامل الشناوي…)، الذين اتسع من خلالهم النهـر ليحضن العالم، بعدما وضعوا في مجراه خبراتهم ومعارفهم وراهنوا على امتداداته في المعنى..

من قرية الحلوانية بمحافظة الشرقية التي رأى فيها سواد اليتم المبكر، ستكون المرآة والطريق في اتجاه هذا السفر فائق العذوبة، الطويل فناً والقصير عمراً، وسيكون الموسيقار عبد الحليم حافظ في إطلالاته المتقاربة يتوغّل في الجوهر، مُوسّعاً من بعده الإنساني مثل شجرة تورق على خد الأرض، مفتتنة بطيران فروعها، مواصلا حرث مشروعه الفني بنبض جديد، هو الذي لم تأته الحياة على طبق من ذهب أو فضة، ولكن على حروف من النايات..

منذ التحاقه بمعهد الموسيقى العربية بين سنوات (1943 / 1948)، كان عبد الحليم حافظ محرضاً على العمل وداعية له ومرحباً بتحققه وبنائه، فصار جداول ترعى بساقها الراسخة في منتصف الفصول، يكبر على وقع الكلمات الكبيرة، ويحرس مخيلة الفرح، مُسافراً في هواء المدن بدرره الفصيحة من: 1951 إلى الهزيع الأخير من سنة 1977، متخطياً المزيد من التقدير على إنتاج الدّهشة وباذراً حقلا فنياً مرموقاً على نحو خاص، ينطوي على جماليات ومقاصد، ويسعى سعياً في نزهات شجية يلفّها الأفق، ليدوّن بذلك تاريخ القلوب ورسائل الناس.

بحث عبد الحليم عن طريقته في الأداء، بعدما استهوته الأنغام والتراتيل والأقاصي، فأضحى يقرأ وينطق ويفكر بلغة الموسيقى. كان قامة تتألق في النفوس وتبْنِي مداراتها في تعرجات الكلمات والألحان، يسكب من دمه لنداءات الأغنية العاطفية والوطنية والابتهالات، ويقيم صلات بالغة الإيحاء بينه وبين الذات العربية، وفق ملاحم متسارعة ومتصاعدة، تنقلنا إلى مستويات مختلفة من الجمال: قارئة الفنجان، رسالة تحت الماء، حاول تفتكرني، سوّاح، عدى النهار، على أرضها، الماء والخضرة، أنا من تراب… وغير ذلك من باقات الزّهـر التي قدمها بكرم بليغٍ إلى جانب العديد من الأعمال السينمائية المُتوهجة.

في مسار مُنتج أشعلته إرادة لا تترمّد، كان الفنان عبد الحليم الذي عاش عصراً برجاله ورموزه ومعاركه وأحلامه وإخفاقاته، ملتقطاً ذكياً لمتطلبات زمنه، فاهماً للخصوصيات التي تطبع العمل الفني وسيرة مبدعه، ما أهله أن يترك ذخائر من التراث الموسيقي العربي، ستظل قيد التاريخ والذاكرة متأهبة كورد الندى ويقظة كأصوات النّهار.

فهل سنطلّ على زمن الكبار في توهجه مرة أخرى، بعيداً عن ابتكارات الوهم؟ ونسمع ربيعاً حائراً يدقّ علينا ليحرّك فينا قياثر الفراشات، يعمل على إيقاظ وإيقاد حواسنا بجرأة وبهاء هذا الفنان العظيم، الذي أحاط نفسه بالتميز والتفرد، وعلمنا “نبتدي منين الحكاية”؟.

‫تعليقات الزوار

26
  • قارئة الفنجان
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 07:16

    من منا لم ينم بجانب وسادة خالية!من منا لم يسأل قارئة الفنجان عن حبه؟!من منا لم يسأل حبيبه عن بعد ويقول له حاول تفتكرني!؟من منا لم ينتظر حتى انتهاء اخبار الحادية عشر ليلا كي يكمل معبودة الجماهير والمطر بهذا خارجا…عدا النهاار وجاء الليل،واصبح الحب بالمال،ولم نعد نطلب من الاخر حاول تفتكرني،ونسيناه ونسانا وكل ذهب في طريقه وانغمسنا في متاهات الحياة والعمل والتوتر،واصبحت وسادتنا مليئة بشخص بجانبنا،و. انتهت الحكاية في يوم في شهر في سنةةة

  • حسن كناني
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 08:34

    عبد الحليم حافظ….عبد الحليم حافظ؛؛ الفنان..العبقري، عبد الحليم اللذي رحل الى دار البقاء….وﻻكن ﻻزال معنا – -لم يمت فنه طربه
    صوته كلما سمعناه على امواج اية اداعة عربية
    اﻻ واطربنا او على اليتوب اﻻ اخترنا من اغانيه مايروقنا وماالفنا سماعه نعم اتكلم عن جيلنا نحن اللذين عاشرنا حقبته عن سهراته بالمغرب
    وعن سهراته في فرنسا….كنا نتسمر امام التلفاز بالابيض والاسود….حركاته تطربك…تقاسيم وجه تتركك تعيش مع الاغنية
    وتحس بفرحة موضوعها أو حزينة…ان كانت؛
    اما افﻻمه فنتسابق اﻻ السينما لكي نظفر بورقة الدخول بالكاد….واقسم ان فيلم ابي فوق الشجرة شاهدته بالسينما اكثر من عشر مرات….وفي الاخير كلفت احدى الصديقات احضرت لي كاسيط فديو للفلم من باريس
    وﻻزلت احتفظ به….وتقريبا اتوفر علآ كل اغانيه بالكاسيط….فرحمه الله…ورحم الله نادية لطفي
    التي توفيت اخيرا….

  • jam
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 08:43

    رغم اني لست عربيا…لكن اول موسيقى استهوتني هي للراحل عبد الحليم رحمه الله

  • صاغرو
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 09:16

    حينما تستمع لعبد الحليم او فريد او ام كلثوم او الدكالي … تفهم سريعا تفاهة المعلم وبرانس والحمام
    شطحات الكوكوطت مينوت والبيتزا وقلة الحشمة.
    اغلب شطحات اليوم سرقات أدبية كلمات وألحان واداء

  • علي
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 09:59

    اما كان العرب يستمعون لنغمات عبد الحليم وفريد الأطرش وأم كلتوم عرقين في النوم كانت اسراءيل تبني الأسلحة النووية
    ناموا ولا تستيقظوا ما فاز الا النوموا

  • لطيف 100
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 10:15

    رحم الله الفنان العبقري الراحل عبـد الحــليم حافظ الذي قل نظيره في زمن الرداءة والتسيب المقصود والممنهج في وطننا لاكلمات لالحن يشفيان غليل ذوقنا اليتيم، فاقد الشيئ لايعطيه

  • عاشق
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 10:21

    مقال في غاية الجمال عن فنان الجماهير حليم. شكرا لك هسبريس

  • algerien
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 10:32

    عبد الحليم و ان كان مطربا عملاقا فصوته و اغانيه لا تصل مستوى غناء فريد الاطرش الذي همش في مصر لانه ليس مصريا .. فريد الاطرش لحن و غنى روائع تفوق بها حتى على عبد الوهاب . الدليل على الحقد المصري على فريد الاطرش ان عبد الحليم و ام كلتوم رفضا الحانه رغم انها تركب 100/100 على صوتهما خصوصا ام كلتوم التي غنت الحانا اقل من الحان فريد . شاهدت فيديو لفريد الاطرش يبكي فيه على رفض ام كلتوم و عبد الحليم الغناء له ..

  • صفاء من افران
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 10:37

    احب هذا الفنان العمﻻق الذي اصبحت اﻻغنية في وقته في سنواتها الذهبية . رحمه الله تعالى

  • khalil
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 10:40

    كنا جيلا ولا زلنا نستمتع باغاني الزمن الجميل وكل شيء كان جميلا انا اشفق على أبناء هذا الجيل فهم تائهون لا يعرفون طعما للحياة .فما جاءت به العولمة والانترنت والفضائيات أفسد وأجهز واعدم آخر عهد للحياة الجميلة والبساطة.

  • khalil
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 11:01

    تحية لكاتبي التعليقين 1و2 قارية الفنجان وحسن كتاني لقد عبرتم بروعة عما يختلجني شخصيا فبديهي لا يستمع لعبد الحليم إلا ذوي الحس الجمالي الراقي والجميل.

  • الزمن الجميل
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 11:08

    عبد الحليم وام كلثوم والدكالي وبلخياط وشادية ونجاة الصغيرة مطربين تركوا فينا ايام الزمن الجميل

  • كونيتو
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 11:38

    كل من عاصر هؤلاء الرواد في الستينيات لا اتكلم عن الغناء والطرب فحسب. ولكن جميع الفنون سينما رسم .واش اللي اعقل على الافلام الايطالية والفرنسية وحتى الامريكية والعربية المصرية في تلك الفترة .سيجد التفاهة وقلةدوق فيما يشاهد حاليا.مع احترامي لدوق الجميع.

  • ملاحظ
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 11:41

    للأسف أغاني عبد الحليم حافظ تجد فيها لحن و توزيع رائع…لكن الكلمات تافهة إذا استثنينا بعض الأغاني تعد على الأصابع.

  • نادية من فرنسا
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 11:47

    هذا الفنان أعزه جدا وأغانيه حاضرة معي باستمرار وألحانه لا تتكرر

  • البوهالي
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 11:52

    أيام كان الفن له رسالة ويعمل على تهذيب الأذواق. أما اليوم مكاين غير الفقايص………….

  • kamal
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 11:52

    رغم اني لست من المواظبين على الكتابة و الرد في هذه الجريدة الا اني اجد نفسي مضطرا لاشكر صاحب المقال و التعاليق ، فشكرا لكم جميلا لتذكيرنا ب ايام الزمن الجميل ،زمن العقلاء و ذوي الحس المرهف،تحياتي الخاص لصاحب او لصاحبة التعليق الاول

  • فنان ﻻ يتكرر
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 12:15

    كان فنانا بمعنى الكلمة وصوت ﻻيتكرر . عانى رحمه الله في شبابه من مرض البلهارسيا

  • زمن الرواد
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 12:20

    كانت أغاني المرحوم عبد الحليم تطربني كثيرا ؛ تخفف عني وحدتي ليلا والناس نيام ، تهدأ من روعتي وقت فراق الأحباء ……سهرت ليالي وأنا في سن المراهقة في بداية السبعينات على إيقاع مجموعة من أغانيه منها: موعود ، حاول تفتكرني، جانا الهوى، زي الهوى… واللائحة طويلة.إنها بحق فترة الأغنية الجميلة…زمن الرواد :
    عبد الحليم ،فريد الأطرش،عبدالوهاب ،ام كلثوم، شريفة فاضل، شادية ،نجاة الصغيرة، محرم فؤاد، فايزة أحمد. …الخ.

  • محمد خيزران
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 12:38

    لقد اعجبني المقال الذي كتب عن العندليب الراحل إلا أنني أريد ان أذكر بأنه رحمه الله ولد بقرية الحلوات وليس (الحلاوانية) كما جاء غي المقال و أنه رحل عنا إلى دار البقاء ليلة الخميس 31 /1977/3.

  • ملاحظة
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 14:22

    اشكر الكاتب على هذا المقال الذي اعادنا الى زمن الفن الجميل واخرجنا من حلقة الاخبار السياسية والحوادث الكىيبة، وما يعجبني في شخص هذا الفنان هو انه بنى نفسه بنفسه ؛واعتمد على حنجرته للانتقال من الفقر للوصول الى المجد ، وهو ما يصعب على جيل التسعينات فهمه

  • محمد رضى
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 15:38

    هناك أسماء لن تتكرر في تاريخ الفنون والآداب والراحل عبد الحليم حافظ واحد منهم. كان فنانا بكل ما تحمله الكلمة من معان

  • حليم
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 17:00

    الله يرحمو.
    غنى للحب، للعروبة، للوحدة، للأمة …. غنى لفلسطين حتى في عقل دار اليهود الصهاينة عندما غنى أغنيتي المسيح و عدى النهار في Albert hall في لندن 1968.

    حليم هو نتاج ثورة شاملة و هادفة، لكن مع الأسف، تم إجهاضها من طرف الحكام العرب الخونة، باستثناء جمال عبد الناصر.

    هذا زمن الستاتي و تسونامي، زمن الفن الساقط و العهر الفكري و الاخلاقي

  • خالد
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 19:01

    لا احب اغانيكم المصرية، أسأل اوروبي واحد عن روادكم إن كان يعرفهم و سترى الاجابة.
    تراتنا المغاربي اروع بكتير من موسيقاكم المصرية و شكرا.

  • عاشقة فريد
    الأحد 10 دجنبر 2017 - 19:36

    تحية لصاحب التعليق الذي سمى نفسه Algerien انا متفقة معك .فعلا فريد الاطرش اروع من عبد الحليم وام كلثوم لكن المصريين همشوه لانه ليس مصريا فما غناه عبد الحليم ليس شيىا امام اغنية الربيع وهلت ليالي حلوة وساعة بقرب الحبيب وغيرهم لامير الطرب العربي فريد الاطرش كما ان عبد الحليم علاقته بالحاكمين في رسم جعل نجاحه مرتبطا بتدخلاتهم وبضعف شخصيته عكس فريد الذي تميز بقوة الحانه كما لو لم تمت اسمهان لكانت شهرتها هي وفريد فاقت شهرة عبد الحليم وام كلثوم نفسها…..

  • bdou@
    الإثنين 11 دجنبر 2017 - 00:06

    أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ رفضا الغناء من تلحين فريد الأطرش لأن هذا الأخير مطرب يغني، يعني كانت الأغنية من تلحين فريد الأطرش سيغنيها مطربان: أم كلثوم وجوقها، وفريد وجوقه، وستحصل مقارنة عند الجمهور، كان سيقال : الأغنية الفلانية بصوت ملحنها الأصلي، لذلك كان الفنانون يفضلون الملحن الذي يلحن فقط ولا يغني، ثم إن ألحان فريد يغلب عليها الطابع الشامي وليس المصري، كل المطربين العمالقة صنعهم الملحنون، لو لم يكن في ذلك الزمن كبار الملحنين أمثال رياض السنباطي وعبد الوهاب وبليغ حمدي لما اشتهر عبد الحليم ولا أم كلثوم.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين