أدباء مغاربة يرثون الراحل أنقار .. مفرد بصيغة الجمع ومبدع منار

أدباء مغاربة يرثون الراحل أنقار .. مفرد بصيغة الجمع ومبدع منار
الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 05:03

ودّعنا مساء يوم الخميس المنصرم، 15 فبراير 2018، بمدينة تطوان، عن سن 72 سنة، الأديب المرموق الدكتور محمد أنقار، الذي يعد أحد الرموز الإبداعية الرائدة في الرواية والقصة القصيرة بالمغرب، ومنارة علمية وأكاديمية سامقة فتحت البحث والتحصيل والمُنجز النصّي على قراءات استكشافية جديدة ومُجددة، ستظل بأفقها الواسع ونفسها الطويل والبارع تتفاوت قيمة وطموحاً بين الأجيال والقراء.

في هذه المساحة من الحزن والفقدان التي اختلطت فيها الحواس والعواطف، استقت جريدة هسبريس من أدباء وشعراء مغاربة شهادات في حق الأديب والأكاديمي الراحل.

كتب الشاعر المغربي العميق عبد الكريم الطبال بحب بالغ ومؤثر شعرا، وهو يعانق الأديب الراحل محمد أنقار، فقال:

سوفَ أصمتُ / قبلَ قليلٍ / لأنِّي اختفيتُ / عن الوقتْ / الْتجأتُ / إلى طلِّ ريحانةٍ / هي تعرفُ / أنِّي بلا أيِّ ثوبْ / هي تعرفُ / أنِّي أحبُّ الظّلالْ… فيا أنتَ / كنّا نحبّكَ في الشّمسْ / كنّا نحبّكَ / تحتَ الظّلالْ… رحمة الله تشملك.

بدوره، قال القاص والأكاديمي مصطفى يعلى، رفيق درب الراحل، “تربطني بفقيدنا الصديق الأعز أ. د. محمد أنقار علاقة صداقة طويلة، تنيف على نصف قرن. وبالضبط منذ 1965 بداية سنوات دراستنا الجامعية بظهر المهراز في فاس، ثم تم تعيننا كأستاذين بالثانوي في مدينة القنيطرة. ورغم انتقاله إلى تطوان، لم تفتر صداقتنا يوما، بل ظللنا على اتصال وتواصل دوما، خاصة وأنني كنت أتردد على تطوان باستمرار لكون زوجتي من هناك “.

وأضاف يعلى في تصريح لهسبريس: “بهذا يمكنني، ونظرا لضيق المجال، أن ألخص شخصية الفقيد في مجموعة من السمات الرائعة. فمن حيث شخصية الإنسان، تميز المرحوم بدماثة الخلق وفضيلة التواضع وكرم الوفاء وحسن التواصل مع الجميع، وما إلى ذلك “.

ومن حيث موهبته الإبداعية: “فهو كتب القصة القصيرة ببراعة أحرى الرواية، ومارس التشكيل وأقبل على الموسيقى الكلاسيكية استماعا وتعلما، وولع بالسينما أيّما ولع، وكذا بالمسرح. أما من حيث الأستاذية والبحث والتأطير، فقد تميّز بنفس الجدية المفرطة التي كانت تحكم علاقته بالإبداع. مما مكّنه أن يعدّ مجموعة من الباحثين اللامعين، هم حاليا أساتذة وباحثون ومبدعون ناضجون”، يقول يعلى، مضيفا أن كل ذلك انعكس تقديرا واحتراما واعتزازا به، من لدن الجميع، طلبة وأساتذة وقراء، فألف رحمة على روحه.

من جانبه، سافر الشاعر والأكاديمي أحمد هاشم الريسوني في ذاكرة البدايات بكلية الآداب بتطوان حيث قال: “عرفت سنة 1982 تحولا كبيرا في مسِير حياتي حيث ولجت الجامعة عبر كلية الآداب بتطوان. والواقع أن الشهرة كانت لفاس ثم الرباط، أما تطوان التي أحدثت كليتها للتو تلك السنة بالذات وكانت تابعة لجامعة فاس، فإن التهيب والتوجس كانا هما الإحساس المهيمن على نفسية الطلبة وقتئذ اعتقادا أن فاس هي المركز وهي حامل لواء العلم والمعرفة وأن الهامش لا يمكن استثماره للتكوين الجامعي المنشود!!؟”.

واستطرد الريسوني في تصريحه لهسبريس عن أستاذه الراحل أنقار: “غير أن البدايات أبانت عن اقتدار استثنائي في تحصيل المعرفة والتكوين لفائدة الطلبة الوافدين. وقد اجتمعت أسباب عديدة لإنجاح هذه التجربة الرائدة في الشمال، لعل رأس قائمة تلك الأسباب تتمثل في المؤطرين الذين أخذوا على عاتقهم بناء صرح جامعي جديد في منطقة جبالة. ونجد أستاذنا محمد أنقار من أبرز الوجوه التي ساهمت في هذا البناء في صمت وهدوء ونكران تام للذات، ليس مؤطرا جامعيا فحسب، بل صاحب مشروع نقدي تنظيري وتحديثي مُجدِّد، استطاع أن يخلخل من خلاله الكثير من التصورات التقليدية الآسنة والكسولة، فيما يرتبط بقراءة النص الأدبي”.

وأضاف الريسوني: “هكذا تعرفت على هذا الهرم الجامعي وأنا طالب بالكلية، ثم بعد برهات زمنية عابرة عدت إلى الكلية عضوا بهيئة تدريسها، وأصبحت زميلا لأستاذي المبجل رحمه الله، فأحسست أن الرجل لم يتغير قط في تواضعه، وحكمته الصامتة، وأن الشهرة الأدبية والتنظيرية التي طرقت بابه لم تنل منه، بل أصبح أكثر زهدا وانزواء وتواضعا”.

وأفصح أحمد هاشم بأنه “ليس الآن أحسسنا بفقدانه، بل منذ تقاعده، والحال أن الأسماء الكبيرة والمُؤسِّسة في البلدان المحترمة لا تحيل مثل هذه الدرر على التقاعد، بل تقبض عليهم بالنواجذ، وتمنحهم فضاء رحبا للتأطير والإشراف والتكوين والاستشارة والتوجيه، لأن الجامعة في أمسّ الحاجة إلى تجاربهم الفريدة؛ وتلك هي شرارة التقدم عند الأمم”.

واستحضر الناقد والروائي يحيى بن الوليد مناقب الفقيد أنقار وارتباطه بمدينته، قائلا: “فارق القاص والمبدع والروائي الحياة بمدينة تطوان التي آثر البقاء فيها متدرجا في أسلاك التدريس، بدلا من الرحيل إلى الرباط العاصمة”.

واعتقد بن الوليد جازما بأن الراحل كان محقا في هذا الاختيار الكاشف الذي ينم عن عمق أخلاقي نبيل، ظل ملازما للرجل إلى آخر أيامه، وذلك كله في المدار الذي جعل منه “علامة علمية” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، من أوّل لحظات التأسيس، بعد أن ظل مصرا على التدريس في جميع مستوياتها دون أن تسجل على الرجل أيّة “شائبة”.

وأشار بن الوليد إلى أنه تفاجأ بأستاذ أربعيني اسمه محمد أنقار مدرسا لـ “الشعرية الأرسطية” في مدرج يتسع لـ 600 طالب أو أكثر، وقال: “لقد لفتت انتباهي، من أول محاضرة له، طريقته الأكاديمية البيداغوجية. صرامة وتدقيق وتدرج وصبر ظاهر في التلقين والتبليغ”. وأكد بن الوليد أن الرجل بدا من أول درس “عالما”، ولا يمكن لأي كان من المتحمسين للمعرفة إلا تصدر الصفوف الأمامية والإنصات لما يقوله في اندهاش جارف وباهتمام زائد.

ها هو محمد أنقار، يضيف المتحدث نفسه، “قد بلغ القيمة النقدية والقيمة الروائية بالوسط النقدي والإبداعي بالمغرب من خارج مركز الرباط. أفخر بأن أكون واحدا من طلبته الكثيرين، ومن أصدقائه، حتى وإن لم أجالسه إلا مرتين”.

“رحم الله أستاذ الأجيال والإنسان الفذ والمبدع العميق السي محمد أنقار”، كما كتب تلميذه الوفي والخلوق الأستاذ الجامعي الصادق الحيرش ضمن سيل من الكتابات من قبل محبيه. رجل لا يختلف بصدده اثنان. رجل لا يتكرر، وقلما يجود بأمثاله زماننا المعرفي وشرطنا الإنساني.

وتحدث القاص والشاعر عبد الله المتقي عن رحيل الفقيد محمد أنقار بالقول: “ورقة أخرى تسقط من شجرة السبعينيين في المغرب الثقافي، فالفقيد قامة عملاقة وسمت المشهد الأدبي. كان كاتبا صامتا بعيدا عن الضجيج وتلميع اسمه، في الوقت الذي تعدّد فيه (المُدّعُون) وأصحاب الحظوة الزائدة”.

وأضاف المتقي أن أول لقاء له بالفقيد كان مع كتابه “قصص الأطفال بالمغرب” (1998)، الذي يمكن اعتباره أول أطروحة جامعية تهتم بأدب الطفل، ليكون اللقاء الثاني بعدها وكما العسل الحر مع مجموعته القصصية “زمن عبد الحليم”. “وكان سيجمعنا حوار بعد أن طلبت رقم هاتفه من صديقه الحميم ونصفه الثاني الأديب والصديق مصطفى، لكن حالته الصحية حينها لم تكن تسمح بهذا بعد أن رحب بصوته الموغل في إنسانيته”. وزاد المتقي: “نأمل أن يترسخ اسم الراحل على شارع ما بمدينة تطوان أو بمعلمة ثقافية، وأن تصدر وزارة الثقافة أعماله الكاملة”.

يذكر أن الراحل محمد أنقار من مواليد مدينة تطوان سنة 1946، اشتغل أستاذا جامعيا بكلية الآداب بتطوان منذ سنة 1982، وترك العديد من الدراسات الرائدة، بالإضافة إلى نصوص روائية وقصصية زاخرة بإيقاعاتها العميقة تشكل للقارئ زادا رحبا وغنيا: “بناء الصورة في الرواية الاستعمارية: صورة المغرب في الرواية الاسبانية” (1994)، “زمن عبد الحليم” (قصص 1994)، “بلاغة النص المسرحي” (1996)، “قصص الأطفال بالمغرب” (دراسة 1998)، “صورة عطيل” (دراسة 1999)، “مؤنس العليل” (قصص 2003)، رواية: “المصري” (2003)، “الأخرس” (قصص 2005)، رواية: “باريو مالقا” (2008)، رواية: “شيخ الرماية” (2012)، “ظمأ الروح” (دراسة 2007)، “الحصن الخشبي” رواية مترجمة عن الاسبانية… وغيرها من الأعمال الأدبية المتميزة.

على روح الفقيد العزيز واسع الرحمات.

‫تعليقات الزوار

12
  • أبو أديب
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 08:14

    رحم الله الفقيد انا ما استوقفني حقا هي صورة الطالب الجامعي في الايام الخوالي ولقد كان لي الشرف ان اكون قريبا من هذه الطينة المعتبرة من الطلبة بجامعة ظهر المهراز بفاس…. الاناقة ودماثة الخلق والحلم بمستقبل يخدم البلد…اه من حرقة الآه

  • مفيد أبو الغار
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 09:04

    رحم اللله الأديب المرموق محمد أنقار ، لا زلت أتذكره جيدا عندما عندما كان يدرسنا مادة الأدب خاصة على عهد الإغريق ( كالمأساة والملهاة وما إلى ذلك )بكلية الآداب بتطوان سنوات 1985-1989 ، كان مثقفا بارزا ، ومثالا للأخلاق للفاضلة ، كما أن مؤلفاته العديدة ستظل نبراسا ومرجعا لأهل الأدب من الطلبة والباحثين والأكاديميين ، تغمده الله برحمته الواسعة ، ورزق ذويه الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

  • MOHAMMAD
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 09:05

    قد كان رحمه متميزا في ثقاته ومعارفه ومنهج اشتغاله على أصناف معرفية تتوجه إلى آفاق الحداثة بما هي إشتغال على الراهن والمقبل المتبنين من القضاياالمعرفيه ،مما جعل مواقفه من القديم سبيلا لفهم ما يتأسس من حديث ،ومن ثم فعلاقته بالمعرفة الأدبية والبلاعة لم تكن إلا توسلا لفهم هذا المحدث وليس اختفاء بتليد قديم استنفذ غايته وحاجته وغدت مجرد تدثربما يخفي عجزاأوظبطا لأفق عديم الأفق ،ما دام مشغولا بهوس تناول ما لا يستحث فكر الطلاب والناشئة …رحم الله السي محمد أنقار ..

  • الدرب
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 10:20

    قامة ادبية كبيرة وتواضع في العلم والمعرفة. رحم الله الدكتور محمد انقار

  • حسن معنان
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 10:27

    ترحل شمس
    تضل ظلال في البحر وتختفي أشواق
    يا صاحبي إن السنديان في فراغ
    من العصافير ومن موج بح بالنداء
    من سيقص على الحواري سر تاريخها
    وقصص الحب
    وحب الاسوار الوقورة والمعابد التي في سكينة الوجد
    كيف تراني أمر على الديار
    ماسكا قلبا من الذكريات
    أأبكي
    أأسأل
    أأشكو
    أأدعو
    عليك الرحمة ياشمسا معلقة في القلوب.

  • تطاون العامرة
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 10:33

    سيبقى الناقد والكاتب محمد انقار قامة ادبية كبيرة وصرح علمي قل نظيره. الف رحمة ونور عليه

  • محمد
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 11:14

    مثل هؤلاء الرجال لايتكررون ، لقد ترك الراحل ذخائر لاتحصى وعلما نافعا. إنا لله وإنا إليه راجعون

  • عبد الله
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 11:22

    قامة أدبية رفيعة ترحل في صمت ….. شكرا هسبريس على هذه الالتفاتة ورحم الله الراحل الدكتور محمد أنقار

  • adnan
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 12:07

    كتابات اﻻديب انقار اسست ﻻتجاهات جديدة . لكن لﻻسف لم يلتفت اليه النقاد. شمله الله برحمته وعزاؤنا ﻻسرته

  • عبده
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 12:45

    رحم الله الاستاذ انقار وأسكنه فسيح جناته

  • باريو تطوان
    الثلاثاء 20 فبراير 2018 - 13:13

    انقار مفخرة تطوان المدينة التي انجبت رموز كبيرة في الثقافة والفنون…..

  • الاستاذ انقار
    الأربعاء 21 فبراير 2018 - 00:54

    رحم الله الراحل الدكتور الاستاذ محمد أنقار وأسكنه فسيح جناته

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة