مؤرخ يقارب من طنجة قضايا الهجرة إلى أمريكا

مؤرخ يقارب من طنجة قضايا الهجرة إلى أمريكا
الإثنين 23 أبريل 2018 - 10:27

كم مثلت رؤية تمثال الحرية بالعين المجردة الشعور بالخلاص، والنزول بالضفة التي تمنح الطمأنينة والحرية والعيش الرغد. وقد مثل تمثال الحرية هذا رمز الترحيب بالقادمين من بلدان مختلفة نحو الفردوس الأرضي: أمريكا.

كما عبس أحيانا في وجه مهاجرين آخرين قدموا إلى الولايات المتحدة..وعاد إلى العُبوس مع مجيء دونالد ترامب الذي ينوي بناء جدار عار على طول الحدود الجنوبية لأمريكا. وعالجت السينما الأمريكية الموضوع عبر عشرات الأفلام منها مثلا “المهاجرة” لجيمس گراي (2014)..

وقد مثلت الولايات المتحدة الأمريكية قبلة الهجرة من مختلف أنحاء المعمور. وها هو موضوع الهجرة يعود لطرح نفسه على الساحة الأمريكية وغيرها كقضية سياسية ساخنة. فما تاريخ الهجرة نحو الولايات المتحدة، وما واقعه، وكيف شكلت الهجرة هذا البلد وتاريخه؟..

ولتنوير الحضور، ورواد ندوات ومحاضرات “منتدى طنجة الدولي” التابع لجامعة “نيو إنجلند” بطنجة، استضافت الجامعة المذكورة، الباحث إدوارد بيرينسون ليحاضر في موضوع “أمريكا والهجرة”.

في البداية قدم المدير المؤسس لمنتدى طنجة الدولي والمدير العام لجامعة “نيو إنجلند” بطنجة، أنور مجيد، الأستاذ إدوارد بيرينسون وقال عنه إنه متخصص في التاريخ يُدرس بجامعة نيويورك، وهو أيضا مدير معهد الدراسات الفرنسية بجامعة نيويورك، وعضو في المتحف التذكاري الوطني (11) سبتمبر بنيويورك.

ويعد مؤرخا ثقافيا متخصصا في تاريخ فرنسا الحديثة وإمبراطوريتها بالإضافة إلى تاريخ بريطانيا والإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة.

وقد ألف وأشرف على تحرير سبعة كتب. وحصل على جائزة “Eugene Asher Distinguished Teaching Award” من الجمعية التاريخية لأمريكا عام (1999)، كما حصل في وقت سابق على “جائزة التدريس المتميزة” لجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس.

وفي عام (2006)، يضاف إلى ذلك أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قلده بوسام الاستحقاق من درجة فارس.

أكد المحاضر، منذ البداية، أن تاريخ أمريكا شكلته الهجرة، وأن أمريكا أمة مهاجرين. وأن الهجرة غيرت معالم البلد. استقبلت الولايات المتحدة المهاجرين من كل قارات العالم. ولولا الهجرة ما كان البلد على ما هو عليه الآن من قوة ونمو وازدهار ورفاهية.

ولولا المهاجرين ما أصبحت أمريكا البلد الذي نعرفه الآن: المصانع الكبيرة، والصناعات الضخمة، والشركات العملاقة، والمزارع الممتدة، والثقافة والفنون والمعرفة المزدهرة.. وقد ساعد على ذلك اتساع الرقعة الجغرافية وامتدادها، وقلة الساكنة الأصلية، الهنود الحمر. لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد الهنود الحمر..

وقد ماتت غالبية هؤلاء بالأمراض والأوبئة التي حملها المهاجرون الغربيون معهم.. ولم تكن للهنود الحمر مناعة ضد هذه الأمراض الطارئة، ولا حماية.. وتعرض الهنود الحمر لبعض الابادة أيضا..

وحين ننظر إلى تاريخ الهجرة، يقول إدوارد بيرينسون، نسجل ثلاث موجات من الهجرة منذ تأسست الولايات المتحدة الأمريكية: كانت الأولى من الأربعينيات إلى الستينيات من القرن الثامن عشر، وشملت مهاجرين من ألمانيا وايرلندا.. والموجة الثانية من نهاية القرن التاسع عشر إلى (1950) وشملت مهاجرين من جنوب وشرق أوربا، أما الثالثة فانطلقت من ستينيات القرن التاسع عشر حتى سنة (2008).

وكانت تشريعات حكومة بن جونسون قد فتحت أبواب الهجرة أمام الآسيويين الذين ظلوا مقصيين تحت ذريعة أن أمريكا ستفقد أصالتها بسبب الهجرة. كان هذا رأي اليمين الأمريكي، وقال اليسار أن الهجرة قد تعقد الأمور إذ تؤدي إلى انخفاض الأجور، وكذلك النقابة نفسها لم ترحب بهم بالرغم من أنها وجدت من أجل انخراط العمال في صفوفها والدفاع عنهم، وهكذا تحالف الاتجاهان ضد الهجرة.

وكانت مجموعة ثالثة قليلة العدد مع حركة الهجرة هذه. وتشكلت من مجموعة رجال الأعمال الذين يرون أن الأجور ستكون مقبولة.. فالربح يحكم تصرفهم وحساباتهم..

ثم طرح إدوارد بيرينسون السؤال الذي كان يطرح يومها: ما معنى أن تكون أمريكيا؟ وذلك وفق اللحظة التاريخية، وحمل الجواب بعض هذه العناصر: إن الهجرة (من كل الأجناس) تعرض الهوية إلى خطر فكري وحضاري وعرقي؟ وهكذا فتحت، في الواقع، في وجه البيض من الانجليز والايرلنديين فقط، ولو أنها مشرعة أمام جميع الناس قانونيا.

ولوحظ أنها فتحت في وجه البيض البروتستانتيين خاصة.. بالرغم من تعدد الآراء والمواقف من الهجرة. فهناك من قال نفتح باب الهجرة في وجه أعداد قليلة حتى لا يؤثر المهاجرون في نمط عيش الأمريكيين؛ فقد كان الأمريكيون يرون الأوربيين بدائيين. ورأى هنري فورد، مؤسس شركة فورد لصناعة السيارات، أنه يجب أن نستقبل أعدادا صغيرة، وستندمج في الأغلبية.

وقدم المحاضر صورا تعود إلى تلك الفترة تبين دخول المهاجرين من باب ينتابهم القلق، وخروجهم من باب آخر والفرح يعلو ملامحهم. فقد سمح لهم بالاقامة بأمريكا، وصورا أخرى لمهاجرين يرتدون لباسهم الأصلي الذي يمكن من التعرف على بلدانهم وهم بمواقع العمل دلالة على انفتاح المجتمع الأمريكي في وجه الجميع..

في سنة (1790) كانت الهجرة مسموحا بها لكل شخص أبيض البشرة يريد الاقامة بالبلد، ويجب أن يمتثل لقوانينه. وكان الأبيض يستثني المواطن الصيني والياباني. فهل يقتصر على المنتمي إلى البحر الأبيض المتوسط سواء كان أبيض البشرة أم لا؟ وقد تم اقصاء الصينيين من دائرة البيض ومن ثم الهجرة سنة (1882) وباعتبارهم ليسوا مواطنين ينتمون إلى البيضِ.

ولم يسمح لهم بالهجرة وقبولهم إلا مع منتصف القرن العشرين. ثم تم الترحيب بهجرة اليهود نحو العالم الجديد باعتبارهم بيضا. وقد شعر اليهود، يقول المحاضر، بالطمأنينة بعد إقامتهم هناك. وكذلك منح المواطنة الأفرو أمريكيين بعد انعتاقهم من الرق، لكن الكراهية ظلت تمسك بتلابيب وجودهم، وتراجعت نسبيا مع مرور الزمن.

وكانت أغلبية المهاجرين الأوربيين قد جاءت طواعية من الجزر البريطانية واسكندنافيا.. وشعر المهاجرون بالأمان فقد كانوا من البروتستانتيين.. وسجل أن يهود الشتات قد عانوا نسبيا من انعدام الأمن، في البداية، ثم تحسن وضعهم، وظل عدد المهاجرين منهم يتضاعف من (1000) مهاجر إلى (25.000) مهاجر.

وقد شهدت سنة (1880) أكبر موجة من الهجرة من أوربا وشرق أوربا، ولما كان الدستور الأمريكي منبثقا من الشعب، من الأمة فلم يمنع أحدا من ممارسة الشعائر الدينية، وبذلك حال الدستور دون هيمنة أي ديانة أو معتقد.

وقد بدأت الهجرة الإيرلندية نحو أمريكا حين هرب الايرلنديون من المجاعة (مجاعة البطاطس وهي الوجبة الأساس بالبلد) التي اجتاحت البلد يوم داهم الجفاف البلد وأتلف الزراعة، وحلت المجاعة فرحلت موجات الايرلنديين بالملايين نحو أمريكا. بينما رفض الصينيون بسبب اللون وصدر قانون في حقهم بالمنع سنة (1812)، وطرد الذين كانوا قد أقاموا بالبلد من قبل حيث اتهموا بأنهم سبب البطالة، وأنهم سبب انخفاض الأجور، بل اتهموا بأن معظمهم جاء للبحث عن الذهب..

وكلها مبررات لالقاء أسباب الأزمة الاقتصادية على عاتق أكباش فداء. وطرد الصينيون من البلد، وتمت محاصرة القادمين ببحيرة جزيرة تدعى (Angel Island).. كما تم وضع حد للهجرة اليابانية لأن اليابانيين ينتمون إلى آسيا، ولأنهم لا يريدون الانصهار في بلد الاستقبال!!.. كما تم سجن عشرات الآلاف منهم، فيما بعد، بالرغم من أنهم مواطنون أمريكيون ويتمتعون بالجنسية وذلك خلال الحرب العالمية بسبب الشك في اخلاصهم لأمريكا التي كانت في حرب مع بلدهم الأصل!!

وقد أغنى المحاضر عرضه بالصور والكاريكاتير التي تعود إلى المرحلة وعلق عليها، كما قدم بيانات تشير إلى تاريخ الهجرة ونسبها.. زيادة أو نقصانا..

ثم أشار المؤرخ إلى هجرات من بلدان “جديدة” منها دول أوربا الشرقية بعد فشل “الثورة” في هنغاريا (30 ألف هنغاري)، وحين قامت الثورة في كوبا وهرب من لم يرحب بها..

وعن سؤال أحد المتدخلين عن أسباب فشل القضاء على العنصرية حتى سنة (2018)، أجاب إدوارد بيرينسون أن من الصعوبة بمكان الإجابة عن السؤال، ذلك أن خطيئة العنصرية الكبرى أنها أنشأت الرق والعبودية.. ولما ألغيت بالقانون ظلت سارية المفعول في الواقع..

ويستفاد من التحليل أن العنصرية مرتبطة بالتقاليد فهي انغرست في دماء وسلوك معظم البيض وجعلت أن لا أثر للأمريكيين المنحدرين من أصول إفريقية في احتلال المناصب اسامية، وأنهم يعانون من الهدر المدرسي..

وهكذا تقصي العنصرية السود ثم يُعاب عليهم أنهم كُسالى وخاملون.. ورغم ذلك فقد غيرت التشريعات السلوكات ونظرة الناس.. لقد قامت أمريكا بانجازات كبيرة وتحقق كثير منها، لكن “جيوب المقاومة لا تزال تمرح في الساحة”.

وقد تساءلت طالبة هولندية (حضر اللقاء أكثر من أربعين طالبا وطالبة من هولندا لأنهم كانوا في رحلة علمية إلى المغرب) عن زعم السياسيين اليمينيين الهولنديين القائل إن المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط يهددون حضارتنا وثقافتنا مستقبلا، فرد المحاضر أن الزعم ليس صحيحا، هو زعم، ولما كان أكاديميا فهو لا يصدر أحكام القيمة بل يحلل الأحداث والوقائع..

وقد يكون ساهم في تشكيل هذا الزعم غياب بعض الحرية، والتنوع في ثقاقة هؤلاء المهاجرين، وقد تكون بعض الأحداث الارهابية عززت الشعور بالرعب.. لكن الواقع يقول أن لا علاقة للاسلام بالارهاب، لكن اليمين والعنصريين يضخمون كل حدث للترهيب وحصد الأصوات..

وتساءل طالب هولندي آخر لم يجب على المهاجر أن يتكيف مع أسلوب الحياة الأمريكية، وينسى ثقافته الأصلية، ولم لا يحافظ عليها؟ فكان الرد أنه في أمريكا يمكن للأمريكي (المنحدر من الهجرة) أن يكون أمريكيا ويحافظ على أصوله ولا يتنازل عن ثقافته، بينما في فرنسا لا يمكن أن تكون فرنسيا من دون أن تتنازل عن أصولك، وتصبح فرنسيا بالكامل.لا يمكن أن تحتفظ بهويتك السورية مثلا، أي أن تكون سوريا وفرنسيا.. وهو ما تطلق عليه فرنسا الاندماج في المجتمع الفرنسي أو الانتماء إلى قيم الجمهورية..

وسئل المؤخ عن رأيه في رغبة ترامب طرد المهاجرين “غير الشرعيين” (وعددهم 12 مليون) فعبر عن رفضه لهذا الحل، فقد ولد كثير من هؤلاء المهاجرين بأمريكا، وبنوا حياتهم بتلك الصفة..

ويكمن الحل في أنه يجب أن يوضع ما يشبه الشرط مثلا أن كل من أقام بالبلد خمس أو عشر سنوات، ويثبت ذلك يمنح الحق في الحصول على الجنسية الأمريكية.. والاقامة الشرعية.. ولا يوجد حل شرعي للأمر غير تجنيس هؤلاء المواطنين فهم قد اشتغلوا وساهموا في اقتصاد البلد..

وعلى العموم، فقد سادت في أمريكا رؤيتان متناقضتان على امتداد التاريخ: حين تعرف أمريكا النمو والازدهار تفتح أبوابها مشرعة أمام الهجرة، وحين تعرف أزمة تغلق أبوابها.. ولكن الخطاب الشعبوي يلهب العواطف.. بينما يلعب المهاجرون دورا كبيرا في تنمية الاقتصاد: من حيث العمل، فهم عمال، ودفع الضرائب، والاسهام في أجور المتقاعدين.. ولذلك يرغب رجال الاقتصاد والسياسة في الهجرة لهذه الأدوار..

وفي معرض أجوبته أشار المؤرخ إدوارد بيرينسون إلى أن نظام الحصص لم يعد معمولا به، ومنذ (1965) لم تعد هناك تراتبية في قبول جنسيات بعينها من دون أخرى. ولكن مجيء دونالد ترامب غير كل شيء وأعاد “نظام” بعض المهاجرين (بعض الجنسيات) مرغوب فيهم بينما البعض الآخر يعتبر غير مرغوب فيهم.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال