البشرية في "ألفا" قبل 20 ألف عام .. كيف تدجن ذئبا ليصير كلبا

البشرية في "ألفا" قبل 20 ألف عام .. كيف تدجن ذئبا ليصير كلبا
الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 01:45

يعرض ملصق “ألفا” (2018) لألبير هوغس (1972) نصْفي وجهين لإنسان وذئب بمسافة واحدة من المتلقّي؛ يرمقان الناظر بعينٍ واحدة، والباقي يبتلعه الظلام. تفيض الصورة بالإيحاءات، لأن مخيلة المُشاهد وذاكرته مشبعتان بحكايات شعبية عن ألغاز الذئب، بل إنّ مشاهداته اليومية تجعله يدرك أنه يعيش ويتاجر و”يرقص مع الذئاب” (عنوان فيلم أخرجه كيفن كوستنر عام 1990 ومثّل فيه دور البطولة).

فيلمٌ “ألفا” يتناص مع أفلام سابقة عن سلالة الذئاب المَجيدة في السينما، وآخرها التاجر ـ الذئب في “ذئب وول ستريت” (2013) لمارتن سكورسيزي.

ما معنى أن تُعرض أفلام ـ يتواجه فيها ذئبٌ مع إنسانٍ وحيدٍ وسط الطبيعة البكر ـ في صالات سينمائية في مدينة كبيرة مكتظة بالناس؟ ما هي هواجس الإنسان قبل 20 ألف عام؟ ما الذي يثير مشاعر المُشاهدين في اللقطات؟ تثيرها تراجيديا بداية الحضارة: الخوف من الموت. مخلبٌ صار تميمة تحمي من مخاطر الطبيعة، وكاهنة تُحدِّد لحظة الانطلاق الجماعي للصيد قبل فصل الثلوج، وتعويذة ونصب وطقوس من الأشكال الأولى للتديّن. للخوف من الموتى أثرٌ كبيرٌ في نشأة الدين البدائي، بحسب جيمس جورج فرايزر في “الغصن الذهبي ـ دراسة في السحر والدين” (ترجمة نايف الخوص، “دار الفرقد”، الطبعة الأولى، 2014، ص. 13). هذا ما يؤكّده “كتاب الموتى الفرعوني” أيضًا.

يعرض “ألفا” صعوبة الحياة في الجليد في أوروبا قبل 20 ألف عام. بغضّ النظر عن تسلسل القصة، فإنّ كلّ لقطة تختزل عمرًا من قصّة الحضارة. لقطة يعيشها بطل الفيلم كمحطة في حياته. تفرض اللقطة على المُشاهد الترقّب، خاصة حين يكون مصير البطل مهدَّدًا. المصير هنا بمعنى الحياة نفسها. قدّم هوغس العلاقات بين الشخصيات بصريًا من خلال اللمس والنظرات، حيث تنكشف الأحاسيس المتبادلة.

هذا عن البشر، أما عن الطبيعة فالتعرّف عليها يتمّ في مشهدٍ يُصوِّر سهلاً تحيط به جبال تكسر أشعة شمس أثناء شروقها.. صُوَرٌ تربط بين الفجر كزمن فيزيائي ينجلي فيه الظلام، وفجر بشرية تحبو.

المكان اللانهائي يعْبره إنسانٌ محدود القدرات، تقديمه (المكان) يحصل بكاميرا محلِّقة تعرض مشهدًا بانوراميًا. إدارة الكاميرا ماهرة. كلّ كادر يقدِّم معلومة. الاقتصاد في الكادرات أثناء المونتاج كاقتصاد الجُمل في كتابة كثيفة. الأولوية ليست للتقطيع والكادرات بل للمعنى، ولزيادة وقع الأحاسيس على المُشاهد. تقدّم الكاميرا المشهدَ العام بسرعة، وتقترب كثيرًا من التفاصيل، فيصير الرذاذ بحجم صخرة (لقطة “كلوز آب” قصوى). كلّ ما هو صغيرٌ جميل.

هناك توازن بين المَشاهد الليلية والنهارية.. الليلية مُضاءة بالنار، أي من وسط الكادر. عمل ألبير هوغس كثيرًا على الصُوَر التي تجري فيها حركة مستمرة، صُوَر تبدو لوحاتٍ تشكيلية، فيها درجات من اللون نفسه..صورة تخاطب الروح بألوانها.. لقطات شاعرية للرذاذ والسُحب تتداخل في ما بينها فتتبدّل ألوانها. هذا إطار بصري منسجم يمتد طيلة مدّة “ألفا” (97 دقيقة). عن هذا النوع من الأفلام يقول ألفرد هيتشكوك: “في فيلمٍ جيد، يمكن قطع الصوت، ورغم ذلك لن يجد المُشاهدون أي مشكلة في متابعة ما يجري على الشاشة”.

يهرب البطل من الذئب..الأخدود أمامه والحيوان المفترس يطارده.. يسقط.. ينهض.. يتدحرج. عرض ألبير هوغس هذا الاختبار بشكل موجز، ثم طرح حلاًّ جدّ مُفصّل: الإنقاذ مذهلٌ، لأن طوق النجاة هدية من الطبيعة. في الختام، لقطة رهيبة تُثير القشعريرة (يُفضَّل عدم كشف النهاية لإدهاش المُشاهدين).

الإنسان والذئب مُفترسان متشابهان، لذا يتبادلان الكراهية. يلتهم الذئب الدود الذي يتساقط من جرح الإنسان، لأنه جزء من لحمه في نهاية المطاف. وحين يُدجِّن الإنسانُ الكلب، تظهر طائفتان: يصطاد الذئب لنفسه، ويصطاد الكلب لسيّده.

“ألفا” (الحرف الأول في الإغريقية) فيلمٌ عن فجر البشرية، وعن بداية التخلّص من الخوف والجوع للسيطرة على الطبيعة بدل عبادتها، وعن تحقيق الانتقال من الحياة الفردية إلى الجماعية، وعن سنّ قانون القبلية الذي يضمّ بنودًا كثيرة في قانون الغاب، وعن تدجين الفرد للاندماج في الجماعة، وعن تقدير المرأة الأم والكاهنة. في هذا السياق، يتمّ تدريب ابن زعيم القبيلة ليصير زعيمًا بدوره.. ابن مُدلّل، ونقطة ضعفه أنه يكره الدم. يُخضَع الابن لاختبار القبيلة قبل أن تطيعه، فيتمرّن على تدجين العدو، يُجوِّعه ليطيعه، ثم يقرّر متى يعطيه اللحم. بفضل الصبر والحنان والتجويع يُدجّن الذئب. الزمن يغير العلاقات. يفهم المُشاهد أن الزعيم القادر على ترويض الذئب قادرٌ على ترويض أفراد القبيلة. هكذا تلقّى ابن الزعيم تدريبًا ملائمًا.

هذا سردٌ بمستويات متعدّدة. تتوالى اللقطات، ويتشكّل المعنى في ذهن المُشاهد بفضل القوّة الإيحائية للصُوَر. الصُوَر كثيفة، تتجاوز تلك التي يلتقطها المُشاهد لنفسه بهاتفه الخلوي يوميًا. يبدو في لحظات كثيرة أن تأثير اللقطات لا يرجع إلى قوّتها فقط، بل إلى تجذّر قصص البداية في اللاوعي الجمعي للمُشاهدين: قصص الصيد الجماعي اللذيذ، ومتعة إشعال النار. هذا إنجازٌ رهيبٌ في بداية الحضارة. بفضل النار والذئب المُدجّن، تفرّغ الإنسان لمهامٍ أرقى.. النار تحمي وتطبخ، ولها الفضل في تغيير شكل فكّ الإنسان الذي كان يمضغ اللحم نيئًا فصار فكّه ضخمًا ومرعبًا وقبيحًا.

ما معنى أن تُعرض أفلام عن الإنسان الوحيد وسط الطبيعة البكر في صالات سينمائية في مدينة كبيرة مكتظّة بالسكّان؟ معناه أنه من البداية إلى اليوم لازال توفير المسكن والمأكل هاجسًا إنسانيًا يوميًا، وإنْ يتوهّم المتبرجزون أنّ هذا صار سهلاً. معناه أن مشاعر الخوف والجوع والأبوّة لم تتغير منذ 20 ألف عام.. معناه أن حنين الإنسان يكون لأصله.

‫تعليقات الزوار

11
  • مشاهد محترف
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 02:05

    شاهدت الفيلم وصراحة فيلم ضعيف من حيث الاخراج والسيناريو ولايخرج عن دائرة الافلام المغامرات ذات التصور الامريكي بحبكة معتادة ونهاية متوقعة لاتثير تحفيز ذكاء المشاهد.القصة لم تحترم منطق الاشياء وسوقت مثل افلام السبعينات صدفا غريبة تنقذ البطل .البداية مشوقة غير ان الملل سرعان مايتسرب الى المتلقي ويكتشف انه كان ضحية تسويق اعلاني مبالغ فيه للشريط.

  • خدوج
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 02:39

    فيلم رائع يمكن مشاهدته مع أفراد الأسرة والأطفال، خال من أي مشهد خادش للحياء ، يقرب حياة الإنسان البدائي وكيف كان أسلوب حياته ، قصة في قمة الروعة تجمع بين التاريخ القديم والفن السابع …كم أحزن حين أرى هذه الأعمال وما تقدمه الدوزيم والعرب عموما ، والله نحن شعوب تافهة لا نحترم فنا ولا عقلا ولا ثقافة ، نحن صفر بل تحت الصفر ، بيننا وبين الغرب سنوات ضوئية يستحيل أن نصير مثلهم ، ياليتهم يلتفتون لتاريخنا ويجعلوه مادة لأعمالهم الدرامية والسينمائية ، ها اللي خاص اشوفوه المغاربة كيف يرتقوا ماشي رشيد شو التافه ولا سوحليفة ، يا مغاربة الدوزيم لا تحترم عقولكم وتخاطبكم كما لو كنتم معاقين ذهنيا ، معندناش لا فن لاسينما لا دراما ، لمخير ف الفنانين ديالنا لا يستحق حتى أن يكون في مزبلة الفن الغربي

  • Maghribi
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 03:31

    فيلم تافه وضعيف من حيت القصة والاخراج. اللغة المستعملة غير مترجمة. وعلى فكرة هي ذئبة وليس ذءبا!

  • raincity
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 06:34

    شاهدت الفيلم مع إبني دو الأربع سنوات و قبل بداية الفلم كان إبني لا يتوقف عن النط والجري لكن ما إن بدأت العرض حتى اقترب مني وجلس دون حركة طيلة مدة الفلم عشنا لحظات جميلة فلم محبوك وطريقة التصوير أقل ما يقال عنها مثالية وكنت أقول لزوجتي متى سنصل إلى مثل هادا المستوى السينمائي انصح الجميع بالمشاهدة

  • مهاجر
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 06:56

    فيلم خالى من الاحدات المشوقة ياتي بالنعاس. السيناريو منعدم. لا حركه ولا سكون لا انصح بالمشاهدة ِ( راي خاص)

  • rachid
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 09:37

    فيلم جميل شاهدته رائع من حيث المضمون والاخراج

  • Galaxie
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 12:05

    البشرية ممتدة من ٥٠٠٠٠٠ سنة و الاهرامات مند ٢٥٠٠٠٠ سنة عاشت حضارات مزدهرة تكنولوجيا و علميا و انقرضت بالحروب. هناك اثار في مختلف بقاع الارض تدل على بعض من تلك الحضارات. فالانسان خلق ليتطور و ليس كما قال داروين.

  • خدوج
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 12:21

    هادو اللي تيقولو فيلم ضعيف ، واش فيكم ذرة حياء ؟ أشمن حق عندكم تحكمو على فيلم وحالنا يبكي الغريب في السينما ، أين درستم أصول النقد السينمائي ؟ في جامعاتكم الخربة ؟ ولا ف القهاوي ؟ المغاربة الفهماطوريين ، وا غير نديرو فيلم أقل من المتوسط ، الفيلم حصل على 6/10 من المشاهدين والنقاد ، ممكن نمشيو نديرو كوبي كولي للتعليقات ديالهم ونبداو لفهامة هنا ، شنو أحسن فيلم مغربي ولا عربي نشاركو بيه فديك المواقع وتشوف ، أجزم أن النقطة لن تتعدى 2/10 ولا تعليق واحد

  • خالد بن الراحع
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 13:16

    اضعف و اسوء و الاكثر ملل. فيلم بدون لغة على الإطلاق، فكرني بأفلام فرقة البدوي

  • الرحيق المختوم
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 15:04

    ليس الخوف من الموت هو السبب في نشأة الأشكال الأولى من التدين، بل الدين ظهر مع خلق آدم عليه السلام وبعثة الأنبياء والرسل من بعده. الدين هو تنظيم رباني للمجتمعات البشرية من أجل الفوز في الآخرة.

  • خالد
    الثلاثاء 20 نونبر 2018 - 23:38

    سؤالي: هل خلق الله عز وجل آدم عليه السلام ( أول البشر ) على صفة الإنسان البدائي ؟
    إن الله خلق آدم و كرمه و علمه كل شيء و لم يكن على تلك الصفة الوحشية التي تصور لنا .
    أسطورة الإنسان البدائي فيها الكثير النظريات المجانبة للصواب .

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 1

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب