كتاب جديد يقترح استراتيجية تفكيك العدل بالتراث العربي الإسلامي

كتاب جديد يقترح استراتيجية تفكيك العدل بالتراث العربي الإسلامي
الأربعاء 6 نونبر 2019 - 02:50

يستمرّ نبيل فازيو في البحث في الفكر السياسي الإسلامي، هذه المرة من خلال عمل جديد صدر عن “مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، بعنوان “العدالة والعدل..مساهمة في تفكيك برادايم المُلك في الفكر السياسي الإسلامي الكلاسيكي”.

يذكر نبيل فازيو، أستاذ الفلسفة في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أنّه عندما يتعلّق الأمر بالفكر السياسي العربي، فإنّ التّأليف في موضوع العدل سرعان ما يتّخذ طابعا إشكاليا بحكم التضخّم المتزايد في الدراسات التي تناولَت التصوّر الغربيِّ للعدل، في مقابل نُدرَة الأعمال التي اتّخذت من التصوّر التراثي موضوعا لها.

ويضيف أنَّ هذا المعطى يُمَثِّلُ علامة من علامات المُفَارقَة التي تجثُم بظلِّها على تناوُلِ الفكر العربي المعاصر لمسألة العدل؛ فبقدر ما تكشف عن قلقٍ في مرجعية النّظر في هذا المفهوم، وتمزّقها بين قطبَي الفكر الغربي المعاصر والتراث العربي الإسلامي، فإنّها تُبَيِّنُ افتقار هذا الفكر إلى أرضية نظريّة صلبة، تنبُعُ من معاناته المزمنة مع راهنه.

وسواء استند الفكر العربي إلى مرجعية تراثية للتّفكير في العدالة أم إلى مرجعية غربية، حَسَبَ فازيو، فإن ذلك يكشف عن التوتُّر الذي ما انفكّ يسِم تناول هذا الفكر لأسئلة اجتماعه السياسي، وعجزه عن الحَسم في كثير من الإشكالات المتعلِّقة بها، التي يبقى العدل من أبرزها.

ويذكر الباحث أنّه لا يدّعي في كتابه هذا “تقديمَ تصوُّرٍ من شأنه أن يُخرِجَ الفكرَ السياسي العربي من هذا المأزق”، بقدر ما أن غايته “اقتراح استراتيجية لتفكيك مسألة العدل كما يمكن أن يطرحها علينا تراثنا العربي الإسلامي”، وهي استراتيجية من أسسها مساءَلة فكرة العدل من داخل دوائر “بارادايم المُلك” في الإسلام الكلاسيكي، التي يقصِدُ بها “الإطار النّظريّ والتّفسيريّ العام الذي حكم رؤية الفكر السياسي والأخلاقي الكلاسيكي في الإسلام، إلى السياسة ومجالها عامّة، وإلى العدل على وجه التّحديد”.

ويبحث الأكاديمي المغربي في كتابه هذا عن “معالِم هذا البارادايم الذي ألقى بظلالِه على مختلف مستويات التفكير في إشكالية العَدْل، سواء ما تعلّق منها بمستوى توظيفه شعارا لمواجهة السّلطة، أو مستوى دراسة صورة الحاكم (المَلك) والقيم النّاظِمة لنفسه العادلة، أو بمستوى تأسيس المُلك وسياسته وإصلاحه، أو بالعقاب، وآليات الرقابة، والإخضاع…”.

كما يزيد مبيّنا أنّ التّفكير في السياسة ظلَّ خاضعا على نحو خفِيٍّ في هذه المستوياتِ كلِّها لمقتضيات نموذجٍ ذهني حكم رؤية العقل الإسلامي الكلاسيكي للسياسة، الذي هو عينُه النموذج الذي أفرزه واقع المُلكِ وتجربته في التاريخ السياسي والاجتماعي الإسلامي، وهو ما فرض الرّبط في هذا الكتاب بين مفهومَي العدالة والمُلك؛ لأن استشكال العدل في ظلّ هذا الخضوع للنموذج الذهني الذي حكم رؤية العقل الإسلامي الكلاسيكي للسياسة، محاولة للتّفكير في هذا النّموذج من خلال التّموقُع داخل بعض مرتكزاته المتعلِّقَة بالتّدبير والسياسة المقترنة بهذا السؤال، على أمل “أن يكون مدخلا لتفكيك بارادايم المُلك، والإسهام في تعبيد الطّريق أمام الفكر السياسي العربي للإفلات من قبضته”.

ويرى الباحث أنّ الإنصات لنصوص الفقهاء، ومحاولة الوعي بعلاقتها القلقة والمتوتِّرة بواقع المُلك، أهمّ سمات القراءة التي يقدّمها في بحثه عن مفهوم العدل عندهم، منطلقا في ذلك من اقتناع بأنّ “كتابات فقهاء السياسة كانت خير مرآة انعكَسَت فيها الثقافة السياسية الإسلامية في العصر الكلاسيكي؛ إذ عكَسَت محدِّدات رؤيَتِها إلى السياسة ومجالِها، وانعكَسَت فيها طموحات تلك الثّقافة، وتمزّقاتها الدّاخلية، ومعاناتها تجاه الزّمن والواقع”.

كما يؤكّد فازيو، في كتابه الجديد، أنّ “التراث حاضر معنا، وينهل كثيرون مفاهيمهم وتصوّراتهم منهُ لتبرير الوضع السياسي وتسويغِه، ويأخذ منه من لم يتجرعوا بعد حقيقة الحاجة إلى الحداثة السياسية، ويعتمد على تأويله أصحاب أطروحة الدولة الإسلامية المستحيلة”؛ مما يجعل من مهمّة التفكير في التراث السياسي ونقده مسألة عاجلة اليوم، لا سيما بعد انبعاث قاموس الإسلام السياسي وتغَوُّلِه أكثر على مستوى الثقافة السياسية السائدة بعد أحداث ما عُرِف بـ”الرّبيع العربي”.

ويضيف الباحث قائلا: “في مثل هذا الوضع يغدو التراث الإسلامي أُفُقا تحدّد على ضوئه مهمّة التّفكير في السياسة في العالَم العربي، طالما أنّ مفاهيمه ما تزال تشكِّل مقولات أساسية بالنسبة للفكر السياسي العربي المعاصِر”، وهو ما يسهل، وفق فازيو، “ملاحظة حضورِه في اللّغة السياسية اليوم في شكل تداول لقاموس سياسيٍّ يؤدّي دور الوساطة بين الذّهنِ والواقع”.

هذا القاموس المتداول، حَسَبَ صاحب “دولة الفقهاء”، يفرض على الوعي التحرُّكَ في أفقه المُتَحَدِّر من التّراث وهواجِسِه، كما “يسهل على المرء أن ينتبِه إلى مفعول هذا التراث في التّشويش على إدراكنا لمفاهيم الحداثة السياسية؛ كالأمّة، والشّعب، والحقّ، والعدل، والقانون، والحرّيّة، والكرامة…”.

ويوضّح الباحث أنّ “الخلط الحاصل بين دلالات هذه المفاهيم في سياقات نشأتها الغربية وبين دلالاتها في التّجربة السياسية الإسلامية الكلاسيكية”، علامة فارقة على هذا التّشويش، ثم يتساءل: “أيُّ معنى يتبقّى، والحال هاته، لعملٍ يكتفي بتقديم أفكار الحداثة السياسية للقارئ العربي دون أن ينتبه إلى أنَّ الوعي الجمعي مُحدَّدٌ مُسبَقا برؤى تضرب بجذورها في التراث والماضي، وتفرض نفسها في صوغ معنى الرّاهن وإدراكه؟”، قبل أن يستدرك موضّحا أنّ هذا السؤال لا ينفي أهمية مثل هذا العمل، بقدر ما ينبّه إلى خطورة الاكتفاء به وحده، والإعراض عن نقد التراث ومفاهيمه السياسية، وتعرية مفعوله في تلقّي أفكار الحداثة الغربية وتأويل مفاهيمها، ورصد كيفيات حضورِها في تضاعيف الراهن، ودورها في تحديد الوعي به، ونسج علاقة واعية به.

ويؤكّد نبيل فازيو، في مقدّمة كتابه، أنّ “التراث الإسلامي ليس ملكا لأحد”، ثم يسترسل موضّحا بالقول: “هو ليس ملكا للقراءة الأصولية التي عملت على تسويره واحتكار تأويله منذ عقود طويلة، ولا ملكا لغيرها من القراءات التي قدّمَها المستشرقون والدّارسون الغربيّون، أو غيرهم من أصحاب المشاريع الفكرية المؤثّثة لمشهد الفكر العربي المعاصر”.

ويزيد قائلا: “لا يعني تحريرُ التراث انتزاعَه من أيدي الأصولية الإسلامية، والزّجّ به في قبضة أصولية، أو أصوليات، من نوع جديد، طالما أنّ تملُّكَه لا يعني امتلاكه وحيازَتَه؛ إذ لا فرق بين أصوليٍّ يدّعي السّدانَة على التراث والماضي، وحداثِيٍّ يدَّعي احتكار الحقّ في تأويل التّراث، وتسفيه رؤى غيرِه وشيطنتها”.

كما يشدّدَ نبيل فازيو، في كتابه “العدالة والعدل”، على ضرورة “شقِّ دروب مختلفة في البحث عن معنى التراث السياسي الإسلامي، ومساءلَته على ضوء الأسئلة التي ما انفكَّ الرّاهن يطرحها علينا”.

‫تعليقات الزوار

7
  • سليم
    الأربعاء 6 نونبر 2019 - 10:56

    يذكرني هدا المقال بالمعضلة .. déduction vs induction …و كيف يتجه فكرنا …هل من الوحدة الى الكل او العكس… أو من أنفسنا إلى الموضوعية أو العكس objectivité vs subjectivité او supposition vs realite الافتراض او الواقع …الخ و هده polarité القطبية مهمة جدا…فالمرأة مثلا عامة تنطلق من نفسها وشعورها لتعمم …و خاصة ادا كانت جاهلة…مثلا في بريطانيا قالت الملكة الأسبوع الماضي و في البرلمان و امام مجلس اللوردات في خطابها عن لبريكسيت…حكومتي …وبرلماني…و كلنا نعلم أن الحكومة والبرلمان منتخبان من طرف الشعب… وللعلم أن الملكة تملك كدلك الحوت الدي هو في البحر و جميع أنواع البجع في بريطانيا بفضل مراسيم إنسانية … ..لدا يجب فتح آفاق المعرفة و الرياضة والحب و التسلية و البيئة والصحة والعمل الجدي الخ حتى لانبقى ندور في آفاق منغلقة و تجهيلية وميكيافيلية و اخوانجية…! لأن علينا ان نكون فعليا كلنا ملوك…لا أتكلم عن رءيس الدولة…مسؤولين عن أنفسنا و تفكيرنا وقراراتنا وشعورنا اتجاه الاخر. المسلم هو الدي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه.

  • ELCID
    الأربعاء 6 نونبر 2019 - 12:49

    ما تحاول التنظير له يدخل في باب اعادة وتكرار النموذج بلباس جديد. الفكر الإسلامي الموروث منذ سقوط النموذج العقلاني أيام المأمون "الفكر المعتزلي" هو في اغلبه فكر تحجيري نخبوي، فكر بلاط السلاطين. وهو في تطوره ولد الجهل المطلق وأوصلنا إلى هذا الإسلام العربي الحالي الذي لا يطيقه عقل حديث. الدخول إلى العالم الحديث لكم بالصين مثل. هذا البلد الذ إلى عهد قريب كان يعيش الماسي تحت نموذجه القديم الذي أوصله إلى الاستعباد لكنه تمرد ونفض هذا التراث القديم ورمى به إلى مزبلة التاريخ ونحن اليوم نرى صعود الصين إلى المراتب العليا من التطور. غير هذا هرطقة

  • جليل نور
    الأربعاء 6 نونبر 2019 - 13:05

    أتفق مع تعليقك – سليم – و ما جاء فيه أن "المسلم من يحب لأخيه ما يحب لنفسه" مع إضافة (بسيطة!)..و لغير أخيه المسلم..إضافة قد تعتبر متطفلة على السنة النبوية، كما وصلتنا في ثرات السلف، لكنها في صميم الروح الإنسانية لدين يفترض أنه "بعث للناس كافة"..و الله أعلم

  • الحسن العبد بن محمد الحياني
    الأربعاء 6 نونبر 2019 - 19:14

    في العدل قسط وحق وإنصاف؛والعدل أساس الملك؛والملك ملك الله يؤتي الملك من يشاء؛ثم إن العدل صفةٌ إلهية، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)،آية 40،س النساء؛فسيدنا إبراهيم هو سمانا المسلمين؛رجل وحده أمة؛،أبوه كفر والله بعدله لم يسمح لرسوله بأن يستغفر له؛وما فعله إلا لموعدة وعدها إياه؛عم سيد البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كفر فمات على كفره؛الله الله ؛أليس أبي لهب من آل البيت؟ لا ثم لا؛آل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هم المتقون:"سلمان منا آل البيت "؛ما هو مصير ابن وزوجة سيدنا نوح؛ وزوجة نبي الله لوط؛ إنها التقوى:" اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ" ،آية 8,س المائدة؛فالميزان عند الله لا يقوم إلا بالعدل، ولا تستقيم الأمور إلا بالعدل؛لا قريب ولا صاحب أو حبيب؛هي تقوى آلله بالقلب السليم:"وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"،آية 58 س النساء، ولن نؤتى الأجر العظيم،ألا وهو حب الله ورضاه إلا بالعدل في كل شيء، قال الله عز وجل:(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)،آية ٩؛س الحجرات؛فلا محسوبية ولا زبونية.

  • مفكر
    الأربعاء 6 نونبر 2019 - 21:34

    انا لست ضد الفقه القديم ولاضد السلف ولكن ضد علم الفقيه القديم الذي كتب كتب التراث مثلا اذا حاولنا جمع هذا الفقيه القديم مع استاذ هذا المقال في مناضرة فقهية فان الفقيه القديم الذي كتب التراث سينبهر في هذا الاستاذ الذي يملك مراجع لا تعد ولاتحصى اة بسهولة ولوجه الى ملايين الكتبات حول العالم. لان قديما لم تكن هناك مراجع وكتب فالمطبعة اخترعت سنة 1645 اي قبل 400 سنة فقط ناهيك اذ سالت متى دخلت اول مطبعة المغرب اخشى ان يكون الجواب هو اثناء الحماية و بعد الاستقلال.
    ثانيا مثلا اخر اذا ناقشت الميثولوجيا الامازيغية المغربية التي يعود تاريخها الى 10 الف سنة قبل الميلاد وقلت ان الاية " وكان عرشه على الماء" يقصد بها ان الله سبحانه وتعالى يعتمد كثيرا على الملاءكة بوصيدون اي ملاءكة الماء الذي كان يعيش في طنجة والذي انجب ايضا الحصان المجنح اي البراق ولذالك ايضا بني مسجد الحسن الثاني غلى الماء .فانه سينبهر ايضا.

  • زامبلا الاسود
    الخميس 7 نونبر 2019 - 01:24

    حكم شويا العقل اسي المفكر "الميثولوجيا الامزيغية المغربية " لم يأتي بها مفكر قبل هذا المقال !! هكذا انتج العقل الغيبي عبر الزمن ميثولوجياته ، بحيث اخترع كلمات وأرواح من خارج التاريخ ونتج عنها ثرات متسلط . أين كانت هذه الميثولوجيا قبل الغزو الفرنسي لأفريقيا .

  • مفكر
    الخميس 7 نونبر 2019 - 11:32

    الى الرقم 6
    شكرا جزيلا على سؤالك سيدي الفاضل فالميثولوجيا الامازيغية لم يقف إشعاعها عند الأدب والفن، وإنما تغلغل منذ الاف السنين قبل الميلاد في ظواهر الثقافة العامة وفي العالم أجمع، مثل: المهرجانات الشعرية والموسيقية والسياحية والمدارس والجامعات ومنها ايضا القصة الواقعية للراعي الفقير الذي كان اول من فاز بالتفاحة الذهبية اتت من الجنة الدنيوية هسبريديديس اي حديقة التفاحة الذهبية في لكسوس المغربية المكان المقدس لكل البشرية اقدس من مكة والاقصى حيث كان يسكن هناك اطلس سيدنا ادم بعدها سكن هرقل وعنتي )قابيل وهابيل في غار هرقل في طنجة وطنجة سميت بطنجيس نسبة الى احد بنات اطلس الامازيغيات التى كانت تسكن في هسبريديس وهن من نوع حور العين.
    .

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 1

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 20

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”