الشهبوني .. فنان أمازيغي يلامس شغاف القلوب بـ"مرثية رويشة"

الشهبوني .. فنان أمازيغي يلامس شغاف القلوب بـ"مرثية رويشة"
الجمعة 17 يناير 2020 - 02:00

كان مصطفى الشهبوني فنانا كباقي فناني الأطلسين المتوسط والكبير الشرقي، يعرفه عموم الجمهور محليا وإقليميا؛ لكن بعد أدائه “مرثية رويشة” التي بثتها القناة الثامنة “تمازيغت”، بزغ نجمه وأمسى “أنازور” المغاربة أجمعين من الأمازيغ وغيرهم، لا سيما بعد أدائه الموفق للأغنية الشهيرة “خنيفرة داثالا”، أي “خنيفرة تبكي”، بمناسبة رحيل رويشة إلى دار البقاء في 17 يناير من سنة 2012.

المولد والنشأة

ولد مصطفى الشهبوني سنة 1976 بالريش إقليم ميدلت، وفي ما بعد تحولت أسرته إلى أغبالو بالإقليم ذاته، وهناك ترعرع ونما وكبر إلى أن صار فنانا له جمهوره.

درس الشهبوني بأغبالو إلى أن بلغ مستوى الثانية بكالوريا؛ يعتمد في معيشته على فلاحة بسيطة، علاوة على أنه موظف في الجماعة الترابية لأغبالو.

تشكل أغبالو للشهبوني موطنه الأم، لأنه نسج بها علاقات وتعرف على أناس من قبائل مختلفة، “إذ لولا أغبالو لما صرت الشهبوني اليوم، لأنها هي التي صنعت الفنان الذي نتحدث عنه الآن، وربما لو لم آت إلى أغبالو ما كنت لأتقن فن الوتر، لأنها موطن الفنانين وكبار الشعراء الأمازيع”، يوضح الشهبوني لهسبريس.

البدايات الفنية

خاض الشهبوني غمار الغناء لأول مرة في حياته سنة 1982 بالريش في منصة عيد العرش، ولما رحلت أسرته إلى أغبالو بدأ الغناء في الحفلات المدرسية. وخلال مقامه في القسم الداخلي بميدلت، كان نشيطا ويمارس إلى جانب الفن، المسرح كذلك.

وفي سنة 1993، “كنت تلميذا في الأولى بكالوريا، وكان يدرس معي زميل من أيت عياش، أسرة هذا الأخير كانت تُعد عرسا؛ لكن الفنان الذي عولوا عليه لم يأت لظروف، فوجدوا أنفسهم في ورطة”.

وأمام هذا الوضع غير الكائن في الحسبان، يضيف الفنان نفسه، “اقترحني ابنهم فوافقوا حتى قبل لقائي؛ لكن بعد حضوري توجسوا لصغر سني، غير أن هذا التخوف سرعان ما تبدد بعدما شرعت رفقة زميلين في الأداء كالمحترفين، فبدأت التصفيقات تتعالى والصفير وأصوات الإشادة والغناء تبلغ مسامعي وأنا أعزف، ومن ثمة تفتقت موهبتي الغنائية إلى أن صرت ما أنا عليه اليوم بفضل الجمهور الذي أكن له كل المحبة”.

الإكراهات الفنية

يعاني الفنان بشكل عام، والأمازيغي على وجه التحديد، من انهيار المؤسسات وشركات الإنتاج بسبب القرصنة. وقد أفضى هذا الوضع الجديد إلى تواري مجموعة من الفنانين الأمازيغ عن الأنظار، يؤكد الشهبوني لهسبريس.

“في الماضي، كانت شركات الإنتاج متاحة للفنانين المبتدئين، فكانت الفرصة تعطى للجميع؛ لكن البقاء والانتشار للأصلح، بعدما ينصت الجمهور وعموم المستمعين إلى موسيقى كل فنان على حدة”. أما اليوم، ومع التطور التكنولوجي والانفجار المعلوماتي، “فعلى الفنان أن يبادر إلى إنشاء صفحته على “فيسبوك أو قناته على “يوتوب”، وفي حالة لم يصل إلى عدد معين من المشاهدات، فإن عمله لا ينتبه إليه أحد، ويظل يرسله على “واتساب” إلى أصدقائه بشكل مجاني دون مقابل على أمل أن يصبح محط أنظار، نظرا لتعدد الألوان الغنائية وتنوعها، دون أن نُنكر أن لانتشار الأنترنيت محاسن أيضا استفاد منها من حالفهم الحظ وابتسمت لهم الحياة”.

كما ذكر الشهبوني، كذلك، أن “المغربي اليوم لم يعد يشاهد القنوات المغربية؛ بل هناك أسر لا تلتفت إليها، إذ تتجه أنظارها إلى القنوات المشرقية، وبالتالي هذا يؤثر بشكل واضح على الفنان المغربي بشكل عام، باستثناء أصحاب الفن الشبابي اليوم”.

ولم ينس الشهبوني دور فعاليات المجتمع المدني الذي تراجع بشكل ملحوظ، بعدما تجاهلت دورها في تأطير الفنان وتوجيهه، و”هذا ما أفضى بنا إلى التخبط في فوضى عارمة نأمل تخطيها بتضافر الجهود وتدارك الموقف”.

كما أن قلة الإمكانات لدى الفنان، خصوصا الأمازيغ، من جملة الإكراهات التي تقف في طريقه وتفرمل تطوره، إذ يحدث في أحايين كثيرة أن يصور أغنيته بهاتفه محاولا تسويقها بماله الخاص، وهذا يندى له الجبين حقيقة، ويستحق منا وقفة تأمل لمعرفة إلى أين يسير الفن الأمازيغي بالخصوص، في الوقت الذي نسمع فيه عن فنانين مغاربة آخرين ينفقون أموالا طائلة على فيديو كليب من 5 دقائق فقط، وهذا يحيلنا مباشرة إلى أن هناك فنانا يُدعم وفنانا متخلى عنه؛ لأن القطاع للأسف غير مهيكل”.

حكاية “مرثية رويشة”

كان الشهبوني فنانا محليا، لكن طموحاته وتطلعاته كانت سببا في اختياره لأن يؤدي تلك الأغنية في حفل تأبين الراحل/ الخالد رويشة، نظرا إلى براعته في إتقان الوتر والعزف عليه.

“قبل المرثية، مررت في برنامج تلفزيوني بعنوان “تيروريوين” سنة 2011، وكان مروري موفقا، على اعتبار أن القناة حينها كانت حديثة التأسيس وكل الأمازيغ يشاهدونها، وهذا ما جعل الجمهور يتعرف علي شيئا فشيئا، زد على هذا أن الراحل رويشة تحدث لاحقا في البرنامج نفسه عني وذكر اسمي على شكل تزكية، وهذا الاعتراف جعل الكثيرين يتساءلون من يكون الشهبوني هذا”.

وبعد أشهر، ترجل رويشة من سفينة الحياة، وكان لا بد من حفل تأبين له في مسرح محمد الخامس بالرباط، ولم يجد المنظمون أفضل من الشهبوني لأداء المرثية، التي كانت من كلمات محمد أحوزار وألحان وغناء الشهبوني؛ هذا الأخير توفق في أدائها ولقيت إعجاب عشاق فن الوتر والفن الأمازيغي عامة.

وعلى الرغم من نجاح القطعة الموسيقية، وبداية شهرة الشهبوني، وانتقائه من ضمن فنانين كثيرين لغنائها، فإنه لا يُعتبر نفسه خليفة رويشة ولا وريثه؛ ذلك أنه “لا أؤمن بالخلافة لا في الفن ولا في الدين ولا في السياسة ولا في الرياضة”.

الفن والقوت اليومي

كان الفن كافيا لضمان القوت اليومي للفنان في ذاك الزمن الذي كان فيها صاحب عرس أو حفلة يدعو الفنانين إلى الغناء وخلق الفرجة والمرح؛ لكن اليوم، يحسم الشهبوني، في حديثه لهسبريس، بات الفن غير كاف للعيش.

“يجب توفر مورد رزق آخر للفنان، لأن الأعراس حاليا على سبيل المثال تُصرف عليها مبالغ كبيرة؛ لكن دون دعوة فنان، فقط يعتمدون على “الديدجي”، الموسيقى الجاهزة المسجلة في الأسطوانات، دون أن يستفيد الفنان شيئا”.

وهذه الظاهرة الخطيرة لم ينتبه إليها عامة الناس والفنانون أنفسهم، يتابع الشهبوني، “فهذا الوضع الجديد يكرس الهشاشة الاجتماعية لدى الفنان الأمازيغي الذي طالما سمعنا أو قرأنا أنه يعاني وطريح الفراش ويناشد المساعدة لتجاوز المحنة جراء العطالة الفنية المفروضة عليه”.

ولرد الاعتبار للفنان، يقترح الشهبوني إنشاء في كل إقليم مسرح القرب على غرار ملاعب القرب، لتحتضن كل نهاية أسبوع أنشطة وتظاهرات فنية، ضيوفها فنانون إقليميون، مع تحديد ثمن رمزي للجمهور الراغب في الفرجة، وبتلك المبالغ بالإمكان دعم الفنان الحامل للرسالة.

‫تعليقات الزوار

11
  • Marocain
    الجمعة 17 يناير 2020 - 03:16

    Bonne succès notre grand chanteur et vive tamazight

  • شاكر
    الجمعة 17 يناير 2020 - 04:29

    فنان مغربي و إنتهينا…..كل المغاربة إما إمازيغ أو مخلطين بدم أمازيغي…..و لا يوجد مغاربة عرب فقط….فأرجو توقفوا تخصيص مغاربة معينين بأنهم أمازيغ……الحمد لله كلما مغاربة نتزاوج ونعيش مع بعض بلا تفرقة لقرون طويلة.
    نعرة" أمازيغ" جديدة و مصطنعة و خطر عل الهوية المغربية.

  • محند
    الجمعة 17 يناير 2020 - 04:54

    فنان موهوب ومثقف ، ينتظره مستقبل زاهر.

  • شهدان سعيد
    الجمعة 17 يناير 2020 - 06:58

    موضوع يستحق النشر وماحكي الفنان الشهبوني عن الفن ومايعاني من مرض العصر حتي ان الفن انحرف عن الطريق فكثر الهرج والمهرجين فاقتراح الفنان يجب ان يؤاخذ بالجد .

  • karim
    الجمعة 17 يناير 2020 - 07:48

    يعد إقليم ميدلت بدوائره بومية الريش و إملشيل مفخرة لاقليم ميدلت فيما يخص الفنانين . نتمنى أن تنظم في ميدلت ورشات للتنقيب على الفنانين الصغار . وهذه تجربة تحسب للأستاذ مصطفى الشهبوني الذي يبدع في الة الوتار فمزيدا من التألق .ونطلب من بلدية الريش بالتحديد و بومية و تونفيت و إملشيل و جماعة ايتزر و أغبالو و زايدة أن تشرك هذا الفنان في كل السهرات التي تنظمها و ليس استدعاء فنانين خارج اقليم ميدلت .

  • Mohamed
    الجمعة 17 يناير 2020 - 07:57

    فنان مصطفى الشهبوني فنان من عملاقة الفن الامازيغي..نغماته تشبه المرحوم محمد رويشة..مزيدا من العطاء….

  • حسن
    الجمعة 17 يناير 2020 - 08:10

    انه فنان كبير لم ينتبه اليه الكثير خاصة طريقة عزفه على الوتر و صوته ؛ ناهيك عن انتقائه كلمات شعرية و ازلان في المستوى ؛فنان يستحق التقدير و نتمنى له مسار فني حافل بالعطاء .

  • فنان مغربي
    الجمعة 17 يناير 2020 - 08:48

    عندما تغني مجموعة ناس الغيوان ، لا يهمنا من منهم عربي ومن منهم أمازيغي ؛ يهمنا فنهم الكبير والمتميز وأغانيهم الخالدة . نقول : مجموعة ناس الغيوان مجموعة مغربية .
    محمد رويشة، رحمة الله عليه ،كان يعرف نفسه بفنان مبدع مغربي ويغني بالعربية و الأمازيغية .
    عاشت المملكة المغربية من طنجة الى لكويرة ولا عاش من خانها او حاول.
    والسلام على من اتبع الهدى

  • Attention à la division
    الجمعة 17 يناير 2020 - 11:15

    La division est le plus grand danger qui peut anéantir la paix d' une société . Soyez vigilant , ne tombez pas dans le piège du colonialisme qui a tout fait pour détruire le tissu social marocain . Le peuple marocain est un peuple uni et harmonieux avec tous ses composants arabe , amazigh et autres
    Vive le Royaume du Maroc uni et riche par sa belle culture et son son originalité

  • abdou
    الجمعة 17 يناير 2020 - 11:42

    اليوم تحل الذكرى الثامنة لرحيل الفنان محمد رويشة رحمه الله.
    إلى جانب كونه ألمع الفنانين بالأطلس طيلة عقود، كان المرحوم محسنا ورجل فعل الخير والطيبوبة وكان بيته يسمى "الزاوية" من كثرة استضافته للناس.
    كنت في خنيفرة سنة 2008 وألمت وعكة صحية صعبة بفنان كبير و اوصى أطباء مستشفى خنيفرة باستعجال إجراء عملية جراحية باهضة الثمن للفنان المريض بالرباط أو الدارالبيضاء فما كان إلا الاتصال برويشة الثالثة صباحا حيث حل بالمستشفى وتكفل بكل شيء ماليا ورافق المريض وتم إجراء العملية بمصحة خاصة بالرباط وتعافى المريض بإذن الله وهو حي يرزق الآن بخنيفرة.
    كان رويشة يفعل الكثير من الخير لكن يحب عدم الدعاية لذلك بقوله "كلشي لوجه الله ماشي للعبد الله اقبل"

  • التسول بالفن
    الجمعة 17 يناير 2020 - 16:22

    المرحوم رويشة يحتاج إلى الدعاء بالرحمة والمغفرة ولا يحتاج إلى من يغني عنه أو يتكسب على حساب الأموات.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب