"مع أصدقاء" لمحمد بنيس: نصوص في أثر الفقدان

"مع أصدقاء" لمحمد بنيس: نصوص في أثر الفقدان
الثلاثاء 28 فبراير 2012 - 13:43

صدر عن دار توبقال للنشر كتاب جديد للشاعر محمد بنيس بعنوان “مع أصدقاء”٬ يتضمن تأملات استرجاعية لعلاقته مع نخبة من رموز الأدب والفكر٬ مغربيا وعربيا ودوليا. يتعلق الأمر بنصوص مدبجة بنداء الصداقة٬ لكن مكتوب جلها في أثر الفقدان٬ بحيث أتت نشيدا تأبينيا لأسماء طبعت حياة بنيس٬ إنسانيا وأدبيا٬ على السواء. تراوحت بين محاولات تأملية في عطاءات هؤلاء الذين رحلوا٬ وبين استعادة حنين لأزمنة وأماكن شهدت فصولا من هذه الصداقات الثمينة.

يبدو الموت في هذا الكتاب الصادر ضمن سلسلة (ذاكرة الحاضر)٬ الفاعل الرئيس في الكتابة٬ المحرض المباشر على زيارة أماكن قصية في ذاكرة تجربة إنسانية وفكرية طويلة فتحت لمحمد بنيس باب التواصل الخلاق مع رموز خالدة في الثقافة العربية والعالمية. يقول بنيس في تقديمه لنصوص الكتاب ” قدمت لي لحظة الموت من فقدتهم٬ من بين الأصدقاء٬ في صورة مرآة. على قبر كل واحد منهم وضعت شاهدة. هي شهادة وشهود. وهي٬ في آن٬ أثر اعتراف بما كان بيننا”. (ص 6).

هي نصوص في مديح الصداقات التي لا يطيح بها الفقدان٬ وبعد المسافات٬ وبقدر موقعها في قلب الكاتب٬ يلتفت بنيس ليتذكر بأسى بين جانبا آخر من تداعيات الصداقة مع بعضهم. ” لم أفرط في هذا الأثر الحي٬ رغم أنني تعذبت مع أصدقاء أصروا على أن يتحولوا الى أعداء٬ ورغم أنني وجدت نفسي٬ أحيانا٬ أمام جدار أصم٬ لا يؤدي بي إلا الى نكران كل صوت ينادي على الأصدقاء”. (ص 8).

– سهيل ادريس٬ ابتسامته لا تفارقني

يستحضر محمد بنيس علاقته مع مؤلف “الحي اللاتيني”٬ سهيل ادريس٬ قائلا “باب بيتي انفتح عليه وعلى الدكتورة الغالية عايدة. مثلما بيته انفتح لي٬ في بيروت. وكنت القريب من الأبناء٬ رائدة وسماح ورنا. (…) ابتسامته لا تفارقني. نكتته التي يبدع فيها. أو أداؤه اللذيذ لأغاني محمد عبد الوهاب. وفي كل مرة كان يهتز طربا كلما عاد باسمه الى فاس٬ ومولاي ادريس. كذلك كان يقول لي وهو يعيد كتابة تاريخ أجداده. من فاس هاجروا الى بيروت. فاس التي كان يحب اسمها ويحب رائحتها”. (11)

– أدونيس: تعلمت منه كيف لا أندم على اختيار حرية ولا على عزلة

عن الشاعر السوري أدونيس٬ كتب بنيس خلاصة علاقة طويلة لحوالي أربعة عقود ” هي بالنسبة لي تعلم من شاعر يخترق الحواجز من أجل أن تبقى القصيدة محافظة على مكانها الأصلي٬ أي على السري والحر في آن. …يكفيني هذه السعادة التي أحسست بها في مصاحبة شاعر٬ قادر على تمكين اللغة من قدرتها على مقاومة ما لم يتعود على الرفض٬ سلوكا شعريا٬ وتجربة في النزول الى مدارك الهاوية”.

تعلم بنيس من أدونيس٬ عبر مصاحبات جابت أمكنة عديدة٬ في المغرب وخارجه٬ “كيف لا أندم على اختيار حرية ولا على عزلة. درس في التواضع٬ حقا. وهو ما افتتح به أدونيس كتابة لها الآن أكثر من جناح٬ يحلق في أفق ما لا ينحد”.(ص 22)

– درويش: يهدي أصدقاءه كل ما يستطيع

معروف أن محمد بنيس كان إحدى القواعد الثابتة للعبور المنتظم الذي كان يوقعه بوفاء ومحبة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش على أرض المغرب. كان طبيعيا أن يحل درويش ضيفا فوق العادة على ألبوم صداقات الكاتب الذي اكتشف فيه منذ أول لقاء امتزاج الانساني بالشعري فيه “سلوك انساني٬ مدرك لعتمات وأضواء النفوس٬ هو الذي علمني كيف اكون له وفيا بقدر ما علمتني تجربته الشعرية. القلق العميق٬ الجوهري٬ الذي تتصف به الذوات الابداعية العليا٬ قربني اليه٬ منصتا ومتعلما٬ في آن”.

يضيف بنيس واصفا درويش بأنه من أهل الصفاء “كان يعلمني محمود دائما أنه شاعر القلق وانسان الوفاء٬ في زمن نفتقد فيه الشعري والانساني في آن”.(ص 49). يخلص الى القول إن “محمود درويش يهدي اصدقاءه كل ما يستطيع”.

– جاك دريدا: لا تنازل عن الوعي النقدي

يستهل بنيس حفريات علاقته مع المفكر الفرنسي جاك دريدا بمشاهد من زيارته لفاس٬ حيث شاهد دريدا في حالة شطح لا تنقطع٬ نهارا وليلا٬ لدرجة أنه لم يتحمس لمغادرة المدينة. “البيوت٬ العمارة٬ النقوش والزخارف. صوت الاذان٬ الأسواق القديمة٬ الطيوب٬ الأضواء والظلال. المتاهات٬ الأغاني٬ الحرفيون. وهو يكلمني عن طفولته في الجزائر. عن ثقافته اليهودية المنسجمة مع ثقافته العربية”.

يتذكر بنيس٬ من خلال التجربة الانسانية والمسار البحثي لجاك ديريدا٬ “ثقافة لا تتنازل عن وعيها النقدي”. ومن وحي لحظة الرحيل يكتب “الذي كان قريبا مني٬ هو القريب الان مني. من حيرتي. وفي السؤال عن الموت٬ معنى الموت٬ ينحفر اثر النشيد”.(ص73).

– الخطيبي: أوصلني الى هويتي المتعددة

يحضر المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي عند بنيس كمرشد رمزي قاده إلى هويته المتعددة٬ “بخطوطها المتقاطعة (المتقطعة) على جسدي”. بفضل الخطيبي –يكتب بنيس- “ذلك العنفوان الذي كان يهدر بدخيلتي لم يعد مجرد اشباح تسكن جسدا بها اصبح خارجا على اليقين والقناعة. فبفكر الخطيبي وكتاباته تلمست شعاب اقتحام صمت الخطابات أو قسريتها٬ شرعت في تأمل ما لم اكن به بصيرا. في الصمت والعلن غالبت ما يسيجني٬ واخترت جهات مغايرة”. (ص 89)

يدين محمد بنيس للخطيبي في تعلم الانفتاح الذي لا يخشى٬ والمغامرة غير المتعجلة. يذكر بانبهار كيف أن انتاج الراحل حاضر في قضايا الراهن العربي والدولي مهما بدت وكأنها تنتمي لزمن اخر. ذلك ثقل الخطيبي المستميت في راهنيته “باستعاراته المنحدرة من سلالات تتسرب الى يتم النص”. (ص90)

– محمد شكري: الوفاء تكامل لديه مع المقاومة

يود بنيس أن يقدم يبدد ما علق بصورة نمطية عن الكاتب المغربي الراحل محمد شكري. اكبر ما كان يحزن الكاتب هو الحكم الاخلاقي السلبي على صاحب “الخبز الحافي” المستقى من المتخيل العام عن فئته الاجتماعية٬ أو من الاحكام المتداولة عن اهل العربدة والمجون.

محمد شكري – يقول محمد بنيس- كان نقيض ذلك. “أول ما تأكد لي من خلال الصداقة الطويلة هو الوفاء. فشكري لا يلقي بصداقاته الى الجحيم. الوفاء كان يتكامل لديه مع المقاومة”.

هي أسماء من جغرافيات قربية وقصية تؤثث ذاكرة بنيس٬ متعالية على واقعة الرحيل أو بعد المسافة.

في ذات الكتاب٬ يتذكر الشاعر الهندي لوكينات باتاشاريا٬ والصديق العراقي “البغدادي” عقيل علي٬ والشاعر العراقي الراحل سركون بولص٬ والروائي الفلسطيني اميل حبيبي٬ والشاعرين المغربيين الراحلين محمد الخمار الكنوني٬ وعبد الله راجع٬ والروائي والقاص الراحل محمد زفزاف٬ والمفكر ادوارد سعيد٬ والناقد جمال الدين بن الشيخ٬ والكاتب رشيد الصباغي وسيلفيان صمبور وأمجد الطرابلسي٬ وحسين مروة وهنري ميشونيك وبرنار نويل.

“مع أصدقاء” مرافعة في مديح الصداقة والوفاء.

‫تعليقات الزوار

8
  • Slimane d'Argenteuil
    الثلاثاء 28 فبراير 2012 - 18:40

    Mohammed BENNIS est un des grands poêtes marocains. Penseur humaniste, il n'a jamais abdiqué ni quémandé une place dans la meute mekhzaniènne. Son engagement pour la libérté et la dignité l'a payé cher : la torture dans les geôles marocaines et des années d'emprisonnements. Chapeau l'Artiste.

  • عبد الفتاح من هولندا
    الثلاثاء 28 فبراير 2012 - 20:55

    أستاذي في الثمانينات وأحسبه من كبار الشعراء العرب الذي يحسب له ألف حساب في منتديات الادب والشعر. أستاذ وسيم، غير ضحوك ويتسم أو يتميز بكاريزمة لم أرها عن أحد.
    وفقك الله في مسارك

  • استاد
    الثلاثاء 28 فبراير 2012 - 22:20

    أستاذي المحترم أحييك عبر جريدة هسبريس وأشد على أياديك بحرارة لأقول لك كيف حالك ،لقد اشتقنا اليك كثيرا واشتقنا الى محاضراتك الشعرية التي كانت تقذف بنا في أعالي البحار على ايقاعات هنري ميشونيك ، والياس ابو شبكة وادونيس وشاعر الحمراء رجوعا الى قدامى بن جعفر ،وبين كل هذا وذاك كان أستاذنا يرعد ويزبد عن كل اعداداتنا البيتية وملخصاتنا الخارجية تحية استاذ توحشناك بزاف

  • yassir
    الثلاثاء 28 فبراير 2012 - 22:26

    nous avons besoin de savoir et non de gens qui passent le temps à jouer avec les mots pour nous fasciner ….. arrettons de nous trembler devant les gros mots ou devants les noms ….. qu'est ce tu as offerts au lecteur marocain monsieur BENIS

  • كاتب
    الأربعاء 29 فبراير 2012 - 09:54

    احيي في بنيس امتهانه لنشر الكتاب. وكتابته لبعض النصوص . لكن شعره ابعد عن الشعر العميق. من من القراء يذكر بيتا واحدا لبنيس. تواطؤه مع أدونيس في ممارسة سياسة الشعر دون نبل الشعراء. انه مقاول بمعنى ممتهن للقول. اما الشاعر الحقيقي فهو الذي يحترق بفن القول الجميل لإمتاع الغير. والحقيقة لا يمكن حمل بطيختين في يد واحدة كما كان يقول اميل حبيبي.

  • ابو أنوار
    الأربعاء 29 فبراير 2012 - 10:17

    أحييك أستاذي من بلاد هيجل و جوته..من بلاد استعصى علينا إدماجها و استدخال أدبها في منظومتنا الشعرية.. كم كنت سخيا و سهلا ممتنعا في عفويتك بقاعات جامعة محمد الخامس بالرباط…و أنت تعلمنا الشرب من غذير الشعر الانساني و مازلت أحفظ لكم تعاليقكم حول شعر أدونيس و الذي كنت مولعا به:
    نامت يدي
    نامت عروق يدي
    و تثاءب المل
    أمشي على قلبي
    أمشي و لا أصل
    و يملني القلق
    ماذا أفي أرضي ووطني
    أحيى بلا وطن!
    كنت تعلمنا التناص و الترابط الافقي العمودي بين الكلمات و الجمل و الابيات.. الروعة!
    وفقك الله و سدد خطاك لاظهار الشعرية المغربية و العربية و الانسانية..
    تحياتي

  • المهدي العمراني
    الأربعاء 29 فبراير 2012 - 10:43

    سي بنيس , قال نعام..
    أنصحك بكل مودة وإخلاص أن تنقطع للنثر , أي أن تكف عن كتابة ما تصر على تسميته شعرا وما هو بشعر , إن هو إلا هذيان معنوه مخبول .

  • محمد
    الأربعاء 29 فبراير 2012 - 14:44

    يا بنيس
    ثار العرب على حكامهم وسيثورون على بياعي الوهم، أدونيس وبنيس وبقية حكائي الهذيان
    ما قيمة الإبداع إذا لم يكن به معنى أي معنى،،
    أتذكر قطعة أو خربشات قطة لأدونيس يقول فيها:
    ثدي النملة حليبها ،،
    كفى كذبا

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب