تزداد الحياة صعوبة و تزداد الأمور تعقدا وتشابكا. الضنك هو العنوان الرئيسي للحياة المعاصرة. الكل غاضب وحانق وكاره للآخرين. القلوب تزداد سوادا والمشاعر الطيبة تنسحب كرجل مؤدب يغادر مقصورة القطار.
الراجلون يسبون أصحاب السيارات لأنهم يرشـّـونهم بمياه المطر و لايبالون. الراكبون يلعنون الراجلين لأنهم حمقى ويعبرون الطريق دون أن يلتفتوا يمنة ويسرة 900 مرة.
الرجل يبغض المرأة لأنها أصبحت ترفع لافتة المساواة عندما لا تجد شيئا آخر تفعله. المرأة صارت تعتبر الرجل مجرد كائن يمتلك زغبا أكثر منها ولا يكف عن تلويث أرضية البيت بحذائه الثقيل و البصاق فوق السجاد.
التلاميذ يكتبون أشعارا بذيئة في أساتذتهم ويتمنون لهم لائحة مبهجة من الأمراض التي لا علاج لها. الأساتذة يحنّــــون لأيام “الفلقة” عندما كانت العصا تعيد النظام إلى القسم في ثوان.
الكتـّـاب يعتبرون القارئ مجرد خشبة مسندة ينبغي لها أن تقرأ دون أن تنتقد. القارئ يرى في الكاتب مجرد شخص يحاول أن يتذاكي ويبدو بمظهر العارف ببواطن الأمور.
الجرائد تفتح صفحاتها لأروع المصائب والمشاكل المعقدة التي لاتتجاوز أبدا العلاقة بين الشاب والفتاة.
المخترعات التي اعتقدنا أنها ستزيد حياتنا بساطة، قررت أيضا أن تشارك في هذا الاحتفال البهيج، فبدأت الطائرات تتسلى بالسقوط على أم رأسها كل حين. الهواتف المحمولة لا ترن إلا عندما يكبر الإمام تكبيرة الإحرام. أجهزة الكمبيوتر تتحين الفرصة دائما لتتوقف عن العمل عندما تتجه سبابتك نحو زر “تسجيل“.
السيارات نسيت أن مهمتها أن تحمل عباد الله من بلد إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وبدأت تطلق أبواقها صباح مساء لكي تكون مساهما فعالا في التلوث السمعي.
مخرجو الأفلام يتفنون في التجريب ويقدمون أفلاما فلسفية تصيب بالغثيان و تجعلك تشك بعد نهايتها إن كانت قد بدأت أصلا.
البرامج الحوارية تختار لمشاهديها أكثر المواضيع روعة على غرار ” ما الذي ينبغي أن يفعله الطفل إذا ما استيقظ من نومه فجأة في الثانية ليلا ولم يجد دبدوبه بقربه؟“.
القنابل التي صنعت من أجل حفر السدود حفرت عميقا في قلوب شعوب بكاملها، بعد أن ألقيت فوق رؤوس آبائهم وأجدادهم.
أصبح القبح والغيظ هما أرخص المشاعر على الإطلاق حتى أنه يتم التبرع بهما بدون ثمن.
فليرحمنا الله جميعا.
من فضلكم كيف يمكنني وضع الدراسات و المقالت على موقع هسبريس
و شكرا