" copier-coller " والرهان الخاسر في المغرب

" copier-coller " والرهان الخاسر في المغرب
الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 19:49

فوز حزب الأصالة والمعاصرة بالمرتبة الأولى في الانتخابات البلدية التي عرفها المغرب في الجمعة الماضية ، وتمكنه من اكتساح مقاعد البلديات في أول اختبار انتخابي فعلي له ، أعاد ذاكرة المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب إلى سنوات خلت من الدهر ، وبالضبط إلى سنة 1963 حين أسس صديق ومستشار الملك الراحل أحمد رضا كديرة حزبا أطلق عليه إسم “ جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ” ، مهمته الأساسية خلق تحالفات حزبية تضمن أغلبية قوية وقارة تكون قادرة على مواجهة شعبية وثورية حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك وحماية المؤسسات الدستورية عبر تشكيل خريطة سياسية لا غالب فيها إلا محيط القصر ومن والاه ، والكل يعلم ما آلت إليه هذه التجربة ، فقد جرت على المغرب ويلات وويلات بدأت بتزوير الانتخابات التشريعية عام 1963 لصالح حزب الجبهة المذكورة فانحرفت بذلك سكة الديموقراطية عن مسارها الصحيح ونشطت حملة اعتقالات واختطافات واغتيالات في صفوف المناضلين والوطنيين من اليمين إلى اليسار ، وأنتجت شروط انتفاضات شعبية وانشقاقات حزبية وانقلابات على الملكية ، وانتهت بانتكاسات وتراجعات هيأت الظروف القبلية لسكتات قلبية وأخرى دماغية .


اليوم وبعد مرور ما يقارب نصف قرن على هذه التجربة ، يأبى حماة الديموقراطية عندنا إلا أن ينسخوا نفس التجربة ليلصقوها كما هي بعهد جديد رفع ضمن شعاراته العديدة شعار الطي النهائي مع سنوات صار الرصاص عنوانا لصيقا بها ، فصانعوا القرار بهذا البلد راهنوا على حزب الأصالة والمعاصرة لفبركة جو سياسي ظاهره يوحي للبعيد كما للقريب بأنه ثمة ديموقراطية حقيقية بهذا البلد لا تخضع لتسيير فوقي ولا تسير إلا بما تفرزه الصناديق الانتخابية ، وباطنه يضمن للنظام الحاكم السلطة التامة على المشهد السياسي المغربي ، ولا سبيل إلى ذلك إلا بزعزعة المشهد السياسي وإرباك المكونات الحزبية بمكون جديد يعمل على إحداث رجات داخل باقي الأحزاب ويفقدها الثقة في نفسها ويزرع له في الوسط الشعبي ثقة ومكانة عبر اتخاذ مواقف وقرارات بين الفينة والأخرى ، وهكذا كان فقد أتقن فؤاد عالي الهمة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة دوره المطلوب في هذه المسرحية بالتمام والكمال ، وكانت بداية هذه الأدوار حين تخلى صديق الملك عن أعتى وزارة في مملكة محمد السادس بحجة التفرغ للمنطقة التي ينتمي إليها ، واستمرت المسرحية بدخول فؤاد عالي الهمة إلى قبة البرلمان بثلاثة نواب من المنطقة التي تفرغ لها ، ليؤسس بعد الانتخابات التشريعية حركته المعروفة بالحركة لكل الديموقراطيين والتي أكد غير ما مرة أنها لن تتحول إلى حزب سياسي وأن مهمتها الأساسية هي إعادة الثقة إلى الحقل السياسي الوطني والعمل على تجاوز واقع البلقنة التي يعرفها المشهد الحزبي ، ليؤسس بعدها حزب الأصالة والمعاصرة الذي جمع بين دفتيه تلاوين سياسية وفكرية متنوعة ومتناقضة ، وقلب موازين الأحزاب المغربية وتمكن بقدرة قادر من أن يكون الضامن الوحيد للأغلبية الحكومية داخل قبة البرلمان قبل أن يتحول إلى كراسي المعارضة احتجاجا على ما قال إنها محاولات من جانب الحكومة لاستهدافه والتأثير على الانتخابات المحلية ، بتفعيل المادة 5 من قانون الأحزاب والمتعلقة بظاهرة النواب الرحل ، لينهي دوره في هذه المسرحية باكتساح حزبه للانتخابات المحلية التي أجريت في الجمعة الماضية حيث حصل على 6015 مقعدا من مجموع عدد المقاعد البالغة نحو 28 ألف مقعد .


إن الانطباع الذي يخرج به كل من تتبع مجريات هذه الإنتخابات وما سبقها من حركات وتحركات ، هو أن السياسة في هذا البلد تعتمد بالأساس على شعار copier-coller وتقوم على رهانات تجعل من التقوقع في الماضي منهجا لا بديل عنه في صناعة القرار وتسيير الشأن العام ، وطبعا فالنسخ المقصود هنا هو ذلك الذي يحيي به أصحابه تجارب سياسية ميتة ثبت بالدليل الملموس فشلها على مر التاريخ لأنها ما ولدت إلا لترقيع ما لا يحتمل الترقيع وتجميل ما سلبته البشاعة فرص التجميل ، ولو تعلق الأمر بنسخ تجارب ديموقراطية حية يستشف من بين ثناياها حرف من حروف الإصلاح أو يستشعر من خلالها وجود نية مسبقة تهدف إلى التغيير الحقيقي لكان التصفيق سابق بمجرد البدء في عملية النسخ واللصق ، ولما كان لهذا الكلام باعث أو ضرورة ، لكن يبدو من خلال ما أفرزته النتائج النهائية للإنتخابات البلدية المغربية وما ستفرزه من جديد على الخريطة السياسية بالمغرب أن التصفيق سيؤخر إلى موعد لاحق ما دام الغموض والإرتجال والعبث يسيطرون على الساحة السياسية المغربية ، وعليه فإن المضي قدما في ترسيخ مثل هذه السياسة لن يعود علينا إلا بما جادت به سنوات الرصاص ، وإن الرهان على ورقات تحرق نفسها قبل غيرها هو رهان خاسر لأنه يقوم بالأساس على صناعة الأوهام والأحلام ، ولأنه يرتكز على حسابات لا تمتلك سلطة أو قدرة في التأثير على الرأي العام ، ولأنه يغفل الأوراق الصحيحة والقويّة والتي يمكن استثمارها وتفعيلها في بناء وطن ديموقراطي حقيقي بعيدا عن ” copier-coller ” التي صارت تلازمنا في كل أمور حياتنا .

‫تعليقات الزوار

5
  • السي كوريط
    الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 20:01

    FDIC Reloaded

  • أبوذرالغفاري
    الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 19:55

    يقال أن التاريخ يعيد نفسه ثلاث مرات:المرة الأولى على شكل كوميديا.والثانيه على شكل تراجيديا.والثالثة على شكل كارثة.ففي أي مرحلة نوجد الآن؟

  • المالكي
    الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 19:51

    المسؤول عن الوضعية الذي ادت الى بروز ما اسميته بالنسخ هو تنصل الاحزاب ما يسمى بالديموقرادية عن مبادئاهاوالتزاماتها وتخلت عن الشعب المغربي بمجرد وصولها الى الحكم لوبقيت تلك الاحزاب وفية لافكارها ومبادئها لما ظهر الفديك الجديد الدي استغل الظروف ايما استغلال وقفز الى الواجهة لو كانت الاحزاب الديموقراطية تقوم بوجبها التنويري التوعوي الثقافي السياسي لم تمت مساندة الهمة فالاحزاب التقدمية بمجردوصولها الى الحكم تخلت عن شبيبتها وجمعياتها ونقاباتها وعن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب واقفلت مقراتها وتركت المجتمع المدني في دار غفلون لايعرف الا المخيمات الصيفية وكرة القدم والفرق الموسيقية والسهرات الماجنة ولا احد يذكره بتاريخه او يستطيع ان يجمع حوله 101افراد في محاضرة ثقافية او سياسية ……..والموضوع طويل وطويل لن تكفيه اليوم الجرائد كله الوقت فات ةالاصالة ضربت ضربتها القاضية وموعنا الانتخابات البرلمانية التي ستكتسح فيه الاصالة المقاعد وستشكل الحكومة بين الاصالة وزالاحرار والحركة الشعبية ةالاتحاد الدستوري تحت رئاسة الهمة اوبيد اللهواو احدهما في الداخلية.
    لننتظر 50سنة اخرى عاد نقراو التاريخ

  • مسلم قبل كل شئ
    الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 19:53

    ان اي متتبع للمشهد السياسي المغربي المقزز الممل,سيلاحظ مدى المهزلة التي يعيشها,حزب لا زال جنينا يفوز بالغالبية,ام انه جاء بالخلاص للمغاربة,لكن للاسف نعلم كيف تكون ولمادا تكون هدا الحزب,وكما يقول المغاربة{البحر كيلوح غير الموتى او الزبل} وهدا بالطبع ما ننتظره من هدا الحزب الدي سينظاف الى قائمةالاحزاب الشفارة في البلادالتي سيلعنها التاريخ انشاءالله, ولولا رضى اوباماعلى المغرب لكان هناك كلام اخر,وماعسانى ان نقول سوى{الله العن ليما كايحشم},وسوف ياتى يوم ينقلب فيه السحر على الساحر ولن تجدوا مكانا يايكم حتى سيدكم اوباما سيتبرا منكم,حينها سناخد حقنا بايدينا.

  • مريم التيجي
    الثلاثاء 16 يونيو 2009 - 19:57

    للأسف واقعنا السياسي يير في نفق مظلم لا تبدو له نهاية، وأوافقك الرأي فيما ذهبت اليه وفي هذا السياق أسرد لك واقعة كنت شاهدة عيان عليها يوم الانتخاب مما زاد في يأسي من أي تغيير محتمل على الأقل في ظل ظروفنا الحالية وبنخبنا السياسية الحالية..
    يوم الاقتراع رافقتني قريبة لي الى مكتب التصويت، وفي الطريق كانت تؤكد لي أنهها ستصوت على فلان لأنه معقول وسمعته في التلفزيون يتحدث واقتنعت به، لم أدخل معها في أي نقاش على اعتبار أن اختيارها شأن يخصها دون غيرها، تفرقنا أمام باب المدرسة أنا ذهبت الى القاعة التي كان رقمها مطبوعا على بطاقتي الانتخابية، وعندما خجت والتقيت بمرافقتي مجددا فوجئت بلهجتها التي تغيرت بعد أن أخبرتني بأنها صوتت على فلان من حزب الجرار لأنه ولد الحومة وصحابو ولاد الدرب..لم أفهم شيئا ولم أع سر هذا الانقلاب لكني احتفظت بصمتي ما دام الام لا يزال في نطاق اختيار شخصي، الا أني فهمت الر في اليوم الموالي عندما أخبتني قريبتي بأنها غيرت رأيها مباشرة بعد أن تفرقنا عندما جاءها شخص يبدو أنه كان يتبعنا وكان ينتظر أن أبتعد لكي يسلمها مائة درهم ويطلب منها التصويت لمرشح حزب الجرار، بعد اعترافها فهمت معنى الارقام التي أعلنت في مكتب الحي، كما فهمت كيف جاءت الانتخابات بحزب لا يزال يحبو ووضعته في المرتبة الأولى

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين