الحروب التجارية والاحتجاجات الشعبية تخيّم على "أسواق 2020"

الحروب التجارية والاحتجاجات الشعبية تخيّم على "أسواق 2020"
الأحد 22 دجنبر 2019 - 19:00

ارتفعت قيمة أسواق الأسهم في العالم على مدار العام الجاري بنحو 3 تريليونات دولار، وتراجعت تقلبات أسعار العملة إلى أقل مستوياتها منذ خمس سنوات، كما انخفضت الفوارق بين العائد على السندات إلى أقل مستوى لها منذ نحو ثلاث سنوات.

ومن الناحية الظاهرية، تنهي الأسواق الصاعدة عام 2019 بخطوات قوية.

ولكن بإمعان النظر، يجد المرء الكثير من المخاطر التي تنتظر المستثمرين، من الانتخابات الأمريكية إلى الاحتجاجات الشعبية في العديد من مناطق العالم، والمخاوف المستمرة بشأن تداعيات الحروب التجارية. وبالإضافة إلى هذه المخاطر، هناك المشكلات التي تواجه كل دولة على حدة، مثل ارتفاع وتيرة الإفلاس في سوق السندات المحلية الصينية وتباطؤ النمو الاقتصادي في الهند، واشتداد حدة أزمة نقص الكهرباء في جنوب أفريقيا.

وتشير وكالة “بلومبرغ” للأنباء إلى وجود عدة تصورات متباينة بشأن آفاق الأسواق الصاعدة التي تمثل حوالي 60% من الاقتصاد العالمي، وهو ما يجسده التباين في النظرة المستقبلية لهذه الأسواق، فمجموعة “يو.بي.إس” المصرفية السويسرية ترى أن الأصول الأعلى مخاطرة في الأسواق الصاعدة ستحقق عائدات بسيطة خلال 2020، في حين يقدم بنكا الاستثمار الأمريكيان “غولدمان ساكس” و”جيه. بي مورجان تشيس”، صورة أكثر إشراقا لأسواق الأسهم في الدول النامية خلال العام المقبل. ويرى بنك “مورجان ستانلي” أن سندات الأسواق الصاعدة مرشحة للارتفاع خلال العام المقبل.

ويقول ديفيد وو، المحلل الاقتصادي في “بنك أوف أمريكا”، والذي قال قبل عام إنه غير متحمس للتعامل في الأسواق الصاعدة ولو بأقل قدر، إن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ومصير قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) سيطرا على الأسواق وقادا حركتها خلال عام2019، لكن العام الجديد “سيدور حول تبديد حالة الغموض المحيطة بالسياسات، وهو ما سيؤدي إلى زيادة النمو العالمي عبر نمو الطلب مع اتجاه الشركات نحو إعادة بناء مخزوناتها واستئناف الإنفاق الاستثماري”.

ويرى بنك “إتش.إس.بي.سي هولدنجز” البريطاني الذي كان يتبنى نظرة متفائلة بشأن 2019 في وقت سابق، أن القادم سيكون أصعب.

ويرى محللو البنك، وبينهم بول ماكيل، وجو وانج، المقيمان في هونغ كونغ أنه “مع التقدم نحو 2020، لا تمضي الأوضاع في اتجاه واحد بالنسبة لعملات الأسواق الصاعدة بحيث تشكل حالة تعاف واسعة النطاق… سيكون عاما آخر مخيبا للآمال”.

الحروب التجارية

كما كان الحال في العام الحالي، سيتابع المستثمرون في الأسواق الصاعدة كيفية تطور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال العام الجديد. هناك شكوك كثيرة حول إمكانية أن يؤدي ما يسمى باتفاق المرحلة الأولى الذي تم الإعلان عنه الشهر الحالي إلى تقدم كبير بشأن المشكلات الأكثر عمقا بين البلدين، مثل الاستياء الأمريكي من شبكة الدعم الصناعي الضخمة التي توفرها بكين للشركات الصينية. ومن شأن أي إشارة إلى تزايد التوتر بين البلدين، أن تؤثر سلبا على الأصول المالية في الدول النامية، وليس على اليوان الصيني فقط.

ويقول “بنك أوف أمريكا” إن “نتيجة الحرب التجارية الأمريكية الصينية أساسية بالنسبة للنظرة المستقبلية للأسواق الصاعدة في 2020”.

مجلس الاحتياط والدولار

وأنعش جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي، أصول الأسواق الصاعدة الأسبوع الماضي عندما ألمح إلى اعتزام المجلس وقف الزيادة في أسعار الفائدة الأمريكية حتى عام 2021، على الأقل. وإذا حدث هذا بالفعل، فإن الدولار لن يسجل ارتفاعا، كما أنه سيضمن استمرار تدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق الصاعدة.

وفي المقابل، إذا ارتفعت معدلات التضخم على نحو غير متوقع، قد يضطر مجلس الاحتياط والبنوك المركزية الرئيسية في العالم إلى زيادة أسعار الفائدة، وتقليص الفارق في العائد على سندات الدول المتقدمة والصاعدة، فالمستثمرون يحصلون على عائد إضافي عندما يشترون سندات دولارية تصدرها الدول الصاعدة بدلا من سندات الخزانة الأمريكية. وقد انخفضت السندات الأمريكية إلى أقل مستوياتها منذ أبريل 2018، ليقل الفارق في العائد على سندات الدول الصاعدة والسندات الأمريكية إلى أقل من 300 نقطة أساس خلال الشهر الحالي، بحسب بيانات بنك “جيه.بي مورجان”.

تباطؤ النمو

يعتقد صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات الصاعدة ستحقق معدل نمو يصل إلى 6ر4 في المئة خلال العام المقبل، أي حوالي ثلاثة أمثال معدل نمو الاقتصادات المتقدمة. ولكن النمو في الصين والهند يتباطأ، وهو ما سيضر بالاقتصادات الصاعدة ككل، بحسب تقديرات بنك “سيتي جروب” الأمريكي.

ويرى المحللان ديفيد لوبين في لندن، وديرك ويللر في نيويورك أن “معدلات النمو المحتملة للأسواق الصاعدة تتراجع… ويثير هذا أسئلة بشأن أسعار الأصول، وبخاصة العملات الأجنبية”.

وفي المقابل، يرى بنك “غولدمان ساكس” أن البرازيل والمكسيك وروسيا وجنوب أفريقيا ودول أخرى صاعدة لديها مساحة للحركة على صعيد تخفيف السياسة النقدية، على المدى القصير على الأقل، لتعزيز النمو وهو ما يمثل نبأ سارا بالنسبة للأسواق الصاعدة ككل. ويقول البنك إن هذا سيعزز مكاسب الشركات، وسيساعد الأوراق المالية الصاعدة في تحقيق عائد للمستثمرين يصل إلى 11% خلال 2020.

ويقول محللو “غولدمان ساكس”، وبينهم أندرو تيلتون: “يمكن للعديد من البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة، خفض الفائدة مجددا خلال الشهور المقبلة، رغم أن عدد البنوك المستعدة للخفض سيتراجع بمرور الوقت”.

وقد تستمر ظاهرة البحث عن عائدات أعلى خلال العام المقبل، وبخاصة مع استمرار الفائدة المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة، ولكن تراجع العائد على السندات بالعملة المحلية خلال العام الحالي، يعني احتمال تراجع جاذبية الأسواق الصاعدة لرؤوس الأموال الساخنة سريعة الحركة.

وتراجع متوسط سعر العائد على السندات المحلية في الدول النامية إلى 2ر4%، وهو أقل مستوى له منذ أكثر من 10 سنوات، بحسب “مؤشرات بلومبرغ باركليز”.

وعلى الرغم من ذلك، يرى محللو بنك “سوسيتيه جنرال” الفرنسي أن المستثمرين مازالوا يراهنون على الأموال الساخنة للاستثمار في بعض العملات الأعلى مخاطرة. ويوصي محللو البنك بالاستثمار في السندات المحلية المصرية والنيجيرية على أساس أنها قد تعطي عائدا يزيد على 12% خلال العام المقبل، في حين يوصي “بنك أوف أمريكا” بالاستثمار في سندات عملة كازاخستان.

انتخابات الرئاسة الأمريكية

ويمكن أن تترك الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة يوم 3 نونبر المقبل، أثرها على الأسواق العالمية، حيث يرى أغلب المحللين أن الوقت لا يزال مبكرا للغاية على القول ما إذا كانت أصول الأسواق الصاعدة ستستفيد من إعادة انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية، أو من فوز مرشح آخر.

ويقول محللو “سوسيتيه جنرال”، وبينهم جاسون داو في سنغافورة: “هل سيكون فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية، أو فوز مرشح ديمقراطي، بالرئاسة نبأ جيدا أو سيئا للأسواق المالية؟ سيظل هذا السؤال مفتوحا، ولكن سيكون هناك تأثير على السياسة الاقتصادية أو الثقة قبل وبعد الانتخابات”.

اضطرابات أمريكا اللاتينية

تشهد أمريكا اللاتينية احتجاجات شعبية واسعة امتدت من تشيلي إلى الإكوادور وبوليفيا وكولومبيا، على أمور كثيرة، من غياب المساواة إلى الفساد. ومنذ بداية شهر دجنبر الحالي سجلت السندات الدولية لدول أمريكا اللاتينية صعودا، لكنها مازالت أقل مما حققته سندات الاقتصادات الصاعدة الأخرى خلال الأشهر الستة الماضية.

ويقول محللو “سيتي غروب”، وبينهم دانا بترسون: “في عام 2020 لن يختفي الغضب الشعبي ضد الحكومات… الأوضاع السياسية ستؤثر بشدة على أمريكا اللاتينية وستظل تؤثر بشدة على حركة التداول في المنطقة”.

إفلاس الحكومات

كان عجز الحكومات عن سداد ديونها السيادية أمرا نادرا خلال السنوات الأخيرة، ولكن في عام 2020، يمكن أن ينضم مزيد من الدول إلى فنزويلا التي توقفت عن سداد ديونها منذ عامين. لقد صارت الأسواق أشد قلقا بشأن الأوضاع في الأرجنتين ولبنان وزامبيا.

وفي غشت الماضي تراجعت العملة والسندات الأرجنتينية، في أعقاب فوز ألبرتو فرنانديز، المفاجئ، بالانتخابات الرئاسية الأولية، مما فتح الباب أمام صعود اليسار إلى سدة الحكم. وأشار فرنانديز الذي أدى اليمين الدستورية في وقت سابق من الشهر الحالي، إلى اعتزامه الدخول في محادثات جديدة مع الدائنين بشأن سداد الديون المتأخرة..

وتقول كارمن راينهارت، أستاذة الاقتصاد بجامعة هارفارد، إن معركة إعادة جدولة ديون الأرجنتين هذه المرة، ستكون أشد ضراوة من تلك السابقة التي استمرت 15 عاما بعد توقف الأرجنتين عن سداد ديونها عام 2001.

ثم تأتي لبنان، وقد أجبرت الاحتجاجات الشعبية رئيس الوزراء سعد الحريري على الاستقالة في تشرين أكتوبر الماضي. ويحل موعد سداد الشريحة الجديدة من السندات الدولارية للبنان في أوائل مارس المقبل.

وحتى إذا تم سداد هذه الشريحة، فإن الشك يساور الأسواق في قدرة لبنان على سداد ديونه. وقد ارتفع العائد على سنداته الدولارية إلى حوالي 30%، ويجري تداول أغلب سندات البلاد بأقل من 50 سنتا لكل دولار من قيمة السند، وهو ما يشير إلى أن المستثمرين يتوقعون خفضا كبيرا في قيمة مستحقاتهم.

‫تعليقات الزوار

5
  • متساءل
    الأحد 22 دجنبر 2019 - 20:04

    نحن أمام نظام يخلق الفوضى من حيت يكدس الأموال في أيدي أقلية ويعم البؤس على غالبية من السكان

    ففي نفس الوقت تسمع عن نمو ثروات كما في العالم الثالث للبعض تجد قصص خطيرة عن وضعيات البؤس للعمال و غير العاملين في المدن والقرى… مع القاسم المشترك اي غياب الدولة أو استقالتها عن لعب دورها
    فالتعليم سلم للخواص كذلك النقل كذلك الصحة كذلك التشغيل كذلك أحيانا الأمن…
    وحتى حماية العمال يتم التغاضي عنها كل يوم في الورشات و المعامل و المحلات …

    كل هذا يؤدي إلى سخط عارم
    ولا يترك أمام الدولة سوى الأمن والقمع ليزيد الاحتقان.

    لنكن صريحين نمودج الدولة الغير متورطة في المجال الاقتصادي لترك الحرية الكاملة للخواص الملائكة …الذي كان هو "الحل" الوحيد هو مكمن كل تلك المشاكل.

    الدولة وجب عليها ان تكون بمتابة صمام الأمان للجميع بدون انحياز ولن يتأتى لها هذا الأمر الا ان كان عندها "اوراق" في يدها نفسها تلك الأوراق التي قد قام أحيانا البنك الدولي ومختلف التوصيات بسحبها منها.

  • Dayz
    الأحد 22 دجنبر 2019 - 20:58

    Jetez un coup d’œil sur le nombre des commentaires a propos du Derby est notez la différence et le niveau

  • حديدوان
    الإثنين 23 دجنبر 2019 - 01:08

    ربما لن يستفيق الحكام من التدهور الذي سيلحق الفئات الهشة والفقيرة في المغرب وفي بلدان المغرب الكبير الا يعد فوات الاوان معايير القياس ومعايير الزوايا والابعاد التي يمكن النظر بها الى واقع المجتمع تختلف ما بين الماضي والحاضر الماضي كانت البساطة والقناعة لدى الجميع اما حاليا فان اليرس سيزداد الفوارق الاجتماعية ازدادت وستزداد فمن يحمي من ستكفل بهذه الفئات
    فرض الضريبة على الثروة التخفيض من السفريات زجر التهرب الضريبي
    الدولة لن تكون قوية الا بالعمل على تحسين الصحة والتعليم وفرض القانون في جميع مناحي الحياة

  • farisse
    الإثنين 23 دجنبر 2019 - 01:09

    الشيء الذي يصعب فهمه هو كون ادخال الروبوهات و مكننة الانتاج التي ضاعفت الانتاج اضعاف مضاعفة يبقى تأثيرها محدودا بالنسبة لطبقة العمال ، ففي الوهلة الاولى تضن ان مضاعفة الانتاج سيجعل الحياة اسهل لان العائدات و الرواتب ستتضاعف منطقيا لكن العكس ما يحصل ، يتم تقليص عدد الوضائف ، و العائدات تتضاعف عند مالكي وسائل الانتاج فقط ، يعني تزيد فقط في غنى الاغنياء الذين يمثلون 1% من سكان العالم … حتى امريكا وهي أغنى بلد في العالم بدأت تشهد ضهور طبقة هشة لاتستطيع سداد تكاليف الامور الاساسية … أدعوا من يجيد الانجليزية ان يشاهد فلم وثائقي رائع ثم عرضه قبل شهر وحقق مشاهدات عالية اسمه How poor people survive in the USA

  • متتبع للشأن العام
    الإثنين 23 دجنبر 2019 - 11:41

    أظن ان الانظمة العالمية مقبلة على الدخول الى عصر جديد بقيادة نظام "يساري ديمقراطي" "Democratic socialism"، خصوصا في ضوء الاحتجاجات المتصاعدة في الكثير من دول العالم المنددة بغياب المساواة و تفشي الفساد السياسي و الاقتصادي و في ظل ما نشهده من ازمات سببها النظام الاقتصادي الحالي اهمها تكديس الاموال في جيوب الاغنياء و تفقير الفقراء، هذا ما نلاحظه حتى في المشهد السياسي حيث الاحزاب اليسارية زادت شعبيتها في الاونة الاخيرة في الكثير من البلدان، و هي احزاب تعد الطبقات الفقيرة و المتوسطة بنشر الرخاء و تحسين الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و تعميم الخدمات العمومية. و النقطة التي ستفيض الكأس ستكون هي الازمة الاقتصادية المقبلة.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة