فتيحة أوراغ .. أول امرأة تمسك مقوَد حافلة في "العاصمة العلميّة"

أوقفت الحافلة، التي تتولى قيادتها، بمحطة حافلات النقل الحضري، وباشرت تسليم التذاكر للركاب، منهم من تعودها رغم أنه لم يمر سوى أسبوع واحد على التحاقها بعملها الجديد، ومنهم ما إن يهم بركوب حافلتها حتى يقف لحظة بدرج الصعود متفاجئا بأن من يقود الحافلة، التي تؤمن الخط 23 الرابط بين البلدية وحي مونفلوري وسط مدينة فاس، امرأة وليس رجلا كما ألف ذلك.

يتعلق الأمر بفتيحة أوراغ، التي تسلمت عملها الجديد كسائقة لحافلة للنقل الحضري بمدينة فاس بداية شهر مارس الجاري، لتصبح أول امرأة تتولى سياقة حافلة تجوب شوارع العاصمة العلمية.

تجربة فريدة أطلقتها فتيحة بعد أن تمكنت من دخول غمار هذه المهنة وقيادة حافلة لا تختلف في شيء عن مثيلتها من الحافلات الأخرى إلا في أن من يقودها ليس من الذكور.

حلم يتحقق

لم تخف فتيحة أوراغ، خلال لقائها بهسبريس، سعادتها بعملها الجديد، خاصة أنها، فضلا عن أنها باتت محط إعجاب الجميع، حققت حلمها الذي راودها طويلا في أن تتمكن من قيادة حافلة للنقل الحضري بعد أن تولت، في وقت سابق، قيادة حافلة لنقل المسافرين عبر الطرقات.

وتوضح فتيحة، وهي في عقدها الرابع، أنها كانت تمني النفس بأن تتولى قيادة الحافلة، مبرزة أنها توجت ذلك بالحصول على فرصة عمل كسائقة لحافلة للنقل الحضري بمدينة فاس، حيث يشتغل زوجها، كما تقول، ما فر لها دخلا محترما، ومنحها هامشا من الوقت للاعتناء بأبنائها، نظرا لمداومتها على العمل لنصف اليوم.

“السائقون والمراقبون وغيرهم أبدوا دهشة واستغرابا عند التحاقي للعمل بالشركة، لكن سرعان ما رحبوا بي وتقبلوني زميلة لهم في العمل”، تقول فتيحة، التي شكرت إدارة شركة “سيتي بيس”، التي تتولى التدبير المفوض للنقل الحضري بمدينة فاس، على ثقتها في مؤهلاتها، مشيرة إلى أن مديرها رحب بها لما عرضت عليه العمل سائقة بالشركة بعد أن مكنها من دورة تدريبة.

أما خلال القيادة، فتؤكد فتيحة أنها لا تلقى من زبناء حافلة النقل الحضري بفاس إلا الترحيب والتشجيع، مبرزة أن الكثير من الفتيات ينظرن إليها كقدوة لهن، وكمثال للمرأة التي تمكنت من اقتحام مهنة لا يزاولها إلا الرجال، كما أكدت على ذلك زبونة تداوم على استعمال الحافلة التي تقودها فتيحة، قائلة لهسبريس: “بالإضافة إلى أن فتيحة تتولى القيادة بشكل جيد وآمن، فإن ما تقوم به هو عمل شريف كان حكرا على الذكور، وهي تستحق منا كل التشجيع كنساء”.

لا يوجد مستحيل

“بعد حصولي على رخصة سياقة الحافلات، بحثت عن فرصة عمل في جميع مناطق المغرب، لكن دائما كان أرباب شركات النقل عبر الطرقات يرفضون تشغيلي، بحكم أني امرأة”، تقول فتيحة، موردة أن ذلك سبب لها تذمرا كبيرا لكنه لم يمنعها من مواصلة بحثها عمن يثق بها ويعطيها فرصة لإظهار قدرتها على قيادة الحافلات.

“حتى أسرتي تحفظت في البداية، ولم تتقبل أن أصير سائقة حافلة، خصوصا زوجي، الذي أبدى تخوفه من عدم قدرتي على التحكم في الحافلة التي يميزها حجمها الكبير”، تورد فتيحة، مبرزة أنها لما تمكنت، لأول مرة، من الظفر بفرصة سياقة حافلة على طرقات الرشيدية، عاتبها زوجها على خوض تلك المغامرة، قبل أن يغير، بعد ذلك، رأيه حين سافر مرة على متن إحدى الحافلات التي كانت تتولى قيادتها.

“عند سياقتي للحافلة، أشعر بالفخر وأنا أرى الركاب، من خلال المرآة، مرتاحين لطريقة سياقتي”، توضح متحدثة هسبريس، مبرزة أنها اشتغلت سائقة لحافلة تربط بين فاس ووجدة، واضطرت للتخلي عن عملها هذا بسبب عدم تمكنها من إيجاد شركة للنقل عبر الطرقات تراعي خصوصياتها كامرة وكأم لها أطفال، ما جعلها تفكر في البحث عن فرصة عمل كسائقة لحافلة النقل الحضري بمدينة فاس، حتى تكون قريبة من بيت أسرتها.

“لم أرتكب أي مخالفة أو حادث مروري خلال تجربتي في سياقة الحافلات”، تقول فتيحة، مشيرة إلى أن النساء لو تولين قيادة الحافلات لانخفضت كثيرا نسبة حوادث السير، قبل أن تضيف لهسبريس متحدثة عن تجربتها: “أعتبر جميع الركاب بمثابة أفراد عائلتي الذين تركتهم في المنزل، وأحرص كل الحرص على سلامتهم، وأعمل على تجنب ارتكاب الأخطاء حتى لا يقال إن امرأة لم تحترم قانون السير وتسببت في حادثة”.

وختمت أول سائقة لحافلات النقل الحضري بفاس لقاءها مع هسبريس بمطالبة نساء المغرب بالتشبث بتحقيق أحلامهن، مشيرة إلى أن “شعار المساواة بين المرأة والرجل يجب أن يظهر على أرض الواقع ولا يبقى مجرد طموح”.