علماء الشريعة وفخاخ الصحفيين

علماء الشريعة وفخاخ الصحفيين
الخميس 29 مارس 2012 - 02:28

تأخذ أخبار الفتوى الدينية الغريبة، حيزا كبيرا في الصحافة العربية، ففي كل صباح و مساء، تقرأ عن الداعية الفلاني المثير للجدل، و العالم الفلاني المثير للخجل!، وهذا التوسع و الانتشار يرجع إلى سببين رئيسين:

الأول: غالب الصحف العربية، إن لم نقل الكل، تبحث عن الإثارة، من خلال تناولها لهذا الرباعي ” السلطة و الدين و الجنس و الجريمة “، و التي يجمعها أهل الصحافة في قولهم ” صاحت الملكة يا إلهي، الأميرة حامل، من الذي فعلها”، و لكم أن تتخيلوا كيف سيكون حال الصحفي، إن اجتمع في الخبر ” الدين و الجنس” !.

ثانيا: يحتل الدين في حياة الإنسان موقعا متقدما، حتى قيل قديما” الإنسان حيوان ديني “، فلايمكن أن يحيا بدون الحديث في الدين، و العيش بالدين، و ممارسته، و الدعوة إليه، و البحث عن أجوبته في قضايا كثيرة، فهو في مسيس الحاجة إلى الدين، أكثر من حاجته إلى الأكل و الشراب !.

يدرك رؤساء التحرير في الصحف العربية، ما يريده المواطن، وما يثير انتباهه، وما يستفزه، ولذلك كثيرة هي الصحف، التي وضعت قائمة للشخصيات ” المثيرة للجدل”، لا لأنها مقتنعة بما يصدر عنها من مواقف و أفكار، بل تعرف أن هذه الشخصيات، ترفع منسوب استهلاك مطبوعاتها الصحفية، ولذلك نجد صحفا، صنعت نجوما في التحليل السياسي ، و نجوما في الإثارة الفنية..بل إن الصحافة صنعت نجوما في الخطاب الديني بشكل من الأشكال…و في الإعلام مقولة شائعة ” ليس المهم ما تقول ولكن المهم كيف تقول” ، فالكيف هنا هو الإثارة..و لم لا “الإثارة الدينية”…

نرى أحيانا ملفات تنبش في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة مستفزة، أو النبش في التاريخ الإسلامي، بالحديث حياة البذخ و الترف و المتعة..، أو إثارة قضايا استشراقية حول ” القرآن الكريم ” ، و الحديث أيضا عن ترجمة القرآن بالدارجة المغربية مثلا !.، فهذه القضايا الاستفزازية، تستقطب القراء بكل أصنافهم و أنواعهم، و توجهاتهم، سواء كانوا من الرافضين أو من المدافعين..

كمؤشر دال على حجم تفاعل القراء مع مثل هذه القضايا، يمكن الرجوع إلى خانات التعاليق، على المواقع الإلكترونية الإخبارية، للتأمل في نوعية التفاعل، الذي يصل أحيانا إلى حرب جاهلية، بين داحس و الغبراء !، والمستفيد الأكبرطبعا، هو صاحب الموقع الإخباري، الذي يراكم قاعدة بيانات زوار موقعه، ليفاوض بها، لجلب الإعلانات و الإشهارات.

انطلاقا مما سبق؛ على كل عالم شريعة و داعية إلى الإسلام أن يكون متيقظا، و عارفا بالصحافة و خباياها، و لتحقيق هذا الأمر، أقترح ما يلي:

– على المؤسسات التي تخرج العلماء، أن تصيغ برامج تكوينية، موضوعها كيفية التعامل مع الصحافة و الإعلام؟ كيف تجيب على أسئلة الصحفيين؟ كيف تصرح للإعلام؟، و من المعلوم في الدورات التدريبات، تدريب خاص لرؤساء الجمعيات و الأحزاب السياسية في كيفية الإجابة على أسئلة الصحفيين، و تدريب علماء الشريعة و الدعاة من باب أولى !، و على هذه المؤسسات أن تدرب العلماء الذين أصبحوا نجوم الفضائيات و المواقع الإجتماعية، أن تدربهم على صناعة الخطاب الجامع لا المفرق، فالكثير من الدعاة و العلماء، لم يدركوا التحول الذي حصل في مسيرتهم، فأن تحدث الناس في مسجد الحي بخطاب معين، يختلف تماما عن أن تخاطب الناس من الفضائيات أو اليوتوب، فالخطاب الأول خاص، و الخطاب الثاني عام، يسمعه في زمن الانفجار المعلوماتي الملايين من الناس، من كل الشعوب و البلدان و الثقافات..

– على عالم الشريعة أن يدرك أن ” سؤال الصحفي”، ليس كباقي أسئلة المواطنين، الذين يطلبون فتاوى تجيب عن أسئلة شخصية خاصة جدا، نعم لكل سؤال جواب، لكن من الأجوبة ما لا تجوز أن تكون عامة في الصحافة و الإعلام، لأن الفقيه كالطبيب، لكل حالة خاصة دواء محدد، بل إن الشاطبي رحمه الله 790هـ، تحدث في كتاب لواحق الاجتهاد، عن أحكام السؤال و الجواب، و أشار إلى أن العالم إذا سأله متعلم، فإن علم بأن السائل، ممن لا يحتمل عقله الجواب لم يفته، و لو كان الشاطبي في زماننا لقال في الصحفيين الذين يبتغون الإثارة، ويسألون أسئلة التغليط و الاعتراض المبطن، قولا بليغا ! ، و كثير من العلماء الخلص، كان بعض الصحفيين سببا في توريطهم في مشاكل صعبة جدا، و سببا في تشويه سمعته لدى الجمهور.

– على المؤسسات الصحفية، التي أدركت بوعي ، حاجة القراء إلى الخطاب الديني، أن تتحرر من القاعدة التي تقول” إن الصحفي يكتب عن القطار الذي لم يصل في الوقت، و لايكتب عن القطار الذي وصل في وقته”، تنزيل هذه القاعدة على المجال الديني، ستجعل الصفحات الدينية متخصصة في البحث عن الفتاوى الغريبة و الشاذة، و في المقابل؛ جمهور الناس في حاجة إلى خطاب ديني علمي رصين، و ستتخصص في كل مظاهر التدين المنحرف، لإبرازه تقريرا، لواقع ما.

و لتجاوز هذا الوضع، كما أن بعض الصحف، تنتقي بعناية الصحفي المشرف على الصفحة التربوية أو الفنية أو الرياضية، فبالمثل؛ عليها أن تنتقي بدقة الصحفي المشرف على الصفحة الدينية، الجامع بين المهنية الصحفية و الثقافة الدينية العامة، ليحقق التوازن المطلوب، و ليس الغرض من هذا أن تتحول الصحيفة إلى منبر لخطب الجمعة و المواعظ الدينية، بل إن الغرض أن تخبر الناس بما ينفعهم من الإصدارات و الندوات و المناظرات، و الحوارات ..

– كما أننا نسمع عن اللقاءات و المؤتمرات الحوارية التي تعقدها الصحافة مع كل الفاعلين في المجتمع، كمؤتمرات الصحافيين مع رجال العدالة و القضاء ..، فإنه ينبغي أن تعقد مؤتمرات بين علماء الشريعة و رجال قبيلة الصحافة، للتحاور و النقاش و تبادل الآراء و الأفكار، و تحديد الأدوار، وفهم كل طرف طريقة اشتغال الطرف الآخر، فمثل هذه اللقاءات، ستخرج الكثير من العلماء من عزلتهم، و سيقدم الصحفي خدمة غالية للقراء، لأنهم رأسمال أي مؤسسة صحفية، فبدونهم تموت و بوجودهم تحيا.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

20
  • Un citoyen
    الخميس 29 مارس 2012 - 03:09

    Tres bien dit. Cet article contient de tres bons conseils pour Zamzmi, Nahari et les autres

    vous etes entrain de nous diviser. Ce dont nous avons besoin aujourd'hui est un discour religieux qui va nous unir.
    Il n y a pas de mal a consulter vos confreres avant de dire quoique ce soit. Je trouve que c'est meme une obligation; car , de nos jours, vous n'avez aucune excuses Grace au… Eh oui…le telephone.

    Alah ihdina Kamlin

    Alah Almou3ine

  • rachd
    الخميس 29 مارس 2012 - 03:52

    exelent ,excelent,xcelent,excelent,excelent.e

  • محمد
    الخميس 29 مارس 2012 - 10:44

    مقال رائع يبين قلة مهنية بعض الصحف الوطنية لكي لا نقول الأغلبية التي تسعى بشتى الطرق لجلب القراء و المشاهدين حتى بتوظيف الكذب و الإفتراء و الأسوء طبعا هو الإفتراء على علماء الدين.
    هناك أيضا صحافة علمانية كارهة للدين تحاول تشويه الإسلام و صورة علماء الإسلام و قضية الجزرة خير دليل على ذلك.

  • محمد
    الخميس 29 مارس 2012 - 10:45

    تحياتي مقال في محله كما هي عادت السيد مصطفى

  • الصمدي
    الخميس 29 مارس 2012 - 14:41

    مقال رصين مبني بناء قويما وفقك الله اخي مصطفى في مسارك العلمي

  • متبع
    الخميس 29 مارس 2012 - 14:56

    أحسنت أحسن الله اليك
    وبارك الله فيك وفي كل الصحفيين الذين يريدون خدمة الدين والدنيا
    وليس كحال البعض الاخر،الذين يعتبرون معول هدم للقيم والمبادئ
    لاهم لهم الا نقل الاخبار الكاذبة والمزيفة بهدف الربح المالي…..
    حفظك الله وبارك فيك

  • سمية
    الخميس 29 مارس 2012 - 17:13

    صدقت يا اخي فان بعض المؤسسات الاعلامية اصبحت تبحت بل تنقب عن الاحدات المثيرة بهدف الحصول على نسبة كبيرة من القراء او المشاهدين ضاربين بعرض الحائط ما ادا كانت هده التصرفات تمس بسمعة بعض المؤسسات وخصوصا الدينية او قد تستفز مشاعر الناس للاسف اصبحنا في زمن يقدس المادة ويهدق الى تحقيق غايات تجارية على حساب مجموعة من القيم الانسانية

  • جاوجاب
    الخميس 29 مارس 2012 - 17:44

    هذا ما لا يريد ولا يفهمه القارئ المغربي مع الأسف
    مقال أقل ما يقال عنه في الصميم

  • jimjam
    الخميس 29 مارس 2012 - 19:15

    je m'excuse beaucoup واش العلماء كتدربوهوم بملابس و احدية رياضيا و غي سمحوليا

  • الصدوقي
    الخميس 29 مارس 2012 - 19:22

    التاطير الحقيقي ليس للعلماء فقط بل للمتعلمين ايضا هو النقاش الحاد الدائر على الساحة الاعلامية و الكل اظن يفيد يستفيد و يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر
    تحية احترام للكاتب مصطفى

  • ايوب
    الخميس 29 مارس 2012 - 19:55

    جــزاك الله كل خير على هــذا المقال الممتاز .. أسأل الله ان يسدد خطاك ويرفع من مقامك في الدنيا والاخرة

  • Original
    الخميس 29 مارس 2012 - 21:41

    ZemZemi ou la nouvelle politique du »bâton et la carotte »

  • متتبع متعجب
    الجمعة 30 مارس 2012 - 08:30

    تبعا لهذا التعليق الذى وضع الأصبع على الداء فى قضية تلاعب مناير إعلامية بالقضايا الدينية والبحث الجاد عن اللاعبين معهم من أصحاب الفتاوى المزعومة أقول : لم التمادى فى جلب ما يضحك وما يجعل من ألائك المفتين الألعوبة رموز السخرية ’ ورموز البحث عن الشهرة والنجومية ولو على حساب الكرامة وحساب الشرف إنهم قمامة المواقع والمنابر ونتانة البشر من وراء الجلاليب

  • مغربية
    الجمعة 30 مارس 2012 - 14:26

    اخيــــرا تمّ التطرق الى هذا الموضوع , مقال رائع و في الصم

  • mido
    الجمعة 30 مارس 2012 - 19:08

    bravo mr mustafa tres bien dit que allah vous protège

  • ايوب
    الجمعة 30 مارس 2012 - 21:47

    نعم يا اخي معك حق
    في عصرنا الحاضر اصبح الربح بأي وجه كان ، وبأية طريقة كانت ولو بالحيلة او بالسرقة او بالغش ،او الخداع او الكذب امرا مسلما لا نقاش فيه. اي اصبح الحرام حلالا نسأل الله السلامة والعافية وهذا ما تفعله بعض المنابر الاعلامية عندما ترى ان مبيعاتها تتناقص يوم بعد يوم . فعندذاك لا تكلف نفسها عناء البحث عن الاسباب ،كاستقراء اراء الناس عن سبب رفض شراء الجريدة ، او انتقاء الكتاب والادباء والمفكرين لاثراء صفحاتها الجرداء.بل تراها تشمشم من هنا وهناك بحثا عن رائحة خبر ولو لم يكن صحيحا. وتعوم في الاشياء المثيرة والمستفزة احيانا سعيا منها لحصد ارباح مجانية وبدون عناء.وهذا يجعلنا نفكر في نزاهة هاته المنابر العديمة المصداقية وننفر منها
    لانها لسان انسان انفصامي مريض وليس مدير جريدة محترم
    مع احترامي الخالص لهسبريس وموظفيها .

  • هشام
    الجمعة 30 مارس 2012 - 23:36

    صحيح ان الهدف التجاري الذي تلهث خلفه الصحف يدفعها دفعا نحو توضيف التغطية الاعلامية للشأن الديني المقدس بهذا المنهج البليد. لكن ليس هذا كل شيء، فالعامل الإديولوجي له ديدنه في هذه التغطية خصوصابين يدي محطات سياسية معينة كاالانتخابات محلية كانت او برلمانية..و لعل التحولات التي فرضها الربيع العربي على التناوب السياسي و انتخاب الاحزاب ذات المرجعية الإسلامية تفسر بجلاء تصاعد وثيرة التغطية الإعلامية للشأن الديني بالشكل الذي وصفه صاحب المقال.. و على الخصوص تناول الحقل الديني في علاقته مع قضايا الطفل و المرأة و الحرية و المثليين …

  • محب الحكمة
    السبت 31 مارس 2012 - 11:47

    مقال يعتبر مرجعا لرفع اللبس بين الصحافة و الدين.
    تحية من القلب لصاحب المقال.

  • المغربي
    السبت 31 مارس 2012 - 13:35

    كفى تهكما بالشيخ الزمزمي ، فما تحدث به موجود ذكره في بطون أمهات الكتب الكتب التي أن الشريعة عالجت كل شيء ، و أنا أقول بأنه اجتهد فإن أصاب فله أجران و إن أخطأ فله أجر واحد . لكن للأسف الإعلام هو الذي ينشر أشياء تجلب له نفعا ماديا ، و إساءة ترتضيها أطراف تعمل على نشر كل ما يسيء لرجال الدين . ثم إن الشيخ دون أن نكذب على أنفسنا : جل حديثه في فتاويه عن أمور الشريعة من صلاة و زكاة و صيام و بيع ووو أما حديثه عن هذه المسائل الحرجة فهو كإبرة في كومة قش ، و المغرضون أحبوا هذه الإبرة ، و أظهروها للناس ، فيحسبون أن الشيخ ديدنه تلك الإبرة ، فاتقوا الله يا مسلمبن ، و تبينوا قبل أن تتكلموا ، ألم يوصف المغراوي بالشيخ الضال في القناتين المغربيتين و في غيرهما ، مع أن ما أفتى به في جواز زواج الصغيرة إذا أطاقت هو مذهب المالكية و مذهب جمهور العلماء ، لكن الإعلام جعله ضالا ، و تبعه في التضليل عامة الناس جهلا منهم بحقيقة الأمر . قال العلماء : اللسان صغير جُرْمُه – أي حجمه – ، عظيم خيره ، كثير شره . فاحفظوا ألسنتكم تسلموا ، و اعرفوا للعالم قدره ، و إن أخطأ ، فالخطأ لا يسلم منه إلا نبي مرسل فقط ، فقط ، فقط .

  • أسعد
    السبت 31 مارس 2012 - 17:48

    بارك الله فيك يا مصطفى .ومقالك في الصميم .هؤلاء الصحفيون شفلهم الشاغل البحث في زلات العلماء وعثراتهم

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات