أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون

أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون
الإثنين 7 ماي 2012 - 00:30

يحكي أحد الطلبة بفرنسا زار أستاذه، فلاحظ بأن بيته ليس فيه جهاز تلفزة، ولأن الطالب بطبعه “فضولي” سأله عن سبب ذلك فأجابه الأستاذ: “واش أنا مجنون حتى نْجيبْ لداري شي واحد يشاركني تربية أبنائي”.

لنتخيل من باب المزاح فقط، أن الحكومة الملتحية بتعبير وزير الأوقاف السابق، عوض أن تأتي بدفاتر تحملات جديدة، اقترحت إلغاء التلفزيون، ماذا سيقع؟

ستقوم الدنيا ولا تقعد، وسينعتون الإسلاميين بالتزمت والتطرف، وغيرها من الأوصاف الجاهزة، أقلها بأنهم “أعداء” التلفزيون.

لكن ما رأيكم، في أن دعوة إلغاء “قصديرة” اسمها التلفزة، أطروحة كاتب أمريكي إسمه “جيري ماندر” ضمنها كتابا بعنوان “أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون” أصدره قبل عشر سنوات، وبيني وبينكم، لا أنصحكم بقراءته لأن أول حركة سيقوم بها من يقرأه هي حمل “التلفزة” والرمي بها في أقرب سلة للقمامة.

ومن بين ما جاء في هذا الكتاب – الذي أودعه صاحبنا خلاصة تجربة طويلة في مجال الإعلام بأمريكا – “ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية والقنابل النيترونية، ولكننا نستطيع أن نقول (لا) للتلفزيون، ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة، حيث يجب أن تكون، ولا يستطيع خبراء التلفزيون تغيير ما يمكن أن يخلفه الجهاز من تأثيرات على مشاهديه، هذه التأثيرات الواقعة على الجسد والعقل لا تنفصل عن تجربة المشاهدة”.

لقد تجرأ “جيري” وأطلق صرخته، مُحذرا من مغبة تأثير التلفزيون السلبي على الجمهور، لأن الرجل أفزعه ما اكتشفه من آثار التلفزيون كوسيلة إعلامية مدمرة، ومن حقنا كجمهور يستهلك بشراهة المادة الإعلامية على التلفزيون.

ومناسبة هذا الحديث، هو انتحار طفل في الربيع التاسع من عمره بمدينة اليوسفية، شنقا بسبب مسلسل “خلود” التركي الذي تبثه القناة الثانية، حيث حاول الطفل تقليد شخصية المسلسل المذكور، وعندما قام “الجدارمية” بالمنطقة ببحث بين أفراد أسرة الطفل المنتحر، تبين لها أن الضحية كان يتابع بشغف كبير المسلسل التركي “خلود”، وبسبب تأثره بمشهد قيام إحدى الشخصيات بالانتحار مما دفعه لتقليده.

هل كان ضروريا، أن نصل إلى مثل هذه الفواجع، لكي ندرك الخطر الذي يداهم بيوتنا من الداخل، ويعيد تشكيل أحاسيسنا وخاصة أحاسيس أطفالنا التي قال عنهم سقراط بأنهم صفحة بيضاء نكتب فيها ما نشاء.

في مؤتمر عالمي للطفل، نظمته إحدى جامعات عاصمة الضباب، تحدث أحد الباحثين الذين شاركوا في أشغال المؤتمر، بأن لديه طفل يبلغ من العمر سنتين، وأدرك (الباحث طبعا) “بأن جهاز التلفزيون مُشكلة عويصة، بمعنى أن له من السلبية والخطورة ما يؤذي الطفل”.

إن الأطفال عندما يشاهدون مسلسلا مثل المسلسلات التي تبثها قنوات القطب العمومي المتجمد (الذي بدأ يسخن مع دفاتر التحملات الجديدة) يتضمن مشاهد فيها الإجرام، وسفك الدماء، ينقلونه إلى خيالهم بصورة أوتوماتيكية، على أنهم سفاكون للدماء. للأسف الشديد، بعض الأمهات بسبب انهماكهن في أشغال البيت تريد التخلص من طفلها، فتفتح له التلفزيون وتتركه يشاهد أي قناة وأي برنامج أو مسلسل ومنهن من تشرئب بعنقها من المطبخ “هل بدأ المسلسل التركي؟”.

وعندما يبدأ يتحلق حوله جميع أفراد الأسرة رفقة أطفالهم دون التحكم في مشاهدة التليفزيون بصورة إيجابية.

إن التلفزيون في المغرب، لا يواجه فقط مشكل الحكامة، بل يواجه أيضا الكثير من الانتقادات، لسبب واحد فقط هو أنه لا يكتفي بقتل وقت الأطفال بل يقتلهم أيضا، ولا يدع لهم إلا القليل منه ليستمتعوا باللعب والمطالعة، بل يعلمهم أشياء لا تناسب أعمارهم، التي يسرق وقتا كبيرا منها، ويكفي أن نعرف أن متوسط عدد الساعات التي يقضيها الأطفال من مختلف الأعمار في مشاهدة مرتفعة بشكل مخيف .

لو كنت وزيرا للاتصال، لن أكتفي بإصدار دفاتر تحملات جديدة، بل سأرسل كتاب “جيري ماندر” إلى الهيئة العليا للسمعي البصري، للمصادقة عليه، وسأبعث بعد ذلك نسخا من الكتاب إلى مسؤولي القطب العمومي مشفوعا برسائل إقالتهم فورا.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

12
  • مناقشة بريد الكنتروني
    الإثنين 7 ماي 2012 - 03:43

    الحمام الزاجل يعتبر رمزا للسلام و محب للهدوء و البريد الالكتروني انما امتداد وراثي لدور الحمام الزاجل في نقل الرسائل
    تحدث الباحثون عن خصائص الحمام الزاجل الميكروفيزيائية و قل ما شئت من اسماء و مواصفات ازيائية و علاقته اي الحمام بالطقس و المناخ و الهواء لتامين السلامة المرورية لمسار رحلته التبليغية عبر بيئات متنوعة
    فعاصمة الضباب ان صح التعبير و بمعطى تعبيري افتراضي داخل اجواء عاصمة الضباب لندن هو المجس الغواص و السابر الذي يتمتع به الحمام من قياس روتيني و دينامي لدرجات حرارة الضباب الذي يحجب السحب و الغمام وبه يتجنب السيول و الاعاصير و ما الى ذلك الا النسور و الصقور
    بالعودة الى موضوع حسن الهيثمي اظن مشاهدة الحمام و معاشرته فوق سطوح اسلاك القديد خير من متابعة طائرة حربية تعصف غير ابهة بدم اسراب من الحمام في رحلة عكس رحلة السلام التي ينفذها الحمام الزاجل
    و هكذا تصبح اي شفرة رسالة صورة تلفزية غير رصينة بمثابة طلقة هادئة صوب المتلقى اي متلقي لا تترك دلائل مباشرة و لكن بتسديدات مدروسة و في قالب دعايات لاشهارات بمنسوجات اسطورية الى خيالية الى ماالى ذلك من تصميمات متجددة للعبةمحمكة بذكاء

  • fille de meknes
    الإثنين 7 ماي 2012 - 11:00

    معك أستاذي في كل ما ورد في مقالك قطبنا العمومي المتجمد كما قلت يستحق سلة المهملات هذا أقل ما يمكن أن نقول عنه لأن رداءته فاحت نتانتها على كل المستويات و بكل المقاييس

  • مهاجر من لندن
    الإثنين 7 ماي 2012 - 14:44

    اذكر اني اجرت شقة بمدينة سترابوبورغ بفرنسا ولم تكن موصولة بالشبكة الفرنسية للتلفزيون- فقد كانت مقطوعة عن عالم الشاشة . ولما وضعت جهاز استقبال على النافذة ثارت ثائرة المالك واقام الارض ولم يقعدها. وما كان له من حجة ان الشقة مربوطة مع الشبكة اتضح ان الشقة كان تسكنها سامية مثلنا ولكنها قاطعت الشاشة وما فيها. وربحت الدعوى التي رفعت ضدي لازيل الهوائي على اعتبار ان الشقة لم تكن تشتمل على اي ربط.

  • attention
    الإثنين 7 ماي 2012 - 16:39

    يجب مراقبة الافكار لتي تحملها هذه المسلسلات التركية والمكسيكية هذه المسلسلات تاثيرها كبير على الانسان خاصة الامي والمراهقون والاطفال ويجب علىى الوالدين ان يختاروا ما تشاهده اسرتهم الصغيرة بحضور الاطفال ويحضرني خبر قراته في صحيفة عربية ان يمنية ذات 20سنة طلبت الطلاق لان زوجها ليس انيقا مثل بطل المسلسل التركي وادي الذئاب واليوم قصة الطفل المغربي فاحذوا سموم التلفاز

  • medou
    الإثنين 7 ماي 2012 - 19:49

    شخصيا أدعوا إلى عقلنة مشاهدة التلفاز وانتقاء البرامج المناسبة خاصة بالنسبة للأطفال لأن الطقل مقلد من المستوى الرفيع . كما أن سبب ارتفاع نسب مشاهدة بعض المسلسلات التافهة دليل على الأزمة فأين الاحكتكاك بالكتاب ؟أين العروض والندوات؟ أين التكوين الذاتي ؟ الموضوع أستاذي الفاضل جيد ويحتاج إلى المزيد من النقاش الهادي والمسؤول وبحضور أساتذة علم الاجتماع وعلم النفس والفاعلين التربوبيين ….

  • khalid
    الإثنين 7 ماي 2012 - 23:26

    مقالك جيد وانا اتسال اين اختفت جمعيات ما تقيش الاطفال ضد هذا المسلسل الذي دهب ضحيته هذا الطفل

  • مسلم وافتخر
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 13:20

    بارك الله فيك على هذا المقال الرائع

  • الفقير إلى الله
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 13:51

    شكرا أخي حسن علي المقال لكن اسم الكتاب الحقيقي هو أربع مناقشات لإلغاء الإشهار جيري ماندر ليس كاتب و إنما رجل أعمال ثروته تقدر بالملايير قبل إعتزاله عمل الإعلان

  • عبد الرحمان
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 20:25

    من حسنات دفتر تحملات القطب المتجمد انها فتحت نقاش واسعا على الاعلام العمومي في البلاد وبدء بالفعل الحديث على خطورت ما ترتكبه القنوات العمومة من جرم في حق المشاهدين . للاشارة فعبد ربه امنع في البيت هذه القنوات ولا اشاهد فيها الا الاخبار على ردأتها وحالة الطقس.

  • عمر
    الثلاثاء 8 ماي 2012 - 21:35

    المسلسلات الاجنبية من اكبر اسباب الدمار الاخلاقي و القيمي في المغرب والوطن العربي .القناتين الوطنيتين ممولتين من المال العمومي لكن مع الاسف مال الشعب يصرف لتدميره

  • مغربية
    الأربعاء 9 ماي 2012 - 01:16

    في الحقيقة انتضرت كثيرا ن اسمع هدا في بلدنا الحبيب لاني كنت دائما اسمع م خارج البلاد اضرار التلفاز على الطفل وحتى على الكبار لاننا ما شاء الله في هذا البلد الحبيب عندنا من المتتبعين للمسلسلات المدبلجة الكثير رجالا ونساءا والاطفال لا حول ولا قوة الا بالله اتمنى ان يعرف الجميع ضرر تلك العلبة علينا وعلى اطفالنا وارجو من المسؤولين ان يهتمو بهدا الموضوع لانه مهم جدا وشكرا لكاتب التعليق

  • ahmed
    الجمعة 18 ماي 2012 - 23:12

    Mais il ya aussi du positif dans l’accès à la télévision, peut être plus que vous ne le pensez Mr Hassan.
    Un petit exemple : est ce que les marocains s’intéressaient à la météorologie, avant l’arrivée de la télévision ?
    Cordialement.

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب