ربط المسؤولية بـ"المسامحة"

ربط المسؤولية بـ"المسامحة"
الجمعة 21 شتنبر 2012 - 13:52

مقدمة:

يعتبر المغرب بلدا رائدا في إنتاج المفاهيم والتسويق لها عبر وسائل إعلامه الرسمية، وجزء كبير من أحزابه الملأ بـ”الجنود المجندين”، وكثير من الجمعيات المنتشرة على خارطة الوطن والتي احترف أصحابها مهنة التقاط المفاهيم الرسمية التي تسوقها الدولة وتصريفها إلى أهداف أو إستراتيجية، بغض النظر عن طبيعة المفهوم ومدى ملاءمته لسياسات الأحزاب أو الجمعيات المذكورة.

أبرز دليل على ذلك هو تنظيم مهرجان لـ”الهيت” بأحد أقاليم الغرب تحت شعار “الهيت في خدمة التنمية البشرية” وكذا تنظيم دوري للكرة الحديدية بأحد أقاليم الجنوب الشرقي تخللته ندوة تحمل عنوان ” الكرة الحديدية والتنمية البشرية، الواقع والأفاق”..

لا يهم إذا، مدى تجانس أهداف هذه المنظمات مع طبيعة الشعار المرحلي الذي ترفعه الدولة، بقدر ما يبقى مهما تبنيه من طرف هذه الجمعيات طمعا في دعم السلطات المحلية وتمويلها.. سلطات تقابل الجميل بالجميل وتدعم بسخاء كل الجمعويين الوطنيين، متى ارتضوا لإطاراتهم أن تتحول إلى أداة لتسويق “المفاهيم المولوية”.

عرض:

مرت سبع سنوات على خطاب الملك محمد السادس يوم 18 ماي 2005 الذي قال فيه “إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست مشروعا مرحليا ولا برنامجا ظرفيا عابرا، وإنما هي ورش مفتوح باستمرار” وتدحرج المغرب إلى الوراء على سلم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لكن الإعلام الرسمي و أحزاب “الجنود المجندين” وجمعيات “الهيت” والكرة الحديدية لا يجدون حرجا في تغيير شعار بشعار حسب متطلبات المرحلة وجدة المفهوم البراق الذي يخرجه المخزن من ماكينته الصدئة، التي سبق وأنتجت مفاهيم “العهد الجديد” و “المفهوم الجديد للسلطة” و “سياسة القرب” و شجرة شعارات اصفرت أوراقها في صيف الحكم المطلق الذي طال قبل هبوب نسائم “الربيع الديمقراطي” الذي لاح الخريف بعده من جديد، معلنا للعالم أن المغرب هو بلد الاستثناء بلا منازع.

اليوم، وما أشبه اليوم بالبارحة (كما يقول المثل العربي) أعيد صبغ نفس ماكينة المفاهيم بصباغة جديدة، لتخرج إلى سوق الاستهلاك مفاهيم جديدة وشعارات براقة، يدخل إلى رحمة الدولة الواسعة كل من تبناها ويؤخذ بالنواصي والأقدام كل من أنكرها أو خالفها أو وضعها محل نقد وتحليل.. وما أكثر المتبنين في زمن “ويل للمنكرين المنتقدين..”

“ربط المسؤولية بالمحاسبة” جملة يرددها منذ شهر يوليوز 2011 كورال النخبة الرسمية ومعه الجوق الوطني لصحفيي الإذاعة والتلفزة المغربية، ويربطون الجملة بسياق المجهود الجماعي الذي وجب القيام به من أجل “التأويل الديمقراطي للدستور”، في صياغة هلامية للخطاب تجعل المرء يخال أن تأويل الدستور مسؤولية تقع على خضار الحي أولا!

هنا لابد من الوقوف على “ربط المسؤولية بالمحاسبة” كجملة وردت في الدستور قبل أن تتحول إلى شعار تلوكه الأفواه لدرجة الابتذال، وبحث مدى مطابقة سلوك الدولة لهذا المفهوم الجديد، في تمرين يسهل فهمه من خلال سرد بعض الحالات الذي شهدها مغرب “الدستور الجديد”، مع الاقتصار على الأمثلة الأكثر شعبية وراهنية، وهي الثلاثة التالية :

1 – كلب غيريتس

طوال المدة الذي أشرف فيها الناخب ايريك غريتس على تدريب “المنتخب الوطني” استفاد كلبه من عناية طبية و نظام غدائي وأنشطة ترفيهية لم تتوفر لعشرات الآلاف من أطفال القرى المغربية الصامدين في الهامش، بل وصلت الضيافة المغربية إلى حد تكلف فيه السيد علي الفاسي الفهري شخصيا برعاية الكلب الألماني “جورج” ووضعه في مكان يليق بمقامه بمدينة الدار البيضاء إلى حين عودة الناخب غريتس من الغابون التي جاء منها البلجيكي يجر أذيال الخيبة. ذهب غيريس وكلبه “جورج” وبقي علي سليل الأسرة الفاسية الفهرية على رأس الجامعة الملكية لكرة القدم رغم كل الفضائح و ضدا على القانون الداخلي الذي يفرض على رئيس الجامعة الملكية شرط رئاسة فريق من فرق كرة القدم الوطنية!

2 – فضيحة مزوار

يوم 9 أكتوبر 2012 سيقف عبد المجيد ألويز أمام المحكمة بتهمة إفشاء السر المهني، والسبب هو اتهام الإطار العامل بخزينة المملكة بتسريب وثيقة إلى الصحافة الوطنية تفضح تبادل العلاوات بين نور الدين بنسودة خازن المملكة وصلاح الدين مزوار وزير المالية السابق ورئيس التجمع الوطني للأحرار. فضيحة شعارها “عطيني نعطيك يا لحبيب ونولي ليك” لم تزحزح بنسودة من موقع المسؤولية الوثير ولم تستدعي المسؤولية الأخلاقية لصاحب الحمامة الزرقاء الذي استمر في التشدق بخطابات حول النزاهة والحكم الرشيد متى التقى في منصة الحزب مع صديقه الطالبي العلمي رشيد.

3 – أجنحة الماجيدي

في واحد من أهم التحقيقات الصحفية بالمغرب، فجر محمد رضا بنشمسي قضية بحجم الفضيحة، بطلها محمد منير الماجيدي رجل القصر القوي. مدير نشر مجلة “تيل كيل” السابق جاء بأدلة مفصلة ودامغة أظهرت تورط رئيس الكتابة الخاصة للملك في عملية نصب استغلت فيها أموال عمومية مستخرجة من شركة الخطوط الملكية المغربية زمن الأزمة، بمباركة من مديرها بنهيمة ووزير المالية مزوار والوزير الأول عباس الفاسي. أموال ذهبت لشركة طيران محدودة المسؤولية، مقرها في الدار البيضاء، ورأسمالها لا يتجاوز 60 ألف درهم، أنشأها صاحب “إف سي كوم” خصيصا لاستقبال الأموال المنهوبة من دافع الضريبة المغربي حسب ما جاء بالحجة والدليل في تحقيق بنشمسي. شركة الطيران لم يبقمنها إلا أجنحة منير التي يطير بها فوق سماء المال والأعمال.

خاتمة:

بقاء علي الفاسي الفهري على رأس الجامعة الملكية لكرة القدم و محاكمة موظف شجاع بدل مزوار و بنسودة واستمرار الماجيدي في الاستثمار في الملصقات والعقار يبين زيف شعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة” وحالة الاسكيزوفرينيا التي تعيشها الدولة بين السلوك والخطاب، ويدعوا المغاربة جميعا إلى الترافع عند منتجي المفاهيم الرسمية حتى تخرج ماكينة المخزن شعارا واضحا ومنسجما يعكس حقيقة المرحلة وهو شعار وجب أن يربط بين المسؤولية و”المسامحة”.

‫تعليقات الزوار

11
  • haut atlas
    الجمعة 21 شتنبر 2012 - 14:12

    bravo bravo bravo, c'est super, rien a dire, continuer monsieur rachid que dieu vous benis

  • أيمن
    الجمعة 21 شتنبر 2012 - 15:43

    "المطبخ السياسي المغربي" مسرحية كبيرة أبطالها معروفين و المواطن البسيط لا يملك إلا التفرج على أحداثها بعد أن أدمن الخوف و"الدخول سوق الراس"..

  • أمين صادق
    الجمعة 21 شتنبر 2012 - 19:00

    كلمة "المحاسبة" مشتَقَّة من "الحساب المالي" ؛ وهي تعني تسجيل العمليات المالية بهدف تمكين المستفيد منها من معرفة نتيجة أعماله والتصرف فيها…

    إنه التعريف "الفني" لمفهوم المحاسبة، ويبدو أنه المعنى الحقيقي الذي تنطوي عليه لازمة "ربط المسؤولية بالمحاسبة" التي أضحت شعار حتى من لا شعور له!

    فما دام هذا الشعار "لقمة سائغة" تلوكها أيضا الألسن المؤدية إلى "كروش عامرة بالعجينة"، دون تردد أو تحفظ أو خجل، فإن هذا يزكي كون المفهوم يرتبط أكثر بالمحاسبة حسب تعريفها الفني والتقني، وليس بمعناها الأدبي والأخلاقي الذي يحيل على المساءلة.. حيث أن "ربط المسؤولية بالمحاسبة" في واقع الأمر، ومرارة الواقع، إنما يراد به ربط المسؤولية بالحساب المالي؛ أي أن المسؤول الناجح هو الذي يعرف كيف يوظف مسؤوليته لتسمين حسابه المالي..

    لقد "طوّعنا" عبارة "ربط المسؤولية بالمحاسبة" لكي تنسجم مع واقعنا وطريقة تسيير شؤوننا، مثلها مثل العديد من المفاهيم التي أبدعناها أو اقتبسناها لتكون سيفا على رقاب الفاسدين، فإذا بها صارت – بفعل قدرتنا على التطويع – سيفا في يد الفاسدين…

    فهل يندرج هذا في إطار "الخصوصية المغربية".. كذلك ؟؟!!

  • zouhair
    الجمعة 21 شتنبر 2012 - 22:54

    Tous les changements du monde modérne on commencer par une prise de conscience des peuple eux meme, avec le travail des associations, c'est ce qui à permis l'évolution tranquille et en harmonie avec leur religion et leurs traditions, demander un changement au modéle egyptien ou irakien ne fera que des morts et un retour au passer, un retour au temps de SIBA, on est vraiment les maitres de la critique, surtout quant aljazeera te donne le microphone, je ne comprends pas pourquoi hespress a permit à cet ignorant d'ecrire sur son site, je suis avec la libre expression mais pour ceux qui la mérite, les vrais penseurs, et non pas ceux qui veullent prendre la place du grand journaliste Rachid Nini, alors eloigne toi smiagole de ce terrain et cherche ton précieux ailleurs.

  • simo
    السبت 22 شتنبر 2012 - 02:56

    إلى صاحب التعليق رقم4 زهير

    السيبة شماعة نعلق عليها خوفنا من التغيير و الإصلاح و والذي ينتقد الشمس هو الشخص المصنوع من شمع

  • am7dar amrroqui
    السبت 22 شتنبر 2012 - 13:08

    تحياتي.. نعم فالامر كذلك فهم يعرفون كيف يطبخون مصطلحاتهم في مطبخهم المخزني ، اذ ان من يسمع تلك الشعارات والمصطلحات سيقول "هنا نبات" ولكن شتان بين تلك الشعارات والواقع … والغريب في الامر ان المواطن المسكين لازال يصدق اي كلمة يتفوه بها المخزن وما زال مستعد ان يصدق … كم انت لطيف ايها المواطن!!!

  • احمد
    السبت 22 شتنبر 2012 - 13:17

    ربط المسؤولية بالمحاسبة يقع في الدول الديمقراطية التي تعرف معنى الديمقراطية مفهوما وممارسة ولا يمكن تصور ذلك في دولة كالمغرب الذي تغلب فيه كثرة الشعارات الفارغة والبراقة لايهام المواطن البسيط بحقيقة ما يسمعه ويراه عبر القنوات والاذاعات العمومية مستغلين في ذلك غلبة الامية والجهل لدى شريحة واسعة من المواطنين

  • hom-libre
    السبت 22 شتنبر 2012 - 15:00

    مقال جرئ الله اعطيك الصحة وكل مارد به حقيقي يختارون عبارات رنانة لننشغل بها ونجترها بل ونصدقها لنكتشف بعد فترة انها شعارات ما استغرب اهؤلاء ابطال الورق ليست لهم كرامة ليستقيلوابعدما فضحوا وقضاؤنا يصم الاذان عن الشفارة ويعلق المشانق لاكباش فداء فحزب مزوار من سيعطيه صوته في اي انتخابات قبل ان يمثل امام القضاء لنعرف حقيقة كل ما نشر عن اختلاساته اما الفهري الفاسي الذي طلب من المغاربة ان يساهموا في اختيارمدرب وطني وهو مبتسم الا يدري ان الشعب يريد محاسبة جامعة كرة القدم ومعرفة كم ااضاعوا من المال العام جراء سوء تدبيرهم غريتس لم يكن الا المشجب الذي علقوا عليه تبذيرهم واستخفافهم بالشعب فلو جابوا بيلي واقع الكرة لن يتغير فليحاسب كل اعضاء جامعة كرة القدم اضافة الى جامعة العاب القوى ما لم يجتث الفساد والنهب من جدوره ويحاسب الجميع وتبث قنوات التلفزة اخبار المحاكمات والمجلس الاعلى اسكت هو الاخر برئاسة جطو فلا امل يرجى اما حاشية الملك شكون اقدر عليهوم غير الله سبحانه لك الله يا ايها المواطن البسيط ما دام الفهري ومزوار وغيرهم لم يحاسبوا فلا امل في اخذ حقوقك

  • Hassane Rhriss
    السبت 22 شتنبر 2012 - 18:36

    ر سائل حمراء محشوة بالتفاهات التي لا تقدم ولا تؤخر كل ما جاء به المقال معلوم و ربما اكثر من ذلك يعلمه الصبية والاطفال في مدارسهم ..بينما على المناضل التقاط اللحظة و الحدث للفعل النضالي ومزاوجته بالاداء النضالي السلوكي اليومي لا مستفزا ولا متهاونا في نحت صيرورة متدرجة في تطورها واستكمال تقدمها ونقائها ..اقول هذا كي انتهي الى التقرير بان النضال اليومي والرسائل الحمراء المتوجب توجيهها للعموم هي العمل بالوسائل ا لمتاحة لاعادة و تصحيح تربية الفرد والمجتمع اللذان بدونهما لا يستقيم اي تغيير او اي اصلاح او حتى اي ثورة او انتفاضة في افق الفرة الصحيحة المنشودة من طرف الجميع والتي لا يعمل هذا الجميع على تحقيقها الا بمنظور مصالحه الضيقة جدا والتي لا تراعي المصلحة العامة

  • ana
    الأحد 23 شتنبر 2012 - 10:56

    ما دام الفهري ومزوار وغيرهم لم يحاسبوا فلا امل في اخذ حقوقك …… ?

  • حمزة
    الأحد 23 شتنبر 2012 - 14:14

    مقـــــــــال متميز فعــــــــــــــــــــــلا ربـــــــــــــــــــــط المسؤولية بالمسامحـــــــة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 6

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس