ألفريد هتشكوك في عين الموجة الجديدة

ألفريد هتشكوك في عين الموجة الجديدة
السبت 16 فبراير 2013 - 23:20

تعدنا المهرجانات بتقديم الأفلام الجديدة، تعدنا بالمبتكر والمختلف… نتحمل أياما من المشاهدة المكثفة… ويزيد التعب كلما عرضت أفلام مخيبة للآمال… حينها يتضح أن السينما تعيش أزمة إبداع… وهذا يبعث اليأس في النفس…

الحل؟

أحصّن حبي وأملي في السينما بإعادة مشاهدة أقوى الأفلام التي رسخت في ذاكرتي. منها سبارتكيس لستانلي كوبريك، كان ذات يوم في الغرب لسيرجيو ليون، لاسترادا لفليني… وطبعا “فرينزي” لألفريد هتشكوك والذي ترسخ في ذهن الجمهور بفضل صورة أسطورية فيها لسان متدلي وعينين مفتوحتين بشدة… تعبير حسي عن الموت…

في هذا الفيلم عاد هتشكوك لموطن طفولته في لندن حيث كان والده بائع خضر… نرى نهر التايمز ثم تظهر جثة طافية لامرأة حنقت بربطة عنق… بعدها نتعرف على الفاكهاني بطل الفيلم عاشق الفواكه وعاشق نوع خاص من النساء… يعجب بمطلقة جميلة تدير شركة لتزويج العزاب. يجعل هتشكوك شخصياته تنطلق من وضعيات مشبعة بالتناقضات، وهذا ما يسهّل عليه اللعب على المفارقات والسخرية لإمتاع المتفرجين.

بين حين وآخر يجني الفاكهاني تفاح النساء بطريقة سيئة… ويظهر خصمه مع لمسة كوميديا سوداء، نرى المحقق الذي يعاني من سوء التغذية لأن زوجته تجرب فيه وصفات غريبة… يعشق اللحم بالبطاطس بينما تقدم لهم له زوجته وصفات معقدة غير صالحة للأكل… عزاءه أن الطباخة الفاشلة تساعده بإشارات ذكية للقبض على المجرم الذي خزن جثة في شاحنة بطاطس… ثم عاد للبحث عن الجثة ليدخل في معركة معها… تلطمه برجلها ويكسر أصابعها… هكذا ربط المخرج بين لقطتين بالبطاطس.

ما الذي أودى بالمجرم؟

هوسه بدبوس تزيين ربطة عنقه. يقال إن كل واحد منا يحمل الحجر الذي يتعثر فيه.

في فرنزي حقق هتشكوك سردا أنيقا. إيقاعا سريعا لا يسمح للمتفرج بتخمين أو استباق أحداث الفيلم. الحدث يعرض والفكرة يستخلصها المتفرج. يجري الحدث وتظهر نتائجه معقدة في خمس دقائق، وتكون النتيجة مقدمة لحدث آخر، فيلم بتفاصيل صغيرة يتم تنسيقها لتغدو صرحا مبهجا…

في هذا الفيلم، استخدم هتشكوك الكثير من اللقطات التي يعمد لها المخرجون الشبان لاستعراض عضلاتهم في اللعب بالكاميرا. هتشكوك لم يكن بحاجة لهذا الاستعراض واستخدمه خاصة في لقطة شهيرة بعد مرور ستين دقيقة من الفيلم. لهذا قال فرنسوا تروفو عن “فرنزي” أنه فيلم بأسلوب مخرج شاب. وأكد تروفو أن أفلام هتشكوك لا تشيخ.

كان ذلك علامة على الطزاجة الإبداعية للمخرج الذي لم يستطع أحد منافسته في شباك التذاكر. ولا في إثارة الجدل، ولقد خصص له تروفو حوارا مطولا نشر في كتاب. كما خصص له المخرجان الفرنسيان الآخران ضمن الموجة الجديدة: كلود شابرول Chabrol وإريك روهمر Rohmer كتابا يحتفيان فيه بعبقريته (1). وهذا صادر عن متخصصين في مجلة دفاتر السينما التي تعتبر معبد تقديس الإخراج la mise en scène في العالم ككل.

في هذا الكتاب يكشف المخرجان أن هتشكوك في بداياته أخرج فيلمين فاشلين فرأى أن مستقبله مهدد كمخرج، أوقف تجاربه فورا وتصالح مع المطالب التجارية للمنتجين وانخرط في إخراج أفلام بوليسية. وهكذا بدل أن يرفع الجمهور إليه، توجه إلى الجمهور، وأخذ يزرع فيه الشك في كل لقطة.

مخرج كان مجرد ذكر إسمه دعاية في حد ذاته، وذلك بفضل تميز أسلوبه. وهو ما وقف عليه الكاتبان المخرجان. وقد استخلصا أن هتشكوك أبدع في خلق الأجواء التي تؤثر على الجمهور، مستخدما خياله في البرويتاج. وظف ميلودراما شعبية برمزية مؤثرة تلتقط جحيم الحياة اليومية. وهو يتجنب ما يُسهل تموقُف المتفرج من بداية الفيلم مع أو ضد. أي لا يصور شخصيتين واحدة على حق والأخرى على خطأ، بل في أفلامه صراع بين نزهاء،وهذا يضاعف التشويق، وإذا حصل خطأ ما فهو خطأ النوع البشري لا خطأ فرد معين.

تتميز أفلام هتشكوك بالتبعية المتبادلة بين الشكل والمضمون. يصور اللحظات الضعيفة في السيناريو بسرعة، يتجاوزها ليركز على اللحظات القوية. وهو بذلك يقوم بنقد ذاتي استباقي أثناء التصوير.

يتصور هتشكوك الفيلم كخطوط لها اتجاه معين، يركز كثيرا على الحبكة ويتجنب التحولات الفجائية غير المبررة. في أفلامه لكل لقطة هدف، وهو يرفض الكليشيهات. يعتمد الدقة في صنع اللقطات، لديه بساطة ودقة في الكادراج cadrages. ماهر في استخدام كادر كبير متحرك grand plan mobile.

كان كتاب روهمر وشابرول اعتراف من رواد سينما المؤلف بعظمة هتشكوك. والحق ما شهد به الخصوم.

بمثل هذه الأفلام والكتب أسترجع عافيتي الإبداعية التي تتعرض للانتهاك كلما شاهدت فيلما بئيسا. أستنجد بهتشكوك وكوبريك وسيرجيو ليون، لكي لا يلتبس علي ما هو سينما بما هو تلفزيون.

(1) Hitchcock Claude Chabrol Eric Rohmer 1957

‫تعليقات الزوار

5
  • Observer USA
    الأحد 17 فبراير 2013 - 00:47

    السينما عندهم تلعب دورا مهما في الإقتصاد من خلال المداخيل الكبيرة التي تجنيها دور العرض. كما أنها تساهم في الترفيه والتوعية أحيانا. لكن السينما عندنا فهي من أجل تصفية حسابات سياسية ومن أجل الإغتناء على "ظهر" المواطن وكذلك الظهور والشهرة والتملق. ما الإضافة التي قدمتها السينما المغربية اقتصاديا وثقافيا وتوعويا؟ لا شيء غير الجنس الرخيس وتصفية الحسابات كما قلت.

  • مغترب
    الأحد 17 فبراير 2013 - 06:04

    مقال أجوف،بدون معنى وفارغ. من فضلك ، نريد مواضيع هادفة.

  • tche
    الأحد 17 فبراير 2013 - 19:14

    لا يمكن للابداع الا ان ينبع من عمق المعانات الانسانية.
    ان الفن والابداع هو حاجة انسانية لا تخص بتاتا تحسين الوضعية الاجتماعية للمبدع بل تخص اشباعه روحيا بحيث تعطي له معنى لوجوده . والتاريخ يذكرنا ان المبدعين الكبار اما ماتوا انتحارا او سجنوا او جنوا ولم يكن احدهم ينتظر اكرامية من سلطة. فلا يمكن للقطط السمينة المتخمة بالفساد والانانية ان تعطي فنا او ابداعا .فمن له الاحساس المرهف (اعني المبدع) لا يمكن له ان يجاور سلطة ثقيلة متخلفة لا ترى في الفن الا ما من شانه ان يطيل من عمرها.

  • جلال
    الإثنين 18 فبراير 2013 - 00:23

    هناك اسلوبان في الحكي السينمائي و الدراماتورجي ككل،التشويق و المفاجاة،هتشكوك اختار اسلوب التشويق،و لدلك فهو لا يلجا الى المفاجاة و لا يحبها،فهو يحيلك على الخطر من اول الفيلم و يتركك لاهثا وراء الحركة متسائلا هل سيحدث المحضور ام لا،التعقيدات في الكادراج لا يلجا اليها الا الصغار،وودي الان صرح بانه لا يلجا الى اللقطة الكبيرةgros plan
    الملاحضة انه على كبر قيمته كمخرج فهو لا يكتب سيناريوات افلامه بنفسه،كما يفعل صغارنا قراصنة الفن و مصاصو نسغ المال العام،متى يخرج صغارنا افلاما ميتافيزيقية او فكرية لا نشم فيها مؤخرات النساء،و متى يعلمون ان الافلام ليس مراحيض او غرف نوم يفرغون فيها عقدهم الجنسية و افرازات اعضائهم التناسلية.

  • معترض
    الإثنين 18 فبراير 2013 - 03:15

    tche
    اعطنا اسما لمبدع كبير انتحر، الوحيد هو همنغواي و لاسباب غير مادية.
    كل المبدعين كانو على صلة وطيدة بالسلطة،هل المتنبي ليس مبدعا كبيرا؟لقد كان مقربا من الامير،شكسبير كان من رعايا اللورد ساوثهامبتون و فيه قال سوناتاته المعروفة،ام كلثوم و عبد الحليم و عبد الوهاب كانو مقربين من الملوك و ابدعوا فنا عبقريا،لمشاهب و الغيوان غنوا في القصر،اعطنا اسما واحدا لمبدع كان ضد سلطة بلده،من يدعي المعارضة هم الفاشلون فيحاولون التغطية على عقم ابداعهم بالضجيج،فيكتور هوغو كتب البؤساء في قصره الفاره،ام انك تريد ان ترى الفنانين فقراء لكي تقول انهم صادقون؟من هم الفنانون الدين انتهوا في السجون؟او جنوا؟قرب الفنان من السلطة لا يتعارض مع صدق و جمال ابداعه،دور الفن ليس المعارضة السياسية،دور الفن ليس النضال او تغيير المجتمع،دور الفن هو خلق الجمال فقط.من حق الفنان على السلطة ان تكرمه و توشحه و ترد له اعتباره،عكس كلامك هو الصحيح،كلما ارتاح الفنان ماديا كلما ابدع اكثر.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين