بلد الاستثناء الحقيقي..

بلد الاستثناء الحقيقي..
السبت 4 ماي 2013 - 01:18

صديقي القادم من بلاد أوربية متقدمة جدا على صعيد التنمية البشرية كما تقول بذلك تقارير الأمم المتحدة، لم يجد يوما من أجل زيارتي بالرباط، سوى فاتح ماي لهذه السنة، ونظرا لضرورة تغطيتي كصحافي لمظاهرات الشغيلة المغربية في عيدها السنوي، فقد كان لزاما علي أن أصطحب صديقي إلى مركز الرباط، هناك حيث يتظاهر شباط والعثماني والمعطلون والنقابيون والعمال وآخرون !

مسيرة للاتحاد الوطني للشغل، أغلب الوجوه التي تتقدم المسيرة معروفة للمغاربة: سعد الدين العثماني وزير الخارجية والأمين العام السابق لحزب المصباح، بالقرب منه، عبد العالي حامي الدين، رئيس المجلس الوطني للحزب ذاته، يصرخون مع رفاقهم:” رابع مطلب يا مسؤول..سيادة حقيقية”، سألني صديقي من هم هؤلاء الذين تحرص كاميرات الصحافة على التقاط صورهم، أخبرته بمهامهم، استغرب كثيرا ليتساءل: “ألا ينتمون إلى نفس الحكومة وزعيم حزبهم هو رئيسها، والمعروف أن من يترأس الحكومة هو المسؤول، فمن هو المسؤول الذي يتوجهون إليه بالكلام؟”، بعد لحظات بدأ شعار آخر، “الشعب يريد إسقاط الفساد” ليستغرب مرة أخرى: “أليست للحكومة في بلدكم القدرة على إسقاط الفساد عوض المطالبة بذلك وترديد ما يُفترض بالشعب أن يردده؟”، لم أعرف كيف أجيبه غير إيماءة بتغيير الاتجاه نحو مسيرة أخرى.

بعض المعطلين يصرون على اقتحام مسيرة الاتحاد الوطني للشغل، يرمون الحكومة بشعارات الفشل والعجز، سألني من هؤلاء، فأجبته أنهم يعانون من البطالة ويحتجون على الحكومة لأنها لم تضمن لهم وظائف رسمية في القطاع العمومي، سألني مرة أخرى: “هل يتقدمون إلى المباريات التي تُخول لهم هذا الحق؟ وهل يشترطون العمل كذلك في القطاع الخاص؟”، رددت عليه بالنفي، ليتساءل:” حتى في بلادي، لا يوجد هناك شيء اسمه التوظيف المباشر، وجميع وظائف الدولة تمر عبر الانتقاء والاختبار، كما أن هناك طبقة كبيرة من أبناء شعبنا اختاروا التوجه نحو القطاع الخاص” أردت إفهامه أن التعليم المغربي فاشل ولا يقدم المهارات اللازمة للاشتغال بهذا القطاع أو فتح مشاريع معينة، لكنني تذكرت كيف أن الكثير من النماذج التي أعرفها والتي حققت نجاحا باهرا في مقاولات خاصة رغم تضررها من التعليم ذاته، فصمتت، لننتقل إلى مسيرة أخرى.

مسيرة حاشدة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، شباط يخطب في الجموع المتخشعة في رهبة وسكينة، ينتقد قرارات بنكيران ويصفها بغير الشعبية، ويردد أن الشيء الوحيد الذي يجمع الأحزاب المغربية فيما بينها هو التوحد على كلمة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله”، صديقي يتساءل من هو هذا الزعيم المُرعِب الذي تنهال عليه التصفيقات من كل حدب وصوب، أجبته بأنه الأمين العام لحزب الاستقلال، أي الحزب الذي يتواجد مع العدالة والتنمية في التحالف الحكومي، استغرب كثيرا للأمر، “كيف يُعقل أن ينتقد زعيم زعيما آخر أمام الملأ وهما متحالفان في حكومة واحدة، أليس هذا هو دور المعارضة بينما يتم النقاش بين خلافات التحالف في السر وليس في العلن؟، وكيف يُعقل أن تكون شهادة تُوحد بين المسلمين هي من تُوحد بين الأحزاب؟ أليست الأحزاب تنظيما سياسيا وظيفته تقديم البرامج وليس الشهادة بالله ورسوله”؟

انتقلنا إلى مسيرة أخرى لنقابة أخرى، لم أعرف متى تشكلت ولا من هو زعيمها، بين أولئك المطالبين بالكرامة للعمال، كان هناك رجل أعرفه حق المعرفة، واحد من أكبر رجال الإقطاع الذين انتهكوا حقوق شغيلتهم واستغلوا فقرهم لإذلالهم من أجل دريهمات معدودة، هو الآخر كان في مقدمة المسيرة يُهَمْهِم ويردد شعارات يطلقها بوق من وراءه، أخبرت صديقي بقصة هذا الرجل مع عماله، غير أنه لم يستغرب هذه المرة، بل ترك ابتسامة تلتهم نصف وجهه وهو يتمتم:

“الآن فقط..عرفت لماذا تَعتبرون بلدكم استثناءً حقيقيا بين جميع البلدان! “

[email protected]

http://www.facebook.com/ismailoazzam

‫تعليقات الزوار

12
  • بوشعيب البيضاوي
    السبت 4 ماي 2013 - 02:16

    يبدو أنك أخي إسماعيل بدأت في شرح الواقع من الأخير . فالقمع الذي تتعرض الحركات الاحتجاجية ومنها الحركة الاحتجاجية العمالية الحقيقية هذه الأيام ليس لها نظير . هذه الأخيرة أخلت الساحة للحركات المزيفة والحكومية و شبه الحكومية تستعرض عضلاتها الفاسدة . سأستعير منك كلمة قلتها في صفحتك على الفيسبوك تتعلق بالصحافة :" الله يلعن بوها خدمة لي جمعاتنا مع المنافقين والمتملقين والجهلة والفاشلين والمتكبرين والانتهازيين.."

  • الهاشمي
    السبت 4 ماي 2013 - 02:42

    بلد المفارقات بامتياز و كأننا شعب مصاب بانفصام الشخصية. نرفع شعارات رنانة لنعزف على عواطف الدهماء و ما إن يتحقق المراد السياسي حتى نسحقهم و نرتقي على أكتافهم إلى سدة الحكم مُخلِفين وعودنا. العيب فينا يا سادة، نحن من نُلدغ من نفس الجحر مرات و مرات و كأننا نتلذذ بالعذاب. لقد تم تجريف المشهد السياسي من رموز قيادية قادرة على استقطاب و احتواء فئات عريضة من الشعب و استبدلوا بفسيفساء من الكراكيز المتطاحنين بينهم الساعين إلى توزيع ما تبقى من الكعكة رغم تشرذمهم و ضعفهم…. و كأن لسان حالهم يقول: لاعوبي ولا حارومي.

  • marocain fiere
    السبت 4 ماي 2013 - 03:38

    dans quelle langue vous avez comunique avec votre ami? vous ne parlez pas une langue etrangere a ce que je sache, et quelle idee s est fait votre ami de nos journalistes? il est reste bouche bee a voir ton niveau n est ce pas? que n importe qui puisse devenir journaliste c est aussi une exception,ce qui se passe chez nous se passe partout monsieur, mais vous ; vous parlez en dormant, vous choisissez une reference pour lui comparer le maroc et conclure les memes prejuges populistes , cet europeen que vous venerez tant, ne sait il pas que ses concitoyens viennent chercher du travail chez nous?

  • مولاة لحريرة
    السبت 4 ماي 2013 - 08:13

    يا عجبا وياسبحان الله
    ديب لغابة جالب لغنم وراه
    ونصابة باعو وشراو معاه
    عم لوابا ولحفيض الله

  • ادم احمد
    السبت 4 ماي 2013 - 10:51

    ما يفعله الساسة خارج مهامهم الرسمية لا يهم كثيرا. المشكل الحقيقي الذي مررت عليه مرور الكرام هو ان التعليم فاشل بميزة مستحسن. وقد حصلت على شغل في وظيفة عامة ووجدت ان جودة التعليم سيئة جدة لأني ادرك ان مستواي الحقيقي لا يتناسب مع الجهد المبذول لان المقررات الدراسية تدفع ضريبة مرتفعة جدا للرسائل الايديولوجية المتعددة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع امام موضوعية ونفعية القوانين الانتاجية. هذا مع متمنياتي للتعليم واسبابه بالشفاء العاجل حتى لا نضيع وقت الاجيال في وصف عالم افلاطون لتجد نفسها بعد فوات الاوان في عالم ماركس او شيء من هذا القبيل.

  • Ahmed
    السبت 4 ماي 2013 - 19:18

    Trés bon article qui résume la situation anarchique dans laquelle se trouve notre bled Bravo

  • hoss boho
    السبت 4 ماي 2013 - 20:19

    لا كلمة موحدة ولا دين ولاغاية ,هكذا نحن كنظام و شعب لا نعرف ولا نريد ان نعرف من نحن ? و ما غاية وجودنا في هذه الارض ? . رغم ان كل شئ واضح ,الا اننا نصم اذاننا و نتظا هر ان كل شئ على ما يرام و اننا على الطريق سوي علما اننا متاكدين في قرار انفسنا اننا خارج زمان وما نحن الا اذوات مفعول بها ,وذلك لان ديننا الذي اخترناه لانفسنا هو انا و بعدي الطوفان , هذا المبدا يتبناه الفرد والحزب وكذلك النظام , واكيد اذاما لم نوقف هكذا نمط في التسيير والعيش فهو يحقق ذاته بذاته اي ان نهايته الطوفان لاشك في ذلك.

  • jokingman
    السبت 4 ماي 2013 - 20:22

    شعور يحمرً له الجبين من شدة الخجل حين يسئلك أجنبي عن تناقض أو استفهام عن بلدنا لا تجد له تفسير…وما أكثرها من تناقضات في المغرب !!!
    وأشعر بالأسى حين أعي أن ساسة بلدنا لم يستفيدوا و هم كانو يتتلمدون على يدي السياسي المحنك الراحل المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه ….

  • Malika
    السبت 4 ماي 2013 - 23:40

    ههه قل لصديقك إذا كنت في المغرب فلا تستغرب، وقل له أيضا إن الممثلين في الفن عندنا فاشلين بينما ممثلي السياسة أكفاء في إثقان أدوار العفن والنفاق تخدير الشعب.

  • ع.الكريم هرواش
    الأحد 5 ماي 2013 - 01:52

    إسماعيل عزام.. تحيّة طيّبة، وبعدُ :

    فلكيْ نُصوّر هذا الاستثناء من زاويةِ الاحتفالِ بالعيد الأممي للعمّال، لسنا إلا نقطفُ ثمرةً من شجرةٍ وافرة الثّمر، ونغرف حفنةَ ماءٍ من نهر، ونُصوّر ما تمتدّ إليهِ عدسة التصوير وننسى سوى ذلك من صورِ.. فالاستثناءُ، أخي الكريمُ، ينطقُ في كلّ مشهدِ من مشاهدِ هذه البلادِ، ونعاينه في كلّ سلوكاتِ العبادِ.. ثم إنّه يصلُ إلى أقصى درجاتِه في سياسةِ الأسيادِ..
    صديقُك.. لم تُحرّكْه المشاهدُ لسؤالك بقدر ما حرّكته الدهشة والاستغراب.. وأعتقدُ جازمًا كما في مقالك أنّه لم يرَ إلا غيضًا من فيضٍ، لألجمه الاستغباءُ عن الكلام بدل أن يحثّه الاستثناءُ..
    هذهِ المرّة صاحبْ صديقَك، بدل الرّباط التي تحظى بشيءٍ من نورِ الاهتمام، إلى مدنٍ أخرى ليعاين "الجانب التطبيقي" لما شاهده في عيدِ العمّال.. فإنني أعتقد أنه لم يرَ سوى "الجانب النظري" في سياسةِ هؤلاء "الاستثنائية"..
    وأعتقدُ يقينًا أنه لن يكلّف نفسه سؤالك هذه المرّة؛ لأن المشاهد ستجيبه بما قد لا تستطيعُ ولا الجميعُ التعبير عنه..
    مقالٌ في المستوى.. وتحيّة!

  • mimoun
    الأحد 5 ماي 2013 - 15:38

    monsieur
    1 en ce qui concerne l embauche dans le secteur prive sachez que des ingenieurs francais sont envoyes dans des chaudiere a fondre les metaux
    2 a propos de la joute de chabat contre benkiran, sachez aussi que jacques chirac a humilie jospin devant les journalistes et qu aujourdhui meme , le leader francais de gauche jean luc malanchon organise une manifestation dans le slogan est "la gauche contre la gauche" , vous voyez monsieur que ce que vous avez dit n est qu exageration

  • meknassi
    الأحد 5 ماي 2013 - 20:57

    désolé monsieur ce que vous a dis tous le connaitre ,mais on attend pas ça de nos auteurs ,on attendant la contribution dans la lutte contre ce genre de situation pour contribuer chacun selon ses compétences au développement.chabat et les autres fait ce qu'il veulent car notre élit culture à ceder le terrain à ses monsieur comme chabat .c'est notre Maroc quels que soit la comparaison .
    بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام
    je pense que sera une bonne réponse à votre ami

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 92

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 86

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة