هكذا احتفى المثقفون المغاربة بالمفكر الجزائري مالك بن نبي

هكذا احتفى المثقفون المغاربة بالمفكر الجزائري مالك بن نبي
الجمعة 10 يناير 2014 - 23:30

سجل الدكتور مولود عويمر، الأستاذ بجامعة الجزائر، اهتمام الوسط الأكاديمي والثقافي المغربي بالمفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي، ما يبرز المكانة العالية التي كان يتمتع بها عند المثقفين المغاربة، من خلال الكتب والبحوث المنشورة حول تراثه، والندوات والمؤتمرات المنظمة باستمرار لدراسة أفكاره.

ولفت عويمر، في هذا المقال الذي تنشره هسبريس، إلى أن المغرب يعد من الدول العربية القليلة التي لم يزرها مالك بن نبي، رغم تعلقه المبكر بثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في منطقة الريف، وصلته المتينة بالنخبة المغربية التي تعرف عليها في باريس في سنوات الثلاثينات”.

وفيما يلي نص مقال مولود عويمر:

يعتبر المغرب الأقصى من الدول العربية القليلة التي لم يزرها مالك بن نبي رغم تعلقه المبكر بثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في منطقة الريف، وصلته المتينة بالنخبة المغربية التي تعرف عليها في باريس في الثلاثينات، أمثال محمد الفاسي وأحمد بلفريج في رحاب جمعية طلبة شمال إفريقيا وجمعية الوحدة العربية، وأيضا تأثيره الفكري على الطلبة المغاربة الذين كانوا يواظبون على حضور ندوته الأسبوعية في القاهرة.

ولا شك أن بن نبي لو زار المغرب لأستقبل بحفاوة كبيرة من الهيئات السياسية والعلمية كما أستقبل بها الدكتور طه حسين في عام 1958 والشيخ محمد الفاضل بن عاشور في عام 1966، خاصة وأنه تلقى دعوة رسمية من وزير الأوقاف صديقه الأستاذ علال الفاسي للمشاركة في ملتقى دولي حول العلامة عبد الرحمان بن خلدون في ربيع عام 1962 ، إلا أن الظروف السياسية والعسكرية آنذاك لم تسمح له بالسفر إلى الرباط.

جولات ومطالعات

لقد اغتنمت فرصة زيارتي الأخيرة إلى مدينة تطوان المغربية في شهر سبتمبر 2013 لأطلع في مكتباتها العامرة على المجلات والصحف التي تهتم بالتواصل الثقافي في المغرب العربي، لعلي أجد فيها مقالات للمثقفين الجزائريين أو كتابات حولهم خلال المرحلة الاستعمارية.
ووجدت فعلا جرائد ومجلات جزائرية نادرة في المكتبة الداودية لصاحبها الأستاذ محمد داود – رحمه الله- رائد الصحافة العربية في المغرب. وعثرت كذلك في المكتبة العامة بتطوان على مجلات مغربية ساهم فيها الأدباء والعلماء الجزائريون، وأخرى نشرت فيها مقالات عنهم بأقلام مغربية أو عربية، منها ما تعلق بآثار مالك بن نبي التي سأقف عند بعضها في هذه المقالة، والتي تبرز المكانة العالية التي كان يتمتع بها هذا المفكر الجزائري عند المثقفين المغاربة.

مالك بن نبي في مجلة دعوة الحق

نشرت مجلة الحق التي كانت تصدرها وزارة الأوقاف المغربية فصولا من كتاب “الظاهرة القرآنية” في صدارة العددين المتتاليين السابع والثامن (ماي 1962) إلى جانب صفوة العلماء والمفكرين العرب، فمن أشهر كتابها المغاربة، أذكر: علال الفاسي، محمد تقي الدين الهلالي، عبد الله كنون، محمد إبراهيم الكتاني، عبد الله الجراري، عبد الهادي التازي… أما من العرب والمسلمين، أذكر: أبو الأعلى المودودي، أبو الحسن الندوي، محمد المبارك، محمد بهجة البيطار، أنور الجندي، عمر بهاء الدين الأميري…الخ.

وفتحت كذلك صفحاتها للنخبة الجزائرية فكتب فيها أبو العباس أحمد التجاني، عبد الوهاب بن منصور، مفدي زكريا، علي مرحوم، صالح خرفي، وعبد المجيد مزيان …الخ. ولا بأس أن أذكر المقال الرائع ” محمد البشير الإبراهيمي فقيد العروبة والإسلام” للقائد الفلسطيني المعروف عبد الله التل ، أو قصائد نادرة لمفدي زكريا ، ومقالات حول الثورة الجزائرية للشيخ علي مرحوم العضو البارز في جمعية العلماء ومسؤول إذاعة الثورة في تطوان،

كتب الدكتور عبد السلام الهراس في الأعداد الأولى لمجلة دعوة الحق تقاريظ لكتب بن نبي ك “شروط النهضة” وكتاب “مستقبل الإسلام” وهو العنوان الذي عرف به في البداية كتاب “وجهة العالم الإسلامي”. وكان عبد السلام الهراس أقرب المثقفين المغاربة إلى مالك بن نبي، وأكثر الطلبة المواظبين على حضور ندواته الفكرية الأسبوعية. وقد تحدث عن تلك الذكريات في عدة محاضرات ومقالات وحوارات .

كانت هذه التقاريظ مستفيضة أحاطت بكل جوانب مؤلفات بن نبي، فصلا بعد فصل. وشرح الهراس الأفكار وبين ملامح التجديد عند المفكر الجزائري في طرح مشكلات الحضارة في العالم الإسلامي بمنهج علمي متين. ولا غرابة في ذلك فالهراس قرأ هذه المؤلفات باللغة الأصلية (الفرنسية)، وشارك في ترجمتها إلى العربية التي قام بها الأستاذ عبد الصبور شاهين وراجعها مع المؤلف جملة بعد جملة. كما سمع هذه الأفكار وشروحاتها في ندوة بن نبي. فالرجل تأقلم مع الفكر البنابي حتى أصبح جزءا ثابتا في مخياله وتصوّره.

في صدارة مجلة الشراع

هي مجلة أدبية ثقافية فكرية صدرت في عام 1961 في بمدينة شفشاون بإقليم تطوان في الشمال المغربي، يحررها نخبة من المثقفين المغاربة. وكان من أبرزهم الأستاذ محمد شهبون خريج جامعة القاهرة وأحد مريدي ندوة مالك بن نبي. لهذا من الطبيعي أن يكون بن نبي من أول الأسماء التي تستكتب للمساهمة في المجلة.

نشرت المجلة مقالات بن نبي في صدارة الأعداد الأولى تحت العناوين التالية: مشكلة الحضارة ، القيم الإنسانية والاقتصادية ، الثورة والرأسمالية . وهكذا أصبح اسمه عنصرا ثابتا في قائمة كتاب المجلة التي كان يحرص مدير التحرير على نشرها في كل عدد ليعلن عن التواصل الفكري بين النخب المغاربية، رغم بعد المسافة وكثرة معوّقات التقارب التي صنعها المستعمر من جهة، وكرّسها القابلون للاستعمار من جهة أخرى.

وبينت هيئة التحرير سبب اختيار مقال بن نبي لتصدير العدد الأول ذلك بأنه تعتبره مساهمة مهمة لكاتب مرموق وصفته مرة بـ ” الفيلسوف الاجتماعي الكبير”، ووصفته مرة أخرى بـ ” كاتب من الكتاب العظام أصحاب المبادئ والأفكار.”

وهذا التقدير هو تعبير صادق عن تأثر هذه النخبة بالمفكر الجزائري الذي ترك بصماته على شباب العالم الإسلامي الذين قدموا إلى مصر للتعلم، إلا أن العديد منهم وجدوا في ندوة مالك بن نبي الأسبوعية التي كان يقيمها في بيته البسيط ما لم يجدوه في الجامعة المصرية التي كان يدرّس فيها العلماء والأساتذة المصريون المرموقون.

ذلك أن بن نبي ابتكر منهجا جديدا في تناول القضايا المعاصرة يعتمد على التحليل العميق والمقارنة الشاملة والنقد الدقيق ورسم الآفاق.

وقدمت مجلة الشراع عرضا مختصرا لأهم أفكار بن نبي، كما عدّدت أهم مؤلفاته التي بلغ عددها آنذاك 7 كتب، وهي: شروط النهضة، الظاهرة القرآنية، الفكرة الإفريقية الآسيوية، نحو مجتمع إسلامي (هكذا، والصواب هو ميلاد مجتمع)، نحو كومنويلث إسلامي، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، في البناء الجديد.

وأكد المحرر بأن بن نبي ألف الكتب الستة الأولى بالفرنسية ثم ترجمت إلى العربية، بينما ألف الكتاب الأخير باللغة العربية ” بأسلوب عربي مبين”.

كما حرصت مجلة الشراع على استكتاب تلامذة مالك بن نبي المقربين، فكان منهم الأستاذ عمار الطالبي الطالب بكلية الآداب بجامعة القاهرة الذي نشر فيها عدة مقالات تناولت القضايا التالية: الضمير والفكر لدى الفرنسيين ، حيرة الشباب الإسلامي ، العلاقة بين الفن والنقد والفلسفة ، منطق الثورات .

كما لخص الطالب المغربي المنذر المرابط المحاضرة التي ألقاها مالك بن نبي في قاعة المحاضرات ببيت الطلبة العرب بالقاهرة يوم 8 أبريل 1961 عنوانها: “مشكلة المبررات في المجتمع” . وقد طبع نصها الكامل بعد ذلك في كتاب “تأملات”.

في جريدة الحسنى

تصدر جريدة الحسنى الأسبوعية عن وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الإسلامية. وهي جريدة ناجحة استقطبت أبرز الأقلام الفكرية الرصينة في المغرب أمثال علال الفاسي، عبد الكريم غلاب، عبد الكريم الخطيب… وبادرت في العدد الأول بنشر مقال مالك بن نبي عنوانه: “مشكلة الحضارة” باعتباره أحد أكبر مفكري العصر، وحضوره في المجلة دليل طموح المجلة للارتقاء إلى مستوى الصحافة الهادفة المنتشرة في العالم العربي والإسلامي كجريدة البصائر في الجزائر، الدعوة في مصر، حضارة الإسلام في سوريا، الشهاب في لبنان، الضياء في الهند…الخ.

كما نشرت الجريدة مقالات عن بن نبي أبروها ما كتبه الأستاذ إسماعيل الخطيب من دراسة عن كتاب ” الظاهرة القرآنية” ، ومقالات أخرى في تحليل فكره البناء في مجال فلسفة الحضارة.

لقد نشرت المجلات الرسمية كدعوة الحق والحسنى وغيرها فصولا من فكر مالك بن نبي ليس لأنه مفكر عالمي أنتج رصيدا فكريا رصينا جدير بالترويج في وسائل الإعلام المختلفة، وإنما أيضا باعتباره من أبرز المثقفين الجزائريين والعرب الذين نصروا الملك محمد الخامس في محنته حينما عاقبته السلطة الاستعمارية الفرنسية على مواقفه الوطنية فعزلته عن عرشه ونفته خارج بلده، فكتب بن نبي مدافعا عنه في جريدة “الجمهورية الجزائرية” باللغة الفرنسية متوجها إلى الرأي العام الفرنسي ومتحديا السلطة الاستعمارية.

كما اهتمت به الصحف ومجلات المستقلة كالشراع اعترافا من محرريها بتأثرهم بهذا المفكر، وتقديرهم لجهوده في استنهاض الهمم وتبصير العقول، من أجل تأسيس نهضة حقيقية تحرر الإنسان المسلم من كل المعوّقات.

ومازال فكر بن نبي محل اهتمام في الوسط الأكاديمي المغربي تشهد على ذلك الكتب والبحوث المنشورة حول تراثه، والندوات والمؤتمرات المنظمة باستمرار لدراسة أفكاره والاستلهام منها معالم الطريق نحو مستقبل أفضل.

‫تعليقات الزوار

6
  • عبد الفتاح
    السبت 11 يناير 2014 - 01:53

    انا الحقيقة لا اجد اي فرق بين المغاربة والجزائريين فاستطيع ان افهم اللهجة الجزائرية كما كاللهجة المغربية نفس العادات نفس التقاليد فالجزائريين هم مغاربة
    الا ان السياسات فرقت بين الشعوب

  • عبد الفتاح
    السبت 11 يناير 2014 - 02:27

    الحقيقة الشعب المغربي والجزائري شعب واحد نفس اللغة ونفس التقاليد افهم اللهجة الجزائرية كما افهم اللهجة المغربية لا اجد اي اختلاف يذكر والتقاليد هي نفسها في المغرب الشعب الجزائري والمغربي هو شعب واحد
    ولكن للاسف نجد الشعوب فيما بينها تتشاتم بسبب سياسات حكومات

  • أزواوي
    السبت 11 يناير 2014 - 12:27

    يا ليت هذا المقال نشر على نطاق واسع في الجزائر ليعلم الحاقدون انهم مهما فعلوا لا بد للشعبين ان يتواصلوا و يتعاونوا لانهما من طينة واحدة.
    هل يعلم الغلاة في العداوة،اننا شعب واحد بدليل ان أصل رمز تحرير الجزائر الامير عبد القادر من المغرب الأقصى لكونه ادريسي النسب.
    ولينظروا في التاريخ لما عضد الجزائري عبد المؤمن بن علي الكومي أزر شيخه المغربي المهدي بن تومرت ماذا تحقق؟
    تحققت امبراطورية شامخة عل ضفاف البحر الابيض المتوسط كانت ذرعا قويا للإسلام ضد الحملات الصليبية.

  • بلال أكروح
    الإثنين 13 يناير 2014 - 12:12

    مالك بن نبي هو ملك الفكر وفيلسوف الحضارة ليس في الجزائر أو المغرب أو حتى في العالم العربي بل في العالم . لكن للأسف كثير من شبابنا الآن لا يعرفون مثل هذه الشخصيات التي صنعت التاريخ وأسست لمبادئ الحضارة فكان الأجدر بلقب ابن خلدون الثاني

  • عبد الحفيظ
    الإثنين 13 يناير 2014 - 14:20

    الى رقم 03 السيد / أزواوي أرجو أن تصحح معلوماتك الأمير عبد القادر
    ليس مغربي ، بل هو مُعسكري من معسكر وهي مدينة جزائرية ، ويُدْرَس
    ضمن التاريخ الجزائري ، ويسمى بمؤسس الدولة الحديثة في الجزائر ،
    أما عن الأدارسة فهم مشارقة عرب، وقد إنتشروا في شمال إفريقيا،وتملكوا
    في المغرب الحكم ، وفي الجزائر أقاموا زوايا للتعليم ولم يتملكوا الحكم ،
    أما عن نشر المقال ، نحن نعرف أكثر من هذا ، ولم نتصرف ضد المغرب
    بل أصحاب الدسائس في المغرب هم من تصرف ضدنا ، وإذا أرَدْت إستنطاق
    التاريخ القديم أو الحديث ستجد الإبتداء بالعدوان ، أو الإستفزاز يبدأ دائما من
    المغرب الشقيق نظرا لخوف نظام الحكم على نفسه من السقوط .
    نحن نعرف أن الأكثرية الساحقة من المغاربة يحبون الجزائريين وكذلك الجزائريون ، غير أننا نتذكر 1963 ، وكيف بات المغاربة ينكرون هذ العدوان
    إننا نحب المغاربة ولكننا لا نحب التعدي ، الدولة المغربية تتوقف حدودها عند
    حدود 1956 فلا يصح التعدي على حدود الغير ، الوحدة وألإتحاد بالرضى فأهلال وسهلا ، أما بالقوة فلا ، الظلم يفرق حتى الأجنة في البطن الواحد…

  • أزواوي
    الإثنين 13 يناير 2014 - 17:14

    الأخ عبد الحفيظ السلام عليك اشكرك على الاهتمام بالموضوع و اعانقك عناق الاحترام و المحبة.
    اخي أنا لم أقل ان الامير عبد القادر و طنه غير الجزائر قلت أصله و نسبه ادريسي و معلوم أن كل ادارسة العالم جدهم مدفون بالمغرب الاقصى وأقصد بذلك ان الحدود التي نتمسك بها الان هي من تركة الاستعمار وأننا لو تعاونا مثل ما تعاون الشيخ المهدي بن تومرت المغربي مع عبد المؤمن الجزائري بمفهوم الحدود الحالية لحققنا المعجزات.
    أما عن الدسائس أرجوا أن تكون منصفا و تعترف على الاقل انها قد تكون من الجانبين و ليس من المغرب فقط.
    المشكل هو ان الذين فرضوا القطيعة بين شعبينا حالوا دون تبادل المعرفة بيننا حتى تتمكن دعايتهم و ادعاءاتهم من عقولنا و تستفحل العداوة في قلوبنا.
    اما عن اسباب احداث 1963 فيطول شرحها ولكن الا يتخاصم الإخوة ثم يتصالحوا، حكم عقلك هل ما بيننا من عداوة و خصومات و حروب اكثر مما كان بين الالمان و الفرنسيس ألم يتصالحوا وهاهم الان يتعاونون لتحقيق مصالح شعبيهما في مواجهة التحديات العالمية الكبرى.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة