الذكرى المائة للثورة الروسية .. موت الإيديولوجيا وانبعاث "فاست فود"

الذكرى المائة للثورة الروسية .. موت الإيديولوجيا وانبعاث "فاست فود"
الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 02:30

مرت مائة سنة على اندلاع الثورة السوفياتية سنة 1917، وهي المناسبة التي تكاد لا تلقى أي اهتمام من لدن مكونات المجتمع الروسي؛ فالساحة الحمراء وسط موسكو، التي تحتفظ بضريح فلاديمير لينين، لم تعط لزوارها الانطباع بأنها كانت إلى زمن قريب قبل انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991 فضاء لاحتضان احتفالات ضخمة واستعراضات عسكرية ومدنية كبرى بمناسبة “ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى”.

في صباح الخامس من أكتوبر الجاري، على الساعة العاشرة، ورغم برودة الجو وهطول المطر، كان بضعة سياح، غالبيتهم الكبرى ينتمون إلى بلاد ماو تسى تونغ، أتوا جماعات وفرادى للوقوف و”الترحم” على صاحب نظرية الماركسية اللينينية، ربما للوقوف أمام لحد قبر ملهم قادتهم منذ الزعيم ماو إلى شى جين بينغ، الرئيس الصيني الحالي.

ومن الحاضرين مواطنة روسية طاعنة في السن كانت تحمل وردة حمراء، يظهر من ملامحها ولباسها الشبيه بالزي العسكري أنها لازالت تمنى النفس بانبعاث جديد لثورة منسية، ورجل شاب روسي، من القلائل الذين هبوا هذا الصباح الممطر لأخذ مكان في طابور مدخل الضريح مرفوقا بطفلته، حرصا على إطلاعها على أسماء قادة البلاشفة والسوفيات، بدءا بجوزيف ستالين، ومرورا بنيكيتا خروتشوف، إلى ليونيد بريجنيف واندرى انتروبوف وانتهاء بقسطنطين شرنينكو، والذين اصطفوا في نصب تذكارية ببذل عسكرية في “الحديقة الخلفية” لضريح فلاديمير لينين، الذي يرقد في أمان، بعد أن “أدى رسالته الأممية” ورحل قبل أن يبلغ الخمسين من العمر.

لم تعد لنظرية الصراع الطبقي ولمبدأ ديكتاتورية الطبقة العاملة ولا للحزب الشيوعي ولا لمقولة “الدين أفيون الشعوب” البريق الذي كان في عقول الحالمين بالثورة، ليس فقط في الجمهوريات السوفياتية السابقة، رابطة الدول المستقلة حاليا، ولكن في بقية بلدان العالم، فبالأحرى أن تلقى من يدافع عنها، كما كان إلى وقت قريب، وهي المبادئ التي لو قدر لينين أن ينبعث من جديد، وشاهد بأم عينييه تحولات المجتمع الروسي في الزمن الراهن، لأعاد حساباته وتقييم نظرياته، واستعاض عنها بمقاربات تتلاءم مع تحولات مجتمع فيدرالية روسيا، المنبهر بثقافة “الفاست فود”.

وعلى يمين ضريح لينين يوجد الكرملين، مقر الرئاسة الروسية.. فعلى خلاف ضعف زوار رموز ومواقع المرحلة السوفياتية بالساحة الحمراء، فإن الإقبال كان كبيرا من لدن السياح الأجانب من مختلف الجنسيات والقارات على مآثر رموز عهد القياصرة من القصور والكنائس التي أعيد ترميمها وتحويلها إلى فضاءات للعبادة، بعد أن كانت قد أصبحت خلال المرحلة السوفياتية فضاءات لممارسة الرياضة ومقرات إدارية وثقافية.

ويبدو أن التوجه العام الحالي ينحو إلى إعلاء شأن الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية التي استعادت قوتها ومكانتها في أفئدة وعقول الروس، وإبراز التحالف الوثيق الذي كان لرهبانها وقساوستها مع القياصرة الذين أعادت السلطات السياسية الجديدة الاعتبار إلى حقبتهم مع التشبث بالتقاليد والقيم المحافظة.

ويلاحظ أنه لم يتم الاقتصار فقط على إعادة الاعتبار إلى الرموز الدينية والحقبة القيصرية، بل إلى عظماء الثقافة والأدب والفن الروسي، من قبيل ألكسندر بوشكين، ليف تولستوي وأنطوان تشيخوف وديستوفسكي.

فلم تعد الساحة الحمراء بموسكو، المدينة التي يعود تاريخ تشييدها إلى ما يقارب 1000 سنة، وتبلغ مساحتها 2500 كلم، وتغطي الغابات والحدائق بها نحو 1800 كلم، بمفردها تستقطب السياح، فبالعاصمة الروسية، “روما الثالثة” و”مدينة الحجارة البيضاء” و”مدينة القباب الذهبية”، الأسماء التي كانت لموسكو خلال حقب متباعدة، بإمكان هواة السياحة الثقافية أن يزوروا المتاحف التي أقيمت لأشهر الأدباء والرموز الفكرية والموسيقية، والمسارح الأثرية، كالبولشوي الذي لازالت تعرض به حفلات الباليه والسيمفونيات العالمية الشهيرة مثل «بحيرة البجع»، و«الأميرة النائمة»، و«كسارة البندق» التي أبدعها تشايكوفسكي .

وعلى الرغم من سحب السلطات الروسية صبغة العيد الوطني على ذكرى الثورة منذ 2005، بعد أن تم استبدالها باسم “يوم الوفاق والمصالحة” سنة 1996، فإن الاحتفال بهذه الذكرى أصبح مقتصرا على الحزب الشيوعي الروسي، الذي أضحى يقتصر دوره على تأثيث المشهد السياسي، وتشكل هذه الذكرى بالنسبة له مناسبة لاستحضار الإرث السوفياتي البائد؛ وذلك بتنظيم أنشطة متنوعة تستحضر تاريخ البلاشفة الذين تمكنوا بقيادة لينين في 25 أكتوبر 1917 من إقامة نظام شيوعي انهار سنة 1991.

ويلاحظ أن الذكرى المئوية للثورة الروسية كانت غائبة في برامج القنوات التلفزيونية الرئيسية، وفي مختلف وسائل الإعلام التي كانت إلى عهد قريب تقوم بالبروبغاندا للقيادة السوفياتية لتركيز دعائم المجتمع الشيوعي، باعتبار أن الصحافة خلال تلك الحقبة، حسب لينين، كان يتعين أن تكون “مربيا ومحركا ومنظما” للمجتمع.

فسواء حضرت “ذكرى ثورة 1917” في الواقع الروسي أم أصبحت فقط رهينة المخيال الروسي، فإن نقاشا عموميا ينبغي أن تفتتحه مختلف الحساسيات السياسية والفكرية والثقافية والأكاديمية حول إشكالية إعادة قراءة وكتابة تاريخ روسيا، بأفق علمي تغيب فيه الإيديولوجيا والانتصار لمرحلة دون أخرى، ويتم خلاله استحضار كافة الحقب والمحطات التي مرت منها البلاد بسلبياتها وإيجابياتها، بهدف تمكين الشباب الروسي من تملك تاريخه الذي يتعين أن يكون ضمن المقررات المدرسية والجامعية والبحث العلمي.

إذن قررت روسيا الجديدة تحت قيادة فلاديمير بوتين، زعيمها الجديد، بطل رياضة الجيدو، تناسي مرحلة الشيوعية بإيجابياتها وسلبياتها، وجعلها اختصاصا للمؤرخين، والتوجه بدل ذلك نحو المستقبل واقتصاد السوق، بهدف استعادة مكانة روسيا التي فقدت بريقها بعد انحلال الاتحاد السوفياتي، وبعدها مرحلة الرئيس السابق بوريس يلتسين في بداية تسعينيات القرن الماضي.

‫تعليقات الزوار

8
  • مغربي
    الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 07:47

    و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام

  • شعب محب عاشق
    الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 08:24

    ارأيتم القبلات على الأيادي ، أرأيتم الإنحناءات البريئة الطاهرة ، الحب يا أخوتي هو الذي يسير التاريخ وليس الصراع الطبقي ، أنه ولاء أبدي بين العرش والشعب ، بين ملك يقطر حياءا شعاره القناعة بما قسم الله له ، لا يطمع في الدنيا من مزيد سوى رضا الله و رضا شعب محب عاشق ، هكذا يصنع التاريخ يا أخوتي في هذا البلد الطاهر الأمين ، المغرب ليس في حاجة إلى ثورة تصنيعية كما هي الحال في العهد الستاليني ، ولكن في حاجة إلى ثورة روحية في عصر العولمة المقيت ، وقد كان استحداث إذاعة محمد السادس نصره الله استجابة لهذه النزوع ، نحن لا ندعو لثورات في العالم و في أفريقيا بل بالعكس نحن نوزع القرآن الكريم ، بالمئات والآلاف على هذه الشعوب ، وبهذا ننشر السكينة وطهارة القلوب . لسنا في حاجة إلى فكر ثوري لأنه ليس عندنا استغلال للأنسان ولا رشوة و لا فساد . فحمدا لله على كل ذلك .

  • ناجز
    الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 09:36

    الشيوعية افيون الشعوب التي استفاقت بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي.

  • الطنز البنفسجي
    الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 10:12

    الشيوعية نظام حكم ثقافي لا يمكن تطبيقه ولم يصل إلى تطبيقه يوما لا الروس ولا الصين ولا اليوغوسلاف.. لأنه مثالي جدا.. والليبيرالية المتوحشة قضت على أخلاقيات المجتمعات وعمقت الفوارق الاجتماعية ولازالت..
    نظامان متناقضان تقاسما العالم حيث لا دين.
    الاسلام الوسطي الذي يخشاه الجميع خصوصا أصحاب رؤوس الاموال وأصحاب الامتيازات لأنهم يعرفون أنه حل لكل معضلات العالم وتفننوا في تشويهه منذ القدم.. سيحكم العالم ذات يوم وسيعود الجيل الفريد مرة أخرى وإنه ليوم قريب إن شاء الله.
    إن الله بالغ أمره.

  • mohannad
    الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 12:29

    مشكلة الشيوعية أنها مذهب فلسفي معاد للأديان ؛ وكانت ضد الحرية الفردية ولذلك قتل الإبداع ؛ وماتت الابتكارات العلمية التي يمكنها مقارعة الغرب .. ومن هنا تردت أحوال العلماء ؛ ويحكى مرة أن عالم ذهب لحضور مؤتمر في دولة غربية ؛ فسأل عن رواتب نظرائه في الغرب ؛ وحين عرف الحقيقة ؛ صعق واندهش ؛ وحين عاد قص على زملائه تلك المعلومة … وفي اليوم التالي اختفى من الوجود … حيث كانت الدعاية الشيوعية لا تسمح لغيرها بالسيطرة على العقول ؛ وحين أدرك الغرب ذلك ؛ نظم ثورات الربيع ( كربيع براغ ) وتلاه ربيع رومانيا ؛ وأخيرا الريبع الكبير الذي أدى لانهيار ما كان يعرف بالاتحاد السوفيياتي . ومن هنا فالشيوعية كنظام قضت على نفسها بنفسها حين أهانت الناس وأذلتهم وجعلتهم كالعبيد ؟!

  • المجيب
    الجمعة 20 أكتوبر 2017 - 13:03

    على إثر الثورة البولشفية سنة 1917 هاجر بضعة آلاف من الروس المطهدين الى المغرب فاستقروا فيه وبنوا كنائسهم الاورتودوكسية بالرباط والدار البيضاء.فهل يا ترى هؤلاء الروس "المغاربة" في هذا اليوم ينشدون اغنية " كاتيوشا" بمطلع: " تااااااري تاري تاري اللا اللا لا.. ازهار التفاح والخوخ كانت مزهرة.." ام انهم يفضلون انشاد اغنية " كالينكا" بمطلع : " كالينكا..كالينكا..كالينكا مايا…شجيرة توت…شجيرة توت…شجيرتي." ام انهم استطاعوا ان يتاقلموا مع انغام " يا مراكش يا وريدة…بين النخيل" ؟؟

  • امازيغي علماني
    السبت 21 أكتوبر 2017 - 17:23

    ثورة عظيمة خالدة استطاع خلالها ثلة من المثقفين الوطنيين حشد شعب باكمله رغم الجوع والجهل وندوب الحروب والديكتاتورية المطلقة ليصنعوا امة البروليتاريا وروسيا التي تمرض ولا تموت ..فلترقد ارواح الرفاق بسلام .

  • محمد أيوب
    الجمعة 3 نونبر 2017 - 21:15

    الأكذوبة الكبرى:
    انها الشيويعية ولا شك..لا أنكر أنني كنت في سنوات العشرينيات وبداية الثلاثينيات من عمري مهووسا بفكر ماركس وانجلز ولينين وتروتسكي وماو ومن جاورهم من كبار(فقهاء)التطرف الشيوعي خاصة،وكنت أنبذ ما كان يسمى ب:"الاصلاحيين الخائنين" للفكر الشيويعي الأصيل،وكم مرة قصدت المركز الثقافي السوفياتي بالرباط بالقرب من شارع محمد الخامس حيث كان يوجد في الشارع الذي يربط بينه وبين شارع علال بنعبد الله..وهناك كانت توزع الكتب بالمجان ومنها البيان الشيوعي(قرآن الشيوعيين)وفي خاتمته هذه العبارة الطنانة:"ياعمال العالم اتحدوا"..وفيما بعد هداني الحق سبحانه وتعالى فعدت الى فطرتي الربانية،واحمد الله كثيرا وأعض عليها بالنواجذ..وأرجوه تعالى أن يقبض روحي عليها..لقد تعرت الشيوعية وانتهت مع أول ضربة معول هوت على سور برلين،بل قل ان بذور نهايتها كانت في محتوى فلسفتها..ومع الأسف كم من املايين صرفت وكم نفسا زهقت جراء الحرب الباردة..وما أستغرب له حقا هو استمرار جوقة حاملي ما يسمى ب:ط"الفكر الاشتراكي"بيننا ومنهم الحاج بنعبد الله والحاج اليازغي..هل يستقيم عقلا ومنطقا أن يكون مثل هؤلاء حجاجا وهم:"اشتراكيون"؟

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب