التخوّف الاقتصادي وراء تهافت اللبنانيّين على مراكمة التموين الغذائي

التخوّف الاقتصادي وراء تهافت اللبنانيّين على مراكمة التموين الغذائي
الأحد 10 نونبر 2019 - 15:00

في أحد المتاجر الكبرى في بيروت تضع سناء أكياساً من الفاصولياء فوق كومةٍ من المواد الغذائية الأخرى، في عربتها، على غرار آخرين توافدوا لشراء الحاجيات الأساسية خشية انقطاعها أو استباقاً لارتفاع حاد في أسعارها، في خضمّ موجة احتجاجات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية في لبنان.

وتقول سناء، المرأة الأربعينية التي فضلت إعطاء اسم مستعار لأنها موظّفة حكومية: “لا أذكر أننا قمنا بالتمون بهذه الطريقة من قبل (…) نحن مخنوقون، نتموّن تحسباً للأيام المقبلة والمرحلة الضبابية التي تنتظرنا”.

ويتهافت المستهلكون على ثلاجات اللحوم والأجبان وقسم الخضار والفاكهة ويملؤون الممرات المخصصة للحبوب والمعلبات؛ فيما تخلو ممرات أخرى للكماليات مثل المشروبات الكحولية والحلويات من الزبائن.

وتضيف سناء التي كان ولداها يلعبان حولها في ممرات المتجر ويناديانها بين الحين والآخر: “في السابق كنت كل ما آتي إلى السوبرماركت أقول لأولادي: اشتروا ما تريدون، أما الآن فعليهم اختيار شيء واحد فقط لأنني أريد أن أشتري المواد الغذائية فقط”.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر حراكاً شعبياً غير مسبوق مطالباً برحيل الطبقة السياسية علماً أنه بدأ على خلفية مطالب معيشية؛ وقد تسبب في شلل في البلاد شمل إغلاق المصارف لأسبوعين؛ وبعد إعادة فتحها تبين أن أزمة السيولة التي بدأت قبل التحرك الشعبي وكانت من الأسباب التي أغضبت اللبنانيين، باتت أكثر حدّة.

وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين من الزمن ظهرت خلال الصيف سوق صرف موازية يُباع الدولار فيها أحيانا بقيمة تصل إلى 1800 ليرة، فيما لازال السعر الرسمي لليرة ثابتاً على 1507.

واتخذت المصارف اللبنانية إجراءات للحدّ من بيع الدولار، وفرضت خلال الأسبوع الحالي قيوداً إضافية بعد توقف دام أسبوعين جراء الاحتجاجات الشعبية.

ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصراف الآلي، وهي عملة معتمدة ضمن التداولات في لبنان، بينما يطلب منهم تسديد بعض مدفوعاتهم من قروض وفواتير بالدولار.

هلع واضح

تسبب كل ذلك في موجة هلع، وتدفق عدد كبير من اللبنانيين على المتاجر الغذائية خلال اليومين الماضيين، في وقت حذّرت محطات الوقود من انتهاء مخزون البنزين لديها.

وأعلن نقيب المستشفيات أن مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية الحالي يكفي شهراً واحداً فقط نتيجة الإجراءات المشددة التي اتخذتها المصارف اللبنانية للحدّ من بيع الدولار الضروري للشراء من المستوردين.

ورغم أن بعض الزبائن قالوا إنهم لا يشعرون بأي خوف ويشترون حاجياتهم بشكل طبيعي، أكدت غيرين سيف، مسؤولة صالة المواد الغذائية في مؤسسة تجارية في محلّة فرن الشباك شرق العاصمة، أن “الحركة أكثر من العادة وتشبه أيام الأعياد” من حيث الزحمة، وتضيف: “هذا كله بسبب الخوف من انقطاع المواد الأساسية.. يشتري الناس الخبز والطحين والسكر والحبوب والمعلبات والمستلزمات المنزلية مثل المحارم، ويستغنون عن كل ما يعدّ كماليات”.

وتسبب الحراك الشعبي في استقالة الحكومة، لكن لم يبدأ رئيس الجمهورية ميشال عون باستشارات جديدة لبدء تشكيل حكومة جديدة. ومن الواضح أن الطبقة الحاكمة تسعى إلى إنقاذ مكتسباتها والاحتفاظ بمواقعها، بينما يتمسك المحتجون بالمطالبة بحكومة مستقلة؛ وبالتالي لا مؤشرات بعد على خطوات تؤدي إلى حلول.

وحاول المسؤولون طمأنة مخاوف الناس، فقد عقد عون ومسؤولون ماليون ومصرفيون بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اجتماعاً أعلنوا إثره أن “لا داعي للهلع”، مؤكدين اتخاذهم تدابير لتيسير أمور المودعين المالية.

في صلب الأزمة

إزاء البلبلة التي خلقتها السوق الموازية، يخشى اللبنانيون ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية. وتقول سناء إن “أسعار الفول والأرز والفاصولياء تضاعفت والزحمة عليها بشكل أساسي”.

ويوضح رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية زهير برو، ضمن تصريح لفرانس برس، إن التجار الكبار غير القادرين على الحصول على الدولارات من المصارف يبيعون بضائعهم للتجار الصغار بسعر الصرف الذي يناسبهم.

ويضيف برو أن “البلد في مرحلة فوضى في الأسعار”، مشيراً إلى أن الارتفاع طال “العديد من المواد من البيض إلى اللحوم والأجبان والألبان، والخضار” بنسب مختلفة.

ووثّقت الجمعية، وفق شكاوى المواطنين التي تصلها، ارتفاعاً بنسبة 7% في أسعار اللحوم وأكثر من 25% في أسعار الخضار على سبيل المثال.

من خلف ثلاجة اللحوم في أحد المتاجر يقول الموظف فادي صليبي (39 عاماً) أثناء تقطيعه اللحم: “في الأيام الأخيرة، بتنا نعمل من الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساءً” من دون توقف.

ويصطفّ كثر غالبيتهم من النساء في قسم الخضار والفاكهة؛ وتأتي إحداهنّ بأكياسٍ مليئة لتضعها في عربتها الممتلئة. ولا تتيح الزحمة للعامل على الميزان التوقّف لحظة عن العمل.

وأمام صناديق الدفع، يقف المواطنون في طوابير طويلة.

وتخرج امرأة بعربتين مليئتين من المتجر وتفرّغ بمساعدة عامل أجنبي واحدة منها في صندوق سيارتها الذي تحول بذلك إلى مخزنٍ لعبوات المياه البلاستيكية، قبل أن تنقل باقي الأغراض إلى مقاعد السيارة.

ويقول أنطوان ديراني (63 عاماً) الذي ملأ عربته بمواد غذائية: “نحن نعيش في صلب الأزمة”، مضيفاً: “نتموّن اليوم لتكون لدينا احتياطات في المنزل”.

ويعود الرجل الذي غزا الشيب شعره بالذاكرة إلى سنوات الحرب الأهلية (1975-1990) متمنياً ألا تعود تلك الأيام، ويقول: “أذكر تماماً كيف كنا نقف في الصفّ ونترجى البائعين للحصول على ربطة خبز فقط”.

*أ.ف.ب

‫تعليقات الزوار

7
  • علال النظاظر
    الأحد 10 نونبر 2019 - 15:22

    لبنان منطقة ملتقى الرياح السياسية الشرقية و الغربية .الاستقرار في لبنان يحتاج ارادة ونضج سياسي من الشعب ثم من المسؤولين .صراحة ،الوضع في لبنان معقد.

  • مغربية
    الأحد 10 نونبر 2019 - 15:51

    يجب البحت عن أشكال أخرى للتغيير. اما هاد الطريقة غير كترجع للخلف. ماكايستفاد منها والو . الخروج للشارع. له نتائج عكسية وخاصة على الفقراء

  • الطائفية هي المشكل
    الأحد 10 نونبر 2019 - 16:23

    اكبر طائفيين هوما هاد اللبنانيين ، فالبطاقة الوطنية ديالهم و عقود الازدياد عندهم الطائفة، هادا شيعي ، هذا سني هذا درزي هذا ماروني و زيد و زيد…و سبحان الله دارو اتفاق الطائف فالسعودية ، اسم على مسمى . محدهم قابلين بهادشي فهوما يستاهلون الواقع ديالهم. الشيعي كي صوت على هلى ولد الطائفة ديالو السني كذلك… محدهم هاكا عمرهم يزيدو القدام . مقسمينها الرئيس مسيحي و الرئيس الحكومة سني و رئيس البرلمان شيعي . الجيش فيد المارونيين ! داك الاتفاق ديال الطائف صافس سالا وقتو كان بعد الحرب الاهلية هو الحل اما فهاد الوقت خاص يتحسد هادشي و يكون لا فرق بين اللبنانيين!

  • simo
    الأحد 10 نونبر 2019 - 18:49

    الطائفية هي سبب الحرب في سوريا لا افهم العديد من دول الشرق تحدد الطائفة في بطاقة الهوية فهده بحد داتها تشعل الفتنة في اي لحظة.

  • Maghribi
    الأحد 10 نونبر 2019 - 20:12

    لن يحسو بنعمة الأمن إلا بعدما يفقدونها ،

  • متتبع
    الأحد 10 نونبر 2019 - 23:11

    حالة الحراك في لبنان تشبه حالات الحراك والربيع العربي في جميع الدول العربية التي وقع وت تستمر فيها التظاهرات. ف لبنان يوجد في منطقة ساخنة وحساسة والتي لن يروقها اي تغيير. كسوريا المدعومة من طرف حزب الله وإيران وروسيا. وهنالك إسرائيل والأردن ومصر .وعليه فإن الأمور معقدة جدا و سوف تتدهور في لبنان ويمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه سوريا من دمار وخراب..ولا نتمنى للبنان ذلك. ويمكن أن نقول بأن حالة لبنان حاليا خير من مستقبل مليء بالمخاطر.

  • مواطن
    الإثنين 11 نونبر 2019 - 12:23

    الوضع في لبنان يتأزم يوما بعد يوم والحالة الاقتصادية في انهيار. والشعب يتطلع إلى التغيير لتحسين ظروف العيش في البلاد. ويستمر في الحراك.
    ولكن الظروف الحالية ليست مواتية لذلك .لأن لبنان يوجد في بؤرة ملتهبة .حيت انه محاط بدول ليس من مصلحتها اي تغيير. كاسراءيل و سوريا وحزب الله وهو(دولة داخل دولة ) المدعوم من طرف إيران وروسيا.مع العلم ان حزب الله صرح على لسان زعيمه نصر الله على رفضه للحراك . زيادة على لوبي الأحزاب المختلفة في لبنان وكذلك ذوي النفوذ ممن لا مصلحة له في التغيير وايضا سياسة الغرب ودول الخليج في منطقة الشرق الاوسط . لهذا نستنتج أن الوضع ربما سيكون مثل ما وقع في سوريا. ويزيد تعقيدا. و بلا شك أن الوضع الحالي رغم المشاكل سيكون أفضل بكثير من مستقبل محفوف بالمخاطر.

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 14

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 3

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 20

حملة ضد العربات المجرورة