تواصل الاحتجاجات الدامية يكشف تلاشي مصالح أمريكا في العراق

تواصل الاحتجاجات الدامية يكشف تلاشي مصالح أمريكا في العراق
الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 03:45

تلتزم الإدارة الأميركية الصمت حيال الاحتجاجات المطلبية الدامية في العراق ضد نظام ساهمت في إرسائه بعد الإطاحة بحكم صدام حسين في 2003، حيث نشرت عشرات آلاف الجنود في البلاد وواكبت المرحلة الانتقالية.

يوضح هذا الغياب الكبير، خلال نقطة تحول رئيسية في العراق، مدى تلاشي مصالحها ونفوذها منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والذي فتح الباب أمام إيران المجاورة ذات الغالبية الشيعية.

وقال مسؤول عراقي بارز طلب عدم الكشف عن هويته إن “الفجوة بين العراق وأميركا لم تكن كبيرة على الإطلاق مثلما وصلت إليه الآن، وما تزال تزداد حجما”.

قامت الولايات المتحدة بعد الغزو بحل الدولة العراقية وإعادة بنائها بشكل فعال، حيث وصلت إلى الحكم طبقة جديدة من النخب السياسية التي أقامت معها صلات شخصية وثيقة، وشرعت في بناء جيش جديد ونشر أكثر من 170 ألف جندي في ذروة تواجدها العسكري قبل الانسحاب في عام 2011.

ومنذ ذلك الحين، لعبت القوات الأميركية دورا حاسما في هزيمة الجهاديين. وتشاور المسؤولون الأميركيون عن كثب مع نظرائهم بشأن الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق عام 2017، والانتخابات البرلمانية لعام 2018 وتشكيل الحكومة بعد ذلك.

وحاليا يطالب المتظاهرون في جميع أنحاء بغداد والجنوب ذي الأغلبية الشيعية بإصلاح النظام الذي أرسته الولايات المتحدة، لكن واشنطن بقيت صامتة نسبيا.

فقد أصدرت مجموعة من البيانات التي تدين العنف، لكنها لم تصل إلى حد استخدام القوة الدبلوماسية لحل الأزمة.

وقال المسؤول العراقي البارز لوكالة فرانس برس: “في الماضي كانت مواقف واشنطن علنية أكثر” في لعب دور في السياسة العراقية.

وأوضح قائلا: “كانت الولايات المتحدة قد دعمت في عام 2003 هيكلية الحكومة العراقية الحالية التي أنتجت هذه الطبقة السياسية”. وتابع: “السؤال هل يريدون الانخراط في تصحيحه؟ أعتقد ليس هناك قرار بعد”.

تراجع النفوذ

وقال كيرك سويل، المحلل الذي يكتب في نشرة “داخل السياسة العراقية”، إن “النتيجة النهائية هي أن المشروع الأميركي لبناء الدولة في العراق قد فشل”.

منذ اندلاع الاحتجاجات في الأول من أكتوبر، قتل أكثر من 330 شخصًا وفرضت السلطات قيودا على الإنترنت، وتعرض النشطاء للتهديد والخطف.

في الأسبوع الماضي، اتصل وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبو، برئيس الوزراء عادل عبد المهدي، و”استنكر عدد القتلى”، لكن في اليوم التالي قتل أربعة متظاهرين.

ويبدو أن أكثر ما يقلق الولايات المتحدة هو دور اللواء قاسم سليماني، المسؤول الإيراني عن الملف العراقي، في عقد الاتفاقات بين القوى السياسية في بغداد.

وقال سويل إن “النفوذ الأميركي ليس صفراً لكنه لا يكاد يذكر خلال الأزمة الحالية”.

ويرجع ذلك، بحسب روبرت فورد، من معهد الشرق الأوسط، جزئيًا إلى أن العراق قد ملأ مؤسساته في الوقت الذي انخفض فيه عدد القوات الأميركية بشكل كبير.

وعمل فورد دبلوماسيا في السفارة الأميركية مترامية الأطراف في العراق بين 2004-2006 و2008-2010. لكن السفارة الآن شبه خالية بعد الانسحاب الأميركي في مايو إثر تصاعد التوترات بين طهران وواشنطن نتيجة الملف النووي.

وقال لوكالة فرانس برس: “هذا في حد ذاته يظهر تضاؤل مصالح الولايات المتحدة”.

ولا تربط المسؤولين العراقيين الجدد أي علاقات قديمة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على عكس المسؤولين السابقين.

وقال فورد: “لا أعتقد أن الرئيس ترامب يمكنه التقاط الهاتف والتحدث إلى عبد المهدي مستندا إلى علاقات قديمة أو لقاءات مباشرة”.

قبلة الموت

في الواقع، يقول المسؤولون العراقيون والأميركيون، إن العلاقات بين البيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء هي “الأكثر برودة” منذ العام 2003.

كما أن البيت الأبيض أرجأ اجتماعاً ثنائياً ثلاث مرات على الأقل لأنه كان “غاضباً” من عبد المهدي الذي يرفض النأي بنفسه بشكل إضافي عن إيران.

لكن على الرغم من ذلك، يرى مسؤول في الخارجية الأميركية، في تصريح لفرانس برس، أن “من بين كل الطبقة السياسية التي تربطها علاقات عميقة مع إيران منذ عقود، فإن عبد المهدي ربما يكون أفضل ما يمكن أن نأمله”.

وتصور طهران وحلفاؤها العراقيون، بما في ذلك الفصائل المسلحة، أي حزب قريب من الولايات المتحدة على أنه “متآمر” يسعى إلى زعزعة الاستقرار، ما يجعل الأمر مكلفا سياسياً.

ويقول رمزي مارديني، من معهد السلام بالولايات المتحدة: “في السابق كان اللاعبون السياسيون العراقيون يرغبون في أن يعرف الآخرون أن لديهم اتصالا مباشرا بالولايات المتحدة، لكن اليوم أصبحت هذه العلاقة أشبه بقبلة الموت”.

ينطبق هذا المنطق أيضاً على المتظاهرين المناهضين للحكومة الحاليين الذين سعت الأحزاب المدعومة من إيران إلى تصويرهم على أنهم “عملاء” تدعمهم الولايات المتحدة.

وقال مسؤولون غربيون في بغداد لوكالة فرانس برس إنهم كانوا حذرين من الإشارة إلى الدعم المفتوح للمتظاهرين بسبب هذه المزاعم.

لقد صب المتظاهرون غضبهم على الطبقة السياسية الحاكمة، وفي الوقت ذاته استنكروا النفوذ الإيراني المتصاعد وهو بُعد رحبت به واشنطن دون دعم واضح للمظاهرات.

من المستغرب أن الانتقاد المباشر للولايات المتحدة كان نادراً، رغم أنها كانت المهندس الرئيسي للنظام.

لكن هذا الأمر قد يتغير إذا استمرت مواجهة المظاهرات بالعنف.

وقال مارديني إن الإرث الذي ستخلفه الولايات المتحدة لدى الجيل الجديد هو “أنه سيرى الولايات المتحدة تطرح نقاط حوار، لكنها لن تتخذ أي إجراء”.

وختم قائلا إن “ذلك يجعل من الصعب على صناع القرار في الولايات المتحدة استعادة ثقة الطبقة السياسية المستقبلية”.

*أ.ف.ب

‫تعليقات الزوار

8
  • محمد جام
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 04:11

    أمريكا تريد بناء عراق حليف من الطبقة الشعبية. التي ستمكنها من خلق حروب مع إيران.
    و لا تريد عراق سالم ديمقراطية هادئ.

  • مغربي
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 06:09

    يعني كان العراقيون يرفعون الأعلام الأمريكية عند الغزو ويعتقدون أن أمريكا جاءت تحررهم من بطش صدام حسين وتسلطه عليهم …لكن الحقيقة طفت على السطح …أين نفط العراق ! أين ثروات العراق !
    صدام حسين دفع حياته ثمن رفضه بيع نفط بلاده بالدولار. دفع حياته ثمن رفضه الخضوع . دفع حياته ثمن حبه لبلده . دفع حياته ثمن لسياسته في التنمية والبحث العلمي ومشروعه للنهضة بالعراق .

  • امير
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 07:32

    دوله اسلاميه والبتالي لا جديد تحت الشمس.

  • تاج
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 09:13

    لقد كانت إيران وخادمتها قطر تعملان بكل جهد عبر قناة الجزيرة على إثارة القلاقل و إشعال الفتن في الدول العربية السنية فقط..ولكن اليوم ولله الحمد والمنة قد انقلب السحر على الساحر..واشتعلت النيران واستعرت حول عمائم الشر الإيرانية في كل من العراق ولبنان وحتى في إيران نفسها..المضحك في الأمر هو أن قناة الجزيرة القطرية التي أصبحت في وضع لا يحسد عليه.. وضع حرج للغاية..حيث حاولت في البداية تجاهل الحراك في لبنان والعراق وإيران وعدم التطرق إليه في نشرات أخبارها..لكنها اليوم أصبحت مرغمة على تناول هذا الخبر ولو بالقليل لأنها تعلم أن مصداقيتها أصبحت على المحك وأن الجمهور العربي قد فطن لألاعيبها..

  • عينك ميزانك
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 09:39

    حتى نفهم نحن المغاربة ان الدول التي تتشدق بالحريات و حقوق الإنسان في الحقيقة غايتها مصالحها المادية و نفودها السياسي لا أقل و لا أكثر و اكبر مثال ما وقع للعراق بفعل الولايات المتحدة الأمريكية التي احرقت اليابس و الأخضر من اجل تجديد عقود استغلال النفط التي أبا صدام أن يجددها معهم فتهموه بأنه ينوي صناعة قنبلة نووية وبعدما فعلة فعلتهم وتضح ان ادعائاتهم كاذبة اعتدرو عن الخطئ بعدما وقعت الفأس في الرأس و دمرت العراق.هدا اكبر سبب على ان تلتحم القيادة مع الشعب بصدق لتوزيع الثروة بالعدل و تتمين الحريات .

  • مضحك
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 10:53

    الذي قال دفع ان صدام حسين دفع حياته من اجل العراق اضنك لا تعلم ماذا فعل صدام حسين بالعراقيين و كيف حاول تنفيذ الاجنذة الامريكية كي تجد موضع قدم لها في الشرق الاوسط لولا العمالة الصدامية لما استطاعت امريكا و بريطانيا ان تجد موضعا لها في الشرق الاوسط .
    امريكا ضحكت على صدام و باعت له العجل كما نقول و اعطته الضوء الاخضر لاحتلال الكويت و في الاخير جرته الى المحكمة الدولية لولا غبائه و نزعته القومية البعثية لا فطن للمصيدة .
    و في الاخير ترك جيشه و ذهب يختبأ مثل الجردان في الحفرة لم يفعلها حتى الجبناء على مر العصور

  • احمد
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 18:12

    وهل من مصلحة لأمريكا أكثر من دمار العراق؟
    مات الاسد صدام رحمه الله ويمكنم أن تفعلوا ما شأتم بهذا الشعب مادام تحت تصرفكم ومادامت الخونة تتسلل بداخله!!!

  • Filali
    الثلاثاء 19 نونبر 2019 - 21:04

    هذا درس لمن يستقوي بالاجنبي في التغيير ، الشعب الذي لا يصنع تغييره بنفسه أو يبدع في صياغة حكم يتناسب و ثقافته ، و يريد فقط استيراد نماذج أجنبية جاهزة ، هو شعب لا يستحق التغيير ، و ان غير بنموذج مستورد ، حتما لن ينجح.
    لن نصبح فرنسا أو أمريكا أو بريطانيا الخ…

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين