تأمين الانتقال الديمقراطي يؤجّل تسريع الإصلاحات الاجتماعية بتونس

تأمين الانتقال الديمقراطي يؤجّل تسريع الإصلاحات الاجتماعية بتونس
الإثنين 16 دجنبر 2019 - 07:00

يباشر الرئيس التونسي قيس سعيّد عهده مع أزمة سياسية وسط تعثر تشكيل الحكومة وبرلمان منقسم، وتزايد الضغوط الاقتصادية مع اقتراب تسديد ديون خارجية للبلاد.

منذ تكليفه رسميا منتصف أكتوبر الفائت، بدأ الحبيب الجملي الذي يؤكد أنه مستقل عن الأحزاب مشاورات سياسية بحثا عن توافقات لحكومته المرتقبة مع غالبية الأحزاب الممثلة في البرلمان، والمنظمات الوطنية والشخصيات النقابية والكفاءات؛ غير أن المهلة الدستورية الأوليّة التي يمنحها الدستور لم تسعفه في إتمام مهمته التي تم تمديدها شهرا إضافيا، ما ينذر بمهمة صعبة وسط دعوات بالتسريع لأنه إذا فشل في مهامه فسيكلف الرئيس شخصية أخرى مستقلة بالمهمة.

وأعلن “التيار الديمقراطي” (22 نائبا) وحركة “الشعب” (15 نائبا)، ثاني أكبر الكتل في البرلمان، انسحابهما من المشاورات، معلّلين ذلك بعدم الحصول على حقائب وزارية أو “غياب الجدية”. وهذا من شأنه أن يضعف حظوظ الحكومة القادمة في نيل ثقة البرلمان، حيث يجب أن تحصل على 109 أصوات (من مجموع 217).

بموازاة ذلك، انطلق البرلمان في جلسات عمله الأولى التي تخللتها مشادات وتجاذبات بلغت حد تعطيل العمل بسبب تبادل الشتائم بين نواب بخلفيات سياسية متضادة.

فقد أفرزت الانتخابات النيابية منتصف أكتوبر الفائت “فسيفساء” من الأحزاب يتقدمها “النهضة” الإسلامي (52 نائبا)، يليه حزب “قلب تونس” الليبرالي (38 نائبا).

تتمحور الخلافات في البرلمان بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وفي مقدمتها “النهضة” الذي كثيرا ما يواجه انتقادات لنتائج فترة حكمه منذ 2011، وفي المقابل أحزاب أخرى تهاجم الإسلاميين وتتهمهم بالمسؤولية عن تردي الوضع في البلاد.

ووصل الأمر إلى اعتصامات من قبل نواب داخل البرلمان مع انطلاق مناقشة قانون الموازنة 2020 الأسبوع الفائت.

إلى ذلك، يزداد الاحتقان الاجتماعي في البلاد، خصوصا مع ارتفاع سقف المطالب الاجتماعية بسبب تضخم الأسعار رغم استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية دون خروجها من منطقة الخطر.

فلازالت نسبة البطالة في مستوى 15.1 في المائة والتضخم 6.3 في المائة ونسبة النمو في حدود 1.4 في المائة؛ بينما يبلغ العجز في الموازنة 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وغالبا ما ارتبط يناير بتزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية مع اقتراب ذكرى وفاة محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد احتجاجا على وضعه.

وشكلت الحادثة انطلاقة لانتفاضة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.

ومطلع ديسمبر الحالي، اندلعت احتجاجات في مدينة “جلمة” (وسط) انتهت إلى مواجهات بين سكان المنطقة وقوات الأمن، بعد أن انتحر الشاب عبد الوهاب الحبلاني (25 عاما) حرقا، احتجاجا على وضعه الاجتماعي في هذه المدينة المهمشة.

عجز الدولة

يقول المحلل المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان: “إذا تأخرنا بهذا الشكل في تشكيل الحكومة، في حين يشهد مجلس النواب أجواء مشحونة مع غياب التوافق، فإن هذا سيترك تأثيره حتما لأنه لن يترك المجال أمام البلاد للدخول في إصلاحات الإنقاذ”؛ كما يصف الوضع الاقتصادي بأنه “في حالة نزيف”، لأن “كل المؤشرات دون استثناء تتدهور”.

لم تستطع البلاد منذ ثورة 2011 تجاوز الضغوط الاقتصادية، وركزت الطبقة السياسية اهتماماتها أكثر على تأمين الانتقال الديمقراطي السياسي، بينما تأجلت الإصلاحات الاجتماعية مع تفاقم المطالب المعيشية، بالإضافة إلى توجيه القروض الخارجية إلى الاستهلاك وسداد رواتب القطاع الحكومي بدلا من تخصيصها للاستثمار.

يرى سعيدان أن الحكومة مطالبة بالشروع مباشرة في إصلاحات، “ويجب أن تكون هناك حكومة قوية ومدعومة من البرلمان للقيام بإصلاحات هيكلية موجعة لوقف النزيف؛ وهذا ضروري ومطلوب في أقرب وقت ممكن”، خصوصا في ما يتعلق بالتحكم في نفقات الدولة والتقليص من الاستيراد.

ويشكل الدين الخارجي أهم الملفات التي شغلت الحكومات السابقة، وبينها حكومة يوسف الشاهد التي استمرت أطول فترة مقارنة بسابقاتها ولم تستطع تحقيق الانتقال الاقتصادي الضروري في البلاد.

وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74% وبلغت 7 % في العام 2018 من حجم الناتج الإجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي الذي منح العام 2016 قرضا لتونس صرف منها 1.6 مليارات دولار على أربع سنوات، مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية واسعة على أن يتم سداده اعتبارا من 2020.

تتوجه تونس مجددا إلى السوق الخارجية العام القادم للحصول على قروض جديدة حسب مشروع الموازنة، لكن المهمة لن تكون سهلة في نظر سعيدان الذي يتساءل: “كيف ستتمكن من الحصول على هذه القروض؟”، عازيا السبب إلى “المناخ السياسي الذي لا يخدم صورة البلاد في الخارج”.

وتواجه سياسية الدولة من حيث الاستدانة من الخارج انتقادا ورفضا شديدين من منظمات، وخصوصا النقابة العمالية المركزية التي تدعو الحكومة إلى عدم الانسياق لإملاءات صندوق النقد الدولي.

وخلص سعيدان إلى التنبيه من الوصول إلى مرحلة عجز الدولة عن سداد مستحقاتها؛ “لأنه إذا لم نستطع تسديد ديوننا فسندخل في دوّامة جدولة الديون، وعندها سيكون الوضع أخطر بكثير”.

*أ.ف.ب

‫تعليقات الزوار

7
  • Rastaman
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 07:52

    ثمن الحرية والكرامة فادح وخطير ومؤلم، ولكن الاستكانة للذل والظلم والاستعباد أشد فداحة وخطراً وألماً ، الشعوب الحرة الكريمة تغسل عارها وذلها وظلمها بدماء أبناءها بشهدائها وجرحاها فتطهرها من دنسها وأرجا سها فتعود بيضاء نقية كما ولدتها أمها ، أما الشعوب الخانعة الذليلة المستعبدة فهي ليست جديرة بالحياة وخير لها أن تنقرض وتزول فلا يحس بها أحدا

  • amaghrabi
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 09:30

    اعتقد ان الثورة التونسية زادت الأمور تعقيدا وزادت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية سوءا ويعلم الله اين تسير تونس في ظل الإسلاميين الذين يبنون مشارعهم ومستقبلهم في الاخرة لان في نظرهم هذه الدنيا ليست الا قنطرة عبور الى الدار الباقية.وبالطبع هذا شعارهم لتنويم الشعب التونسي اما هم في حقيقة الامر فيبنون مستقبلهم في الدنيا والاخرة يتركونها للشعب التونسي المقهور.رحمك الله يازين العابدين قد طلموك وظلموا معك الشعب التونسي الذي دخل في جحر الضب

  • aziz
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 09:46

    معليك غير بالصبر اس سعد مكاين فالدول العربية غير التماسيح والبنضيا لي مسطرين عالبلاد والعباد واللاه وخا اصوت علك الشعب باكمله عاد زدلهم دوك اللهود والنصارى داوربا وصحاب الشكارا دالخليج الا مبغاوك تفيق الشعب والله مادير والو غيراستسلم لهاد لبنضيا لي مسطرين عل العالم

  • ibrahim
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 10:21

    لا رافهية ولا عيش كريم ولا تقدم صناعي وتكنولوجي إلا في الاتحاد المغاربي الكبير…
    عملة واحدة واقتصاد واحد فنحن اصلا واحد الدين اللغة التقاليد العادات…هرمنا

  • لافاشكيري
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 13:11

    منذ الثورة التونسية ونحن نسمع في الشعارات الرنانة ولحد الان لم يتحقق شيء بل الأوضاع اصبحت تسير نحو الاسوء في تونس ، الفساد تضاعف ورجال الاعمال اصبحوا هم المتحكمين في مصير البلاد ،، تيارات سياسية مثل النهضة والعلمانيين لا يدافعون سوى عن أيديولوجياتهم ومصالحهم في غياب اي تفكير في المواطن

    تونس ضيعت عشر سنوات من عمرها في الفوضى ، الاقتصاد تدمر ، السياحة تدمرت ، الامن اصبح مفقود ولأول مرة ظهور تيارات ارهابية تقض مضجع البلاد

    هذه هي الثورة المباركة

  • عامر هلال
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 15:17

    فرنسا ودول محور الشرمعها لابد تقتلع كل جذورها من افريقيا

  • عبدالله
    الإثنين 16 دجنبر 2019 - 16:12

    سوف اقول لكم شيء جد مهم وسوف تتفكروني في المستقبل.
    الجارة الحقودة ديال المافية العسكرية لا تريد دولة ديموقراطية بجانبها او دولة متقدمة وتحترم حقوق الانسان.
    اقسم بالله العلي العظيم او ما حد المافية او العصابة العسكرية تحكم الجزاءر اي ما تفرحو بالديموقراطية او الاستقرار لا انتم ولا شمال افريقيا باكمله لانهم عصابة تنتج الارهاب والارهابيين لتخويف الكل .
    رءيس تونس سوف تغتاله العصابة قريبا او سوف تحط عصا في حكومته لكي لا ينجح في عمله ها انا ها انتما والوقت أمامكم .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة