رحيل اليهود عن العراق .. أجساد تتحرك وتراث يسكن بلاد الرافدين

رحيل اليهود عن العراق .. أجساد تتحرك وتراث يسكن بلاد الرافدين
الإثنين 7 شتنبر 2020 - 02:16

اعتاد عمر فرهادي في صغره تسخين الطعام لجيرانه اليهود أيام السبت. واليوم لم يعد هناك وجود لليهود في كردستان العراق كما في بقية أنحاء العراق، لكن إرثهم مازال موجودا.

وتفيد الرواية التاريخية بأن أبا الأنبياء إبراهيم ولد في أور جنوب العراق. وفي الجنوب أيضا، كما ورد في بعض الروايات، تقع جنات عدن في قلب أهواز العراق، وهناك أيضا كتب التلمود البابلي.

وبإيمانهم الراسخ بهذه الجذور، عاش اليهود لسنين طويلة في هذا البلد، حيث شكلوا ثاني طائفة في بغداد أو أربعين بالمائة من سكانها وفقا لإحصاء أجرته الإمبراطورية العثمانية في 1917؛ لكن خلال القرن الماضي وبسبب تصاعد التوتر في المنطقة وقيام إسرائيل، فر معظمهم وتمت مصادرة ممتلكاتهم وتلاشت إمكانية عودتهم إلى العراق.

ويتذكر الصحافي المخضرم عمر فرهادي، الذي ولد في 1938، بحي طاجل اليهودي القريب من قلعة أربيل شمال العراق، تلك السنين كما لو كانت البارحة.

رحيل ومصادرة

يقول فرهادي لوكالة فرانس برس عند زقاق قيصرية أقدم سوق في مدينة أربيل، ويضم حاليا دكاكين: “هنا كان مكان دكان وكشكين آخرين لوالدي. بعدها كل الدكاكين كانت ليهود أكراد”.

وفي المدرسة، كان لفرهادي العديد من الزملاء اليهود؛ وحتى معلم اللغة الإنجليزية كان اسمه بنهاز عزرا سليم.

ويتذكر هذا الصحافي مدرسه قائلاً: “أحد الأيام، جاء يودع معلمنا للغة العربية، وهو مسلم اسمه خضر مولود، وكشف أنه مغادر إلى إسرائيل..احتضنا بعضهما وهم يبكيان”، معتبرا أن هذه كانت “نهاية اليهود في أربيل”.

وفي 1948 سنة إعلان إسرائيل، كان عدد اليهود الموجودين في العراق يبلغ 150 ألف شخص. وبعد ثلاث سنوات كان 96 بالمائة منهم قد رحلوا، وهاجر من تبقى منهم بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، الذي دشن 15 عاما من العنف شبه المتواصل.

وتفيد واحدة من الوثائق الدبلوماسية التي نشرها موقع ويكيليكس بأن الجالية اليهودية في بغداد كانت تضم ثمانية يهود فقط في 2009.

وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 219 ألف يهودي من أصل عراقي في إسرائيل يشكلون أكبر مجموعة لليهود من أصول آسيوية؛ وصادرت الدولة العراقية ممتلكاتهم ومنازلهم، بما في ذلك مدارسهم، بينها التي كانت مفتوحة في منطقة البتاوين وسط بغداد، التي تتداعى يوما بعد يوم بسبب الإهمال.

لكن يبدو أن أفعال الذين استغلوا الحروب واستولوا على منازل كثير من المسيحيين العراقيين الذين هاجروا بعد 2003 لم تطل ممتلكات اليهود.

“ديانة محمية”

ما تبقى هو تاريخ تروي بعضه غرفة في متحف أربيل التربوي لتخليد ذكرى “دانيال كساب”، الذي كان مدرسا يهوديا كرديا معروفا للفن، وكذلك جميع الأحياء اليهودية التي لم يبق منها سوى اسمها وتقع في مناطق حلبجة وزاخو و كويسنجق ومدن أخرى في إقليم كردستان العراق.

وأقر برلمان الإقليم في 2015 قانونا يعتبر اليهودية “دينا محميا”، وينص على أن يكون لليهود ممثل رسمي، “حتى النواب الإسلاميون صوتوا لمصلحته” كما يؤكد المسؤول في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للإقليم مريوان نقشبندي، الذي كانت إحدى زوجات جده يهودية.

وتقول سلطات الإقليم إن حوالي 400 عائلة من أصل يهودي تعيش في كردستان العراق، لكنها اعتنقت الإسلام وسجلت رسمياً كمسلمة.

ويؤكد شيركو عثمان عبد الله (58 عاما) الممثل الرسمي حاليا لليهود في الإقليم، لفرانس برس، أنه لا يعرف حقيقة مجتمعه، ويقول: “لا أعرف عدد العائلات اليهودية التي مازالت تعيش في كردستان لأن أغلب أفرادها يمارسون دينهم في الخفاء، طالما أن القول نحن يهود يعتبر موضوعا حساسا في العراق والشرق الأوسط” بشكل عام. مع ذلك، كان الإحساس الحقيقي بالهوية مازال مفقودا.

وتقدم شيركو بطلب للحصول على إذن رسمي لبناء مركز للجالية اليهودية لكنه لم يحصل على موافقة رسمية. وأضاف عبد الله: “أريد أن يأتي زعيم يهودي ليعلمنا العادات الصحيحة، لكن هذا غير ممكن في ظل الظروف الحالية”.

والصلة بين العائلات القليلة المتبقية واليهود من أصول عراقية في إسرائيل تتراجع. وقال عبد الله لفرانس برس: “الآن يهود العراق الذين غادروا إلى إسرائيل في خمسينيات القرن العشرين مازالوا يجدون طرقا للعودة إلى المنطقة الكردية بهوياتهم العراقية”، وتابع: “لكن في غضون خمس سنوات سيموتون وسيتم قطع العلاقة بأكملها”.

بقاء الذكريات

قبل ثلاث سنوات، بدأ تنفيذ أعمال لترميم ضريح النبي ناحوم في القوش بفضل تمويل قدره مليون دولار قدمته الحكومة الأمريكية، إضافة إلى تبرعات مقدمة من حكومة الإقليم وأخرى من أفراد.

وبصمات اليهود ليست موجودة في إقليم كردستان وحده، بل أيضا في الموصل (شمال) والبصرة (جنوب) والرمادي (غرب) والعاصمة بغداد، حيث كان يوم العطلة الأسبوعية هو السبت لفترة طويلة بدلا من يوم عطلة المسلمين الجمعة كما هو الحال اليوم.

وكانت هناك عائلات فقيرة منهم في العراق. لكن كانت هناك نخب مازال العراقيون يتذكرونها، تضم مطربين كبارا وفناني الفولكلور الموسيقي البغدادي.

وأشهر هؤلاء كان ساسون حسقيل، وزير المالية في أول حكومة عراقية في عهد الانتداب البريطاني عام 1920. وقال رفعت عبد الرزاق المختص في التراث اليهودي في بغداد، لفرانس برس، إن حسقيل كان “أول من وضع أسس النظام المالي العراقي”.

لكن اليوم منزل حسقيل الواقع على ضفاف نهر دجلة مهجور ودمر جزء منه. وقال عبد الرزاق: “لا يوجد اهتمام بالموضوع، لا سياسيا ولا في الأبحاث”، وأضاف بحسرة: “لم يبق شيء، لم تبق إلا الذكريات”.

‫تعليقات الزوار

9
  • zineb
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 03:19

    الكل يمجد في اليهود هذه الايام، هل تريدون ان يرضون عنكم؟ فلكم ذلك و لكن بشرط:
    لن ترضى عنكم اليهود و النصارى حتى تتبع ملتهم.

  • العروبي
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 06:43

    ما هذا الحدیث غادروا العراق. قولوا غرر بهم من اجل احتلال ارض الشعب الفلسطینی وتشریده اعتمادا علی خرافه صهیونیه.
    كانوا یعیشون فی سلام فاصبحوا استعماریین فی مساهمتهم فی تشرید قوم ما زال یعانی الی الیوم.

  • عبد الجواد
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 06:47

    مقال ينزل بعد خطبة السديس، تحاولون تصوير اليهود كضحايا و كشعب طيب عاش بيننا وله جذوره في العراق، هل في الأمر تمهيد لضم العراق أيضا للكيان حيث 40٪ من سكان بغداد كانوا يهود( أين المصدر) و التلمود كتب هناك حتى إبراهيم و لد هناك.
    وأهم من ظن أن لليهود عهدا في المغرب إرتموا في حضن فرنسا ما أن وطئت قدماها المغرب، وللعلم تعرض الرسول صلى الله عليه و سلم ل12محاولة اغتيال 9من طرف اليهود

  • نعمان
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 09:08

    اليهود الذين غادروا بلدانهم (المغرب، الجزائر، تونس، مصر و مجموعة من البلدان العربية و دول أوروبا الشرقية….) هم مجموعة من المغتصبين لأرض أصحابها هم الفلسطينيون، هل تعتقدون أنكم بهذه المقالات سوف تزورون التاريخ ؟؟؟ لن ننسى مجازر الصهاينة في حق الفلسطينيين

  • علاء الادريسي
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 11:02

    سلام ! لم أعد اسمع نهائيا عن مذبحة صبرا شاتيلا ولا حتى كلمة عن المجرم شارون،لماذا؟ولما تهدفون و تروجون؟

  • NOURAN
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 11:53

    الصهيونية تخطط بشكل عقلاني للمستقبل بتحالف مع الغرب الامبريالي … و تحت غطاء اليهودية و السامية و الحرية و الديمقراطية … اما التابعون و المهرولون و المتامرون … فيطبعون على حساب شعوبهم و تاريخهم و مستقبلهم … بالمجان او بمقابل … نحن امة من تخاذلنا هيمنت علينا الامم … ماذا ينتظرنا … ؟

  • Kamal
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 12:31

    اليهود في الدول الاسلاميه عاشو كسكان من الدرجه العاشره لكي لا أقول شيئا اخر.
    وما ان أتيحت لهم الفرصه لم يترددو من حزم حقائبهم وغادرو بعجاله على جنح الظلام ليعيشو احرارا . هذا باختصار شديد

  • باعمرانية
    الإثنين 7 شتنبر 2020 - 23:35

    الظاهر ان اليهود هذه الايام لهم شان كبير فالكل يتكلم عنهم ويستجديهم وهو امر مخطط له باحكام
    و ليس من قبيل الصدفة ابدا حتى خطيب الحرم لم يسلم من تمجيدهم والان في العراق فتحت سبرتهم من جديد وغدا لا ادري اين ستسير الامور
    قد يحسب البعض اننا ضد اليهود كشعب لا والف لا ولكن ضد المتصهينين من العرب والفرب وكل من يستجليهم ويطلب منهم المدد والعون ماداموا الان هم المسيطرين على العالم

  • SAMIR
    الثلاثاء 8 شتنبر 2020 - 11:19

    اليهود لهم شأن كبير في العالم لانهم ببساطه أذكياء يستثمرون ذكائهم في رقيهم. وتفوقهم يكمن في انهم يعتنون ببعضهم البعض ومهما كانت الخلافات في بينهم وهي كثيره وبعضعا كبيره لكن لن يصلو ابدا الى حد اشهار السلاح في وجه بعضهم البعض كما هو الحال عند أبناء عمومتهم العرب.

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد