هل ستسقط أمريكا ؟؟

هل ستسقط أمريكا ؟؟
الثلاثاء 3 يونيو 2008 - 02:50


مؤشرات السقوط الاقتصادي


أمريكا عبر التاريخ استطاعت أن تستغل الكثير من الأزمات التي أحاطت بالعالم، ووظفتها لصالحها لاكتساب المزيد من القوة في مختلف ميادين الحياة ومنها شريان الاقتصادي الذي يتغذى منه باقي الجسد الأمريكي .. ولا بد أن الكثير ممن سيقرؤون عن هذا المقال ستتراقص العديد من علامات التعجب والاستفهام فوق رؤوسهم، وسيطرحون أسئلة من قبيل؛ كيف لدولة هي بمثابة خمسين دولة على شكل ولايات متحدة أصغر ولاية فيها هي أكبر من فرنسا، كما أنها ولايات مضغوطة في اقتصاد واحد تستهلك ربع البترول العالمي واقتصادها كل يوم يتغذى بملايير الدولارات من شركات جديدة تؤسس، وصفقات كبرى تقام، وشعبها من أكبر الشعوب الاستهلاكية التي تساهم في دوران العجلة الاقتصادية وتجعلها لا تتوقف أبد.


إذن، كيف لهذا الاقتصاد أن ينهار أو حتى أن يكون له مؤشرا واحدا للانهيار؟؟ الجواب بكل بساطة أن الاقتصاد الأمريكي هو أيضا خاضع لقوانين اقتصاد السوق التي تتحكم فيها الكثير من العوامل الإقليمية والدولية، وأمريكا قد تستطيع أن تغير جزءا من الاقتصاد العالمي لكن لا يمكنها التحكم فيه بشكل مطلق لوحدها، وهناك عوامل أخرى ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها في تظهر وتبرز وتصبح مؤثرا في الاقتصاد العالمي، فكانت كالسحر الذي انقلب على الساحر.


وكمثال على ذلك، أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت قد تسلمت من إدارة ( كلينتون ) ميزانية بفائض 140 مليار دولار واقتصاد مريح إلى أبعد الحدود، لكن هذه الميزانية انكمشت وتقلصت سلبا إلى أكتر من 600 مليار دولار كعجز تسبب فيه ( بوش) وحكومة المحافظين في إدارته كـوزير الدفاع السابق رامسفيلد وديك تشيني وكوندوليزا رايس والقائمة جد طويلة للذين جعلوا العالم مختبرا كبيرا لتطبيق أفكارهم، فأدخلوا أمريكا في (صراع الحضارات) وصراعا ضد ( الشر والخير) وصراعا ضد (الفاشيين الجدد) والحرب ضد “الإرهاب” التي لا عدو محدد ومعلنا فيها، بل هي حرب مفتوحة على جميع الاحتمالات.


وهكذا كانت الحرب على أفغانستان ثم العراق تم فتحت أمريكا حربا أخرى خفية حول العالم ضد ما يسمى “الإرهاب ” و”التطرف” وهذه كلها حروب تدور أحيانا في (العالم الافتراضي) من أجل كسب صوت الناخبين الأمريكيين، كما أن هناك حروبا أخرى تدار على أرض الواقع كما يحدث في أفغانستان والعراق، وهناك حروب تدار فقط في رؤوس إدارة بوش ولا يراها أحد غيرهم وهي تشبه فلم رعب (هيتشكوكي ) يشاهده بوش و حزبه .. وهذه كلها حروب ساهمت في استنزاف الخزينة الأمريكية وأضعفت ثقة المستثمر وصاحب رأس المال في الاقتصاد الأمريكي، وهو رأيناه أيضا بعد أحدات الحادي عشر من سبتمبر حيث تم خنق الرأس المال العربي والإسلامي بشكل خاص، وتم التضييق عليه مما تسبب في سحب الملايير من الودائع العربية وهروبها إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذه كلها عوامل أضعفت قيمة العملة الأمريكية (الدولار) وجعلته غير مستقر مقارنة مع العملة اليابانية (الين) أو الأوربية ( الأورو)، وهذا ما انتبه إليه (مهاتير محمد) من ماليزيا حينما دعا إلى ربط البترول بالذهب أو إنشاء عملة إسلامية أخرى تُربط بالبترول، مما يعني أتوماتيكا الاستقلال السياسي التام عن أمريكا وعملتها .. لكن السؤال الكبير الذي يؤرق أمريكا بكامل عظمتها ويجعل اقتصادها في كف عفريت هو؛ ماذا لو بيع النفط بالأورو بدل الدولار؟؟ وماذا لو تخلصت الدول الكبرى من احتياطاتها من الدولار وغيرتها بعملة أخرى؟؟ الجواب بكل بساطة أن أمريكا ستصاب بانهيار اقتصادي كما يصاب المريض بانهيار عصبي فيخر على رأسه سريعا. فالدولار عمليا لم يعد عملة مستقرة بشكل كبير ولم يعد هو منطقة الأمان للكثير من الدول التي بدأت تغرف العملة الأوربية ( الأورو) من السوق لتعوض بها (الدولار) المريض الذي فقد منذ 2003م أكتر من 35 في المائة من قيمته، والمشكلة الأخرى هي أن أكبر الاحتياطيات للدولار ليست في أمريكا بل في دول كاليابان التي تملك قرابة 500 مليار دولار والصين 276 مليار دولار مقابل قرابة 81 مليار دولار في هي التي توجد في أمريكا فقط، مما يعني أن روح أمريكا ليست متواجدة في أمريكا، بل هي سائحة وسابحة ومرتبطة بالآخرين، زد على ذلك، أن دول كـ روسيا وتايوان وسنغافورة والعديد من دول شرق آسيا وحتى الشرق الأوسط بدأت تغدي نفسها باحتياطيات من الأورو بدل الدولار كقاعدة تـأمين للمستقبل، ودول أخرى كألمانيا بدأت ترتهن على الذهب لأنه الأكثر أمنا وأمانا، وهذا أمر يرهب أمريكا.


لكن إن عدنا للسؤال الأول المبني على إمكانية بيع البترول بالأورو بدل الدولار فسنجد أن هذا السؤال هو الذي يزلزل مفاصل الرئيس الأمريكي الحالي أو الذي سيأتي من بعده وكذا كل خبراء الاقتصاد في أمريكا.


ولنتصور مثلا، أن الدول العربية التي تملك أكثر من نصف الاحتياطي العالمي المقدر بــ ( 685.6 مليار برميل من أصل 1200 مليار ) بدأت في بيع بترولها بالأورو، مع العلم أن الاستهلاك اليومي العالمي للنفط حاليا هو 81.2 مليون برميل 8 في المائة منها تتدفق فقط من حقلين بالسعودية والكويت، فلنتصور الهزة التي يمكن أن تحدت لأمريكا لو أصبحت عملتها غير مطلوبة في السوق وغير متداولة في الاقتصاد العالمي لأن الذي ينقد الدولار من الموت حاليا هو ارتباط بيع النفط به، وهذا الأمر أدركه صدام في حربه الأخيرة فأعلن سرا وباع جهرا بتروله باليورو بدل الدولار فأحدث ضجة في الأسواق العالمية، لكنها بقيت ضجة أسئلة وتخمينات ولم تحدت أي تأثير مباشر على الدولار نضرا لأن العراق لا تتجاوز مبيعاته سوى ثلاثين مليون دولار في اليوم مقابل 1200 مليار دولار يتم التعامل بها على الصعيد العالمي، لكن في نفس الوقت ما أقدم عليه صدام حسين أحدت رعبا في أمريكا وجعلها تفكر بشكل جدي في البحت عن البدائل، لأنه الويل كل الويل لو فكرت منظمة (الأوبك) في بيع البترول باليورو بدل الدولار.


ولنفترض مثلا أن الاستهلاك اليومي الذي هو قرابة 81.3 برميل في اليوم بيع باليورو وأن 1200 مليار دولار التي كانت تتداولها بورصات العالم أصبحت باليورو هذا يعني أن الدولار سيصبح مثل الخردة التي نفدت صلاحيتها، لأن التعامل به سيصبح في إطار حدود ضيقة ولن يصبح عملة عالمية لها قيمة في الأسواق الدولية، بل لو افترضنا أن السعودية فقط التي تملك قرابة نصف احتياطيات العالم من البترول سارت على هذا النهج وباعت نفطها باليورو بدل الدولار، فالأكيد أن أمريكا ستقيم الدنيا وتقعدها وليس الأمر ببعيد في أن تشن حربا على الشرق الأوسط أولا لضمان تدفق النفط وثانيا لاعتماد الدولار في بيعه، وهذا ما خلص إليه المؤرخ الأمريكي (ويليام كلارك) في تحليل له


حينما حين قال أن الحرب على العراق لم تكن دوافعها أخلاقية أو للبحت عن أسلحة الدمار الشامل أو التخلص من الديكتاتور صدام حسين، بل كان هدفها الأول والغير معلن هو استمرار تدفق النفط من الشرق الأوسط وبيعه بالدولار لأن رفاهية أمريكا تعتمد على تعب الآخرين وسلب جهدهم، وفلسفة اقتصادها هي؛ ( فليشقى العالم لتعيش رفاهية أمريكا ) وهذا الأمر تعرفه الدول العربية لكنها لا تستطيع أن تفعل شيئا لأن استمرار كراسي زعمائها وبقائهم في السلطة مرتبط بالولاء المطلق لأمريكا كسيد مع عبده، مع أن قوة النفط كان بالإمكان أن تستغل في الضغط على أمريكا مثلا لحل قضايا الشرق الأوسط لأنه وسيلة ضغط قوية في يد العرب، لكن الزعماء العرب من صالحهم بقاء الوضع على ما هو عليه لأن حله سيجعل الشعوب تنتبه لأشياء أخرى، لذا وجب الحفاظ على الشخير العام.. مع أنهم ينسون قاعدة تاريخية مهمة تقول أن من سلم نفسه لغيره لا يضمن انقلاب الزمن عليه..



من كل هذه الخلاصات، يتبن أن مرض الدولار هو مظهر سطحي لأمراض أعمق وأعقد، وأن القادم أسوء خصوصا أن المواطن الأمريكي لم يتعود على الادخار والإدارة الأمريكية الآن تساهم في نضب الخزينة بحروبها العديدة وفتح جبهات أخرى في العالم وبلورة نظريات تساهم في تشكيل صورة سيئة على أمريكا واقتصادها وتبعد ذاك الارتباط التاريخي الذي نسجه الناس عن صورة أمريكا وحريتها واقتصادها الحر، وهذا ما بينته صفقة موانئ دبي التي رفض الكونغرس تفويتها لأسباب أمنية كما قال، وهذا ما يثبت أن الإدارة الأمريكية أصبحت إدارة أمنية وإدارة ( طوارئ ) لا إدارة اقتصادية، وهذا مفهوم آخر لبدء العد العكسي للانهيار بالمعنى الكامل والحقيقي الذي يوازيه مؤشرات أخرى عن الانهيار العسكري لأمريكا.


مؤشرات السقوط العسكري


يقدر خبران الحرب، أنه خلال 3500 سنة الأخيرة من تاريخ الإنسان كان توالي الحروب بمعدل 13 سنة حرب مقابل سنة أنعمت فيها البشرية بالسلام أو اللاحرب، لكن ربما هذه الإحصائيات ستتغير أو هي بالفعل تغيرت مند أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قطب الزعامة الوحيد في العالم وبالتالي بدأت زعيمة ” العالم الجديد ” في فرض تصورها ونضرتها للعالم وفي كثير من الأحيان بالقوة، فما تحتاجه أمريكا هو مبرر بسيط لرفع أسباب مبرراتها استعمالها للقوة إلى السطح لتنفيذ غاياتها وهذا ما اوجدته لها أحدات الحادي عشر من سبتمبر فكانت هذه الأحداث أكبر من هدايا بابا نويل في أعياد الميلاد؟، وبهذه الهدية (البلادنية) خرجت كل قرارات البيت الأبيض من أيدي الصقور الذين كانوا يصنفون في خانة ((المعتدلين)) كـ (كولن باول ) وبدأت كل السياسات تصاغ بفكر ونضرة المحافظين الجدد الذين كان همهم الوحيد هو فرض “المثل” الأمريكي بالقوة، مما جعل هدا الفريق اليساري الراديكالي يتحول إلى النزعة الأصولية المحافظة ويشرع في تنفيذ المشروع الأمريكي الكبير في كل من أفغانستان مرورا بالعراق ووصولا إلى الحرب الأخيرة في لبنان التي خاضتها إسرائيل بالوكالة عن أمريكا، وهذا ما سمي لاحقا بـ “بالفوضى الخلاقة” لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير حسب النضرة الجيوستراتيجية التي تتوافق مع مصالح أمريكا في المنطقة وكذا لإزالة التهديد الأيديولوجي الذي يعيق فرض أمريكا لأفكارها “الخلاقة” في المنطقة الأوسطية، ومن بين هذه المعوقات هناك “حزب الله” المدعوم من سوريا وإيران، لذا كان لا بد من إزالته عن خط التماس مع إسرائيل وإبعاده عنه عسكريا وتجريده من سلاحه دبلوماسيا، وهذا هو الرهان الذي اعتمدته أمريكا في تعطيل صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار على مدى أكثر من ثلاث وثلاثين يوما، لكن تبين في الأخير أن رهانها قد فشل، زد على ذلك أن المنطقة الشرق أوسطية لفضت مولود “الشرق الأوسط الكبير” الذي وعدت به (رايس) في الكثير من تصريحاتها لأن هذا المولود أعتبرته شعوب المنطقة بمثابة مولود غير شرعي، لذا رفضوه ولفضوه كما تلفظ الحامل حملها.


أما الفشل الكبير الذي يأخذ أمريكا للهبوط التاريخي فهو في العراق وأفغانستان وهو فشل عسكري بالدرجة الأولى لأمريكا التي تصرف أكثر من ترليون دولار على التسليح ولها أكثر من 63 قاعدة عسكرية موزعة على أنحاء العالم وتستعين بجيش جرار قوامه مائة ألف رجل مدني وعسكري متخصصون فقط في الاستخبارات والأعمال القذرة ويصرف على هذا الجيش 40 مليار دولار سنويا على مختلف وكالات هده الاستخبارات من cia و fbi وثلاث وعشرون وكالة أخرى همها الوحيد هو حماية أمريكا وتجميع المعلومات وتوظيفها للمصالح العليا لواشنطن ناهيك عن القوة العسكرية على الأرض وهي الأحدث في العالم، ومع كل هذا فشلت كل هذه القوة في القضاء على المقاومة في كل من العراق وأفغانستان والحد من خطورتها على الرغم من أن حركة طالبان و حركات المقاومة في العراق لا تملك إلا أسلحة تقليدية ومتواضعة مقارنة مع التكنولوجية العسكرية الأمريكية التي لم تنفع في تجنب الخسائر اليومية خصوصا في العراق الذي أصبح بؤرة استنزاف لأمريكا بكل المقاييس، وهذا ما استخلصه تقرير ( بيكر – هاملتون) الذي استنتج بعد دراسة عميقة أن أمريكا تسير في العراق إلى الهزيمة المتسلسلة لذا أوصى التقرير بأن يغير البيت الأبيض من إستراتيجيته في العراق لحصر الخسائر وتقليلها تم الانسحاب تدريجيا من ساحة المعارك وذلك بجعل المهمات العسكرية الأمريكية داعمة فقط للجيش العراقي وليست لاعبا أساسيا على الساحة، وهو ما يبين أن كل الخطط الأمريكية في العراق لتحجيم المقاومة المسلحة لم تأتي بأكلها لحد الساعة، وهذا ما أقره حتى (هاملتون) حينما قال في تقريره أن ((سفينتنا تعرضت لضربة قاسية وأن القواة الأمريكية تتواصل عليها الهجمات بوتيرة خطرة ولا نرى طرق واضحة للنجاح)) كما أكد أنه لا توجد (( صيغة سحرية )) لتجنب الوضع وبوش نفسه أقر في لقاء صحفي أن الوضع (سيء) لكنه مع ذلك لم يغير عقيدته الحربية بالرغم من تكاليف الحرب التي قد تتجاوز ترليون دولار في العراق لوحده وهو ما يزيد الـتأكيد أن قوة العضلات ليست دليل صحة دائما والعقل الذي يوصل إلى القمة بالحداقة قد يعود إلى السفح بالحماقة، وهذا ما نراه اليوم في عهد بوش الابن الذي ظن أن امتلاك القوة العسكرية يشبه امتلاك إحدى كازينوهات لاس فيغاس التي تربح دائما لكنه غفل أن الجيوش تقهر لكن الشعوب لا تهزم والتحدي الكبير الذي تواجهه أمريكا اليوم ليس في احتلال العراق أو أفغانستان، بل ما بعد الاحتلال فالعراق الذي لم يستطع عبر تاريخه أن يحكمه موحدا إلا الحجاج وصدام لا يمكن أن تحكمه أمريكا اليوم بالدبابة والإف 18 تحت شعارات فضفاضة كجلب ((الحرية)) و ((الديمقراطية)) مع محاولات خادعة لجعل العراق مثالا لدول الشرق الأوسط، وهذه كلها في الحقيقة شعارات تصلح للتخسيس لكنها لا يمكن أن تجلب الاستقرار لبلد يلعب على لهيب ساخن من الطائفية التي برزت إلى السطح لتصير تطرفا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالشيعة يرون السنة أنهم على ضلال والسنة يتعاملون بنفس المنطق والكل يعتقد أو هكذا يهيأ له أنه مالك الحقيقة، وكما قال( إيريك هوفر) أن المتطرف الحقيقي هو الذي يدعي أنه مالك الحقيقة المطلقة وغيره سابح في الضلال.


مع وجود كل هذه المعطيات نرى أن بوش الابن مازال يدافع عن احتلال العراق من خلال مبررات مختلة وجيشه يقتل ويدمر في بلاد الرافدين مستندا إلى فلسفته الخاصة حيث الغاية هي “خدمة” العراق وإخراجه من الظلمات إلى النور!! وكذا لدحر ((التطرف والإرهاب)).


كما أن الرئيس الأمريكي وإدارته يعتبرون أن حرب العراق وأفغانستان هي ساحة أولى للدفاع عن أمن أمريكا والعالم من الأصولية الإسلامية!! ونحن نعلم أن كل المصائب والحروب بدأت من خلال فكرة ((الدفاع عن النفس)) و نيتشه يقول أن كل دول العالم عندها وزارات ((دفاع)) وليس عندها وزارات “هجوم”، ولكن لعبة المصطلحات هذه تبيت سوء النية، فالكل اليوم يستعمل مقولة هتلر الشهيرة وهي أن الهجوم خير وسيلة للدفاع وبهذا المنطق دخلت أمريكا إلى أفغانستان والعراق فأصبحت كذاك الذيي وضع قدمه على لغم والخطورة كما هو معلوم ليست في الدوس على لغم، بل في رفع قدميك عنه وأمريكا اليوم تغرق في مستنقع من الألغام في بلاد الرافدين وسفوح أفغانستان وهذه الألغام قابلة للانفجار في أي لحظة لذا تسارع أمريكا لوضع خطط سريعة للخروج تحفظ ماء وجهها وتحافظ على هيبتها التاريخية والعسكرية على وجه الخصوص التي ترعب بها أعدائها القادمين ككوريا الشمالية وإيران على وجه التحديد.


كل هده التراكمات جعلت من فريق بوش يبدو وكأنه لا يرى غير أبعد من أرنبة أنفه ومن لا يرى غير أنفه يصبح أحولا لا يرى شيئا، وبوش نفسه حينما تحدت عن مشروع الشرق الأوسط الكبير كان يظن أن التاريخ سيعيد نفسه كما حدت في الحروب الصليبية التي اجتاح قادتها الأراضي السورية واللبنانية فتقدم الجنرال ( آل غورو) إلى قبر صلاح الدين وركله برجله وهو يقول ((قم يا صلاح الدين فها قد عدنا وها نحن نزورك بعدما زرتها يوما)) لكن نسي بوش هنا أن يتذكر أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا على شكل مهزلة وهذا ما تحدت عنه حتى أكبر عقلاء واشنطن كـ((باول كينيدي)) حينما توقع بداية النهاية لأمريكا التي ستكون في العراق وأفغانستان. والمؤرخ توينبي يعلمنا أن موت الإمبراطوريات يكون عادت بالانتحار الأخلاقي قبل أن يكون بالهزيمة العسكرية .


مؤشرات السقوط الأخلاقي