بيان مشبوه من وعاظ السلاطين

تناقلت وسائل الإعلام بيانا لمجموعة من العلماء بالمملكة العربية السعودية لثلة من العلماء الأشاوس الذين لا يخافون في الله لومة لائم وقعه أكثر من 22 عالما يوم 01-06-2008 منهم عبد الرحمن البراك وعبد الله بن الجبرين، ولم يوقع المفتي الأكبر الذي يمثل موقف الحكومة علي البيان ولكن وسائل الإعلام نقلت عنه خلال القتال الذي دار في لبنان الشهر الماضي قوله إن جماعات ترفع راية الإسلام تعرض البلاد لخطر عمليات انتقامية إسرائيلية لكنه لم يحدد حزب الله بالاسم.

البيان ذهب إلى أن حزب الله اللبناني يتظاهر بأنه يعمل ضد إسرائيل كي يخفي برنامجا مناهضا للسنة كما أن الحكومة السعودية والمؤسسة الدينية- يضيف البيان- تتابع بقلق بالغ تنامي شعبية الجماعة الشيعية اللبنانية في العالم العربي منذ أن أجبرت إسرائيل علي الانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000 وصمودها أمام هجوم عسكري إسرائيلي عام 2006. وقال البيان الذي وزع علي مواقع إسلامية علي الانترنت أن كثيرا من المسلمين من المتعلمين والمثقفين فضلا عن العامة قد انخدعوا وينخدعون بمزاعم الرافضة (الشيعة) في نصرة الدين وعداوة اليهود والأمريكيين كما حصل من الانخداع بمزاعم من يسمي بحزب الله في لبنان، كم أضاف البيان لا ريب أن الذين يصدقونهم في مزاعمهم لم يدركوا حقيقة مذهبهم وما بني عليه من أصول كفرية …الشيعة الروافض هم الذين أحدثوا في الأمة شرك القبور فبنوا علي قبور أئمتهم القباب والمعابد التي يسمونها المشاهد وعمروها بأنواع الشرك والبدع فهم يطوفون بتلك القبور ويصلون عندها ويحجون إليها ويستغيثون بأصحابها من قرب وبعد ولا سيما في الشدائد .
وقال البيان إذا كانت لهم دولة (الشيعة) أذلوا وتسلطوا علي من في ولايتهم من أهل السنة كما عليه الحال في إيران والعراق وهم يثيرون الفتن وأنواعا من الفساد والدمار بالمسلمين وزعزعة الأمن في بلاد المسلمين كما حصل في بعض مواسم الحج في مكة وفي اليمن من الحوثيين .

البيان صدر في خاتمة الأسبوع الذي استضافت فيه المملكة العربية السعودية مؤتمرا لحوار الأديان ، أي الحوار بين المسلمين وبين من لا يؤمن بالإسلام أصلا من كافة الملل والنحل!!! بمعنى كان بوسع العلماء الأفاضل أن يرسلوا رسالة في شكل بيان إلى العقلاء والحكماء من علماء الشيعة تتعلق بمصيبة العداء الذي ما زال البعض يشيعه بين المسلمين ابتغاء الفتنة وخدمة الحشد الطائفي الممزق لعرى الاجتماع العربي والإسلامي عن طريق تكريس لغة الثأر والعداء الذي طال أمده منذ اليزيد، وبات ينقل على الفضائيات ومباشرة من الحسينيات للأسف الشديد !!!

ومع ذلك فإن هذا البيان مشبوه وخطير،وتكمن خطورته في دعوة أهل السنة والجماعة لكراهية حزب الله الذي هزم إسرائيل مرتين وأخرجها من لبنان تجرجر أذيال الخزي والعار، في حين كان أولياء أمور المسلمين المرتضين عند هؤلاء العلماء يخطبون ود إسرائيل سراً ويتزلفون لأمريكا علناً ، ويتسضيفون جنودها في أرض الحرمين، وينفقون علي جنود المارينز من فيء المسلمين تقرباً لله تعالي!!

كما يدعونا هذا البيان المشبوه أيضا إلى الحقد على إيران الدولة الإقليمية الشيعية ، التي أغلقت الثورة الإسلامية سفارة إسرائيل في طهران وسلمتها إلي منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الذي كانت فيه عاصمة الأزهر تستعد لافتتاح أول سفارة لإسرائيل، وكان أمراء المؤمنين يتنافسون في قتل وتشريد الفلسطينيين وتستقبل الوفود وراء الوفود من أبناء العم في داخل ديار الإسلام وخارجها. الشيعة أيضاً أخرجوا الأمريكان من لبنان وناجزوهم في الخليج في حين كان أولياء أمورنا السنة من سليلي المجد والحسب يستضيفون الأساطيل الأمريكية ويستدعون الطائرات الأجنبية لقصف ديار المسلمين!!

إن هذا البيان يجاوز حدود مملكة الصمت إلى آذان كل سني بالعالم العربي والإسلامي الذي وجب عليه اعتبار الشيعة أعداء وليسوا شركاء في الأوطان أو في مقاومة العدوالصهيو-أمريكي الذي يستهدف الجميع وبلا استثناء . وكان من الأولى أن يتساءل محررو البيان عن النتائج الخطيرة والمقوضة للأوطان بصب مزيد من الزيت على نار الحرب الطائفية المستعرة في المنطقة ، إذ كيف يمكن التصرف مع فئة من المواطنين تتعايش معنا نحن أبناء السنة منذ قرون طويلة وفي بلاد شتى ، وكيف سيكون التعامل مع بلد كالعراق الذي تسيطر عليه الشيعة؟؟

ثم لماذا لم يسأل علماؤنا أنفسهم، أننا لم نسمع منهم نقداً للشيعة ومؤامراتهم إلا عندما تحقق الحركات الشيعية إنجازات تخجلهم وتخجل أمراءهم بينما هم قعود عن كل مكرمة وكل إنجاز سواء التزلف إلي حكام السوء الذين يتزلفون بدورهم لأعداء الأمة؟

لا يجب أن يفهم من كلامنا أننا نبرئ الشيعة وكثيرا من علمائهم ومشايخهم من إثم الطائفية، أو نقول أنه ليس من حق علماء السنة وغيرهم انتقاد ممارساتهم الدينية والسياسية. ولكن ما يؤسف له أن هذه الفئة تنتقد المحسنين من الشيعة، ممن تبرأوا من الطائفية ونذورا أنفسهم للدفاع عن مصالح الأمة، ولا تذكر تقاعس المتقاعسين من السنة، أو تدعو الشيعة والسنة معاً إلي استباق الخيرات كما ندب الله تعالي المسلمين وأهل الكتاب. ثم أليس من المعيب أن تستضيف بلاد الحرمين لقاءات الحوار مع اليهود والنصاري بينما لا يتسع صدر هؤلاء العلماء لأهل القبلة والشهادة؟ يتساءل المفكر السوداني عبد الوهاب الأفندي.

إن هذا البيان خطير في مجمله ويستدعي تدخلا ، إن لم أقل إدانة، من عقلاء الأمة حتى لا يتواصل الحشد الطائفي وتخسر الأمة بكل طوائفها ، وآنئذ نقول : أُكلت يوم أُكِل الثور الأبيض !!

قبل الختم :

تناقلت وسائل الإعلام بعد تولى الأمير عبد الله بن عبد العزيز عام 2006 العرش في المملكة العربية السعودية في “بيعة شرعية” أنه اصدر مرسوما ملكيا يقضي بإعفاء الناس من تقبيل يده ، وقد استبشر الناس بهذا المرسوم كل الخير لأن مسألة تقبيل الأيادي لا تتناسب وعادات وأعراف وأخلاق العرب . وظهر على القنوات العربية محللون وخبراء في علم الاجتماع والسياسة يحللون هذا الخبر السعيد ، وكل من وجهة نظره.

قلت مع نفسي و أنا أستسلم للنوم : رحماك يا الله حتى الإعفاء من الذل يحتاج إلى مرسوم ملكي!!

نور الدين لشهب