في حاجة العرب إلى سلطة يعيلونها وتقمعهم

في حاجة العرب إلى سلطة يعيلونها وتقمعهم
الإثنين 1 دجنبر 2008 - 04:56

آش يخصك يا العريان ….. الدولة يا مولاي 

يحكى أن أحد ملوك المغرب الإسلامي أراد أن ينعم على أحد الصعاليك فسأله عن الشيء الذي ينقصه ويريد منه اعطاءه اياه، سأل الملك الصعلوك ممزق الحذاء مهلهل الثوب: “آش يخصك يا العريان” فأجابه الصعلوك: “الخاتم يا مولاي“.

ظلت هذه الحكاية، وقعت فعلا أم لم تقع، مثلا يضربه أبناء المغرب الإسلامي حين الحديث عن أولئك الذين يتسمون بسوء تقدير الأولويات وضعف القدرة على التمييز بينها، بحيث تتسع مخيلاتهم إلى أبعد بكثير مما تستطيع أياديهم الحصول عليه وتعمى بصائرهم عن أحوالهم فيرسمون لأنفسهم واقعا افتراضيا كله وهم وبعد عن الواقعية.

العرب اليوم أكثر الأمم التي تنطبق عليها حال الصعلوك مع الملك، وتنصيب محمود عباس أخيرا رئيسا لما سمي دولة فلسطين أحدث دليل على ذلك.

قبل أن أفصل في الموضوع أرى من المفيد أن أسوق للقارئ وقائع حديث ثلاثي الأطراف حضرته قبل أيام كان أحد أطرافه أقدم دبلوماسي عربي سام يعمل في بريطانيا، هذا الدبلوماسي الذي يمثل بلده منذ ما يقارب العقدين والذي يستعد للتقاعد وهو في أرذل العمر مفسحا مكانه ل”شاب” آخر في الستين كاد يذرف الدموع حين كان يصف عجز الحكومات العربية ومنها حكومته الغنية عن التأثير على الموقف الغربي المعادي للعرب ولقضاياهم.

الدبلوماسي، الذي لن أذكر اسمه لأن سياق الموضوع لا يحتاج لذلك، مليونير كان يقضي نصف السنة في بلده لإدارة مشاريعه والنصف الآخر في تمثيل حكومته في لندن؛ وهو رجل أعمال اتهمته الصحف البريطانية بتقديم الرشوة من أجل تسهيل صفقات إحدى شركاته التي تنتج الدخان فلم يكلف نفسه عناء تكذيب الاتهامات التي وجهت إليه ولم يستقل حفظا لماء وجهه ووجه دولته. إنه بحق شخصية تثير سؤالا ينطبق على كثيرين من السياسيين العرب: ترى هل هو في خدمة دولته أم أن دولته في خدمته؟

هذا الدبلوماسي الوطني بأثر رجعي والذي أقر بعجزه عن التأثير وهو من يمثل دولة بترولية غنية في وقت لا يملك الكيان الاسرائيلي فيه بترولا، يمثل دولة ترحب بحاملي الأختام الإسرائيلية في جوازاتهم وتمنع دخول العراقيين والفلسطينيين، تسمح للأوروبي والأمريكي بزيارتها دون تأشيرة وتفرض التأشيرات على العرب.

هذا الدبلوماسي الوطني بأثر رجعي مثال جيد لمن يديرون أو يمثلون بلداننا العربية ممن لا يحسنون إلا نظم المراثي والمدائح وجمع المال ولا يعرفون من التضحية والتعب إلا الإسم، هؤلاء الذين عكسوا وظيفة الدولة الراشدة التي ما وجدت إلا لتنظيم شؤون المجتمع وضمان رفاهيته وأمنه  ليحول هؤلاء الدول و”شظايا الدول” العربية إلى وحش  يعيله المواطن من أجل أن يقمعه ويعد عليه أنفاسه.

لقد ابتلانا الله بسياسيين ضعيفي الأداء ضليعين في التخطيط للبقاء في كراسيهم مهما كان الثمن الذي يدفعون أو تدفع شعوبهم، مثلما ابتلانا بمثقفين خبراء في تسويق ضمائرهم وأقلامهم لا يحسنون إلا التبرير والتزوير. وإن هاتين الفئتين تتعاملان مع شعوبها باستخفاف لأنها لا تشرك بالغرب ولي نعمتها ربا، ثم تراها بعد ذلك تبكي وتنتحب على عذرية فقدتها منذ زمن طويل.

إن هاتين الفئتين تتعاملان مع الغرب بعقلية الفتاة محدودة الجمال والذكاء التي تتبرج للرجال وتحرص على ألا يبقى من جسدها جزء مستور، ثم ما تنفك تندب حظها الذي صرف أعين الرجال عن جمالها وذكائها وحول تلك الأعين إلى صدرها وساقيها. أما مع شعوبها فتتعامل بعقلية “أبو جودت” رئيس مخفر “باب الحارة” الذي يبتز الأهالي في المسلسل من أجل اطلاق سراح أبنائهم، إنها شخصية متناقضة أبدع الممثل السوري زهير رمضان في تشخيص مشاعرها التي تتراوح بين العنجهية والحاجة المذلة،  شخصية يمكن اسقاطها على الكثير من سياسيي العرب، مدنييهم وعسكرهم.

لقد ترسخت في الغرب قناعة بأن مفهوم الدولة الحديثة لا يمكن أن ينفصل عن علاقة العقد الاجتماعي التي سبق الإسلام بدولته الأولى السويسري جون جاك روسو بالتأسيس لها، فكان من مظاهر ذلك العقد توزيع الريع على المحتاجين من المسلمين ومن غيرهم حتى كاد الفقر ينقرض لولا أن بني أمية أحيوه، وكان من تلك المظاهر اسقاط واجب حمل السلاح عن المعاهدين دافعي الجزية التي لم تلزم فقراءهم. ولأن العدل يطيل عمر الدول وعمر صحتها ترى الدولة الغربية قائمة على مبدأ خدمتها للمواطن مقابل ولائه والضرائب التي يدفعها وترى دولنا عالة على مواطنها غنية كانت أم فقيرة.

وإذا كان القرن الماضي بالنسبة للعرب قرن دول قامت على شرعية ثورية واتخذت من تحقيق الاستقلال مصدرا لمشروعية حكمها، وأخرى ملكية اتخذت من توزيع الريع أساسا لتلك المشروعية؛ فإن بداية هذا القرن تشهد تهربا مقيتا للدولة من أداء واجباتها مع تمسك وقح بحقوقها. وهكذا فإن سقوط الإتحاد السوفياتي برر لتلك الدول جميعا جمهوريات وملكيات التخلص من شعارات العدالة الاجتماعية فبدأت الدول الفقيرة تخترع من الذرائع أقلها إقناعا للتخلي عن المواطن وقلصت الدول الغنية النسبة التي يحصل عليها المواطن من الثروة العامة مع زيادة حصة الشيوخ والأمراء والجنرالات وأبناء الرئيس.

إن توزيع الثروة بالعدل ليس هو الواجب الوحيد للدولة، ولقد تخلت الدول العربية جميعا عن مبادئ أخرى حيوية منها ضمان الأمن والسيادة؛ أمن تعبث به عصابات الإجرام والعنف السياسي، وسيادة أصبحت سببا لتندر الغرب عموما. غرب يحصل على جزية غير مسماة من “شظايا الدول العربية” ويتمتع أصغر مواطن فيه بحصانة غير مسبوقة في التاريخ، سواء قتل عراقيا في بغداد أو كشف عورته في دبي.

إن مفهوم السيادة لا يمكن أن يتحقق بحكام ورجال معارضة يتقاتلون قتال ملوك الطوائف، يرون في الغرب حليفا دائما يستمدون منه قوتهم وشرعية استمرارهم في الحكم فتنقلب الموازين لديهم، حيث تصبح شعوبهم عالة عليهم تعيقهم عن البقاء في مناصبهم. فيصرفون كل جهودهم إلى التخطيط وابتكار الحيل للحد من قدراتها على الإبداع كي لا تتوجه يوما إلى الإطاحة بهؤلاء الحكام، بدل تشجيع المواهب التي تطيل عمر الدولة وتجعل من أدائها أداء فاعلا.

إن خلود الحاكم في منصبه يجمد عروق الدولة ويصيرها أداة لخدمة الفرد أو الجماعة، أما التداول فهو الذي يجعل أمريكا أوباما غير أمريكا بوش الأب والإبن وهو الذي قد يمحو خطاياها ويمنحها فرصة جديدة للانخراط في المجتمع الدولي إن كانت السياستان مختلفتين حقا. إن الزعيم نظريا أول من يقف في المعركة وآخر من يغادر الباخرة الموشكة على الغرق، وإنه عربيا يقود المعارك من فوق الأسوار ويقتني لنفسه أحدث القوارب والطائرات لمغادرة الدولة السفينة حين يوشك أن يغرق أو يشعر بثورة أو انقلاب عسكري يهدده.

هذا الواقع المرير يجعل أي منصف يستبعد أن تكون الدولة أولوية من أولويات الشعب الفلسطيني الثائر مثلا )إذا استثنينا الطبقات البيروقراطية وغير البيروقراطية المنتفعة) ولماذا تكون؟ وهي هيكل اداري بلا سيادة مهمته الوحيدة أن يكون مخففا للصدمات التي من الممكن أن يوقعها الفلسطينيون باسرائيل

إن دولة بهذه المعايير خطر على الأمة لا منقذ لكيانها، وإنها تشبه البيت الذي يقوم سقفه الهش على أعواد من الخيزران. 

‫تعليقات الزوار

9
  • مغربي حتى الموت
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 04:58

    الدول العربية فاقدة للشرعية دولا و حكومات و حكام لأنها أصلا كانتونات من صنع الغرب أيام الأستعمار لضمان استمراريته و استغلال خيرات هذه البلدان حتى بعد خروجه منها بعد استقلال هذه الدول استقلال وهمي فقط و هذا حال أغلب دول الخليج الفارسي العربية أو دول البترودولار التي هي تسير على أجندة غربية محضة لا تسمح لهم حتى بتسيير أمورهم الحياتية لضمان تبعيتهم و ذلك بجعل الهنود أيادي خفية تعمل في صمت للمساعدة في ضخ ثروات هذه المنطقة في بنوكهم مع الحفلظ على نسبة كبيرة من الغربيين أيضا كأيادي عاملة لها الوزن في كل المؤسسات السيادية في هذه الدول فهنيئا لهم و الله يزيدهم أكثر و أكثر حتى لا يضنوا أننا نحسدهم أو نحقد عليهم

  • sociobastard
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:14

    السلام عليكم
    بارك الله فيك
    من أحسن ما قرأت على هذا الموقع

  • DAUPHIN
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:06

    *الصعاليك اسم يطلق على جماعة من العرب في عصر ما قبل الإسلام يعودون لقبائل مختلفة، كانوا لا يعترفون بسلطة القبيلة وواجباتها (خارجون عن القانون : بالوصف المعاصر)، فطردوا من قبائلهم. ومعظم أفراد هذه الجماعة، من الشعراء المجيدين وقصائدهم تعدّ من عيون الشعر العربي.(WIKI) ; أي يعني الخارج على القانون و الذي لا يعترف بسلطة الجماعة او مواتيقهم و أعرافهم
    – *ملوك المغرب الإسلامي : في المغرب الاسلامي لم يكن هناك ملوك بل سلاطين.
    المرجو التحقق من المصطلحات قبل كتابتها لانها من واجب الكاتب اتجاه قراءه و تدل على احترامه للأخر و معارفه,
    لكن كتبت فاحسنت. و اصبت كبد الحقيقة.

  • هواري بومدين
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:10

    DAUPHIN يا متعالم
    ألم تسمع بكتاب “الانيس المطرب بروض القرطاس فى اخبار ملوك المغرب” لعلي ابن أبي زرع الذي كتبع عام 726 هجري أي قبل سبع قرون, ملوك لا سلاطين يا خالف تعرف
    كذلك أتعتقد ان الاستاذ الاديب محمد تامالت صاحب الاسلوب البديع لا يعرف الصعاليك كالشنفرى، ياهذا إنه يقصد المعنى المتداول للكلمة لا المعنى التاريخي

  • anirds
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:02

    تحية تقدير واحترام وحب وبيعة وولاء لأمير المؤمنين ملكنا محمد السادس الدي عرف ما يوجد بهؤلاء الحكام العرب البهلاء ولا يحضر في مؤتمراتهم.

  • 9anas lhchiche
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:04

    لاشارة للكاتب قال دولة ما سمية دولة فيلسطين يعني هده نقطة مهمة لا يوجد دولة فيلسطين يوجد السلطة الفلسطينية و مركزها رام الله ومن فصلة حيث في غزة يتمركز الارهاب الفليسطينين.
    اشارة اخرى هل تسمون العرب بصعاليك لانهم ضد الارهاب حركة حماس.

  • عبدالرزاق 94
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:12

    مفهوم التضحية هواعدام صدام حسين 2007 شهداء العراقيين ..اما مفهوم التعزية كلمة لهاماعني كثيرةالتضحية

  • زغلول
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:00

    DAUPHIN يا متعالم
    ألم تسمع بكتاب “الانيس المطرب بروض القرطاس فى اخبار ملوك المغرب” لعلي ابن أبي زرع الذي كتبع عام 726 هجري أي قبل سبع قرون, ملوك لا سلاطين يا خالف تعرف
    كذلك أتعتقد ان الاستاذ الاديب محمد تامالت صاحب الاسلوب البديع لا يعرف الصعاليك كالشنفرى، ياهذا إنه يقصد المعنى المتداول للكلمة لا المعنى التاريخي

  • lord
    الإثنين 1 دجنبر 2008 - 05:08

    لم يبق فيهم لا أبو بكر … ولا عثمان
    جميعهم هياكل عظمية فى متحف الزمان
    تساقط الفرسان عن سروجهم
    وأعلنت دويلة الخصيان
    جميعهم قد ذبحوا خيولهم
    وارتهنوا سيوفهم
    وقدموا نسائهم هدية لقائد الرومان
    الله … يازمان …
    ******
    لم يبق فى دفاتر التاريخ ..
    لاسيف ولا حصان
    جميعهم قد تركوا نعالهم
    وهربوا أموالهم
    وخلفوا وراءهم أطفالهم
    وانسحبوا الى مقاهى الموت والنسيان
    جميعهم تخنثوا …
    تكحلوا …
    تعطروا …
    تمايلوا أغصان خيزران
    الله يا زمان
    نزار قباني

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 2

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة