مشبال: أبراهام السرفاتي عاش حياته الخاصة بعيدا عن واقع البلاد

مشبال: أبراهام السرفاتي عاش حياته الخاصة بعيدا عن واقع البلاد
الإثنين 28 ماي 2018 - 01:00

تستضيف هسبريس، من خلال هذه السلسلة من الحوارات، المعتقل السياسي السابق محمد الأمين مشبال، الذي حكم عليه بـ20 سنة، في إطار محاكمة الدار البيضاء لسنة 1977، التي حوكم فيها 139 من النشطاء السياسيين المنتمين إلى تنظيمات ماركسية لينينية، كانت تروم تغيير النظام القائم بالعنف، وإقامة نظام جمهوري على غرار أنظمة “الديمقراطيات الشعبية”، التي كانت قائمة في أوروبا الشرقية وبلدان أخرى من قبيل كوبا والفيتنام.

في هذه الحلقات يحكي محمد الأمين مشبال تجربة استغرقت 14 سنة، ابتداء من خطواته في منظمة “إلى الأمام”، مرورا بتجربة التعذيب والانهيارات في المعتقل الرهيب مولاي الشريف والمحاكمة، وصولا إلى الصراعات السياسية داخل السجن، وتفاصيل الحياة اليومية داخل أسوار السجن.

وبقدر ما تنقل لنا هذه الحلقات حجم المعاناة الإنسانية، فهي في الآن نفسه تكشف جوانب مهمة من تاريخ المغرب الراهن، ما زالت في حاجة إلى البحث والتمحيص.

كيف كانت انطباعاتك الأولى عن السجن، وماهي الأمور التي كانت مثار اهتمامكم كمجموعة؟

شخصيا انتابني شعور بالارتياح بعد قضائي ليلتي الأولى بسجن عين بورجة، لأنني بعد شهور طويلة زال القيد من يدي وتمكنت من النوم بدون أشعة المصباح المزعجة… أو أنهض للمرحاض دون أن تطاردني عيون الحارس المتلصصة.قد تبدو أمورا وحاجيات إنسانية بسيطة لكن لا يدرك قدرها وأهميتها إلا من افتقدها.

كان سجن عين بورجة صغيرا نسبيا، فتم توزيع مجموعتنا التي كانت تضم ضحايا حملة الاعتقالات لأواخر سنة 1975 وبداية 1976.كما كان هناك جناح آخر ،لم نكن على اتصال به، يضم الدفعة الأولى التي تم نقلها من مجموعتنا وكانت تتكون في جلها من متعاطفين ومناضلين لم تكن لهم لديهم مسؤوليات تنظيمية وخبرة طويلة، وسيتم الإفراج عن غالبيتهم قبل الشروع في المحاكمة.

كان هناك أيضا سجناء الحق العام في جناح خاص بهم. حينما كانت تأذن الشمس بالمغيب كانت يتناهى إلى أسماعنا “واسمع سميتك آهيا، والاكلاص [لاكلاص في لغة السجناء إطلاق السراح]، لكن ما لا يمكن نسيانه هو أصوات الاستغاثة “واحاريييس”.

وسأعلم لاحقا وكما روى لي أحد سجناء الحق العام خلال إقامتي بالسجن المركزي بالقنيطرة أنه كان شابا في مقتبل العمر لما دخل السجن، وبأنه في الليلة الأولى تم اغتصابه بالقوة من طرف مجموعة من السجناء ولا من مغيث، وهي مأساة كانت تتكرر بصيغ مختلفة في مختلف السجون المغربية.

في السجن يبدو أنك بدأت في التواصل مع العائلة؟

زارني أخي عبد اللطيف رفقة الأستاذ محمد مشبال من هيئة المحاماة بالدار البيضاء، صافحني بحرارة الدم الذي يجري في عروقنا، لمحت فيه صورة تطوان وروح العائلة، ظللت أحدق إليه وأختزن ملامح اشتقت إليها كثيرا.

سألته عن أحوال الوالدين والعائلة والأصدقاء، ووعدني أنه سيكلف الأستاذ النقيب محمد الناصري للدفاع عني، تحيط بأحزاني، وازداد تفاؤلي عندما حدثني عن فترة الانتخابات والانفراج المرتقب في إطار المسلسل الديمقراطي. ومما أنعش آمالي في أحكام مخففة الإفراج عن عبد العزيز المنبهي وعبد الصمد بلكبير وآخرون بعد محاكمتهم.

بعد أيام معدودة ستزورني أمي رفقة أخي عبد المومن. فبقدر ما كنت انتظرت لحظة رؤيتها كنت أخشى كلمة عتاب أو دمعة حزن في عينيها. كانت الزيارات تتم خلف شباكين وبينهما كان يقف الحارس منصتا ومراقبا لما يجري.كما أن الوقت المسموح للزيارة لا يتجاوز 15 دقيقة. وكان جميع الزوار يضطرون للصراخ حتى يسمع كلامهم في “البارلوار”.

لاح لي وجه أبي وأمي خلف الشباك. ظلوا صامتين ينظرون إلي بانقباض ونظرات عتاب أو لوم خفي تبدو خلف أعينهم. لكن ما لبثنا أن تلاشى الصمت بعد أن أبلغوني أخبار العائلة وطمأنتهم على أحوالي.

هل واصلتم نقاشاتكم السياسية داخل السجن؟

بعد أسابيع قليلة من الوصول إلى السجن دعت العناصر القيادية بسجن عين بورجة إلى فتح نقاش حول تجربة المنظمة بغية الوقوف على الأخطاء التي واكبت عملها وأدت إلى القضاء عليها، وهو الأمر الذي تمت الاستجابة إليه من طرف الجميع، لكنه لم يفض إلى أية مراجعات في الأطروحات المؤسسة، بل تم تطويق وإسكات بعض الأصوات المعزولة التي عبر عنها البعض كالصافي حمادي، إذ حاولت الذهاب إلى عمق الإشكال حين اعتبرت أن “مشروع الحركة الماركسية- اللينينية لا يستند إلى مشروعية تاريخية” بما يعني ذلك من نتائج سياسية وتنظيمية أهمها تفكيك التنظيمات السرية والنضال في إطار المشروعية…الخ.

هكذا تم حصر أخطاء التجربة في بعض الجوانب من الممارسة من قبيل “الارادوية” و”عدم مراعاة الأوضاع الذاتية”، وبأن الاعتقالات نتيجة “أخطاء تقنية”، مما كان يعكس حدود الوعي التاريخي آنذاك وعدم توفر قيادة المنظمة بعين بورجة على الأدوات النظرية والسياسية (المشتري، الفاكهاني، المنصوري) الكافية لإنجاز مراجعة جذرية للتجربة.

ونفس الأمر كان ينطبق على القواعد آنذاك. لكن تلك الانتقادات الجزئية للتجربة، رغم محدوديتها، لم تنل رضى السرفاتي وحوارييه والذين ظلوا دوما يرددون أن “خط المنظمة في جوهره سديد” وبأن كل الأخطاء ثانوية ومرتبطة بـ”رواسب الفكر البرجوازي الصغير”.

كما برزت الخلافات الأولى للعلن لما دعا السرفاتي وحواريوه إلى إضراب عن الطعام لتحديد تاريخ للمحاكمة أو الإفراج عن المعتقلين، وهو مطلب استجاب له معظم المعتقلين في السجن المدني الذين كانوا قد اعتقلوا خلال حملة الاعتقالات لنوفمبر 1974، في حين رفضت مجموعة عين بورجة (التي اعتقلت في موجة 1976) مسايرة الإضراب معتبرة توقيته غير مناسب، كما كانت تدعو إلى تجنب إثارة الموقف من قضية الصحراء.

باختصار، وبعد مرور أسبوعين عن الإضراب عن الطعام ستوافق وزارة العدل على تحديد تاريخ للحاكمة والإفراج عن 105 معتقلا بقرار “عدم المتابعة”.

كيف مرت أطوار محاكمتكم ولماذا عرفت أحكاما مشددة بالقياس مع محاكمات سابقة لمناضلي أقصى اليسار؟

قبل الجواب مباشرة على سؤالكم أود التذكير ببعض الأحداث التي كان لها تأثير قوي على مسار المحاكمة ومآلها: فقبل انطلاق المحاكمة كان هناك اتصال من محامين اتحاديين بالسرفاتي لتجنب ذكر موقف المنظمة اتجاه قضية الصحراء، في المقابل سيتكلف هؤلاء بالدفاع عن المعتقلين والحصول ما أمكن على أحكام مخففة نسبيا، لكن السرفاتي رفض هذه الوساطة وتشبث بمواقفه مما حذا بالمحامين الاتحاديين إلى الانسحاب وعدم مؤازرتنا.

والحقيقة أن السرفاتي فرض قناعاته الشخصية دون مراعاة رفاقه القياديين الموجودين بسجن عين بورجة الذين كانوا يدعون إلى عدم إثارة قضية الصحراء، وعلى أن يكون الاعتراف بالانتماء إلى المنظمة والدفاع عن أطروحاتها مقتصرا على العناصر القيادية، وذلك من أجل الاستفادة من أجواء الانفراج الجزئية بغية تمكين أكبر عدد ممكن من المناضلين من استرجاع حريتهم.

والأسوأ من كل ذلك قيام بعض العناصر القيادية لمنظمة “إلى الأمام” بالخارج ويترأسها كل من الحاج ناصر وريمون بنعيم وزهور بنشمسي، على حضور مؤتمر جبهة البوليزاريو صيف 1976 ببئر الحلو، وهو سلوك أقل ما يمكن أن أقول عنه أنه كان متهورا إنسانيا وسياسيا لكونه لم يراعي لا قرب المحاكمة وإعطاء فرصة لعشرات المناضلين في الحرية أو أحكام مخففة، ولا احترام أرواح مئات الجنود والضباط المغاربة الذين كانوا يموتون دفاعا عن مغربية الصحراء.

ماهي الخلفيات التي تحكمت في موقف السرفاتي في نظرك؟

لنكن واضحين. فللحقيقة والتاريخ كان المرحوم ابراهام السرفاتي مناضلا صلبا في دفاعه عن قناعاته السياسية وفي مواقفه المشرفة حول القضية الفلسطينية. كما قدم الرجل تضحيات جسيمة على مستوى مركزه الاجتماعي ومساره المهني وحتى من صحته نتيجة التعذيب وسنوات السجن الطويلة.

بالمقابل كان السرفاتي بعيدا عن الواقع المغربي وكان سريع التأثر بقراءاته الواسعة حول مختلف التجارب الثورية في العالم والتي لطالما حاول استنساخها فلم تتلاءم مع التربة المغربية ومع تاريخ هذا البلد، وهو ما يمكن التعبير عنه بمرض التعامل الثقافي مع الواقع الذي هو في نفس الآن أحد أعراض داء اليسارية الطفولية.

وكمثال حي على ما أذهب إليه ما تفتق عنه خيال السرفاتي بزنازن السجن المدني بالدار البيضاء فيما عرف بـ”نظرية الثورة في الغرب العربي” والتي يمكن تلخيصها في الدعم المطلق لجبهة البوليساريو وأكثر من ذلك دغم “الجمهورية الصحراوية” المزعومة، وخلق “بؤرة ثورية” بجنوب المغرب لضرب خلفيات الجيش المغربي، وهي مجرد أحلام وإسهال لفظي.

لماذا برأيك؟

لأن المنظمة في عز قوتها لم تكن لتقدر على ذلك، فكيف يتأتى لها وقد تم تفكيك بنيتها التنظيمية كاملة واعتقال جميع قيادييها وأطرها ومعظم مناضليها؟

‫تعليقات الزوار

10
  • قدور
    الإثنين 28 ماي 2018 - 01:39

    تصور لو كان هؤلاء فعلا نجحوا في السيطرة على الحكم آنذاك ماذا سيكون مصير المغرب اليوم، طبعا حالنا اليوم ليس بالدرجة التي نتمناها ولكن حفظنا الله من الانقلابات والانظمة العسكرية ومختلف العصابات التي تريد كل سنتين الانقلاب و السيطرة على الحكم بالعنف والقوة والحروب.

  • Sifawe skoura
    الإثنين 28 ماي 2018 - 02:21

    je suis pas un disciple de ce monsieur. Mais il faut etre objectif. Dire que qu il est déconnecté de la réalité marocaine est un jugement négationiste et purement subjectif. Pour peuve serfaty a plaidé pour une relecture de l histoire marocaine et de son identité. L àmazigh en en est une dimension. Coordonner la lutte démocratique et la lutte pour les spécificités identitaires etait le mérite de ce grand théoricien. Vous n allez pas me dire que le berbère se trouve en amérique du sud

  • المغرب قبل كل شيء
    الإثنين 28 ماي 2018 - 07:25

    عصابات كانت تريد السطو على السلطة ومع ذلك يخونون الوطن .رحم الله الحسن الثاني قاد السفينة ما استطاع الى بر الأمان رغم بعض الأخطاء. أكثر ما اكره في اي مغربي هو الوقوف الى جانب أعداء وطنه ضد بلده.

  • ادهم
    الإثنين 28 ماي 2018 - 07:58

    لدار الذنب يستاهل العقوبة.انه يعترف بام لسانه بانهم كانوا متضامنين مع الانفصاليين البولزاريو كما انهم يخططون لزعزعة امن البلاد وزيد زيد…20 عام غير كافية في حقك وامثالك كان يجب ان يتم الحكم عليكم بالاعدام.لانه بسببهم كانت البلاد ستعيش على الفوضى والانقلابات.لكن الله سبحانه حامي هذا البلد من كل من سولت له نفسه ان يفكر بان يمسها بسوء.انني من المتابعين لهذه الرواية ولم الاحظ ان هذه المنظمة لم تكن ولو مرة واحدة على صواب.

  • مغربي وأفتخر
    الإثنين 28 ماي 2018 - 08:05

    أخي قدور (التعليق رقم1) أنا أيضا مضطر إلى إظهاري تحفظاتي حول مشروع الحركة الماركسية-اللينينية المغربية. وأجزم بأنه لم يكن يملك حسا ولا أفقا ديموقراطيا بالمعنى المعاصر (نظام سياسي ديموقراطي) لأنه كان يفقتقد إلى ثقافة وفكر ديموقراطيين عقلانيين وواقعين. الأمر لم يكن سهلا الحصول عليهما زمنئذ. النظام المغربي أيضا لم يكن يملكهما. بالله عليك كيف تتصور ثقافة النظام والشعب المغربي سنوات الستينات والسبعينات؟ هل كانت ثقافة ديموقراطية؟ لا يا أخي. قطعا لا. اليوم ونحن في 2018 لا نملك مثل هذه الثقافة نظاما سياسيا وقوى سياسية وشعبا. لذلك لا بد من النظر إلى تجربة مناضلي السبعينات في إطار سياقها وتاريخيتها. مشبال يقدم قراءة لهذه التجربة كما عاشها وكما بدت له بعد مراجعة وإعادة نظر وقد تجاوز سن 60. تجربة إنسانية لها تاريخ جديرة بالاحترام.

  • ابودرار
    الإثنين 28 ماي 2018 - 09:15

    والتي يمكن تلخيصها في الدعم المطلق لجبهة البوليساريو وأكثر من ذلك دغم "الجمهورية الصحراوية"
    ماذا ينتظر المغرب من امثال من لهم مثل هذه المواقف . الحمد لله على فشلكم

  • المغربي
    الإثنين 28 ماي 2018 - 09:31

    جواب على قدور رقم واحد كون نجح ليهم ما كانوا يخططون له كون عاشوا هوما في القصور والشعب في الاكواخ و الميزيريا

  • قارئ
    الإثنين 28 ماي 2018 - 10:20

    المسؤول الأول عن مشكلة الصحراء هو الذي تآمر مع الاستعمارين الفرنسي والاسباني لضرب جيش التحرير في الجنوب. ولولا ذلك لكانت الصحراء قد استقلت وانظمت إلى المغرب منذ الخمسينات. ولكان المغرب تجنب المشاكل التي يواجهها حاليا. ليست إلى الأمام هي التي خلقت مشكلة الصحراء، النظام هو الذي خلقها بضربه لجيش التحرير وبسجنه للشباب الصحراويين الذين كانوا يتظاهرون للمطالبة باستقلال الصحراء. ولم يستيقظ النظام إلا والصحراء كادت توشك ان تستقل. وكان ضحيتها الأولى الجنود المغاربة الذين ماتوا و سجنوا بالآلاف

  • rahid
    الإثنين 28 ماي 2018 - 12:12

    السرفاتي و رفاقه كانوا يسعون لتحرير الشعب المغربي من العائلات البورجوازية التي أوصلت الشعب المغربي للهاوية رغم إختلافنا معهم إيديولوجيا, أما المسؤول الأول عن مشكلة الصحراء فهي الجهة التي تآمرت مع الاستعمار بل و أدخلته لكي تبقى تنهب خيرات البلد وتقتل أبنائه و النتيجة نراها اليوم شعب يعاني على جميع الأصعدة.

  • محمد
    الإثنين 28 ماي 2018 - 23:42

    ان التجربة السياسية للاستاذ مشبال تدعو الفخر و الاعتزاز لما قدمه من تضحيات أسطورية في سبيل الحلم بمغرب عظيم وكبير، يليق باهله وتاريخه ودينه وتنوعه الثري.
    ان الحلم بالمجد الغربي هو حق لجميع المغاربة و مطلب لا تنازل عنه. وحري بمن يمسك زمام الأمور ان يدفع المغرب الى الصفوف الاولى بدل سياسة السجون والبحث عن الخضوع. ان المغاربة قادمون ….والسلام عليكم وعاش الملك.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 6

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال