لماذا تحاكم فرنسا فلاسفة بسبب مهاجرين أفريقيين؟

لماذا تحاكم فرنسا فلاسفة بسبب مهاجرين أفريقيين؟
السبت 27 دجنبر 2008 - 13:38

استنطقت الشرطة الفرنسية ثلاثة فلاسفة فرنسيين، وهم على التوالي: صوفي ريموست، وإيف كوسيت، وبيير لوريت، وأقرت بمتابعتهم في حالة سراح. و التهمة هي عرقلة قرار بترحيل مهاجرين غير شرعيين إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية. هذا الخبر الذي نشرته جريدة لوموند الفرنسية، لا تختزله مادة خبرية قصيرة، بقدر ما تقف خلفه معاناة كبيرة و مريرة، اسمها ” المهاجر المقهور “.


لم يكن يعتقد الفلاسفة الثلاثة، أنهم سيجدون على متن طائرة الخطوط الفرنسية، التي ستقلهم إلى الكونغو للمشاركة في مؤتمر علمي، مهاجرين إفريقيين مكبلين بالأصفاد، رفقة رجال شرطة يرتدون اللباس المدني. وبما أن حرقة الفيلسوف هي السؤال، و قبالة هذا المشهد اللا إنساني، لم يتردد الفلاسفة الثلاثة في مساءلة رجال الأمن، عن دواعي ترحيل هذين المهاجرين إلى وطنهما الأم. كانت الإجابة هي أنهما لا يتوفران على أوراق الإقامة الفرنسية، وهذا هو القانون(..إنه قانون فرنسا الجديد).


وحسب مضمون رسالة حررها الفلاسفة الثلاثة ونشرتها جريدة ليبيراسيون في عددها الصادر بتاريخ 23/12/2009 ، ثار الركاب و احتجوا على قرار الترحيل، ما اضطر معه قائد الطائرة ، إلى استدعاء عناصر الشرطة التي اقتحمت المكان، و جرت بيير لوريت ، (مدير برنامج في الكوليج الدولي للفلسفة) من على مقعده إلى الخارج، قبل أن تعتقله بطريقة عنيفة، ظهرت آثارها على وجهه الذي كان ينزف دما.


عندما عاد الهدوء و طارت الطائرة، بدأ حوار الأعين الصامت. المهاجران الكونغوليان جالسان بالقرب عناصر الأمن ينظران إلى الفيلسوفين، صوفي ريموسات، وإيف كوسيت. و يا لسخرية القدر الفرنسي، أن يحضر جنبا إلى جنب، في هذا المشهد الذي يمتزج فيه الألم بالغبن، من سيحاضر في مؤتمر علمي في الكونغو، في موضوع ثقافة الحوار و الحدود واستضافة الأجانب، مع من طرد من فرنسا، و في عينيه ألم الرحيل، و ذنبه الوحيد هو هروبه من الحرب و الجوع و الذل، قاصدا بلد الثورة الفرنسية و فلسفة الأنوار.


عندما نقول أن طرح السؤال ممنوع في فرنسا اليوم، يعني من بين تبعات ذلك، أن الفلاسفة يجب أن يجردوا من إنسانيتهم، حتى ” يقبلوا و يتقبلوا” ، مشاهد ترحيل ذلك الأفريقي والمهاجر غير الشرعي، (كما تسميه القوانين الأوروبية)،وهو الرفيق في السفر، والجار في الحي، و الصديق و الزميل في العمل، و المواطن الذي يتقاسم الأرض الفرنسية . فالاعتقال و المتابعة و المحاكمات، هي ضريبة يؤديها من يدافع عن الكرامة ، و هي مجردة من كل المساحيق و الشروط السياسية التي تفرغها من مضمونها و معناها الإنساني.


أي معنى لثقافة الحوار و استضافة الأجانب، في بلد توزع في مطاراته الشرطة إشعارا، يحذر من عواقب كل من يعرقل ترحيل مهاجر طرد من فرنسا. وتتمثل العقوبة في السجن 8 سنوات مع أداء غرامة مالية قدرها 70 ألف يورو ؟ ما الذي سنفعله عندما يصادر حق من يعبر عن رأيه، قائلا: إن الترحيل عمل لا إنساني، و خاصة إذا كنا في بلد الحريات و الحقوق ؟


تعلمنا وقائع استنطاق الفلاسفة و متابعتهم، و اعتقالهم بطرق لا نراها في غالب الأحيان إلا في المجتمعات المتخلفة، أن القوة الغضبية، تسكن نفسية الإنسان في كل مكان، و يمكنها أن تستفيق في كل لحظة تعود فيها حالة الطبيعة . فمأساة الفلاسفة الثلاثة، تقع مع الأسف، في بلد خرج منه شعار فولتير المعروف : “قد اختلف معك، لكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا في سبيل حقك في الاختلاف“.


تكميم الأفواه باسم القانون، يدفعنا إلى التأمل، في عالم يتواطأ فيه الإنسان بطريقة واعية أو لا واعية، في رفضه للغير، و خاصة إذا كان هذا الغير هو المهاجر، الذي يتهدده يوميا الخوف من رجال الأمن، والاعتقال في مراكز الحجز القذرة، ( كما كشف عن ذلك مؤخرا شريط فيديو صور في مركز في مدينة مايوت الفرنسية)، قبل الترحيل على مرأى و مسمع الكل.


إنها مسؤوليتنا الأخلاقية و السياسية، في رفض مشاريع الدولة الفرنسية المهينة، في قلب قارة أوروبية تحولت إلى قلعة، كما نعتها الفلاسفة الثلاثة في رسالتهم المنشورة. فوطن فلاسفة الأنوار، يرفض أن يلعب فيه المواطن دورا لا إنسانيا، على خشبة الحياة اليومية. أما صرخة جاك جاك روسو، فستذكرنا كلنا، و تذكر الفرنسيين، بأن “تخلّى المرء عن حريته، إنما هو تخلّ عن صفته كإنسان، و عن حقوقه الإنسانيّة و حتى عن واجباتها… إن مثل هذا التخلّي يتنافر مع طبيعة الإنسان، فتجريد إرادته من كلّ حرية، إنما هو تجريد لأفعاله من كلّ صفة أخلاقية“.


وإذا كان سبب محاكمة شهيد الفلسفة سقراط كان هو السؤال، فإن نفس المشهد الملعون، يعيد نفسه في قالب جديد، لكن هذه المرة في الألفية الثالثة، و هو ما ينقص من قيمة إنسانيتنا، التي ربما لم تتجاوز روحها تاريخ القرون الوسطى.


http://falsafa.maktoobblog.com/

‫تعليقات الزوار

3
  • ياسر
    السبت 27 دجنبر 2008 - 13:40

    ان تصور الفيلسوف الالماني ايمانويل كانط بانالانسان غاية و ليس وسيلة ،هو تصور بعيد المنال حتى في دولة كفرنسا تعتبر نفسها موطن الفلسفة و الفلاسفة. فاين كرامة الانسان، و المساواة، والعدالة؟واين فرنسا من الحرية، التي اعتبرها جان بول سارتر تشكل ماهية الانسان؟و اذا كان هذا هو حال فرنسا في الحفاظ على حرية و كرامة الانسان فماهو حال و واقع الدول المتخلفة؟

  • أبو ذر المغربي
    السبت 27 دجنبر 2008 - 13:42

    أستاذي محمد نبيل, أنا أتلقّى دائما أخبارك من ألمانيا أظنّ.
    فسيادتك من موقع الفلسفة, و تتحدّث من الخارج, … كلّه هذا جميل, لكن
    ألا ترى يا أستاذ أنّ حلّنا نحن (العالم 13) أن نفكّ الإرتباط مباشرة مع فرنسا بالأخصّ !? لماذا
    لن أتحدّث لك عن “الأنوار” و القوانين الحالية في أوربا, أنا مثلك يحزّ قلبي على حالي و حال المهاجرين. و أعلم مثلك العقوبة الثّنائية في فرنسا …
    إنّما لندع روسو و فولتير يرتاحوا في قبورهم, و نحلّل واقعنا : متى سنبقى نجاهد و نكابد كي نفهم و نخترق قوانين أوربا ?
    لنا مصير و حلّ واحد, هو أن نغلق الباب من ورائنا و نحن عائدون إلى أوطاننا, و نناضل في بيتنا (نيني مثالا) و نرضى بقدرنا في وطننا الحبيب, شريطة ألاّ تتدخّل فرنسا و أبنائها, و حينها ستكون الأنوار عندنا.
    هذا يبدو صعبا; لكن إن لم نره نحن فسيعيشه أبنائنا. العالم يتغيّر, صعود اليمين في كل مكان, الأزمة, تراجع القوى القديمة …. كل ذلك ينبئ بأنوار جديدة بحول الله.
    يكفي حينها أن نقول لفرنسا أعانك الله على تهجيرنا, لأننا لسنا نحن من قام بثورتكم. نحن أكبر انتهازيين و وصوليين في هذا العالم, مات مليونين في 1789 و مات 55 مليون في الحرب العالمية, لكي نعوّضهم نحن…! أيّ إنسانية هذه ?
    إذا لم تعجبنا تصرّفات فرنسا فعلا, فهي في دارها و ينبغي أن نفكّ معها الإرتباط لأنها تعرف رجوعا إلى الملكية, و تكفينا نحن ملكيّتنا. لن نقدر لاثنتين طبعا.
    ستقول يا أستاذ : بل يوجد في أوربا من يناصر المهاجرين.
    أي نعم. و أولئك الذين يعرفون جيّدا ما ستأول إليه أوربا في حال فكّ الإرتباط مع المستعمرات. لذلك يناضلون بإخلاص لكي يبقى الحال على ما هو عليه : النّفاق السّياسي.
    أبو ذر المغربي

  • berber
    السبت 27 دجنبر 2008 - 13:44

    على الدول الإستيعمارية أن تدفع الثمن ما فعلته في إفريقيا والمناطق الأخرى تقسيم الشعوب وتدميم الهوية إفريقيا وإستيغلال الثرواته وسلب ما تمليك إفريقيا وتقسيم لا عادل بين الدول وقضاء على الوظنيين الأفاريق مثل= بطريس لومومبا= وتوماس سنكارى=ع الكريم=ع المختار=وكثير من المنظليين ودعم الإنقيلابات العسكري ودعم السلطات غير الديموقراطية أي المولية للإستعمارى سابقا

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين

صوت وصورة
الماء يخرج محتجين في أزيلال
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:30

الماء يخرج محتجين في أزيلال