العائدون للمغرب ... منسيون

العائدون للمغرب ... منسيون
الأربعاء 20 ماي 2009 - 19:01

جاؤوا إليها وزادهم أحلام صغيرة، وغادروها عائدين من حيث أتوا وفي حقيبتهم وعودا كبيرة. إنها قصة المنسيين العائدين من هولندا إلى المغرب. شكرا هولندا. ليتنا لم نفعل.

وبعد،

أعادت ذكرى توقيع اتفاقية العمل الثنائية بين هولندا والمغرب في 14 من أيار/مايو 1969، إلى الواجهة تاريخ هجرة المغاربة نحو هولندا. وبهذه المناسبة صدرت كتب، تنظم أنشطة ثقافية، تعرض أفلام وثائقية، وتقام معارض ثابتة ومتنقلة.

في بلدية دينهاخ (لاهاي) يقام معرض بالأبيض والأسود عن مغاربة في عنفوان الشباب. تراهم يعملون في مصانع، وعلى وجوههم ابتسامات الأمل. أو مستلقون في ‘بينسيون‘ (مأوى جماعي) وكأنهم في قاعة ‘ترانزيت‘ يستعدون لرحلة أخرى. صور تمثل عائلات في البيت. المرأة بلا غطاء رأس وتنورة قصيرة. والزوج بجانب التلفاز بشعر طويل وكأنه المغني الشهير جيمي هاندريكس. كانوا شبابا مقبلين على الحياة، صاروا الآن شيوخا مدبرين عنها. ماذا تغير؟ إنه الزمن الذي تغير. أما هم فما زالوا يحلمون.

رومانسية

هولندا في مخيال المغاربة كانت جذابة، فاتنة، مفتوحة، حاضنة، رومانسية. “لماذا لا تجرب الذهاب إلى هولندا؟ العمل فيها متوفر وأهلها لطفاء”. كان هذا ما يسمعه المغاربة في قراهم القاحلة، الطاردة وهم يحلمون بالهجرة. “كان شخص من مدينتنا يحكي لنا حكاية فريدة كلما عاد من ميناء روتردام. كان بحارا، وكانت حكاياته عن هولندا تدغدغ الخيال والأحاسيس.

قال لنا ذات مرة: حتى الحليب في هولندا بالمجان! ذات يوم حط بي عصا الترحال في إحدى مدن هولندا، وأول ما شاهدته في أول صباح لي هنا، قنينتين من الحليب أمام إحدى البيوت. أخذت القنينتين ورجعت بهما إلى البيت. فالحليب يوزع بالمجان!” كان هذا أول “عمل” يقوم به محمد الرباع في هولندا، والذي سيصبح لاحقا أول برلماني هولندي من أصل مغربي.

ما يستعيده مغاربة الجيل الأول عن هولندا بنوع من الحسرة، وكأنهم “فقدوا” شيئا عزيزا تعودوا عليه في السابق، هو حفاوة استقبال الهولنديين لهم واحتضانهم ومساعدتهم. رجال الشرطة أكثر من يوجه القادمين الجدد نحو أماكن العمل. “نزلت من القطار. كان معي عنوان أحد معارفي في مدينة هارلم. سألت عن مكتب الشرطة، فدلوني عليه. قام الشرطي بإجراءات التسجيل وختم على جواز سفري. ولما هممت بالمغادرة، قال لي بالفرنسية: عمل! قلته له: نعم، عمل! لبس جاكيته الجلدي وخوذته، وأركبني خلفه على الدراجة النارية. توجهنا إلى مكان ما .. إلى مطعم. تكلم مع رب المطعم قليلا ثم أدخلت إلى المطبخ. وهكذا حصلت على عملي”. هذه حكاية أحد العائدين إلى المغرب. زارته الصحافية الهولندية، سيتسكه دي بور، المقيمة في الحسيمة (شمال المغرب) وسجلت روايته. ولكنه رفض نشرها.

ندم

القصص التي دونتها الصحافية دي بور، ونشرتها في كتاب صدر مؤخرا، تتشابه بداياتها، وتختلف خواتيمها. والعبرة في الخواتيم كما جاء في المأثور. “أشعر أن هولندا تخلت بعض الشيء عن هؤلاء”، تقول دي بور في تصريح للإذاعة. لقد وعدت هولندا العائدين بضمان معاشاتهم إلى أن يصلوا سن التقاعد. وبعد ذلك يشملهم قانون التقاعد كغيرهم من الهولنديين. لكنهم بعد سنوات قليلة، وجدوا أنفسهم أمام عراقيل يستحيل تجاوزها. ورغم التظلمات والشكاوى، يضيع صوتهم في دواليب الإدارات، إلا من “فطن” واحتفظ بجواز سفره الهولندي. هؤلاء يستطيعون العودة لزيارة أبنائهم متى شاءوا. ولذلك حمل الكتاب عنوان: مغربي في هولندا، هولندي في المغرب. فكل العائدين لهم ذرية في هولندا.

صفحة من كتاب الصحافية الهولندية، سيتسكه دي بور “مغربي في هولندا ، هولندي في المغرب”

أغلب من زارتهم دي بور يعانون من أمراض نفسية وجسدية. “اتصلي بي في يوم الأحد فقط، وما عداه فأنا جد مشغول”! سألتُ دي بور عما يشغل هذا الشخص طيلة الأسبوع. فقالت: إنه “يعتقد” أنه ما يزال مشغولا. إنه يعاني من مرض نفسي. آخرون عبروا صراحة عن “ندمهم”، وأحسوا بأن هولندا خدعتهم. يتعلق الأمر ببضعة آلاف، تقول دي بور، ولكنهم يعانون الأمرين في سبيل زيارة أبنائهم في هولندا.

فالأغلبية الساحقة عادت دون الأبناء. “شكرا بياتريكس، لن أنسى هولندا“، قال أحدهم وهو يستعيد حياته حينما كان قويا ومفعما بالحيوية. والآن فضلت زوجته البقاء إلى جانب أولادها، بينما عاد هو إلى المغرب. “إنه لأمر صعب أن تعيش دون أولادك. قد أكون اتخذت القرار الخطأ .. لكنني لا أريد الحديث عن الموضوع“.

نشرت دي بور 15 صورة. وراء كل صورة تختفي حكاية تروي البدايات وتتلمس ملامح النهايات. محمد سيدالي، أحد رواد العمل الاجتماعي في هولندا، ختم حكايته كمن يعلن أمام الملأ أنه أنهى مهمته بنجاح: “أستطيع أن أموت وأنا مطمئن البال“.

أنقر هنا لزيارة موقع إذاعة هولندا العالمية

ومن هنا للاستماع لبرامج هنا أمستردام

‫تعليقات الزوار

5
  • الجنرال ياسين
    الأربعاء 20 ماي 2009 - 19:05

    اوربا تشتغل سداجة بعض المغاربة و تحرث عليهم كما يحرث التراكتور و جراره الارض ,,
    و عندماا يتعب و يهرم و يشيخ هذا العبد الضعيف المغربي
    يحاولون ارساله الى بلده الام,, لانه لم يعد صالحاا لشيىء,,

  • good
    الأربعاء 20 ماي 2009 - 19:11

    اخي جنرال ياسين بعدا تما تايحرتو عليك بالمقابل حتى تاتوصل لسن التقاعد تاينكروك اما هادو تايحرتو عليك بجوج فرنك ونهار تاتمرض تاتخد التقاعد في البلاصة هي بسلامة كاين ماصحح منك اللهم بلغنا ارضهم امييييييين

  • الدكالي
    الأربعاء 20 ماي 2009 - 19:07

    على الإنسان المغربي أين ماكان ، وفي أي بقعة من هذا الكون الشاسع ، أن يفكر في العودة إلى بلده ، وأن يفكر أكثر فأكثر ، في العودة وهو في حالة صحية جيدة بحيث يستطيع أن يبني مشروعا نافعا لأولاده ، عليه ألا يعود وهو في الرمق الأخير ، فالعالم كله اليوم يتعامل بالمنفعة المادية ، الخالية من كل تعامل إنساني ،ومشكلة المغاربة في أوربا أهون بكثير من مغاربة في بلدان أخرى

  • هدهد سليمان
    الأربعاء 20 ماي 2009 - 19:03

    ما قيل في النص ليس بالحقيقة و لا بالجزء اليسير منها. لا، ولا حتى بظل للحقيقة المقصود تشويهها و إبعادها أو إخفاؤها.
    السياسة هي نقد الإقتصاد و نقد الإقتصاد السياسي ، ثم على ضوء التاريخ يمكن تفسير العلاقة بين المغرب الرسمي وبين دولة هولندا كدولة تستعمر المغرب بشكل غير مباشر: أعني ( لا يعلمه جل المغاربة، بمن فيهم أولائك الذين حملوا السلاح ضد التواجد الفرنسي أو الإسباني، ولا يعلمه كثير من المثقفين المناضلين المغاربة) .
    إن توقيع إتفاقية “التواطوء” الثنائية بين هولندا والمغرب ليست مثل إتفاقية جلب اليد العاملة من الباكستان إلى النرويج، وإن كانت هذه الإتفاقية النرويجيةـالباكستانية لم تخرج عن خلفيات و أهداف سياسية حلف أطلسية في زمن المد الشيوعي.
    إن تصدير العمال المغاربة “كالعبيد” من المغرب إلى هولندا له معاني و مدلولات أخرى لا يمكن حصرها في سرد بعض الحكايات “البريئة”؛ أي كما يحاول النص تمريرها إلى القراء.
    إنه لا يمكن مقارنة هذا التصدير التعسفي الجائر والظالم بحقنا كمغاربة “جبال الريف المغربي”، لا يمكن مقارنته بنفي بريطانيا لمواطنيهاالمجرمين الخطيرين إلى القارة الجديدة أستراليا لأتقاء شرهم و جرائمهم. إن الأمر يختلف كثيرا، ولا يمكن فهمه إلا بربطه بأحداث إجثاث أول جمهورية إسلامية عصرية في التاريخ ككل، و التي تم تأسيسها علي يد أسد الريف المغربي البطل العظيم محمد بن عبد الكربم الخطابي عليه رحمة الله ورضوانه.

  • مهاجر إلى بلد القانون
    الأربعاء 20 ماي 2009 - 19:09

    الأخ ياسن أنا طالب في ألمانيا يالله عندي ٩أشهر،بكل صراحة أنا كنغسل الصحون في المطعم ولكن هناك احترام تام لحقوق العمّال والأجرة الشهرية تكفي للعيش وأتعاب الدراسة،الإستغلال يكون فقط للأميين الذين يعملون في الأسود ولا يحترمون قانون العمل أما عندما تعمل قانونيا فإن لك العديد من الإمتيازات حتى بعد التقاعد.إسأل العمال المغاربة أن يعطوك قانونا واحدا يخصهم.أو هل يتوفر أحد على تأمين صحي حقيقي يضمن له تعويضا عادلا عند تعرضه لحادث أثناء العمل.صديق لي في ألمانيا سقط من درج منزله فأصيب إصابة طفيفة،فعوضته الشركة التي يعمل بها لأنه عند سقوطه كان متجها في الصباح إلى العمل.إوا طيح في المغرب غادي تحصل غير فشكون يوصلك لصبيطار أما التعويض غير نساه،إذا قدّر لك الأخ ياسين
    زيارة ألمانيا أو أوروبا فإنك ستغير كلامك.لأن الأولية عندهم هي مصلحة مواطنيهم

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز