2 يناير، اليوم الوطني للفاشية

2 يناير، اليوم الوطني للفاشية
الأحد 5 يناير 2014 - 19:37

تتكرر مرة أخرى مناسبة مشبوهة، عند أهل الضفة الأخرى، يحملوها ما لا تحتمل، ويركب عليها الراكبون لتمرير خطابات مشبوهة، تكهرب علاقة الشعبين، إنها غرناطة في الثاني من يناير.

نعم غرناطة، والثاني من يناير. يقول التاريخ، في عام لن ينسى، سقطت بين براثن الوحشية، وهي في كل ثان من يناير، تجدد موعدها مع السقوط، كما سيزيف، أو كما برومثيوس الذي دفع دمه ودمعه في سبيل الإنسانية ومجدها ممثلا في النار ذات أسطورة.

سقطت غرناطة فكان ما كان، يقول المؤرخون، من الإسبان أنفسهم، دماء سالت وأرواح أزهقت، غرناطيون تيتموا وغرناطيات ترملن، ثم استمرت فصول المأساة، وعود أخلفت، مساجد أغلقت، حمامات هدمت، وكتب أحرقت في ساحة باب الرملة على يد منظر الكراهية وربها الحامي آنذاك الكاردينال سسنيروس، وتوالت فصول المأساة، طرد اليهود من أرضهم، وتاه الأندلسيون في شتاتهم، محاكم التفتيش تتفنن في تعذيب المشكوك بهم، محارق، صلب، بقر للبطون واقتلاع لأعضاء الجسد الحي، فبماذا هم يحتفلون ؟

طرد الغزاة ؟ لم يكونوا غزاة، لم يكونوا مغاربة حتى أو أجانب عن تلك الأرض، كانوا غرناطيين، أندلسيون وذلك منذ قرون. فغرناطة ألف وأربعمائة واثنين وتسعين لم تكن مدينة عربية، بل أندلسية، بها غرناطيون أندلسيون مسلمون يشكلون الأغلبية، كما كان بها غرناطيون يهود، وغرناطيون مسيحيون. تعايشوا على مدى قرون في تسامح وتآلف، وإن الاحتفال بالاستيلاء على غرناطة، وإحياء ذكرى السقوط الأليم، لا يمكن أن يكون سوى احتفاء بالكراهية واللاتسامح، بالتطرف المسيحي والإرهاب الذي مارسته محاكم التفتيش.

فلا للاحتفال بسقوط غرناطة، هكذا يصرخ أحفاد الأندلسيين في كل مكان، لا للاحتفال بما ارتكبته أول دولة عنصرية في التاريخ، دولة مستعمرة بنت وحدتها على تشريد شعب بأكمله، بعدما بلغ بها الحقد حدا جعلها تقرر منع كل شي، الاستحمام يوم الجمعة، ارتداء ملابس بيضاء، التعطر، الاستماع لموسيقى معينة، الكتابة بحروف عربية، الحديث بالعربية، تخضيب الأيادي بالحناء، وهلم منعا.

وحدهم شرفاء إسبانيا وقفوا ضد هذا الاحتفال، من الراحل أنطونيو غالا، إلى المقيم بيننا خوان غويتسولو، مرورا بآخرين من خارج شبه الجزيرة أبوا إلا أن يقدموا شهادتهم للعصر، باستنكار ما يجري، منهم أمين معلوف، وروجي غارودي، والقائمة جاوزت المائة، هؤلاء جميعهم عبروا عن رفضهم واستنكارهم عبر ما سمي بـ ”مانفستو ثاني يناير”. إنهم إسبان كثيرون، تراهم بالمواراة، عند كل ثان من يناير، يصرخون ملء الشدق أن لا للاحتفال بالكراهية، ولا لرفع شعارات عنصرية أو فاشية، باسم إحياء ذكرى “ما”.

لكن مقاطعة غرناطة، ومسؤولوها وبلديتها التي تتبنى الاحتفال وتموله، لا يمكن إلا أن يكونوا ضد الشرفاء وضد المتنورين من النخب المثقفة، وفي هذه السنة، أصروا على الاحتفال، وإن غاب ممثلوا الأحزاب الرئيسة، وغاب أسقف غرناطة أيضا، لأول مرة، احتفل البعض عبر مسيرة جابت بعض شوارع المدينة المغدورة، بلباس موحد ومشية عسكرية، نحو ساحة ديل كارمن، في مشاهد استحضار لدخول الجيوش القشتالية الغازية، مع أن تسليم غرناطة كما نجده في كتب التاريخ، تم عبر اتفاقية موقعة بين مملكتين وملكين، لا تزال نسختها محفوظة كاملة، لقد كانت اتفاقية التسليم وما احتوته من شروط منصفة للطرفين، مثالا ومرجعا لجعلها مناسبة للتفاهم والتعايش، والتشجيع على التقارب والحوار، لكنه الاحتفال ليس بالتسليم، بل بالغدر الذي تلاه والقمع الذي مورس ضد الغرناطيين، وهو محفوظ في محاضر محاكم التفتيش الرهيبة.

إنه احتفال فاشي عنصري يقطر بالكراهية، أبدعه فرانكو سيد الحقبة الديكتاتورية، بعد أن منع الاحتفال بالبطلة الغرناطية ماريانا بينيدا، شهيدة الحرية وضحية أبشع ملكية ديكتاتورية وأسوأ عقيدة دينية جثمت على صدر غرناطة، فمدينة المعاهد والجامعات التي تخلو من كثير من طلابها المسافرين لقضاء عطلة رأس السنة في بلداتهم البعيدة، تشهد في هذا اليوم إنزالا كثيفا للمتطرفين ومنهم أولئك الصلع النازيون الجدد حليقو الرؤوس، والغوغاء، الغريبون كليا عن يوميات غرناطة، يجوبون الشوارع ويرددون شعارات ضد المهاجرين، ضد الأجانب، ضد الثقافات الإنسانية، ضد المغرب، ضد التسامح الذي عرفته غرناطة لقرون أيام عز الأندلس، ضد التعايش، وضد الهوية الأندلسية الحقيقية الذي يعرفها أكثر، رجال من طينة البطل الشهيد بلاس إنفانتي، المناضل الذي اغتالته الأيدي الفرنكاوية الفاشية.

لا شيء ليحتفى به في الثاني من يناير، سوى العنصرية والكراهية، والفاشية، وفكر فرانكو، ومسلسل المجازر من مالقة الزغل إلى غرنيكا الحرب الأهلية.

لا شيء ليحتفى به في الثاني من يناير، سوى الأكاذيب والتزوير، فسقوط غرناطة لم يكن انتصارا والمجازر التي ارتكبت لا يمكن أن تسمى حرب تحرير.

لا شيء ليحتفى به في الثاني من يناير، سوى صناعة الأعداء، وتأزيم العلاقات، لأن الفاشيين يسعون فقط إلى ترقيع أكذوبة إسبانيا الموحدة وإن بأي ثمن، فغرناطة أندلسية، وكل ركن ينادي بتقرير مصيره في الجزيرة، من الباسك إلى كاطالونيا. وبينما يحتفل الفاشيون هنا بيومهم الوحيد، عزاؤنا أن المدينة ستعود بقية العام إلى أندلسها، ولكنها ستعود أيضا إلى حاضر اقتصادي مظلم وغد لا يبعث على اطمئنان، البؤس حاضر الأندلس كما مستقبلها الذي تتآكله الأزمة كما نعلم ويعلمون.

ولأن الانتقال الديمقراطي في إسبانيا كان أعرجا، من الفاشية الفرنكاوية إلى الملكية الدستورية، حيث لا أحد من المجرمين نال عقابا أو فقد منصبا، ولم يسجل التاريخ لحظة للندم أو المراجعة، فقد استمر معه أيضا هذا الضجيج العنصري وزاد حده، برفع الشعارات الفاشية المعادية للإسلام والمغاربة وكل الأجانب، يتجدد الضجيج كل ثان من يناير، يصور تصادم الحضارات ويبرر حد التشفي مصائب الإنسانية من الاحتلالات إلى الحروب.

إن الاستمرار في الاحتفال بمثل هذه الخطايا ليشكل صفعة أخرى من ملايين على خد الأندلسيين في الأندلس وفي خارجها، وإن الأولى لمنع هذه المظاهر العنصرية على ذر الرماد في العيون، والتغني بشعارات العصر وبالانفتاح والحوار، والواقع أن يوم الفاشية في غرناطة، ليس فقط دعوة لكراهية الآخر المختلف، المسلم بالخصوص، بل طعنة في ظهر الإنسانية جمعاء.

‫تعليقات الزوار

4
  • Free Thinker
    الأحد 5 يناير 2014 - 21:12

    الا يسمي العرب و المسلمون احتلالهم لاراضي غيرهم, و استباحتهم لنساء الشعوب الاخرى, و غنيمتهم و استحواذهم على ممتلكات "الكفار",الا يسمون كل هذا فتوحات مباركة?, و يمنون النفس بعودة الجهاد?
    لست في موقع جيد لكي تندد بفاشية الاخرين, ذلك انك تنتمي لامة تنتهك حقوق الاخرين متى استطاعت الى ذلك سبيلا.
    طالما لم يعترف المسلمون بالجرائم التي تشكلها الفتوحات, و العنصرية التي تمارس في حق الاقليات الدينية اليوم, ستبقى فاشية الاخرين مبررة.

  • معلق
    الإثنين 6 يناير 2014 - 20:51

    إلى صاحب التعليق الأول، الفاشية لا تبرر، والمظالم لا تفسر، بل تشجب وتستنكر، والأندلسي المذكور في المقالة لا يقصد به "بالضرورة" العربي الذي هاجر أو استوطن أو سرق أرضا أو مالا لآخر، الأندلسي المقصود هو ذلك الانسان المنتمي إلى أرض الأندلس، يهوديا كان، أو مسلما، أو مسيحيا (المنتمي للمذهب الأرياني مثلا)، أو المسيحي البروتستانتي الذي نكل به وعذبته محاكم التفتيش وطردته بتهمة الهرطقة، الأندلسي المقصود، الذي ظلم وعانى، ربما كان مسيحيا ثم أعتنق الاسلام فكان ذلك مبررا لطرده ومصادرة أرضه وماله وعذب ونكل به. هذا هو المقصود، أما الادعاء أن ما تعرض له المورسكيون مبرر بدعوى أن العرب محتلون، فهذا ينم عن جهل كبير، جهل مركب، فيه جهل بالتاريخ، وفيه جاهلية وتشفي فقط لأن صاحب التعليق قد يكون أمازيغيا أو معاديا للعرب والعروبة فأعماه تأدلجه وجعله يهرف بما لا يعرف ويتقول على التاريخ بكل تفاهة وسفاهة. ثم متى كان رفع شعارات عنصرية مبرر، متى كانت الدعوة لكراهية الآخر مقبولة ؟

  • Free Thinker
    الثلاثاء 7 يناير 2014 - 22:23

    الى المعلق 2: افترضت من نفسك ان تعليقي موجه ضد العرب, و هذا لم يخطر ببالي, بل انا ادين عقلية المسلمين عامة, كانو عربا او امازيغ او اتراك الخ..
    ساوضح رايي: انا ضد عملية طرد و قتل المورسكيين من الاندلس من طرف المسيحيين. فالذين تم طردهم ازدادوا في الاندلس و لم يحتلوها. الاندلس كانت بلدهم. المشكلة ان المسلمين (كالكاتب و المعلق2) ينددون بطرد المورسكيين من بلادهم, و يتغاضون عن التنديد باحتلال تلك من طرف المسلمين و نزعها من اصحابها. ام ان فاشية المسيحيين حرام, و فاشية المسلمين حلال? يجب ادانة الاحتلال ايا كان مصدره. لكنكم كالعادة, تتعصبون لدينكم و لا تدينون ما قام به المسلمون.
    تقول: متى كانت الدعوة لكراهية الآخر مقبولة ؟ و اقول لك ان الدعوة للكراهية مقبولة لدى المسلمين: الا يستعمل المغاربة كلمات "يهودي" و "كافر بالله" للسب? الا يتم قتل من اعتنق معتقدا غير الاسلام في الدول الاسلامية? في المقابل, تسمح الدول المسيحية باعتناق الاسلام و الدعوة اليه? فمن يدعو للكراهية هنا? حين سيقبل المسلمون باختلاف الاخر, غير المسلم, ساصدق انهم ضد الفاشية.

  • عبدو
    الأربعاء 8 يناير 2014 - 09:13

    هناك حفل آخر يتم إحياؤه في الأندلس وهو موروس وكريستيانوس ويتم من خلاله تصوير وتمثيل مسلم كان يحب فتاة مسيحية تتظاهر بحبه فأفشى سر مدينته إليها وخريطة المداخل السرية والممرات، فقامت هذه الفتاة بإخبار أسيادها المسيحيين الذين قاموا باحتلال المدينة برمشة عين، هذه الأسطورة التي ليست بالضرورة حقيقة تاريخية يتم تمثيلها في هذا المهرجان وتصوير المسلم كشخص خائن متسخ عربيد فاسق أناني ولا ثقة فيه، كيف للأجيال التي ترى هذا الاحتفال وغيره أن تكون لها نظرة إيجابية على المسلم أو المغاربة ؟ إن هذه الاحتفالات وهي كثيرة في الجارة اسبانيا، تساهم فعلا في إذكاء روح الكراهية والاحتقار

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات