ظاهرة الانتهازية وتدهور العمل السياسي

ظاهرة الانتهازية وتدهور العمل السياسي
الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:00

بات الكل يجمع على أن تردي وتدهور العمل السياسي في المغرب قد وصل إلى مداه الشيء الذي بات ينذر بموت السياسة و بنهاية الأحزاب السياسية المغربية بعدما تحولت معظمها إلى أحزاب تتسابق على التقرب من المخزن، الذي لم يحظ يوما بمثل القوة التي يتمتع بها اليوم، بعد أن هيمن على أغلبية النخب السياسية ونجح في تدجين القوى السياسية الصاعدة وكيف أغلبية الأحزاب وروضها وذلك بقتل كل نقط القوة المستقلة فيها .


ولقد أدى هذا الوضع المتأزم الذي يعيشه المشهد الحزبي المغربي إلى تنامي ظاهرة الانتهازية في مغرب اليوم بشكل فظيع حيث أصبحت من أخطر الآفات التي تنخر في أوصال المجتمع و أسسه ، و معولا هداما يعمل على القضاء على ما تبقى من القيم و المبادئ ،لاسيما وأننا نلمس المبدأ الانتهازي في زمننا هذا أكثر من أي زمن مضى ، و لا نعني بكلامنا هذا أن المغرب لم يعرف هذه الفئة من الناس إلا في زمننا هذا فالانتهازية ليست مفهوما جديدا يستخدمه المثقفون و السياسيون في مصطلحات القاموس السياسي الحديث ، بل كان أسلوبا متبعا منذ القدم ، فهي ظاهرة إنسانية خطيرة تطفح بشكل عنيف في النفوس الشريرة و تظهر على السطح في الظروف العصيبة ، و لها عواقبها و انعكاساتها السيئة على المجتمع كسائر الظواهر و الآفات الاجتماعية الأخرى ، لأن الانتهازي يحطم صمود المجتمع و يجعله في بلبلة شديدة و يفقده قدرة التمييز بين الحقيقة و الزيف بحيث تضيع المقاييس و المعايير فيتمزق من الداخل و يصبح كالأشلاء بل إن ممارساته الضيقة الأفق شكلت مدخلا يدفع البلاد بكل شرائحها و بكل ما تمتلكه من قيم و مثل و إنجازات ضخمة و عظيمة و تاريخ حافل على صعيدي النظرية و التطبيق إلى هوة سحيقة . ولتناول هذه الظاهرة بالتحليل ، سنحاول في البدء تعريف كلمة الانتهازية مع ذكر خصائص وميزات الانتهازي ، بعد ذلك سنحاول بشكل إجمالي حصر المنابع الرئيسية للانتهازيين وفي الأخير سنقترح بعض المقترحات الرامية إلى محاربة سرطان الانتها زية و إلى تنقية ساحات العمل السياسي من أدران الانتهازيين .


تشتق كلمة “ الانتهازية” في معناها اللغوي من مادة ( نهز ) التي تعني اغتنم ، و الانتهاز هو المبادرة و يقال انتهز الفرصة أي اغتنمها و بادر إليها ، و هي في معناها الاصطلاحي أو السياسي لا تختلف كثيرا عن المعنى اللغوي المشار إليه فالإنسان الانتهازي هو الذي يغتنم الفرص و يستثمرها من أجل أهداف معينة تختلف باختلاف منطلقاتها فقد تكون محدودة ضيقة الأفق لا تخرج عن إطار المنفعية الذاتية القصيرة الأمد .


والانتهازي إنسان ذكي جدا يتمتع بمرونة عجيبة ، غير مبدئي ، براغماتي ، فهو شخص مجرد من أي مبدأ سياسي أو عقيدة أخلاقية أو فكرة أو مذهب معين عدا المبدأ النفعي الخاص و سرعان ما ينقلب على ادعاءاته و لا يمانع من الخروج عن الجماعة التي يدعي الانتماء إليها ، و يتصف بصفات الغدر و الخيانة للفئة أو الحزب الذي ينتمي إليه، وهو مستعد كامل الاستعداد للانقلاب على ادعاءاته والخروج عن الجماعة التي يدعي الانتماء إليها، لذا ليس غريبا أن يتميز الانتهازي بالغدر بالفئة أو الحزب الذي ينتمي إليه ، فهو لاعب ماهر يجيد كل الأدوار ، و هو يخاطب الجماهير معتمدا على ثقافة كل المعارف الاعتيادية و بالتالي يمارس نشاطه وفق أيديولوجية اعتيادية ، و هو أفضل من يقوم بتزييف الحقيقة ، و يقوم بدور خطير في تزييف الواقع برمته مقابل مصالح شخصية و يضحي بالمصالح الإستراتيجية للوطن في سبيل تحقيق مصالحه الذاتية . فهو يستخدم الواقعية و المثالية تبعا للحالة أو الموقف و الفائدة ، و بما أن هدفه في العيش هو براغماتي في الأصل ،فهو يسعى دائما إلى تجميد المفاهيم و فبركتها بحيث تخدم أهدافه المرحلية ، و يزين الواقع بغية إقناع الجماهير المعذبة و المسحوقة كرامتها الإنسانية بما يخدم مصالحه ، و هو العدو اللدود للحقيقة و يبذل كل جهده لكي لا تظهر.


و عادة ما يسعى الانتهازي إلى تحقيق أغراضه ومصالحه بوسائل لا يجيدها سواه، أولها النفاق لمن هم أعلى والصعود على أكتاف غيره ، والطعن والمؤامرات والوقيعة، و يقضي كل وقته بين المكاتب والأحاديث الجانبية لأنه لم يشغل نفسه بالعمل ومصالح العباد وبالحق فشغله الشاغل بالباطل، ولأنه مكشوف تراه دائما وكأن على رأسه الطير . و غالبا ما يكون الانتهازي ذي شخصية جذابة و مثيرة، و ربما يتمتع بصلاحيات واسعة و سلطات تجعل الكثيرين يتهافتون عليه، و هم يبحثون – عن قصد – عن الأشخاص الملائمين لممارسة تسلطهم بأقصى ما يمكن.


ويعتبر الانتهازي عادة شخصا فاشلا لا يبني نجاحه على التعب والإخلاص في العمل، فليس لديه ما يقدمه غير المداهنة، ومن وجهة نظره أن أفضل مكان له يكون في موقع مستشاري السوء لا الصدق والعون، ومثل تلك الأساليب سرعان ما يفوح فسادها، فولاؤه لمصالحه ووقته لأموره الشخصية وعلاقاته لمنفعته، وهذا هو الضرر البالغ الذي يقع على العمل السياسي ومصالح الناس والمال العام .ولهذا لا نستغرب عندما تتفشى السلبية والعزوف عن العمل السياسي، والانتهازي يرى نفسه فلتة من فلتات الزمن، وينسى أن من صفات الانتهازية المذلة أن يكون صاحبها تابعاً وليس متبوعاً.



وتكون لغة الانتهازيين دائما مغايرة للغة الأسوياء، فنهب المال العام وتوزيع الغنيمة عندهم شطارة، والكذب فطنة وذكاء والصدق بلاهة وقلة حيلة، والنفاق في رأي هؤلاء مهارة، والتعفف قلة عقل، ويرون النصح حسداً لهم والنفعية لا تشبع والانتهازية لا تقف عند حد، ولا تثبت على مبدأ واحد، ولا يصبر هواتها على مكان واحد، لذلك أول ما يتقنه الانتهازي جيداً هو تفصيل الأقنعة وإجادة التصفيق، وحفظ عبارات يكررها في كل مناسبة، وهو جاهز بها لكل مسؤول وفي كل مناسبة،حتى يبدو وكأنه الأصلح لكل شيء والفاهم في كل شيء : في العلاقات وفي الرياضة وفي الفن وفي الإعلام وفي السياسة ،والمحصلة فشل وراء فشل، ..فقط تتضخم مصالحهم !!. و الغريب في المسألة فإن هؤلاء لديهم حاسة شم قوية، ويعرفون الأكتاف التي تؤكل والأكتاف التي يتسلقون عليها ليعلوا على حسابهم ويبنون مكانتهم لكنها في حقيقتها أوهن من بيوت العنكبوت.



ويغير الانتهازي، مواقفه وقناعاته بنفس اليسر والبساطة التي يغير بها قمصانه ، وهو لا يفعل ذلك إلا مقابل منافعه وأهوائه الشخصية، لذلك فهو أناني، غارق في النرجسية، يعمل على أن يظل في الواجهة دائما حتى لو كان ذلك على حساب كرامته. وهو بذلك يستطيع أن يقول هذا الشيء اسود، لما كان يعتبره بالأمس بياضا ناصعا ، وان يقول للجبان: ياعنترة، وللخائن: يا غاندي! و يهتف اليوم باسم الحزب الفلاني لأن مصلحته تتطلب ذلك، وغدا يدبج المقالات والقصائد الحماسية لقادة الحزب العلاني، إذا وجد عنده مركزا أفضل وإكراميات أكثر. والانتهازي لا يثبت على حال، فهو شمام جيد لرائحة مصالحه، وهو صوت سيده في كل مكان وزمان. ويعتبر المشهد السياسي المغربي اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حافلا بمثل هذا النمط من البشر. ، والانتهازيون بطبيعة الحال ممثلون كبار، يتقمصون أدوارهم بجدارة، بغض النظر عن الزمان والمكان والحدث، ودون أي شعور بالغضاضة لكون ماضيهم معروفا عند القاصي والداني، ويستمرون في التمثيل ماداموا سلعة رائجة عند الحزب الفلاني أو الجهة العلانية.


ويجد الانتهازي دائما مبرراته سواء إذا كان صحفيا أو كاتبا أو سياسيا، في تبرير انتهازيته بأن المرحلة تتطلب ذلك، وهو يقصد بذلك مصلحته بطبيعة الحال، وإلا كيف لنا أن نفسر استمرار نفس الوجوه في السياسة والثقافة والصحافة في البقاء على الواجهة خلال المرحلة السابقة والحالية في المغرب ؟


وإذا كان من العبث أن يحاول الإنسان تغيير جلده ليصير أكثر بياضاً أو سواداً أو ما شاء من الألوان، فإن الأكثر عبثية أن يحاول المرء وضع الديمقراطية خارج إطارها الحضاري والإنساني ليلبسها لباساً يفقدها معناها ومدلولها، حيث أن من يلجأ إلى هذه الوسائل إنما هو كالغراب الذي أراد أن يمشي مختالاً كالطاووس فلم يزده ذلك إلا تشوهاً في مشيته وانحرافا في مسلكه، لتقوده حماقته إلى واقع يصبح فيه نذير شؤم لا يأتي منه أي خير!!. ، والانتهازي الذي يتلون كالحرباء حسب المكان والزمان، ويسوق نفسه كسلعة لهذا الطرف السياسي أو ذاك، يتمتع بطبيعة الحال بموهبة كبيرة، ومهارة يفتقدها الملتزم والمؤمن بقناعاته السياسية، والتي قد يظل متشبثا بها حتى لو قادته إلى التهميش والإهمال، أو العيش في ظل معاناة قاسية، هذا إذا لم تقده إلى التصفية أو الاعتقال من قبل النظام الذي لا يهادنه.


وقد يأتي الانتهازيون بصفة عامة من أي طبقة في المجتمع ومن عموم الفئات، و يمكن لنا أن نحدد أكثر الفئات الاجتماعية و هي بمثابة المنابع الرئيسية للانتهازيين، وأهم الأوساط التي تنبث خصائص الانتهازية أكثر من غيرها، وذلك على الشكل التالي:


1– الطبقة الوسطى : مما لا شك فيه أن الطبقة الوسطى تشكل المنبع الرئيسي للانتهازية، و إذا كان ما يميز هذه الطبقة في المغرب كون حدودها غير واضحة و متحركة بحكم عدم استقرار أوضاع البورجوازية المحلية، فإن ما يميزها أيضا هو أنها تشمل فئة هامة من الأفراد الذين يعيشون بطرق غير مشروعة تقوم على الاحتيال واقتناص الفرص التجارية و الصفقات المشبوهة، و السمسرة و الوساطة و غيرها من الوسائل. و هذه الفئة تعمل في ميادين التجارة و المقاولات والتهريب و المضاربة العقارية ، و تحاول دائما الالتصاق بالطبقة السائدة، و تعمل على أن تكون لها معها علاقات نفعية بشتى الوسائل كالترغيب و الرشوة. إلا أن هذه الفئة ليست ببورجوازية بالمعنى الصرف للكلمة، بل أنها تعيش على حافة هذه الأخيرة، و تخلط نشاطها الاقتصادي بأساليب لا مشروعة. و قد تدخل عناصر هذه الفئة الحياة السياسية، و تشارك في التأييد أو المعارضة، لتحقيق مصالحها الخاصة أو لحمايتها، و تؤيد هذا الحزب أو هذا السياسي المحترف، أو ذاك الزعيم… و تغير مواقفها إذا ما تغير ميزان القوى السياسي في البلاد. و قد لا تكتفي بذلك، بل تذهب إلى منح تأييدها للأفكار و المذاهب، رغم أن ذلك يكون غالبا بدون فهم. إن هذه الطبقة تشكل مصدرا مهما لظهور الانتهازيين بشكلهم البدائي، ذلك أنها عادة ما تتسم بقلة الثقافة و بدائية الأساليب لأن همها الأساسي هو تحقيق المصالح المادية و النفوذ العائلي، و الوصول إلى ذلك بطرق غير مشروعة، الشيء الذي يحتاج إلى حماية “السياسيين”… و بالتالي، فإن أهدافها السياسية غالبا ما تكون محدودة أو منعدمة ما دام الانتماء أو النشاط السياسي ليس بالنسبة إليها هدفا في حد ذاته أو وسيلة أساسية، بل إنه مجرد حماية… ، لذلك فإن همها الوحيد أن تلتصق بالطبقة السياسية الحاكمة و أن تنسج معها علاقات ودية بشتى الوسائل ، الأمر الذي يجعلهم يدخلون الحياة السياسية لحماية مصالحهم الخاصة .


2 – الفئة المثقفة : و هي تشكل في المغرب مصدرا مهما لظهور الانتهازية لأن المثقف غالبا ما يستغل ثقافته لتحقيق مآربه الشخصية ، و هذا لا يعني بأن الثقافة بصفة عامة هي التي تخلق الانتهازية بل هي عامل مساعد ومهم لمن تتوافر فيه الروح الانتهازية ، وذلك لأن البعض من هذه الفئة يحاول أن يحقق مصالحه بواسطة دخوله النشاط السياسي أو النشاطات الأخرى ، و هناك أيضا بعض الفئات من الشعراء و الكتّاب الذين يستعملون أقلامهم للمديح و الثناء أو للذم والقدح حسبما تقتضيه المناسبة . و خاصة فئة أشباه المثقفين والتي تشكل مصدرا هاما لبروز مادة الانتهازية ، ذلك لأن سلاح الثقافة في مجتمع يغلب عليه الجهل و الأمية يساعد أشباه المثقفين ذوى الاستعدادات الانتهازية على استغلال النفوذ الذي يجلبه لهم موقعهم داخل المجتمع، لتحقيق مصالح آنية شخصية على حساب الشعب الذي تربوا و ترعرعوا بين أحضانه. و تتواجد هذه الفئة في قطاعات عدة، سواء داخل جهاز الدولة، كموظفين متملقين ساعين وراء الترقيات والرواتب و المنافع المادية، أو خارجه، كمهن حرة، أو كمستخدمين و أطور في قطاع الرأسمال الخاص. وإذا كان السياسي ” الانتهازي “، حزبا أو رمزا فردا أو جماعة، يبيح لنفسه ممارسة الانتهازية في إدارة وتنظيم التناقضات ويستفيد منها لأغراض تسلم السلطة وتوسيع القاعدة المؤيدة لبرنامجه، فان المثقف ” الانتهازي “، وهو شخصية متلونة أنانية مستعدة لتغيير مبادئها ساعة تقتضي المصلحة الشخصية ذلك ، و يعتبر في مقدمة الوسائل التي يستخدمها ” السياسي ” في ترويج وتبرير أيديولوجيته وخطابه ومنهجه.


3– بعض الأحزاب اليسارية و المنظمات الجماهيرية : و يعود السبب في ظهور هذا المرض في هذه الأحزاب اليسارية و المنظمات الجماهيرية إلى الضعف الأخلاقي لدى بعض الأفراد الذين يشكلون كوادر الحزب أو المنظمة الجماهيرية، و إلى عدم تلقي التربية العلمية و الثورية بشكل صحيح نتيجة عدم اقترانها برقابة صارمة على السلوك و الممارسات و الأخذ بالاعتبار المحسوبيات و الو لاءات الشخصية الضيقة ، مما يؤدي إلي نتيجة حتمية هي فقدان سيطرة القيادة على كوادرها إن لم تكن مشاركة لها في تحقيق مثل هذه المصالح . فالأحزاب و الحركات عندما تنتقل من حالة المعارضة و الاضطهاد إلى حالة النصر واستلام السلطة تكون معرضة لانبثاق الميول الانتهازية الكامنة لدى بعض الأفراد الذين ناضلوا في صفوفها ، ولكن ليس الانتصار هو الذي يخلق ذلك بل الضعف الخلقي وعدم توازن الشخصية ، و الأمثلة كثيرة على الأفراد المنحدرين من طبقات فقيرة و عملوا في صفوف بعض الأحزاب اليسارية و أصبحوا في غاية الانتهازية بمجرد أن أصبحوا مسؤولين ، كما أن بعض المنظمات الجماهيرية تعتبر أيضا و سطا ملائما لظهور الكثير من الشخصيات الانتهازية في صفوفها.



إن بعض التنظيمات السياسية ببلادنا وبعد أن انتقلت من مرحلة النضال في سبيل تحقيق أهدافها إلى مرحلة تسلم السلطة ، لا بد و أنها قد غيرت من مواقفها فواجهت في طريقها الكثير من العثرات لأن النهوض بالمهام المنوطة بها يختلف بين المرحلتين و لعل أخطر هذه الصعوبات التي واجهت و تواجه بعض الأحزاب السياسية التي كانت ترفع شعار التقدمية في العهد القديم وبعد نجاحها في الوصول واستلام مقاليد الحكم هي الانتهازية المقترنة بالتوسع التنظيمي لقاعدة الحزب ، حيث، سعت جاهدة إلى استقطاب فئات أكثر عن طريق التوسع التنظيمي مما أدى إلى ظهور الانتهازية بكل صورها و أشكالها و إلى بروز الثورة المضادة بكل أسلحتها و صنوفها .


و يتأكد يوماً بعد آخر أن بعض هذه القوى الحزبية صارت تحكمها الانتهازية السياسية إلى درجة أنها لا تجد حرجاً في رهن مواقفها وتحركاتها وفق ذلك المنظور الانتهازي الذي أصبح السمة الطاغية على خطاب هذه القوى التي برهنت – مع الأسف الشديد – على أن الديمقراطية بالنسبة لها ليست سوى مصطلح لفظي تقوم بتشكيله كما تشاء ووفق ما يناسبها ويشبع رغباتها وأهواءها ومصالحها، دونما أدنى اعتبار للمرتكزات الحقيقية التي يستند إليها النهج الديمقراطي ومبدأ التداول السلمي للسلطة، ومن ذلك ما تسفر عنه نتائج الانتخابات وما تعبر عنه إرادة الجماهير في صناديق الاقتراع.


وهكذا تحول المشهد السياسي اليوم بفعل هؤلاء الأشخاص إلى مدرسة كبيرة في تخريج الانتهازيين من كل صنف ولون، انتهازيون في ادوار البطولة، وانتهازيون من الدرجة العاشرة، أي كومبارس، لكن حتى هذا الكومبارس يعمل ما بوسعه لإظهار مواهبه وقدراته على أمل أن يسدى إليه سيده، مستقبلا دور البطولة المطلقة في السيناريوهات الجديدة التي يعج بها مغرب اليوم .


وعليه فإذا كانت الديمقراطية نتاجاً متدرجاً لسنين من التعلم واكتساب الخبرات من مدارسها فإن الأشد إيلاماً أن نجد بعض الأحزاب التي رفعت شعار التقدمية قد أضاعت سنوات ليست بالقليلة في التنظير والمزايدات السياسية وافتعال الأزمات واختلاق التعقيدات في عناد متصلب ترك أثره السلبي عليها وعلى الوطن وعلى المشهد السياسي وستخسر هذه الأحزاب كثيراً إذا ما استمرت قياداتها متشبثة بتلك الأيديولوجية الشمولية التي تبني رهاناتها وحساباتها على ما يمكن أن تجنيه من مكاسب سياسية وحزبية من وراء ما تشعله من حرائق وما تنصبه من فخاخ الأزمات وما تسوقه من دعاوى التضليل والزيف بغية خلط الأوراق وتصوير الديمقراطية لدى الناس على أنها أداة منفلتة من كل الضوابط والمعايير والمحددات الناظمة، مع أن تلك الرهانات سبق لها وأن سقطت أكثر من مرة ولم تجن من ورائها تلك الأحزاب مكسباً باستثناء أنها أبعدتها عن الناس وضاعفت من إخفاقاتها، وكان الأجدى والأنفع لتلك الأحزاب لو أنها سخرت جهودها في تعزيز قنوات التواصل مع الجماهير وعملت على خدمتها وتلمس تطلعاتها، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث وإذا ما استمر تجاهل هذا البعد من بعض ألأحزاب ا فإن ذلك سينتهي بها حتما إلى تصدعات عميقة تقودها إلى الانهيار الذي يصعب تدارك نتائجه الكارثية.


ومن أجل محاربة ظاهرة الانتهازية و لتنقية ساحات العمل السياسي من أدران ومتقمصي الأقنعة والمتلونين كالحرباء والمتشبعين بغريزة الذئاب والثعالب لابد أن تعمل الجماهير الشعبية ، على استعادة ثقتها في الحركة الجماهيرية المناضلة، والحركة الحزبية المناضلة، كجزء من استعادة ثقتها في المستقبل، حتى تشرع فعلا، في مقاومة الممارسات الانتهازية، كجزء من استعادة الثقة في المستقبل، الذي يفترض فيه أن يكون مستقبل الأمل، في فرض احترام إرادة الشعب، الذي قدم ولازال يقدم الكثير من التضحيات من أجل ذلك . و لا بد من العمل على إدانة هذا الصنف من البشر وذلك بواسطة:



¨ ضرورة التعرف على الدوافع التي تحرك كل الانتهازيين،


¨ تطهير البيئة و المناخ المحيط بنا من جراثيمهم، و أنجع طريقة ووسيلة للقضاء عليهم و الحد من خطرهم و التخلص من آثارهم هي كشف أكاذيبهم التي ينصبوها للمجتمع بكل فئاته، وذلك بمطالبتهم بالتخطيط و الإدارة في ضوء الأهداف للحد من غلوائهم و تخبطهم و فوضويتهم ،


¨ كثرة الحديث و الكتابة عنهم و فضح و نبذ تصرفاتهم و التحذير منهم،


¨ الرقي بوعي الناس تجاههم و تدريب حواسهم لتكون قادرة على كشف أنماطهم و تعريتها كي لا تصاب بها الناشئة و يتوهمون بأن الانتهازية هي الطريقة المثلى للعيش و تحقيق الأهداف ،


¨ العمل على تحرير المثقفين من عقدة السياسيين وذلك عن طريق القيام بحفريات عميقة تكشف الخلل في علاقة المثقف بالسياسي الانتهازي ، لأ ن هذا الأخير حريص على جلب المثقف الذي يضفي المشروعية على أداءه أو على الأقل يتحالف معه في وجه خصومه.


وبناء على ما سلف ذكره ، يمكن القول بأن الانتهازية مرض عضال، ينخر كيان المجتمع المغربي ، ويفسد عقلية وممارسة أفراده، ويقف وراء انتشار مظاهر الفساد بكل أصنافه ووراء تدهور العمل السياسي و الذي لا يمكن مواجهته إلا بقيام حركة جماهيرية، وحزبية مناضلة، من اجل قيام مجتمع بديل، تتحقق في إطاره الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية.



فهل تعمل إذن الحركة الجماهيرية المناضلة والحركة الحزبية المناضلة بالمغرب، على محاربة مظاهر الانتهازية، وهل تنجح في استئصال جذورها ؟



[email protected]

‫تعليقات الزوار

8
  • مغربي قح
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:08

    فهل تعمل إذن الحركة الجماهيرية المناضلة والحركة الحزبية المناضلة بالمغرب، على محاربة مظاهر الانتهازية، وهل تنجح في استئصال جذورها ؟
    أجيب بكل بساطة لا لأن في المغرب الجميع بات انتهازيا

  • assauiry
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:12

    تطرقت الى تعريف الانتهازي من جانب واحد لاستغلاله التموقع داخل مجموعة, وتناسيت العكس …الاتوجد مجموعة انتهازية تستغل فردا طموحه سليم ?وهل انساحبه من المجموعة بعد اكتشافه لانتهازيتهم نعتبره انتهازي ?…وغير صحيح ان نوظف ” انتهازي ” بالمفهوم السلبي لانه يمكن ان ” ننتهز ” لما فيه الخير للصالح العام .

  • مواطنة صالحة
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:14

    بداية أحيي كاتب المقال على مجهودهالكبير في التعريف بهذه الشريحة المرضية التي باتت تنخر روح المجتمع والحمد لله فمثل هذه التعريفات لا تنطبق علي أحمدك وأشكرك يا رب.

  • hkh
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:04

    شكرا لك على هذه التوضيحات الجميدة للسلوك الإجتماعي والسياسي للمغاربة. لم اجد اكثر مما قاله السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو ناعة المجتمعات المغربيةو يقول : إن السلوك القويم في هذه المجتمعات هو النفاق. يا أخي يجب تفكيك ثقافتنا الإجتماعية وقيمها المية دون ذلك لا يمكن تجاوز هذه الثعلبيات التي تميز المغاربة

  • أعشبون عبد الواحد
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:16

    لن نقطع الطريق عن الانتهازيين سوى بواسطةمقاطعة الانتخابات سواء البرلمانية او الجماعية وقتئذ سيشعر هؤلاء بأن المغاربة قد بدأوا يعون ويفضحون ألاعيبهم المكشوفة

  • امحمد
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:06

    ماتت السياسة -الله يحفظنا منها- في بلادنا وهذا من فضل الله والحمد لله على نعمته واحسانه

  • مناضل ديمقراطي
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:02

    اشكر صاحب المقال على دقته في وصف للانتهازية .فقط اضيف بعض الملاحضات .الانسان الانتهازي معروف من خلال ابسط سلوكه .اما اذا تحمل مسؤولية عمومية فانتظر الكارثة من حيث التسيير والتدبير .لكن للأسف نؤدي اليوم ثمن باهضا في تخريب المدن ونهب المال العام وافساد الادارة وحتى تربية الانسان المغربي على المواطنة و احترام المؤسسات .وهذا يجعلنا نوجه دعوتناالى كل المناضلين الشرفاء من جميع فئات الشعب ان لا يفوتوا الفرصة في الانتخابات الجماعية المقبلة على كل من خولت له نفسه ان يكذب علينا سنوات طوال بشعارات زائفة ومنافقة .المطلوب اليوم هو ثقافة سياسية جديدة لا تتغنى بتضحيات الغير لتسرقنا في حقنا في التنمية والشغل والتعليم والصحة .الأحزاب التقليدية استثمرت كل الشعارات لكن المواطن المغربي اليوم عاق وفاق .بارك من النفاق السياسي فنحن اليوم لن نعد نثق الا في من يحمل أخلاقا ونبلا وشرفا و مشروعا تنموي جهوي محدد تسهر عليه كفاءات وفعاليات حمعوية جادة ونخب سياسية مناضلة وملتزمة بمشروع الأصالة والمعاصرة .اي المشروع الديمقراطي الذي يسهر على تنفيده عاهل البلاد . ان لجن التخليق يجب ان تسهر على ان يكون العمل الحزبي يخدم المصلحة العامة .ان الانتهازية تتعارض مطلقا مع العمل السياسي النبيل والتدبير العقلاني للشان العام .ونسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 كانت عبرة لمن يريد ان يعتبر من اصحاب القرار .اتنمنى من خالص قلبي ان أٍرى عودة ثقة المواطنين في مؤسسات وطنهم ولنفوت الفرصة نحن كل الديمقراطيين على كل المفسدين للانتخابات .ان تحديات اليوم جسيمة فالعالم يتحرك بسرعة وزمام ألأمور يجب ان تكون مضبوطة ومراقبة بحكمة من طرف المواطن الفاضل العقلاني المخلص في حبه لبلاده و جهته و مدينته او قريته لنلقى رضى من الله و المواطنين و جلالة الملك .ان الجهوية والتنمية المحلية عنصران ضرورين لبناء الديمقراطية التي تقوم على الشفافية والرقابة الذاتية للشان المحلي .فانتشار الانتهازية والفساد والرشوة والمحسوبية يمكن محاصرتها والاصلاح ممكن ادا توفرت ارادات سياسية تتفق على ماجاء به تقرير الخمسينيات و توصيات هيئة الانصاف والمصالحة .فالمناضلين الشرفاء تم تهميشهم من اصحاب الحال لأنهم كانوا يطالبون فقط بتنمية جهوية حقيقية .

  • مواطن غير انتهازي
    الثلاثاء 17 مارس 2009 - 09:10

    ان اخطر فيروس ينخر بلادنا هو فيروس الانتهازية السياسية فهي اخطر من اي مرض اخطر من الارهاب والكوارث الطبيعية ومن اي مرض كيفما كان وهي اخطر من السيدا والمخدرات وغيرها، لانهابكل اختصاراداة تستعمل لهدم المجتمع.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 3

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال