حديث الشواهد الطبية !!!

حديث الشواهد الطبية !!!
الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:42

بشهادة طبية تحمل توقيع مستوصف محلي أو مستشفى عمومي يمكن للتلاميذ والأساتذة أن يتغيبوا عن قاعات الدراسة والتدريس كلما أرادوا ذلك حتى وإن كانت قواهم العقلية والجسدية والنفسية سليمة لا تعتريها علة مجهولة أو معلومة .


وبشهادة طبية يوقعها طبيب معين يمكن لأي موظف مهما كان شأنه ومهما كانت طبيعة وظيفته أن يختار التغيب عن عمله دون أن يتوجس خوفا من مغبة التعرض للقوانين الزجرية أو للعقوبات التأديبية المتفق عليها في هذا الباب .


وبشهادة طبية تحمل بين ثناياها عجزا لمدة معينة أو تثبت بشكل أو بآخر وجود عاهة مستديمة لمن يطلبها تسجل بالزور محاضر في الدوائر الأمنية وتحرر بالبهتان دعاوى قضائية وتنطق بالباطل أحكام عدلية ويلقى خلف السجون مظلومون وأبرياء وضعفاء ومساكين .


وبشهادة طبية رفيعة المستوى يمكن لبارون مخدرات معتقل خلف الزنازن أو لمجرم ملقى في غياهب السجون أن ينتقل في واضحة النهار من ضيق القضبان الحبسية إلى سعة المستشفيات العمومية ومن ثم إلى ماوراء البحار والحدود المغربية .


نعم الحديث عن آفات ومصائب الشواهد الطبية بالمغرب حديث لا يمكن إلا أن ينطق بمرارة وحسرة ، ولا يجب أن تحرر تفاصيله وخباياه إلا باستياء عميق ، فبالشواهد الطبية تقضى مصالح وتعطل حاجات ، وبها تصنع عجائب وحقائق ، وبها تولد مفارقات ومتناقضات لا يستطيع المرء العثور عليها إلا في بلد كالمغرب الحبيب ، فلا عجب حين تجد المدارس خاوية على عروشها بسبب الشواهد الطبية ، ولا استغراب حين لا تجد من يقضي مآربك في المقاطعات والبلديات والإدارات والوزارات وباقي القطاعات الخدماتية مادامت الشواهد الطبية توزع ذات اليمين وذات الشمال دون وازع قانوني يحد من مساهمتها في الفوضى الهدامة .


ولكن العجب العجاب يكمن في التمييز والتصنيف بين المواطنين الحاملين لهذا النوع من الشواهد وخاصة تلك التي تعرض أمام أنظار العدالة أو تستخدمها هيآت الدفاع في قاعات المحاكم لتبرئة ذمة المتهم مما قد ينسب إليه من تهم ، فإذا كنت مواطنا عاديا لا أب لك في دهاليز الإدارات ولا عم لك في سلالم الوزارات ولا يد تملكها في صنع القرارات وساقتك الأقدار إلى باحة المحاكم لتلبُّسِك بتهمة ما ، واحتجت لشهادة طبية تتحايل بها على القانون لدرء العقاب عنك ومن ثم النجاة بجلدك من حكم قضائي قد يسيئ لسمعتك ويعكر بياض سجلك العدلي ، فجميع دكاترة الدنيا وكل أطباء العالم لن يستطيعوا ولو اجتمعت شواهدهم على حمقك أو مرضك أو عجزك أن يغيروا من حكم القضاء فيك حرفا واحدا لأنك ببسيط العبارة مواطن عادي يطبق عليه القانون ، ولأن هذا الأخير لا يطبق إلا على من لا أنياب له فقد يجعل من شهادتك الطبية تهمة ثانية يوجهها إليك تحت يافطة أصبحت تعنون اليوم بـ ” تسفيه العدالة ” . أما إذا كنت من الكبراء أو من أبناء الولاة والعمال والوزراء والسفراء أو كنت ممن يمت إليهم بصلة وارتكبت مع سابق الإصرار والترصد جناية أو جريمة أو اعتقلت بتهم تخر الجبال من هولها وتشيب الولدان لثقلها فالشهادة الطبية خير معين لك في مثل هكذا ظرف ، فقد تجعلك مجنونا وقد تجعلك عاجزا وقد تجعلك مصابا بأمراض ما سمع بها أحد من العالمين حتى لا يطالك حرف من جملة ” القانون فوق الجميع ” .


وحتى لا نكون من ” المهلوسين ” الذين يفتقر كلامهم إلى حجج بينة نضرب بعض الأمثلة على صدق ما ندعيه فنقول : إن ” حسنا ” و ” حسنا ” مواطنان مغربيان اتهما بارتكاب جريمتين مختلفتين وتعامل القانون مع شواهدهما الطبية بنوع من التصنيف الطبقي والتمييز العنصري فالأول وهو ” حسن اليعقوبي ” أوقفه شرطي مرور لإخلاله بقوانين السير وبدل أن يمده بوثائق السياقة المطلوبة لتسجيل البيانات اللازمة بالمخالفة أمده بوابل من الشتائم البذيئة وأمطره برصاصات حية مزقت عضلات فخده وجعلته عرضة للإعاقة في أي وقت ، وعوض أن يعرض ” اليعقوبي ” على العدالة لتقول كلمتها فيه تم عرضه على مستشفى ” الرازي للأمراض العقلية ” بالرباط ، فحررت على مقاس جرمه شهادة طبية أتبثت أن مطلق الرصاص على شرطي المرور في شهر رمضان الكريم مصاب بداء كاراسكوف وأنه مريض نفسيا ولا يدرك عواقب أفعاله ليتقرر ضمنيا عدم متابعته .


أما الثاني فهو المدون المغربي ” حسن برهون ” ، اعتقل وحكم عليه مؤخرا بالسجن لمدة ستة أشهر وبغرامة مالية قدرها خمسة آلاف درهم بتهمة إهانة رجال القضاء ، وبغض النظر عن مدى صحة هذه التهمة وملابساتها فإن الشهادة الطبية التي سلمت لـ” حسن اليعقوبي ” ووقته من لهيب الإعتقال ونيران الإستنطاق لم يقبل وجودها أو إشهارها أمام العدالة في حالة المدون ” حسن برهون ” رغم إثبات الأطباء لصحتها ومصداقيتها .


وأكثر من ذلك مرير ومرير ، فـ ” أحمد ناصر ” شيخ بلغ من الكبر عتيا ، لفظ أنفاسه في سجن كئيب بعدما حكم عليه بخمس سنوات سجنا نافذا بتهمة إهانة المقدسات ، ورغم أن هذا الشيخ عرض على أنظار المحكمة وهو يجلس على كرسي متحرك ورغم أن كل الشواهد الطبية وغير الطبية أقرت بأنه يعاني من خلل عقلي ونفسي إلا أن المحكمة الموقرة لم تنظر إلى تلك الشواهد بعين الإعتبار ، على عكس ابن والي كلميم الذي أسقطت شهادة طبية واحدة كل ما نسب إليه من إفطار في نهار رمضان وسكر علني بين وقتل غير متعمد .


حسن اليعقوبي زوج عمة الملك ، وحسن برهون المدون المغربي ، وابن والي كلميم وأحمد ناصر ، غيض يسير من فيض مفارقات الشواهد الطبية عندنا في المغرب ، وقد آن الأوان لفتح هذا الملف الخطير وسبر أغواره وكشف حقائقه المخفية في كل القطاعات والمجالات ، فروائحه أمست تزكم الأنوف وضحاياه في تزايد مستمر والدعوة إلى تقنين هذه الشواهد وإعادة النظر في كيفية توزيعها أصبحت ضرورة ملحة يفرضها ما نراه ونسمعه كل يوم عن تهافت المستفيدين من الشواهد الطبية على تكريس مفاهيم ومصطلحات قيل والله أعلم أنها لا تنطبق على العهد الجديد بالمغرب .

‫تعليقات الزوار

8
  • بوتاغانت
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:48

    الحقيقة يا أخ ملوك انه يجب ان تكون الدولة صارمة في التعامل مع هدا الموضوع لايقاف كل عند حده و دلك بإلغاء الشواهد الطبية و إستبدالها بلائحة الشخصيات و ابنائهم الدين لا داعي لمتابعتهم امام(العدالة)و دلك لتوفرهم على (سند صحيح)…

  • سعيد
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:46

    لماذا بدات بالتلميذ اولا ثم الاستاذ ثانيا ثم عممت دون ان تخصص

  • حسن ماشي اليعقوبي
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:44

    قلت فوفيت.
    اشتقنا لمقاماتك.
    أنا حسن ماشي اليعقوبي، وماشي برهون.

  • marouane
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:54

    من لديه النقود في هدا البلد السعيد يحسب له الف حساب وحساب ومن ليس لديه كلامه مسوس ولكن حساب الاخرة اتي لا محالة اما حساب الدنيا وعدالة المغرب فشخصيا لا اعترف بها

  • امحمد
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:50

    ان اخطر فيروس ينخر بلادنا هو الشواهد الطبية اخطر من اي مرض اخطر من الارهاب والكوارث الطبيعية ومن اي مرض كيفما كاناخطر من السيدا والمخدرات وغيرها .لانهابكل اختصارادات تستعمل للهروب من الواجب بكل سهولة وبدون ادنى تعب.

  • الطنبور امام البلدية
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:52

    الشواهد الطبية ضرورية ولا بمكن الاستغناء عنها انصحك باجتناب التعميم

  • ابراهيمم 555
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:58

    صحيح ،، كلام صحيح يا أخي ؛ لكن الخطأ هو أن نسبة لا بأس بها من الموظفين والأساتذة لا يستعملون الشواهد الطبية إلا عند الضرورة وهذا هو الخطأ ؛ الأنسب لهذا الوطن هو أن يتسلم جميع الموظفين والأساتذة والعمال والفلاحين والحرفيين وأصحاب المحلات التجارية والسائقين ورجال الشرطة والدرك والجمارك وكل من يعمل وكيفما يكون عمله ؛أن يتسلم الجميع شواهد طبية مفتوحة ولسنوات ؛ ويتركوا أعضاء الحكومة والبرلمان وحدهم يعملون لربما تستقيم الأمور في هذه البلاد حين لا يجد هؤلاء على من يضحكون

  • شاهد عيان
    الأربعاء 18 مارس 2009 - 16:56

    و الله يا اخي ان الشواهد الطبية في الحقيقة اصلها شواهد زور فلا يعقل ان يدلي الموظف او الجاني بشهادة لا ثبت واقع امره حقيقة.وفي نظري فغياب الضمير المهني لدى الأطباء اولا هو السبب .وثانيا غياب الوازع الديني لديهم يدفعهم الى شهادة الزور مقابل دراهم معدودات.واقول ان هذه الامور وغيرها من قبيل انتشار الرشوة والمعاملات الربوية تندربقرب الاجل.ويمكن ان نسقط هذه العلامات على ما كانت عليه الدولة العثمانية حالة ضعفها ووصفت بالرجل المريض.فالمغرب الان رجل مريض .كل المقاسات تؤشر على قرب اجله.وفي الاخير لايسعني الا ان استعطف من دوي القلوب الحية من الاطباء والقضاةان يتقوا الله في الفقراء والمساكين لان الظلم ظلمات يوم القيامة.

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء