الكنيسة التي تجسَّدت فيهم

الكنيسة التي تجسَّدت فيهم
الثلاثاء 28 يناير 2014 - 20:02

الكثير من المستشرقين ومنظري الثورات بأوربا يصورون الكنيسة كأداة للاستبداد التي أرادت؛ حسب زعمهم؛ أن تجعل من العباد آلهة، لكن الملفت للنظر هو ماهية هذه الكنيسة التي تستطيع أن تبرر وتسوِّغ للاستبداد والظلم والطغيان بأوربا ما قبل عصر “الأنوار” !

كلمة “كنيسة” عند المسيحيين يعرفها الكثيرون في مقابل المسجد عند المسلمين والكنيس عند اليهود، لكن الغريب في الأمر هو أن مصطلح “كنيسة” ليس مجرد مبنى للعبادة كما يتصور ويعتقد البعض، فكلمة كنيسة تأتي من الكلمة اليونانية “اكلاسيا” وهي تعني الجماعة أو المدعوون. فأصل معناها لا يشير إلى المبني ولكنه يشير بالأساس إلى أناس محددين، فتعددت تعاريف الكنيسة في الكتب المسيحية المقدسة ما بين جماعة المؤمنين وجسد المسيح وكل من له علاقة شخصية بيسوع المسيح وغيرها من التعاريف.( 1)

وكل ذلك يدل أن الثورات الأوربية كانت ضد من يعتنق المسيحية بدرجة أولى أو يشير إلى من يعتنقها من الرعيل الأول، وليس ضد فساد الكنيسة “المبنى” في حد ذاته، وهذا ينبئ بشيء خطير، وهو أن سؤال النموذج عند الشعوب الأوربية آنذاك أثناء تغوُّل النبلاء والإكليروس وظلمهم، جعل نظرة الإنسان الغربي لهذا النموذج يتفكك أمام عينيه وتختلط عليه مفاهيم القيم والشخصنة، فتصبح المنظومة القيمية الدينية والشخصية الممثلة لها كالجسد الواحد لا فرق بينهما ولا يوجد أي عنصر ولو دقيق يجعل أحدهما يختلف عن الآخر.

فلما سقط رجل الدين المسيحي في أوربا سقطت المسيحية وأصبحت خادمة للفساد والاستبداد، هذا ما اعتقد الأوربيون على الأقل آنذاك وسوقه غيرهم من المستشرقين لتبرير ضعف الحضارات الموازية للحضارة الغربية.

لكن على ما يبدو أن اختلاط الحابل بالنابل ما بين القيم الدينية ورجل الدين حينما أصبح هذا الأخير وسيطا بين الله والعبد من خلال صكوك الغفران مثلا ومجموعة من البدع المستحدثة آنذاك في الديانة المسيحية كان سببا مباشرا في هذه الثورة العارمة ضد الكنيسة وقيمها وإعادة بلورة مفاهيم وقيم جديدة مختلفة عما أتت به الكتب المقدسة عند المسيحيين، مع العلم أن الكتب الدينية المسيحية طالتها الكثير من التحريفات التي لا تعد ولا تحصى حتى أصبح لكل شعب إنجيله ونفس الأمر طال أيضا التوراة كتاب اليهود على عكس القرآن الكريم كتاب المسلمين..

والواضح أن التمرد على القيم المسيحية بأوربا خصوصا في مسألة تعدد الآلهة لم يكن له مناط إلا إلى سلوك طريقين إما الدخول في الإسلام وبالتالي الانصياع إلى الحضارة الإسلامية وتشريعاتها، أو اختيار الخط المتطرف وهو الإلحاد ..(2)

اختار بعض الأوربيين اعتناق الإلحاد فيما اختار آخرون اعتناق الإسلام، وهذا ما ظهر جليا من خلال دراسة حديثة نسبيا قام بها “منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة” تبرز أن نسب الإلحاد في ازدياد بأوروبا في مقابل ازدياد واضح للإسلام لدى أبناء الأوروبيين .

وللأسف أضحى الإلحاد سلاح ذو حدين، فإما يكون وسيلة للبحث عن الحقيقة في حالة الضياع وبالتالي الفطرة السليمة ترشد إلى الإسلام وإما الأمر إذا طال يؤدي إلى اعتناق أفكار متطرفة تؤدي إلى الانتحار في نهاية المطاف..

وتعتبر الدول الأوربية الأكثر نسبة في العالم من حيث حالات الانتحار، ومن الملاحظ أن هذه الحالات بدأت تستشري في الوسط الأوربي والغربي عموما بشكل ملفت للانتباه خصوصا في العقود الأخيرة. (3)

إذن ثورة الأوربيين لم تكن ضد مبنى للعبادة ولكن ضد ديانة محرفة في أصلها جعلت في مبادئها سببا لهلاكها من خلال جعل رجل دين الكنيسة وسيطا بين المسيحي وربه الذي يساوي ثلاثة.

وحاصل القول أن الإسلام لم يجعل بين الله وعبده وسيطا كما فعلت المسيحية أو من حرفها، فالإنسان المسلم يرفع يديه مباشرة للدعاء وطلب المغفرة وما شاء بدون واسطة أو وسيط.

(1) – ماهي الكنيسة – موقع gotquestions.org
(2) – أنظر دراسة بعنوان: نصارى أوروبا إلى الإلحاد الكامل أو الدخول في الإسلام – مركز التأصيل للدراسات والبحوث http://taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3546&mot=1
(3) – انظر تقرير منظمة الصحة العالمية – قائمة الدول حسب نسبة الانتحار – 2011: http://www.who.int/mental_health/prevention/suicide_rates/en/index.html

‫تعليقات الزوار

13
  • خالد تاك
    الثلاثاء 28 يناير 2014 - 22:43

    تحليل واقعي فالقرآن أخبرنا بأن الانجيل والتوراة حرفو فلهذا قال تعالى : (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين) وقال ايضا : (إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فتحريف الانجيل هو الذي ادى الى نفور الاوربيين منه لكترة التناقضات واعداد الانجيل التي لاتتطابق مع بعضها ،عكس القرآن الذي يحتوي على نسخة واحدة عند جميع المسلمين ، قال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)
    اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا ووفقنا للاجتنابه يا ذا الجلال والاكرام .

  • alia
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 00:17

    الاسلام دين يخاطب الانسان بشموليته ككائن له ارادة و حرية اختيار لذا نجح في استقطاب من يبحثون عن الاجوبة للتساؤلات الغيبية دون الوقوع في التناقضات و هو ديناميكي و مرن لا يتوقف عند زمن ولا مكان فاي بيئة تستطيع ان تنسجم معه بكل بساطة و يسر وهذه الميزة لا توجد عند المسيحية ولا اليهودية بسبب التعقيدات و الجمود الذي اضافه الرهبان و الحاخامات ,و اخوف ما نخاف ان يسير المسلمون على خطاهم و ذلك بتحريف المفاهيم و الجمود و النظرة الجزيئية و تقديس اراء رجال الدين .

  • arsad
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 04:16

    القساوسة والرهبان والنبلاء في الغرب جعلوا من الدين تجارة فجعلوا من انفسهم وسطاء بين العبد وربه حتى نفر الناس من المسيحية وعتبروا الدين عدو الحضارة والتقدم ففصلوا بينهما هذا في العالم الغربي اما عندنا نحن المسلمين فإن نبلائنا وبعض والمسؤلون عن شؤننا قد تألهوا وترببوا فأصبحوا يحاربون الدين والحضارة والانسان معا

  • adoula
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 07:48

    الكتب المسيحية تحرفت والقران لم يتحرف!!!!

    تطلقونا لكلام في الهواء فابور , ما هو دليلك ان القران بقى هو هو?

    قران عثمان ناقص بشهادة عاءشة , نفس عثمان اللدي كفروه ودفنوه مع اليهود

    اين هي ايات الرجم?و رضاع الكبير?

    و لا تعطيني الجملة : انا نزلنا ….;;

    من بيته من زجاج رقيق جدا , من البلادة ان يضرب البيوت الاخرى بحجر

  • bouchta
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 08:52

    بعد الربيع العربي , جاءت موجة من الالحاد وسط الشباب العربي , لانهم تابعوا

    الشيوخ ولاحظوا نفاقهم المسنود بايات واحاديث مخجلة

    يكفي مشاهدة "الاخ رشيد " في سؤال جرئ , وتهتز عقيدة اي مسلم , لما في

    كلامه من براهين مقنعة, وعدم استطاعة الرد عليه

  • alia
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 11:48

    الى الاخ adoula , لو ترك القران بيد المسلمين لحرفوه يقينا لكن الله هو من تعهد بحفظه اما ما ذكرت عن ايات الرجم ,و رضاع الكبير وغيرها فهي كانت محاولات فاشلة لتحريفه . وانما يؤخذ على الديانات الاخرى التحريف الذي مس وحدانية الرب.

  • yetto
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 13:00

    حسنا , الانجيل تحرف ,ايعني هذا ان "احبوا اعدائكم " كانت "اكرهوا اعدائكم"

    تغيير مبارك , يا ريت تحرفوا ما عندكم فتصبح , "انكحوا ما طاب لكم" لا

    تنكحوا ما طاب لكم مثل الحيوانات"

    والقائمة طويلة عريضة

  • walid ed
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 14:46

    كلامك يا صاح فيه الكثير من الطعن في المسيحية من أجل تبرير سبب وجود الإسلام
    نعم هناك أربع أناجيل مختلفة في قصصها وهذا أمر معترف به عند المسيحيين بحجة أن كل إنجيل يسرد حياة المسيح من زوايا مختلفة
    أما المسلمون فهم في ورطة أسقطوا أنفسهم فيها بتدرعهم بحجة مصطلح غامض "السبع المتاني" هذا لا يشفع لكتاب المفروض أنه محفوض من الله ،فقرآن ورش الموجود في المغرب ليس هو قرآن مصر أو السعودية نظرا لإختلافهم السارخ في السياق في الكثير من الآيات
    أما السنة التي تؤمن بها نجد فيها أحاديث تؤكد أن قرآن إبن عباس "أشهر كتاب آيات القرآن" تؤكد أن مصحف عثمان يحتوي على سور نزع منهاآيات كثيرات !

    أما رجال الكنيسة من إستغلوا الدين ببيعهم صكوك الغفران ، فإنهم فعلوا ذلك بحجة تفقههم في دينهم ما خول لهم أن يكونوا من رضوان الله ، وهذا ليس بمصطلح خفي على المسلمين المطالبين بأمر من نبيهم بطاعة الأمير سواء أصاب أو أخطأ

    كل ما قلته ستجده في أحاديث صحيحة و في قرآن ورش مقارنة بحفص وليس في منتديات إسلامية ترى من زاوية واحدة

  • nazgul
    الأربعاء 29 يناير 2014 - 14:50

    إن من يحسبون أقوى الناس تقوى و تدينا هم أبعد الناس عن كل تقوى و تدين !
    كيف يكون تقيا أو متدينا من يتهم إلهه بأنه المريد المدبر الخالق لكل هذا القبح المغرق لهذا الوجود ؟ بل كيف لا يكون أفجر الفاجرين ؟ و كيف لا يستحق أقسى المحاكمات و لعقوبات لابتداعه هذا الإتهام و لإصراره عليه

  • sans extremisme
    الجمعة 31 يناير 2014 - 13:21

    J'aimerais lire un jour des commentaires qui puissent rapporter la logique de la foi de l'un ou de l'autre sans parti pris afin de rapprocher la comprehension entre les differentes parties au lieu d'exciter la haine et le mepris. La parfaite vertu fuit toute extremite et veut que l'on soit sage avec sobriete.

  • عبد العليمِ الحليمِ
    الجمعة 31 يناير 2014 - 19:26

    بسم الله

    في دراسته عن (‏العلمانية والدين‏)‏يقول القس الألماني جوتفرايد كونزلن -عالم الاجتماع‏ وأستاذ اللاهوت الإنجيلي والأخلاقيات الاجتماعية:

    إن العلمانية تعني الفصل التام والنهائي بين المعتقدات الدينية والحقوق المدنية‏,‏وسيادة مبدأ‏:‏دين بلا سياسة،وسياسة بلا دين‏

    ثم يتحدث عن صنيع العلمانية بالحياة الدينية في أوربا،

    وكيف حولت معتقدات المسيحية إلى مفاهيم دنيوية،

    وقدمت الحداثة باعتبارها دينا دنيويّا،قام على العقل والعلم,بدلاً من الدين الإلهي

    ففقدت المسيحية أهميتها فقدانًا كاملاً,وزالت أهمية الدين كسلطة عامة تضفي الشرعية على القانون والنظام والسياسة والتربية والتعليم،بل وأسلوب الحياة الخاص للسواد الأعظم من الناس

    ثم تحدث هذا القس الألماني عن الفراغ الذي خلفه تراجع المسيحية -بسبب العلمانية- وكيف أن الإنسان الأوربي قد أخذ يبحث عن إجابات على أسئلته لدى العقائد الأخرى,

    التي أخذت تتمدد في هذا الفراغ -من التنجيم- إلى عبادة القوى الخفية والخارقة.. إلى الاعتقاد بالأشباح وطقوس الهنود الحمر..إلى روحانيات الديانات الآسيوية.. وحتى الإسلام, الذي أخذ يحقق نجاحًا متزايدًا في المجتمعات الغربية

  • عبد العليم الحليم
    الجمعة 31 يناير 2014 - 23:37

    بسم الله

    في ألمانيا توقف القداس في ثلث كنائس إبرشية أيسن؛ بسبب قلة الزوار.
    وهناك عشرة آلاف كنيسة مرشحة للإغلاق والبيع لأغراض أخرى.

    وتفقد الكنائس الألمانية -الإنجيلية والكاثوليكية- سنويًّا أكثر من مائة ألف من أبنائها! وبسبب تحلل الأسرة, أصبحت ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا معرضة للانقراض؛ إذ تزيد نسبة الوفيات فيها عن نسبة المواليد! بينما المسلمون في ألمانيا -وهم 3% من السكان- تبلغ مواليدهم نسبة 10% من المواليد الألمان.

    وفي إنجلترا, لا يحضر القداس الأسبوعي سوى مليون فقط. ولقد صنفت 10% من كنائسها باعتبارها زائدة عن الحاجة, ومعروضة للبيع مطاعم وملاهى، وحتى علب ليل!

    والذين يذهبون إلى القداس -مرة في الأسبوع- في فرنساهم أقل من 5% من السكان أي أقل من ثلاثة ملايين)،أي نصف المسلمين الذين يصلون الجمعة في فرنسا!

    وفي أمريكا,انخفض حضور قداس الأحد الكاثوليكي بنسبة 40% عن خمسينيات القرن العشرين!

    أما بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر فلقد أعلن عن مخاوفه من انقراض المسيحيين الأوربيين, ومن حلول الهجرات المسلمة -العربية والإفريقية- محلهم، ومن أن تصبح أوربا جزءًا من دار الإسلام في القرن الحادي والعشرين!

  • lareligion
    الأحد 2 فبراير 2014 - 13:56

    la comparaison entre les religions porte un tord aux etres humains,et de là des conflits inutiles et désastreux profitables aux riches ,chacun a sa religion et c'est tout avec le respect l'un pour l'autre et à Allah seul de juger !et surtout éloigner la politique de la religion,car la politique est la gestion des interets opposés ici bas sur terre,la religion c'est l'adoration d'Allah créateur de la vie de tous les etres ,

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 7

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس