فخرج التلاميذ ...

فخرج التلاميذ ...
الجمعة 31 يناير 2014 - 09:30

عرف المشهد الوطني حدثا فريدا من نوعه , تمثل في خروج التلاميذ إلى الاحتجاج على برنامج وزاري يسمى ببرنامج مسار , و هو يعني رقمنة نقط الامتحانات , و نتائج الدورات الدراسية , أي إدخالها إلى عالم المعلوميات . هذا الخروج أعاد إلينا ذكريات دفينة في التاريخ , في زمن مشاركة التلاميذ في الحركات الاحتجاجية , فالحركة الطلابية في مغرب ما قبل الاستقلال كان يقودها تلاميذ جامع القرويين و ثانوية مولاي يوسف , على اعتبار عدم وجود مؤسسات عصرية في ذلك الوقت بالمعنى المتعارف عليه اليوم , كما أن الأحداث المتأججة التي عرفها مغرب ما بعد الاستقلال شارك فيها التلاميذ بنصيب وافر , و كان منهم معتقلون سياسيون بصموا أسماءهم بمداد ذهبي في تاريخ المغرب المعاصر .

إن هذه الصرخة التلاميذية ألجمت بعض الأصوات التي كانت تقول إن تلاميذ اليوم بعيدون كل البعد عن الأمور الخاصة بشؤونهم الاجتماعية , و منعزلون كثيرا عن محيطهم , كما أنهم يفتقدون إلى التصورات السياسية التي تجعلهم قادرين على مناقشة أحداث بلدهم , خاصة في التعليم , فقد حصرت هذه الأصوات التلاميذ في الاهتمام بسفاسف الأشياء , كاهتمامهم بعالم الصورة , و الموضة , و الانجرار وراء الأحداث الصاخبة التي تقع في العالم : البارصا و الريال و مهرجانات الموسيقى العالمية … , لكن خروجهم اليوم , و احتجاجهم بطريقة مثيرة , يشي بأن لتلاميذنا وعيا كبيرا يجعلهم قادرين على المساهمة في تأثيث المشهد الوطني بقوة , فلا يمكن أبدا اعتبار هذا الخروج مجرد نزوة عابرة و إنما هو إدراك واع في أنهم مسوا في خبزهم , و بطبيعة الحال فأي شعب مهما كان , إذا مس في خبزه ثار , و أصبح نارا.

عودة إلى الأسباب الحقيقية لهذا الخروج , فقد تم إثر تعميم وزارة التربية الوطنية مذكرة برنامج مسار , الذي يلزم الأطر الإدارية و التربوية بإستعمال المعلوميات في إدخال النقط , و ما أفاض الكأس , كان في إلزام الأساتذة بإدخال نقاط الفروض في برنام آلي , و مرور نقطة الدورة عبر مراحل لم يعهدها الأساتذة و التلاميذ من قبل , و هذا ما أثار حفيظة التلاميذ , خصوصا تلاميذ الثانوي التأهيلي , بما أنهم ينتظرون نقطا في المراقبة المستمرة تساعدهم في الامتحان الوطني للحصول على ميزة تخول لهم ولوج المعاهد العليا .

في البداية تنبغي الإشارة إلى أننا في حاجة إلى الانفتاح على عالم المعلوميات , و تدعيم منظومتنا التربوية بالوسائل التقنية المتطورة , و الهدف من هذا كله تحسين التدبير المدرسي , وتسريع تقديم الخدمات الأساسية التي تقدمها المدرسة العمومية إلى المواطنين , و خلق دينامية جديدة في المنظومة التربوية . هذا التصور يبقى رهينا بوضع متطلباته الأساسية , و خلق أرضيته المناسبة , و يتأتى ذلك بوجود مؤسسات مجهزة تجهيزا متكاملا و بموارد بشرية قاردة على إنجاح هذه التصورات النظرية , هذا من جهة , و من جهة أخرى , فواقع الحال يشهد بضد ذلك , فما هو موجود حاليا يدل على فقر واضح في توظيف التقنيات المعلوماتية , فكما هو معلوم , فقد قامت وزارة خشيشن و العابدة بوضع تكوينات لفائدة أطر الوزارة سميت بجيني , و حاولت من خلالها تعميم التقنية المعلوماتية في المشهد التربوي رغم أن نتائج هذه التكوينات لم تكن محمودة في مجملها , و خلال فترة وزير الحكومة الحالية , غابت مثل هذه التكوينات إلا حين أقيم التعديل الحكومي , و جاء وزير التربية الوطنية الجديد , فحاول إعادة الروح إلى مثل هذه التكوينات الأساسية , و بدأ ذلك بشكل متسرع و مفاجئ بفرض مشروع مسار في نظام التقويم و الامتحانات . بحيث لم ينتبه إلى أن هناك واقعا آخر مرا هو هشاشة الأرضية المناسبة لتقديم مثل هذه الخدمات , سواء على صعيد المؤسسات , أو الموارد البشرية , فعدد كبير من مؤسساتنا , خاصة في العالم القروي تفتقد إلى الوسائل التقنية , و القاعات المناسبة لتطبيق المعلوميات المتطورة , ذلك لأن المعلوميات لا تعني توفير حواسيب و صبيب الإنترنيت فقط للقيام بالغرض التربوي , بل يحتاج إلى قاعات قادرة على بث أجواء تسودها التقنية المتطورة مثلما نراه في المؤسسات التي تحترم هذه التقنيات, و توفر لها الأرضية المناسبة لسريانها و الاستفادة من نتائجها , بخلاف أغلب مؤسساتنا التي هي مجرد قاعات جرداء فيها مكتب و حاسوب و مدير يشتغل بيديه و رجليه لإرضاء أوامر الوزارة التي لا تعصى . في حين هناك موارد بشرية لا زالت لا تعرف حتى كيف تشغل الحاسوب , و تعاني أمية معلوماتية مقفرة , فكيف سننتظر من مثل هؤلاء الأشخاص مسك نقط التلاميذ و إدماجها في أقراص و تخزينها في البرانامات المعلوماتية ؟

لذلك , فخروج التلاميذ , و احتجاجهم بطرق مثيرة , , لم يكن بدوافع سياسية دفعوا إليها دفعا كما حاولت الوزارة تبريره , و إنما هو وعي أن نقطهم ) خبزهم ( في خطر , فكيف سيتصور التلميذ الذي صدم هذه السنة بقرارات الوزارة العشوائية في العطل حين انتهى من مقرر الدورة الاولى , و دخل مباشرة الى مقرر الدورة الثانية دون استراحة محارب , كيف له ان يتصور تلك النقطة التي كانت بيد أستاذه ستمر من كل تلك المراحل , و ما قد يشوب ذلك من أخطاء تقنية قاتلة , ستعصف به , و بأمله في الدراسة بعد البكالوريا , و الأدهى و الأمر في كل ذلك , هو أن وقت تسليم نتيجة الدورة الأولى قد يمتد إلى شهر أبريل بعد البث في إعادة تصحيح النقط , مما قد يجعل الدورة الأولى أطول دورة ربما في تاريخ السنوات الدراسية كما عبر عن ذلك أحد الباحثين .

لذلك فنعتقد أن وزارة التربية الوطنية , و في ظل الحكومة الحالية , تعاني أحلك أيامها , سواء من خلال الاختناق الذي تشعر به حيال الأساتذة الرابضين في الرباط منذ أكثر من شهرين دون تململ , أو من خلال العواصف القادمة التي ستقوم بها فئات تعليمية أخرى تنتظر بشوق مآل ملف حاملي الشهادات , و الآن , و بشكل مفاجئ , و في إعادة إلى الوراء قبل أكثر من أربعين سنة , عادت الروح إلى الحركات التلاميذية , و أصبحت قادرة على البوح بأصواتها , و فرض كلمتها و نفسها , و صنع القرارات التي كانت تجبر عليها .

*باحث في اللسانيات

‫تعليقات الزوار

7
  • fedilbrahim
    الجمعة 31 يناير 2014 - 09:45

    "عودة إلى الأسباب الحقيقية لهذا الخروج , فقد تم إثر تعميم وزارة التربية الوطنية مذكرة برنامج مسار , الذي يلزم الأطر الإدارية و التربوية بإستعمال المعلوميات في إدخال النقط , و ما أفاض الكأس , كان في إلزام الأساتذة بإدخال نقاط الفروض في برنام آلي"
    هذا ذليل على ان الفاعل المعنوي في الاحتجاج هم الاساتذة لان اغلب التلاميذ لم يفهموا غير ما قيل لهم من طرف بعض الاساتذة ولم يطلعوا على محتوى البرنامج
    و الاساتذة من حقهم الاعتراض على التكليف والعمل الاضافي بانسبة لهم لكن لمتلكوا الجراة ويخرجوا ليها نيشان

  • Youssef
    الجمعة 31 يناير 2014 - 15:21

    et paradoxalement le logiciel ne respecte pas les notes ministérielles concernant le nombres des contrôles et leurs pourcentages comme ma matière j ai 3 notes dont le pourcentages respectivement 40% , 40% , 20% et on me demande de donner 2 notes là je sais plus quoi faire et cela sera un impact catastrophique sur les moyennes générales des élèves pour savoir que les responsables prennent les chose au pif

  • معزوزي
    الجمعة 31 يناير 2014 - 18:51

    وزارة التربية لم تهيء الارضية لانجاح مسار..1هناك العديد من المؤسسات خارج التغطية وتفتقد للمراحيض وبالاحرى قاعة للاعلاميات 2 هناك العديد من قاعات الاعلاميات يعلوها الغبار نتيجة اما سوء التدبير اونقص الموارد البشرية المتخصصة او لها المام بتقنيات الحاسوب3 عدم القيام بتحسيس التلاميد واباء و اوليائهم بنضام مسار4الطريقة الفوقية لتنزيل مسار كما كان الشان ببداغوجية الادماج…هده الاسباب هي وراء احتجاجات التلاميد وارباك الاباء والاولياء.

  • حميد مواطن غيور
    السبت 1 فبراير 2014 - 21:33

    لا اتفق معك اخي الكريم فيما ذهبت اليه:
    – منضومة مسار جاءت قبل الوزير الحالي فالتكوينات الخاصة بها كانت في ابريل 2013
    – ان انتظرنا حتى تجهيزكل المؤسسات المغربية بالبنيات التحثية فلن نأتي بالجديد و نتنصل من مسؤولياتنا و سنستمر في القول الناس فين وصلو وحنا باقين في عهد الخشيبات
    – منظومة مسار لا تتطلب الا لحاسوب و الانترنت صحيح انه هناك بعض المشاكل التقينة لكنها لا تؤثر في نقط التلاميذ
    – الجديد الذي جاءت به مسار هو الربط بشبكت الانترنت كانت برنامات سابقة هي التي تقوم بالحساب في مكاتب المدراء و الاطر الادارية المرافقة له وكل برنام خاص بمسلك الان مسار شامل للمسالك الثلاثة
    – كان الاستاذ يعطي نقطة معينة في منظومة مسار مازال هو المتحكم و هو من يعطي النقطة لكن اكثر تفصيلا هذا مادفع بهم الى تحريض التلاميذ الى الاحتجاج فكيف يعقل ان يحتج التلميذ على شيء لم يعرفه بعد و لم يعرف كيفية اشتغاله
    * اقول ادفعوا ببلدكم الى الامام فهؤلاء التلاميذ هم ابناؤنا كما هم ابناؤكم لن تاتي منظومة مسار بتغيير نقطهم وانما جاءت بتسريع وثيرة وصول المعلومة في اطار ادخال تكنولوجية المعلوميات الى الادارات العمومية

  • عبدو
    الأحد 2 فبراير 2014 - 23:01

    مظاهرة التلاميذ ضد برنامج مسار ناتج اساسا لأن اغلبهم لا يريد ان تفضح نقطه ويعلم بها الصديق والعدو والجار والأقاريب بعدما كانت لاتتعدى مؤسسته واسرته فالتلميذ كإنسان علينا ان نحترم إحساساته ومشاعره وإلا سنرفع من الهدر المدرسي
    وإذا كنا فعلا نريد لمنظومة التدبير المدرسي النجاح,علينا اولا أن نبدأ بالتلميذ الذي يهمه الأمر بتزويده برقم سري يمكنه من متابعة نقط المراقبة المستمرة دون أن يطلع عليها غيره………………….

  • moatin
    الثلاثاء 4 فبراير 2014 - 00:22

    ا لى صاحب التعليق رقم1 اتهامك للاساتذة لادليل لك عليه وينم عن حقد دفين .واعلم ان التلاميذادرى بمصالحهم لا يحتاجون الى وصاية احد

  • أب التلميذ
    الأربعاء 5 فبراير 2014 - 09:54

    يارجال التعليم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    التعليم في المغرب وصل الى أدنى مستوى على الصعيد العالمي.
    80 في المائة من رجال التعليم أوأكثرتجدهم جالسين في أرصفة الشوارع(المقاهي) والقيل والقال بأدنى حصيلة ولو جملة مفيدة في نهاية الجلسة.
    وجهوا النقد ولو مرة في السنة لأنفسكم.
    دعونا من تعليق مشاكلكم الذاتية على الغير.
    أصلحوا أنفسكم أولا.
    المسار برنامج ممتاز، أبدعوه غيركم يا80 في المائة من رجال التعليم .
    مسار برنامج يريد إصلاح ماأفسدتم يا 80 في المائة من رجال التعليم.
    مسار برنامج يريد شفافية في العمل التلميذ الذي أفسدته تنقيطكم الزائفة.
    مسار برنامج يستحق العمل به والقول كثير لا يسع هذا المنبر لأبوح به. في الأخير يا 80 في المائة من رجال التعليم، تعلموا كيفية التعامل مع برنامج مسار، و كفوا عن استغلال التلاميذ في تحقيق مآربكم؟

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة