بين المدرسة العمومية والخصوصية: أين يكمن الخلل؟

بين المدرسة العمومية والخصوصية: أين يكمن الخلل؟
الخميس 6 فبراير 2014 - 18:45

يحار أولياء أمور التلاميذ و التلميذات في توجيه أبنائهم ، أيوجهونهم إلى التعليم الخصوصي ، أم إلى التعليم العمومي ، فإذا كان الأخير ملاذا لذوي الطبقات المسحوقة و الدخل المحدود ، بما أنهم لم يجدوا بدا من المدرسة العمومية ، فإن أبناء الطبقات المتوسطة من الموظفين و أصحاب المداخيل الشهرية التي تفوق 5000 درهما يسعون إلى توفير أكثر من نصف مداخيلهم لفلدات كبدهم ، فتجدهم حيارى إما في الصبر على غلاء متطلبات التعليم الخصوصي ، أو تحمل الهنات التي يعيشها التعليم العمومي ، و المغامرة بأبنائهم داخل أجنحته ، و يبقى أملهم في الأخير في وصول أبنائهم إلى تحقيق تعلم جيد ، يسعفهم في الدراسة بعد البكالوريا ، و حيازة شهادات تمكنهم من دخول سوق الشغل في أحسن الظروف و الأحوال . يثبت أننا ما زلنا نعاني نقصا كبيرا في تحديد تصور محدد مبني على معايير مضبوطة حول المدرسة العمومية و الخصوصية ، فأغلب الأسر بمختلف هرميتها الطبقية ، تتبنى تصورات مجانبة في كثير من الأحيان للصواب حول تحديد تصور واضح و صريح بين المدرسة العمومية و الخصوصية ، فالمدرسة بشكل عام هي مجال لنقل مجموعة من المعارف و المهارات و الأهداف التي تمس سلوك التلميذ لنقله من طفرة سلوكية إلى أخرى ، و من ثم تُمحى أي فوارق مبنية على أسس شوفينية بين المدرسة العمومية و الخصوصية ، بما أنهما قد أنيط بهما تقديم تعلم ينمي الملكات الفكرية للتلاميذ و التلميذات ، بيد أن الاختلاف الحاصل بينهما يكمن فقط في المجال المكاني الذي يحصل فيه التعلم ، فشتان بينهما ، و هو ما يخلق الفرق ، و هو ما يجعل بعض التلاميذ قادرين على تحقيق نمو مطرد في التعلم ، فالمدرسة الخصوصية توفر إطارا مكانيا مناسبا للتعلم بخلاف المدرسة العمومية ، التي تعاني هشاشة في البنيات التحتية ، خاصة في العالم القروي ، بالإضافة إلى قدرة المدرسة الخصوصية على تتبع التلاميذ و التلميذات ، و إتاحة فرصة الاهتمام بهم ، و اطلاع أسرهم على أوضاعهم الحقيقية ، بخلاف المدارس العمومية التي تعرف كثير من مؤسساتها عبثية في التسيير ، و عشوائية في التتبع ، إلا إذا تصدت لها حالات فردية تقوم بها الأطر الإدارية و التربوية النزيهة .

هناك أصوات أخرى تشدد النكير على تكاسل بعض الأطر التربوية في القيام بمهامها داخل المؤسسات العمومية ، بخلاف اجتهادها في المؤسسات الخصوصية و دُورِ ما يسمى بالسوايع ، و هذا أيضا عامل لا يمكن إبعاده ، لكنه ليس عاما على أي حال .

إذاً تبقى الأسر تائهة بين المدرستين ،لكن وجب عليها العلم بأن لكليهما اعتبارات خاصة ، يجب عدم تجاهلها ، فالنسبة إلى المدرسة العمومية ، و رغم حالة التخبط التي تعانيها ، لكن تبقى لها مزاياها الخاصة، فبعض الشخصيات التي تبصم أسماءها في الوطن كانت خريجة نجيبة للمدرسة العمومية ، و كابدت اعوجاجاتها الكثيرة ، و أصرت على الوصول ، فحققت ما تصبو إليه ، كما أن أعلى النقط ، سواء وطنيا أو جهويا ، يحصل عليها في مرات كثيرة تلاميذ التعليم العمومي ، و كلنا يتذكر وجه التلميذ الملتزم أحد أبناء نواحي دكالة الذي حصل على أعلى نقطة في امتحانات البكالوريا ، و هناك حالات كثيرة لتلاميذ و تلميذات حققوا نتائج مبهرة ، و كانت تنتمي إلى المدرسة العمومية . أما بالنسبة إلى المدرسة الخصوصية ، فلها أيضا مزاياها التي تجعل أولياء الأمور لا يجدون عنها سبيلا ، لما توفره من سياقات مكانية مناسبة للتعلم ، و من موارد بشرية دؤوبة في العمل ، و لا يمكن أبدا إنكار خروج تلاميذ نجباء من رحم هذه المدارس ، لكن الإنكار الذي يحصل عليها يتجلى في ما يسمى بنفيخ النقط الذي يحصل عليه المتعثرون فيها إذا قورنوا بالمتعثرين في المدارس العمومية .

وجب على الأسر الوعي أن مناط التعلم بيد التلاميذ و التلميذات ، فإذا وجدت الحافزية للتعلم لديهم، و الرغبة في التحصيل ، فأينما وُضعوا ، سواء في العمومي أو الخصوصي ، فسيحققون نتائج طيبة ، هذا ما يسميه الباحثون بالتعلم الذاتي ، الذي هو أساس كل تعلم ناجح ، فالتلاميذ في كلا المؤسستين يدرسون نفس المقررات ، و بنفس المناهج ، مع اختلافات طفيفة في تكريس اللغات الأجنبية في المؤسسات الخصوصية ، لكن في الأخير، نجد في المحصلة أن عتبة النجاح في البكالوريا متقاربة بين المؤسستين ، مع رجحان للمؤسسات العمومية ، التي حمل مشعل تقدمها أبناء الفقراء الذين قيل عنهم لولاهم لضاع العلم .

إذاً نعتقد أنه لا مجال كثيرا للمقارنة التي تصل إلى درجة المفاضلة بين المؤسسات العمومية و الخصوصية ، فالأصل كان الأولى ، و ما خروج الثانية إلا اقتناص للمطبّات التي تقع فيها الأولى و محاولة تقديم أنموذج أصلح له ، و إنقاذ للدولة من حالة الغرق التي تعانيها في مجال التعليم ، لكن لا يجب أيضا أن ننسى أن هذه المؤسسات الخصوصية اهتمت كثيرا بالشكل و نست أو تناست المضمون ، و ركزت على الربح ، و جعلت مؤسساتها عبارة عن شركات رأسمالية صغيرة ، همها الأول الربح المادي الذي يكون جشعا في كثير من الأحيان ، و ذلك على حساب الرسالة التربوية النبيلة .

الحل في نظرنا ، يبدأ أولا من إعادة الهيبة للمدرسة الأصل ، و هذا رهين بإصلاح شمولي للتعليم ، ينخرط فيه الجميع ، كل من موقعه ، و ثانيا بتفعيل المفاهيم التي نراها ما زالت نظرية ، فاعتبار قضية التعليم ثاني قضية بعد الوحدة الترابية ، نرى أن ذلك ما زال شعارا فقط ، يُدندَن حوله ، دون أجرأة حقيقية ، يجب على الأقل الاهتمام بالبنيات التحتية الكارثية التي تعانيها كثير من مؤسساتنا ، و بناء مؤسسات حديثة و متطورة تتناسب و ثقل القضية التي تحملها ، و تجديد المناهج و المقررات و جعلها قادرة على جلب حافزية التعليم لدى المتعلم التي هي مناط التعلم الجيد ، و تحسين صورة المدرس المظلوم ، الذي صار مفترى عليه ، و متهما في ماله كاعتباره بخيلا أو جشعا في كسب المال بالسوايع رغم عدم انكارنا لذلك لكنه ليس عاما أبدا ، أو في شخصه كاعتباره شاذا أو مريضا نفسيا ، رغم عدم إنكارنا لحالات مبثوثة ، لكنها ليست أصلا عاما ، و إنما هي استثناءات ، و كما يقال الشاذ و الاستثناء لا يقاس عليه ، لكن بعض الجهات المغرضة صارت تحاول جعل هذا الاستثناء أصلا و حكما تجلد به رجال التعليم و نسائه ، متناسية القضايا الكبيرة التي هي أس الفساد و أصله .

*باحث في اللسانيات

‫تعليقات الزوار

6
  • رشيد منير
    الخميس 6 فبراير 2014 - 19:48

    العمومي او الخصوصي الكل فيه الخصاص.الاول مظهر بدون لب والثاني لب زائف.

  • fedilbrahim
    الجمعة 7 فبراير 2014 - 10:26

    يكمن في نقص فيتامين الضمير المهني لدى المدرسين و النقص الحاد من معدن المسؤولية في رجال التعليم و اذ نقول هذا ليس تحميل المدرسين وحدهم المسؤولية و انما باعتبارهم قدوة و التصاق مهنة التدريس بهم مباشرة
    و لعل احسن مثال يساق ها هنا هو هرولة المدرسين الى تسجيل ابائهم في المدارس الخصوصية – البعض ينطبق عليها اسم اللصوصية – ايمانا و اعترافا منهم انهم لا يقومون بواجبهم و هم في ذلك يحشدون الدرائع و المشاجب للتملص من واجبهم حيث ان هناك مؤسسات خصوصية تقل امكانيات وظروف من الظروف التي يعملون فيها لكن النتائج في القطاع الخصوصي
    فكثير من المدرسين يشتغلون بالموازاة في القطاع الخاص او يقومون بريع "السوايع" فاين هو الضمير امام هذه الرشوة المتفشية و كذا كسل استاذ في التعليم العمومي واجتهاده وحرصه في القطاع الخاص
    للاسف هذه عقلية الانتهازية و الاتكالية و الريع التي تنخرالقطاع العام في جميع مرافقه سواء التعلم او الصحة و الادارة او اللاقتصاد..

  • FASSI
    الجمعة 7 فبراير 2014 - 10:52

    انك تتهرب من المسؤولية…………اسباب انحطاط التعليم العمومي تكمن في الاساتذة الكسالى………يريدون راتب بدون مقابل……….
    -تغيب مستمر بدون مبرر
    -شواهد طبية مزورة
    -ازدواجية المهنة….اعرف استاذا للفيزياء يعمل محاسبا لشركة خاصة
    -تهاون في اعداد الدروس
    -الزبونية والمحسوبية في اعطاء نقاط مرتفعة للتلاميذ
    -تظاهرات واحتجاجات في كل وقت وحين………….من اجل التملص عن العمل
    -الاقبال على المقاهي ليل نهار بدل المكتبات والمختبرات
    -التحرش الجنسي وابتزاز الطلبة والتلاميذ
    بالله عليكم هل هؤلاء سيصلحون مجتمعنا………….
    القلة القليلة التي تخاف ربها هي التي تعمل في صمت اما الاكثرية فمفسدون ويطالبون بالزيادة في الاجر عن عمل لا يؤدونه في الاصل.

  • Lecteur
    الجمعة 7 فبراير 2014 - 21:28

    المرجو منك يا أخي أن تتعود على مراجعة ما تكتبه قبل أن تنشره؛ أنت تكتب لرجال التربية والتعليم أو تكتب عنهم، ولا شك أنهم يقرأون ما تكتب..
    لو أنك كتبت في صفحة الحوادث لهان الأمر ولكان مقبولا..
    أتحدّث عن لغتك وعن سلامتها وليس عن الأفكار من حيث المبدأ؛ فلغتك لا تليق بباحث، فضلا عن باحث في اللسانيات..

  • majd
    الأحد 9 فبراير 2014 - 16:15

    اعتقد ان بعض مؤسسات الخصوصي وليس كل الخصوصي من اضر بسمعة القطاع التعليمي الخاص كما اضر بعض رجال التعليم بسمعة زملائهم وبمؤسسات التعليم العمومي …التعميم في اي مجال لا يساعد على دراسة ظواهره وعلله او علاته وتقويمه..لذا لمعاجة قطاعنا الذي نراه مريضا وموبوؤا علينا ان ندرسه ونسال ناسه وليس في نظري من يستطيع القيام بذلك سوى علماء الاجتماع والنفس(رغم ان هذين العلمين +الفلسفة قد اغلقت مدارسها من زمان لاسباب سياسية) ما دام اختصاصهم هو الظواهر الاجتماعية والعزوف عن الدراسة احداها..اما السياسة فشعارها هو المصلحة الشخصية والحزبية فوق كل المصالح حثى الوطنية منها..فابعدوا الساسة عن التعليم سيصلح..

  • حياة
    الإثنين 10 فبراير 2014 - 11:10

    مسؤولية الكتابة عن التعليم تقتضي الاعتراف بأعطابه و اختلالاته الحقيقية و ليس الارتكان الى اسلوب التعميم و المقارنة السطحية بين التعليم العمومي و الخاص ، فوجه المقارنة لايستقيم ابدا لكل ذي بصيرة ،المدرسون هم احد الاسباب الرئيسية لتدني مستوى المدرسة العمومية ،انعدام الضمير و شرف المهنة ،غياب المسؤولية ،و انعدام الوازع الاخلاقي ، المدرسة اصبحت بالنسبة لكثير منهم مكانا للراحة وتوفير الجهداستعدادا لساعات العمل في القطاع الخاص ،الاضرابات المتكررة و غير المبررة حتى فقد الاضراب بسببهم مصداقيته و اهدافه و اصبح مسلسلا مكررا سمجا مملا ،يستشف منه مدى الانتهازية التي وصلتها هذه الفئة ،مما يجعل المرء يطرح اكثر من علامة استفهام عن ماذا سيقدمه مثل هؤلاء للاجيال الصاعدة وعن اية قيم سيلقنونها للناشئة، لوكانت لديهم ثقة في تفانيهم و نزاهتهم و اخلاصهم لما درسوا ابناءهم في القطاع الخاص واغتالوا حق الاخرين ضاربين بعرض الحائط كل القيم النبيلة التي ينبغي ان يكون عليها المربي الحقيقي و الفاضل، هذا التفكير البئيس و المريض هومن أضر بسمعتهم أقول هذا وانحني للفئة القليلة التي لازالت تحافظ على شرف المهنة .

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب