نحو نقد العقل الأصولي الإسلامي

نحو نقد العقل الأصولي الإسلامي
الإثنين 10 فبراير 2014 - 21:55

إن المتابع لمسيرة العقل الديني الإسلامي المعاصر يجده فكرا مشدودا إلى بنية فكرية قروسطوية تجتر وتردد مفاهيم وتصورات تقليدية تخاصم الفلسفة والعلوم، وكل معرفة تحتفي بالنقد والتساؤل والشك، ومرد هذا كله إلى العجز عن الإبداع في مجالات المعرفة والفكر، والانقطاع التام عن متابعة التنظيرات الحديثة في حقل العلوم الانسانية والاجتماعية، خصوصا ما يتعلق بدراسة الظاهرة الدينية بوصفها ظاهرة أنثربولوجية مصاحبة للمجتمعات البشرية قديما وحديثا، والبحث في كيفية اشتغالها وممارسة أدوارها ووظائفها، والعلم بحدودها مع نشاطات إنسانية أخرى خصوصا المعرفة العلمية.

إن الفكر الأصولي الذي يرفض وضع أصوله الاعتقادية على محك النقد والدراسة التمحيصية يرى الحقيقة المطلقة في النصوص المقدسة، ومنها يستمد الدلائل القطعية التي لا تقبل النقد، وإذا اصطدم دليله الديني بدليل علمي قوي فإنه ينكر صحة الدليل العلمي وينفي حجيته، ويحتفظ بالدليل الديني، وإن كان متهافتا في بنيته الاستدلالية. وقد يلجأ إلى حيلة تلفيقية مدعيا الانسجام التام بين الدليل الديني والدليل العقلي في جميع مستويات المعرفة، بل يذهب أبعد من هذا عندما يقول إن الدليل العلمي هو برهان على صحة وإطلاقية ومصداقية المعرفة الدينية التي يؤمن بها ويعتقدها.

وجدنا هذا التلفيق الزائف في مجال الاكتشافات العلمية الخاصة بالفلك والفيزياء والجيولوجيا والبيولوجيا والطب وعلم النبات وغيرها من فروع المعرفة العلمية التي تهتم باكتشاف القوانين الطبيعية والبيولوجية، كما وجدناها في مجالات الخطاب السياسي خصوصا ما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحريات…

لقد آن الأوان لنخضع الظاهرة الدينية بكل تجلياتها للفحص والممارسة النقدية التفكيكية، لكي نسقط عنها تلك التصورات المزيفة التي يلصقها بها الفكر الأصولي ويحقق عبرها منافع ومصالح اقتصادية، وسلط رمزية تؤبد فينا التخلف وتقديس الجهل.

إن العلوم الانسانية والاجتماعية وإبداعاتها المفهومية والتحليلية المتعددة والعلوم الحقة واكتشافاتها الباهرة غيرت تمثلاتنا ومعرفتنا بالمادة والكون والتاريخ والمجتمع والإنسان، ولابد لنا من المقارنة الصارمة والصريحة بين هذه المعارف وبين المعرفة التي تقدمها لنا الأديان بوصفها حقائق يقينية يلزمنا الإيمان بها وتصديقها. علينا أن نختار بعد هذا بين التسليم العاطفي الإيماني و البحث العقلي المتحرر، وبين اليقين القلبي والنسبية العقلية. وفي النهاية نأخذ بأيهما أصلح وأنفع لمصيرنا ووضعنها التاريخي اليوم. ولابد من امتلاك جرأة معرفية نقدية للقيام بهذه العملية الصعبة والمعقدة التي تكلف أصحابها أرواحهم. ولكن على الرغم من صعوبتها وعظمة كلفتها إلا أن نتائجها ستكون حاسمة في مستقبل السنين، إذ سنتمكن من معرفة مايتميز به كل مجال معرفي من المبادئ والمناهج والمفاهيم وطرائق الاستدلال والبرهنة والتعبير عن جوهر القضايا والإشكالات التي تنطرح أمام الإنسان. كما سنتمكن من معرفة النتائج التي ينتجها كل مجال معرفي على مستوى الواقع الذي يمس حياة الناس وحاجاتهم المعيشية، واستقرارهم، وسعادتهم الوجودية، وكرامتهم الانسانية.

إن الصعوبات الكبرى التي تعترض أي محاولة تحريرية للوعي الإسلامي من هيمنة التصورات الأصولية الأرثوذكسية، تتمثل في العقبات التي ولدها ومازال يولدها الفكر الدوغمائي، الذي أصبح قوة بنيوية تكويينية في الفكر الإسلامي، يلقن الحقائق وينشئ الناشئة عليها، ويربي على التسليم والخضوع بدل الشك والاختيار الواعي والحر، وإنشاء الحقائق بدل تلقيها. إنه الفكر الذي يكثر من إغلاق الأبواب ويتجنب الأسئلة الصعبة التي تمرن العقل على اكتشاف المخفي والمنسي والمضمر والمهمش، وتحفزه على الإبداع.

هل نستطيع إذا في هذه المرحلة التاريخية الجديدة التي تعيشها شعوبنا والتي أعادت إليها الحياة من جديد آملة الخروج من براثين الجهل والتخلف أن نستوعب الدرس ونخطو خطوات نحو تطوير معارفنا العلمية والنظرية، واستكشاف الآليات التي تتحكم في أنظمة العقول، والعناصر الشغالة في بنيتها، والوقوف على النتائج التي تخلفها في واقعنا وحياتنا، أم أننا نفضل البقاء في وضعية التيه والتقليد والاجترار، والاستمرار في تقديس الجهل، والتضليل الفكري المؤسس للوعي الزائف والثقافة السطحية، والإبقاء على احتقار الإنسان ونفي ذاته ومصادرة حرياته، والحط من كرامته وانسانيته..؟

‫تعليقات الزوار

10
  • Ahmed52
    الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 04:45

    مقال محترم تشكر عليه يا اخي. لكن علي من تقرا زابورك ياداوود.؟

    ثقافة التضبيع التي استشرت في ابناء مغربنا العزيز اصبحت تسمي الامي مثقفا والفقيه عالما، اما الشيخ فهو عالم منجم يفرق صكوك المعرفة الغيبية "الجنة والنار" وهو يعتبر ما ينطق به هو الحقيقة المطلقة.

    لقد عشش الفكر الخرافي في ادمغة السواد الاعظم من ابناء هدا البلد الى درجة الادمان. فليس هناك من حل سحري لتخطي هده المرحلة الا بقيام ثورة ثقافية شاملة، بالمدارس والحقول والمعامل، ترد الاعتبار للعلم والعلماء وتبعد عن الساحة السياسية الشيوخ والفقهاء.

    وشكرا.

  • ربيع
    الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 07:56

    العقل الصحيح لا يتعارض مع النقل الصحيح فالمصدر واحد فخالق العقل هو مرسل النقل ومحال إن يرسل له ما يفسده فإن كان هناك خلل فإما في صحة النقل إو عقلك

  • لاديني مغربي
    الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 16:57

    trés bien dit ! les gens chez nous sont des siècles loin de comprendre leurs probeleme avec le metaphysik…

  • متتبع
    الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 17:26

    مقال في غاية التخبط المنهجي لبساطة التناول واختﻻط المفاهيم لدى كاتب المقال حيث لا يفرق بين مفهوم وآخر مثل اﻷصولية واﻷرتودوكسية ودمج مبتذل بين ما هو تناول مجرد للمفاهيم واستنبات مفاهيم غير نسقية لغويا ومنهجيا مما يدل على محدودية أفق الحجاج والجدل العقلي ينم عنه استحضار مفاهيم و استيهامات ايديولوجية واضحة وترديد مقالات لمفكرين تناولوا العقل العربي من زوايا تاريخية سوسيولوجية حالفهم
    خلالها التوفيق أما مثل هذه التغريدات تسىء للفكر النقدي وتقزمه المرجو ضبط منهجي نسقي لموضوع العقل والتاريخ وتجاوز المقاطع الجاهزة فكريا وايديولوجيا ثم التأني حتى يمتليء الوعاء من أجل استنهاظ الفكر الناقد والمنقذ .

  • el'omari abdelatif
    الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 18:13

    إن الفكر الإنساني العقلاني يؤمن بالنسبية عكس الفكر الأصولي الذي يسعى إلى الفكر الشمولي الذي لا يدعم للفكر العلمي النسبي.بل يحتقر كل حامل للنسبي ويكفره…

  • خليل
    الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 19:02

    المتتبع لكم يظن ان ما تسيقونه هو الصواب والاصلح لكن الحقيقة هي طول السنين يعيش المسلم والمؤمن فيها حياة احسن وافضل منذ قرون. وما تسيقونه يتعلق بالاوهام للمجتمعات التي كانت الكنيسة تتحكم فيهم وليس الاسلام او كما تسرد او تتهم بالتخلف. لاتنسى ولا تتناسى بان العلماء العظماء هم من المسلمين. اليس الان وفي هذه الفترة من تاريخنا يتواجد الكثير من العلماء والمفكرين والعباقرة من المسلمين المتفوقين. اذا انت خارج الاطار وتفضل انت وغيرك النقد الغير البناء.

  • خليل
    الثلاثاء 11 فبراير 2014 - 19:02

    المتتبع لكم يظن ان ما تسيقونه هو الصواب والاصلح لكن الحقيقة هي طول السنين يعيش المسلم والمؤمن فيها حياة احسن وافضل منذ قرون. وما تسيقونه يتعلق بالاوهام للمجتمعات التي كانت الكنيسة تتحكم فيهم وليس الاسلام او كما تسرد او تتهم بالتخلف. لاتنسى ولا تتناسى بان العلماء العظماء هم من المسلمين. اليس الان وفي هذه الفترة من تاريخنا يتواجد الكثير من العلماء والمفكرين والعباقرة من المسلمين المتفوقين. اذا انت خارج الاطار وتفضل انت وغيرك النقد الغير البناء.

  • almohandis
    الأربعاء 12 فبراير 2014 - 11:59

    الكاتب يسرد أشياء بدون تفكير فيما يكتب . اتهم المسلمين ان دينهم يعارض المكتشفات العلمية و ان المسلمين يتبعون عواطفهم و يؤمنون بالخرافات . أنا اسأل هذا الانسان هل تعرف مامعنى الإيمان بالله ؟ هل تعرف مامعنى الغيب ؟ كيف اكتشف العلم الحديث الأمور الغيبية؟ و هل تعرف ما الفرق بين الفلسفة و العلم التجريبي الطبيعي الذي يبحث في المخلوق الذي هو الطبيعة؟ و هل تعرف أصول البحث العلمي؟ وهل تعرف مامعنى النظرية؟ و هل الفلسفة علم؟ و ماهي المكتشفات التي تعارض صريح القران و صحيح السنة؟ يا رجل انت لم تكلف نفسك عناء التفكير في ما تكتب و لو فعلت لاكتشفت ان الإيمان لا علاقة له بالبحث العلمي و الاكتشافات العلمية! هناك علماء عباقرة اكتشفوا كثيراً من الأمور و مع ذلك هم مؤمنون و متدينون الأمريكان أكثرهم متدينون و مع ذلك هم رواد البحث العلمي و الاكتشفات في العصر الحديث

  • samir
    الأربعاء 12 فبراير 2014 - 12:54

    العلمانيون هم مجرد تجار الكلام تعلمو نظم الكتابة واسلوب المراوغة وارادو بدالك تحقيق بعض الاهداف خالف تعرف هؤلاء الملحدون الدين يريدون التباهي بالعقل والفكر ماهم الى مجرد كالحمار يحمل اصفار ان حقدهم على الاسلام ليس من باب الاختلاف او الاجتهاد وانما من باب الانتماء الحزبي الضيق والايدولوجية الياسارية الماسونية انها فوضى التفكير والافتقار لمنطق الدين والعقل والروح

  • ali salam
    الأربعاء 12 فبراير 2014 - 17:33

    pas scientifique .il faut savoir et comprendre premierement l islam avant de juger prendre mon ami ton discour n est

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين