بؤس البحث العلمي بالمغرب

بؤس البحث العلمي بالمغرب
الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 15:53


أشرف عالم الاجتماع المغربي محمد الشرقاوي, وفريق من الأساتذة الباحثين المغاربة في العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية, أشرف (وهو الأستاذ المتميز بالمركز الوطني للبحث العلمي بباريس) على دراسة قيمة عن “سياسة البحث في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية” بالمغرب, لا تثير التشاؤم واليأس من حاضر المغرب ومستقبله فحسب, بل من شأنها, لو وضعت في سياقها الحقيقي, أن تجمد الدم في العروق, إذا لم تثر الغضب والانتفاض, لدى العامة منا, كما لدى الخاصة من بين ظهرانينا.



ما ذا تقول الدراسة, في نتائجها العامة الكبرى, بعدما اعتمدت على ستة تقارير خلفية موثقة, واستجوبت عينة من أكثر من 1400 أستاذ باحث, من أصل ال 3600 الذين يعملون بمجال العلوم الاجتماعية والإنسانية, ناهيك عن البحث الببليومتري الذي قام بتحليل ما يناهز 57 ألف إصدار, تشمل كل الإنتاج المغربي من العام 1960 إلى العام 2006, ماذا تقول؟



+ تقول الدراسة بأن مجموع الإنتاج العلمي للفترة ما بين 1960 و 2006, بلغ 57 ألف مرجعا, 30 ألف منها مقالات, 13 ألف عبارة عن كتب, و 14 ألف وثيقة, انخفض (المجموع أقصد) بنسبة الثلث خلال الفترة من 2002 إلى 2006, مع تراجع ملحوظ للبحوث باللغة الفرنسية, بالقياس إلى الإنتاج العلمي باللغة العربية, والذي عرف نموا لا بأس به خلال الفترة المذكورة.



+ وتقول بأن 55 بالمائة من الأساتذة الجامعيين “لم ينشروا ولو سطرا واحدا طيلة حياتهم”, وأن المؤسسات الجامعية “لم تمكن نصف هيئة أساتذتها, من نشر وثيقة واحدة طيلة ال 15 سنة الأخيرة, باستثناء جامعات القرويين ومحمد بن عبد الله بفاس, وكلية الحقوق بمراكش, وبعض المعاهد العليا”.



+ وتقول بأن 7 بالمائة فقط من الميزانية المخصصة للبحث العلمي, تتجه لهذه العلوم (الاجتماعية والإنسانية أعني), فيما الباقي يتوجه للعلوم الدقيقة. بالتالي, “فالذين ينتجون, إنما يفعلون ذلك لأسباب لا علاقة لها بوجود سياسة عمومية للدولة”.



+ وتقول, بزاوية الرضى عن المهنة, بأن 70 بالمائة من الأساتذة الجامعيين, غير راضين عن دورهم المهني, وتزداد هذه النسبة كلما ازدادت مرتبة الدرجات, على الأقل بالقياس إلى الأساتذة العاملين بمؤسسات التعليم العالي غير الجامعية.


+ وتقول بأن 46 بالمائة من العينة المنتقاة (1400 نفر) ترغب في مغادرة مهنة التدريس, لفائدة ممارسة مهن مستقلة, وأن 40 بالمائة راغبة في ممارسة مهن خاصة, بالتجارة كما بعالم المقاولات كما بمكاتب الاستشارات, لا بل إن 16 بالمائة من ذات العينة, هي التي تنصح أبناءها بالمراهنة على مهنة التدريس بالجامعة.



+ وتقول, بجانب “توزيع الأجور والرفعة والسلطة”, بأن وضعية الأستاذ الجامعي متدهورة, وهي على صعيد الأجر, بالمرتبة ما قبل الأخيرة, أي ما قبل الصحفي. وهذه الصورة, تتابع الدراسة, “تتدهور أكثر مع تقدمه في السن, وخوضه تجربة الترقية, وهو ما ينتج عنده الرغبة في مغادرة الجامعة مع أول فرصة تتاح له”.



+ وتقول أيضا بأن لجان التقييم لا تأخذ بعين الاعتبار البحوث والمنشورات كمعايير للترقية, لا بل وتلاحظ بأن “الأشخاص الذين استفادوا من ترقية مهمة, هم الذين لهم صورة أكثر تدهورا لمهنة الأستاذ”, بدليل, تؤكد الدراسة, أنه “كلما ارتفعت الرتبة, كلما ارتفعت نسبة الأساتذة الراغبين في مغادرة التعليم”.



+ وتخلص إلى القول, وإن بتردد واضح, على اعتبار طبيعة الجهة الرسمية المنتجة للدراسة, تخلص إلى القول بأن الإصلاح الجامعي “سيكون له في أحسن الأحوال تأثير منعدم, أو في أسوأ الحالات مضاد للإنتاج”.



هي معطيات صادمة بكل المقاييس, لا تضع الأصبع على الجرح فحسب, بل تلمح بالمضمر الصريح, إلى فشل الاختيارات العمومية, التي لطالما تبجحت بإيلائها الأولوية لمنظومة التربية والتعليم والبحث العلمي.



إن الذي تثيره هذه المعطيات, على الأقل في قالبها الكمي الصرف, لا يحيل فقط على تدهور البحث العلمي, وانعدام الحد الأدنى للرفع من منسوبه حجما ونسبا بالجامعة, بل ويحيل أيضا على ثلاثة أمور كبرى, لا يمكن للبحث الجامعي بظلها أن يقوم, إن استمرت وطأتها ضاغطة على الحاضر, ومفعولها راهن للمستقبل:



°°- الأول ويكمن, طيلة العقود الخمسة الماضية, في خضوع منظومة التربية والتعليم (باعتبارها مدخل البحث العلمي الجامعي, وبنيته المادية الأساس), خضوعها لحسابات سياسية, جعلت من القطاع إياه, ليس فقط مكمن مزايدات من هنا وهناك, بل واعتبرته ترفا صرفا, لا فائدة من دعمه أو الرفع من مستواه, أو إقامة البنى التحتية, المادية والبشرية, للدفع به إلى الأمام.



لا يروم التلميح هنا إلى النسب المتدنية التي غالبا ما خصصت وتخصص لهذا الجانب ضمن الميزاينات العامة للدولة, أو ضمن ميزانية وزارات التربية والتعليم المتعاقبة, بل ويروم أيضا طبيعة النظرة المتدنية للأستاذ الجامعي, باعتباره ذاك الشخص المتمنع, المناهض للدولة, الفاضح لسلوكها, العارف بخباياها ونواياها, المواجه لها بالمدرج, كما بما قد ينتج من مقالات أو كتب أو يحقق من وثائق.



بالتالي, فلو سلمنا بهذه الحقيقة القائمة, فلن تعدمنا السبل للتسليم بالنية القائمة منذ ستينات القرن الماضي, لتركه مركونا على الهامش, بحساب ما يتقاضاه من أجر, وبحساب الصفة الاعتبارية الهامشية الممنوحة له بالتشريعات والقوانين.



°°- أما الأمر الثاني, وهو امتداد طبيعي للأول, فمتمثل في غياب الرؤية الواضحة والنافذة, لمكانة ووضعية البحث العلمي عموما, والبحث الجامعي على وجه التحديد, في منظومة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, دع عنك البعد الفكري الصرف, الذي من المفروض أن يكون الخيط الناظم لكل ذلك.



إن المراهنة على البحث العلمي والإبداع التكنولوجي لم تكن بالمغرب يوما مراهنة صادقة, فما بالك أن تكون حقيقية, ومؤكد عليها. إنها كانت ولا تزال ضربا من ضروب الحديث العابر, الذي يؤثث الخطب بالمناسبات, لكنه لا يؤثث السياسات العمومية, التي غالبا ما جعلت, ولا تزال تجعل من هذا الجانب آخر المفكر فيه…أعني آخر المراهن عليه.



°°- الأمر الثالث ومفاده القول بأن ما ورد بالدراسة من معطيات, لا يؤشر فقط على حالة التردي والتدهور التي يعرفها البحث العلمي بالمغرب, منذ “الاستقلال” نهاية خمسينات القرن الماضي, بل ويؤشر أيضا على حقيقة أن التخلف بات من بين ظهرانينا خيطا ناظما لكل السياسات العمومية, لا بل وأضحى منظومة حكم وحكامة, على أساس من تصور سياسي قار وثابت, مؤداه: الخير كل الخير في التخلف, مادام هو صمام أمان الاستقرار, المحافظ على المصالح الآنية والمستقبلية, والضامن للتوازنات الطبقية القائمة.


أنقر هنا لزيارة موقع الدكتور يحيى اليحياوي

‫تعليقات الزوار

7
  • عبدالرحيم
    الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 16:05

    الخير كل الخير في التخلف, مادام هو صمام أمان الاستقرار, المحافظ على المصالح الآنية والمستقبلية, والضامن للتوازنات الطبقية القائمة. تشتت مجرى البحت العلمي بين احتكار المعلومة عند من اجتهدوا وسهروا عليها مقابل عقلية تفضل التيمم في حضرة ووفرة الماء وبين تبعية اقتصادية مدسوسة واعتماد الاتكال على الغير مادامت الشكارة ديالنا اوحنا ماليها

  • moslim+
    الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 15:59

    المهرجانات و ستوديو دوزيم و الراقصات و المغنيات والمغنيين أولى بالدعم، الدولة تبحث عن إيجاد لكل مواطن مغنية وراقصة إنها سياسة العهر في ظل رعاية النظام الدي لا يبخل في تكريم الراقصات بدل الأساتدة الباحتين . لقد أصبحنا ننافس بعض الدول في علوم الجنس و الدعارة بفظل السياسة الرشيدة

  • ولد الزرايب
    الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 16:01

    ما زلت ادكر يوما اني جالست احد الطلبة وكان يحضر دكتواه في الكيمياء النووية ..
    تقاسمنا نفس المائدة باحد “السناكات” الشعبية جدا
    وانا اتفرس وجهه الشاحب وعينيه الجاحظتين وعظامه البارزة ..وهو بالكاد ينطق في انتظار “أومليطه”
    حدثني بمغص عن بحثه ..(اش من بحث وا انا كيمياء نووية وهما عطاوني ندير بحث على الشمندر ابسكري..)
    اخد “أومليطه” وأخد يغازله من شدة الجوع لم ينبس خلالها بنبت شفه ..
    قلت لصديقي زلا عليك “البطنة تدهب الفطنة “
    تبسم متهكما على وضعه وهو يجتر “صندالته” البلاستيكية
    غادرت “السناك” دون اكل

  • سيدي الفاهم
    الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 16:07

    هاد المخزن فالقيقة زوييين وغزااال. ياك هو لي كايعطينا طرف ديال الخبز مرا مرا فاش كايتفكرنا؟ وي سخن عليه الراس كايردو بالزرواطة حفاظا على سلامة المواطين. وعطانا حتى لاكارط ناسيونال.
    أش بغينا مازال؟

  • الشتوكي
    الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 15:57

    السلام عليكم
    تعليق moslim + فالصميم
    فالسياسة التي ينهجها النظام في المغرب هي تبليد الشعب وعدم توعيته بحقوقه.
    لا تقدم نحو الأمام بعدم إعطاء أولوية للبحث العلمي ودلك بصرف أموال المهرجانات الساقطة التي يجني الشعب المغربي ويلاتها من قتل وسرقة وعهر واللائحة تطول.
    ولكن من سمع كلامنا في هدا الزمان الدي ينطبق عليه قول الشاعر
    لقد أسمعت لو ناديت حيا <> ولكن لا حياة لمن تنادي
    فكم اسيلت مداد الأقلام في هدا الموضوع ولم يتغير شيء فكالأمس كاليوم الشعوب تسيرنحوالتقدم ونحن نسير نحو التخلف والتقهقر وهدا الحال هو حال الشعوب الاسلامية التي تسودها الأنظمة المستبدة لا يسعنا إلا ان ندعوا الله أن ينظر لحالنا
    أرجوا النشر والسلام و تحية للجميع.

  • بنعزيز
    الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 15:55

    لا يمكن تحميل فقر البحث للتميل فقط، لأنه سنجد دولا فيها أجور أقل ومع ذلك يكتب جامعيوها.
    أستاذ يحياوي، عندما حررت هذا المقال هل كنت تنتظر دفعا؟
    لا.
    طيب، لماذا لا يفعل الآخرون نفس الشيء؟
    – في المغرب، وبالنظر للمستوى المعيشي، الشخص الذي يحصل على أكثر من 10000درهمشهريا ولا يبكت ولا يقرأ ولا يلخص كتبا ولا يتحرك حتى ضمن جمعيات صغيرة في حيه، شخص مكلخ، كي لا أقول كلمة أخرى.
    إن تخلف المغرب بالنسبة لي، هو ناتج عن عقلية اتكالية كسولة تتغذى من مشاعر متحجرة وتنتج النميمة والكولسة والعرقلة… وكل ما نحن فيه من بؤس.

  • الهامة
    الثلاثاء 7 يوليوز 2009 - 16:03

    التقرير يضعنا أمام المراة لنرى حقيقة وواقع البحث في المغرب .لوصدر هدا التقرير عن جهة أو عن شخص غير مغربي لقالوا انها مكيدة مدبرة
    في اعتقادي الشخصي مشكلة البحث العلمي في المغرب أوخارج المغرب لا تتوقف فقط على الدعم المادي بل أساسا على عاملين اثنين:الارادة السياسية لجعل البحث العلمي اختيارااستراتيجيا يعتمد في الترقيات لكل نساء ورجال التعليم في الابتدائي والاعدادي والثانوي والعالي وكدلك بالنسبة للاداريين في اطار مشروع المؤسسة وام لا يكون مشروع بحث.وهكدا عندما يجد الاستاد او المديرأن تحسين وضعيته رهين بمدى جودة البحث الدي يشتغل عليه كفرد أو ضمن فريق للبحث فلا شك أنه سيزداد اهتمامابمناهج البحث وتطويركفاياته المنهجية ولاشك أن هدا سينعكس ايجابا على أداءه المهني وتسين مردوديته
    العامل الثاني الدي أعتقد أنه يحسم في اشكالية البحث العلمي سواء في بعدها الكمي أو في بعدها الكيفي هو مرتبط بما سلف دكره أي بعلاقة الباحث بالبحث . لقد ورد في التقريرأن نسبة مخجلة من الأساتدة الجامعيين لم ينشروا ولا سطرا واحداطيلة حياتهم وهدا يطرح مسألة علاقة الباحث بالبحث العلمي وأمام هدا الواقع لا نكون أمام أستاد باحث ولكن أمام أستاد بحث في الماضي ليحصل على شهادة وربط البحث العلمي بالشهادات هو أكبر خطر يهدد تطوره

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات