مزحة مصطلح الحزب الإداري

مزحة مصطلح الحزب الإداري
الأربعاء 5 غشت 2009 - 22:49

عند تتبعنا لتطورات بناء المشهد السياسي في المغرب منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا، ثمت مصطلح يبرزه الخطاب السياسي وتتداوله معظم الأحزاب السياسية من خلال خطاباتها بهدف واحد ومعلن يكمن في التقزيم من وزن وأهمية حزب سياسي معين أو مجموعة أحزاب سياسية معينة معتبرة نفسها أنها مستثنية من هذا المصطلح/اللقب ولايعنيها وأحيانا قد تدعي أنه يشوش عليها.



ما يجب التأكيد عليه، ولكل وجهته، هو الضبابية وخصوصا التمويه الذي يكتسيهما استعمال هذا المصطلح وخصوصا في الخطاب السياسي المعتمد من طرف معظم الأحزاب والتي تعني به علانية، مستغلة في اعتقادها عدم وعي المخاطب، إلى أن الحزب أو الأحزاب المستهدفة إنما هي من “صنع” الادارة في ظرفية معينة لهدف معين وأنه أوأنها ليست له أو لها، لا مبادئ ولا مرجعية ولا قواعد، بمعنى لا مناضلين، ولا تاريخ يذكر.



مما لا جدال فيه هو أن كل الأحزاب بدون استثناء برزت في ظرفية معينة نتيجة تطورات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وتاريخية … إلا أن ما لا تدركه هذه الأحزاب أو لا تتقبله أوتتجاهله هو أن تواجدها رهين باستمرارية الظرفية التي أدت إلى نشأتها وتطورها وتأهيلها وتشريفها بالمساهمة في تدبير الشأن العام. كما أن المسار العكسي صحيح ومن المفروض أن تتقبله الأحزاب السياسية ذات المصداقية والجادة والصادقة مع مناضليها. و لعل تجارب الدول ذات خبرة إيجابية ومتقدمة في المجال السياسي والدمقراطي لخير مرجعية لمن يريد إغناء وتحيين أفكاره السياسية.



وما يجب توضيحه والتأكيد عليه هنا هو أن تغيرأواندثار هذه الظرفية المواتية (ظرفية نشأة حزب ما) يجب أن يترجم باندثار الحزب أو الأحزاب المعنية وخصوصا عند عدم قدرتها على تكييف وتأٌقلم مبادئها وأهدافها ومنهجيتها… مع معطيات وتحديات الظرفية الجديدة. أما تشبتها بالبقاء من أجل البقاء فهذا غير جدي ولا مجدي إذ يتنافى ومبادئ الأخلاق السياسية النبيلة والسامية؛ بل أكثر من ذلك قد يصبح هذا الحزب أو الأحزاب مجرد هياكل دون محتوى – إذ أن أهميتها ووزنها يغدوان أدنى من أهمية ووزن الكراكيز أو الدمى – ذلك لأن مبادئها وأهدافها ومنهجية عملها في اتجاه، وتحديات ومستلزمات الظرفية الراهنة في اتجاه آخر.



كما أن التاريخ الذي تتباهى به بعض الأحزاب فهو ليس ملكها لوحدها ولا من صنعها، بل هو ملك و نتيجة كفاح ونضال كل الشعب المغربي وراء عزيمة ملكه. إنه نتيجة مسارثورة ملك وشعب ولا يمكن لأي كان وليس من حق أي كان الادعاء باحتكاره. كما أن هذا التاريخ الذي سنح لها بالبروز هو من سيزيحها، رغبا أوكرها، من خلال الجدلية والتطورات التي تميزه. والواقع السياسي المعاش يتبث هذا النحو بالرغم من استمرارية بعض الأحزاب بتجاهله انعكاساته والتشبت بالسراب.



لا يعقل أن يشكل عمرأو تاريخ حزب ما مقياسا علميا للحديث عن نجاحه وضمان وخاصة تعليل استمراريته وبقاءه أو خلوده، بل المعيار الأقوم هي إنجازاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عند تقلده مهام تدبير الشأن العام. فكم من حزب عمر لعقود ولكن لا حصيلة إيجابية تحسب لفائذته. فمبادئ ومنهجية حزب ما قد تكون ناجعة في زمن أو ظرفية تاريخية معينة كما أنها قد تصبح متجاوزة ودون فعالية في ظرفية زمنية مغايرة وهذا جد طبيعي ومؤكد علميا، إذ من المفروض أن ينجم عنه نوع من ديناميكية (تغيير) المشهد السياسي (عوض الفتور) من خلال بروز أحزاب وانذثار أخرى. فهذا الفتور السياسي إنما ينعكس سلبيا على حركية وديناميكية المجال الاقتصادي ويعرقل تطوره وتقدمه إن على المستوى الوطني أو على مستوى علاقاته مع اقتصاديات العالم الخارجي.



ولا يزال التفوه بمصطلح الحزب الاداري قائما بل الأمر العجاب هو أن أحزابا كانت تنعتها أحزاب أخرى بأحزاب إدارية سرعان ما تجاهلت ما كانت تنعت به وأصبحت هي بدورها تنعت أحزابا أو حزبا جديدا بالاداري.



إن المفهوم الواقعي والحقيقي لمصطلح “إداري” والذي تعلمه معظم الأحزاب ويستمر، عنوة، بعضها في تجاهله بغية تمويه وتضليل مخاطبيها، إنما يتجلى وبكل بساطة في الرخصة الادارية التي يتسلمها حزب أو هيأة أو جمعية ما… لمزاولة نشاطه كيف ما كانت طبيعته: سياسية أم ثقافية أم تربوية… وفقا لمقتضيات الدستور المغربي المتبنى من طرف كل الشعب المغربي بمختلف مكوناته. وانطلاقا من هذا المفهوم فكل الأحزاب إدارية بالمعنى الصحيح والواقعي لهذا المصطلح أي أنها حاصلة على رخصة إدارية لمزاولة نشاطها وفقا للقوانين الحامية لمصالح وأمن الشعب المغربي بهدف العمل على الرقي بالبلاد والرقي بالمستوى المعيشي لساكنتها.



أما تلك الهيآت التي لا يتماشى نشاطها والقوانين المتبناة دستوريا من طرف الشعب المغربي، فهذه الهيآة إنما تسعى إلى خراب البلاد وإشعال نار الفتنة وبالتالي فلا يعقل لأفراد الشعب المغربي (لكونه كله معني ومسؤول) تزكيتها وقبول موافاتها، من خلال الهيأة المختصة، بالرخصة الادارية لمزاولة أنشطتها المجانبة لما اتفق بشأنه دستوريا. بل حتى وإن زكاها، فسيكون متناقضا مع مضمون دستور تبناه هو بإرادته من خلال التصويت بالموافقة عليه أي بالموافقة على العمل في إطار وحدود مقتضياته.



أما نعت كل حزب جديد بالاداري فهذه مسألة صحيحة إنما يراد بها، سياسيا، الباطل. مسألة صحيحة لأن الحزب حاصل كباقي الأحزاب السياسية على رخصة إدارية لمزاولة نشاطه؛ ويراد بها سياسيا الباطل عندما تستغل من طرف الخطاب السياسي لبعض الأحزاب لتغليط وتمويه المخاطبين. كما يمكن اعتبار هذا السبيل تناقضا جليا في سلوكيات هذه الأحزاب لأنها في الوقت الذي تنادي فيه بالدمقراطية وتعدد الآراء والأفكار والأحزاب، نجدها تنتفض وتثور(خصوصا عند بروز حزب جديد أفرزته ظرفية تاريخية جديدة، ظرفية الألفية الثالثة، وما تتميز به من تحديات ومتطلبات متعددة) كما لو أن المشهد السياسي المغربي ملكيتها الخاصة لا مرحبا ولاسهلا بأي كان لولوجه للمساهمة في إثراءه حتى يبقى لها الوضع على ما هو عليه…وربما تجد الآية الكريمة –… لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم… – موقعها المناسب في هذا السياق. هذا مع العلم أن هذا الحزب الجديد لم يفتح بابه فقط للطاقات الشابة الجديدة (حتى لا تكون هناك اقصاءات أوتهميش…) بل أباح ولوجها لكل المغاربة أيا كانت أفكارهم وانتماءاتهم شريطة الجدية في العمل والنزاهة في تدبير الشأن العام والعمل على إرساء جهوية حقيقية وعملية والتصدي للفساد ومحاربة الرشوة ومحاسبة ومعاقبة مبدري المال العام.



من البديهي أن يسارع البعض بالقول أنها شعارات وبرامج نادت بها كل الأحزاب. بالفعل ولا مجال للنفي، لقد رفعتها ونادت بها وضمنت بها أصواتا ومناصب وامتيازات… إلا أنها لم توفي بها بدعوى أنها وبخلاصة “لا تملك عصا سحرية…”. إن المسألة أكبر من حزب أو أفكار، إنها مسألة وطن ومسألة ضمير ومسألة رجال، من داخل المغرب ومن خارجه، غيورون على هذا الوطن حان وقت فسح المجال لهم قصد تفعيل أفكارهم، أفكار الظرفية التاريخية الجديدة، وعدم كبتهم وطمس طموحاتهم الشيء الذي قد يؤدي بهم إلى توظيف مؤهلاتهم لفائدة أوطان أخرى.



فالايمان بضرورة التلاحم بهدف صيانة وحماية مصالح وأمن الشعب المغربي ومقدساته هو السبيل الأمثل والأنبل الذي يجب على كل الأحزاب المؤهلة والقابلة للتغيير أن تتجند لتحصينها، دستوريا، وراء ملك البلاد رمز وحدة الشعب المغربي والضامن لأمن هذا البلد واستقراره وتطوره.



فمصطلح الحزب الاداري إنما هو مصطلح مغلوط، إنه مزحة سياسية خبيثة، لا مكانة له ولا جدية له ولا صدى لديه ولا تأثيرله على مغاربة الألفية الثالثة. والأكيد أن التطورات الفكرية الايجابية التي يتحلى بها أفراد الشعب المغربي، سواء المقيمين بالمغرب أو المقيمين خارجه، المؤمنين بعزيمة وإرادة ملك هذه البلاد على التغيير لما هو أرقى لكفيلة بمحو ما هو في ضلالة وبهتان وإبقاء ما هو أصح وأجد.



* دكتور باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية



[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • واصل بن عطاء
    الأربعاء 5 غشت 2009 - 22:51

    قبح الله الانتهازية و الوصولية و لحيس الكابة!!!
    و لي إن شاء الله عودة مع هذا المقال “الإداري” بامتياز، بالمفهوم الاصطلاحي السلبي و الاتهامي للكلمة طبعا، و الذي يقض مضاجع الكاتب و أمثاله فيلجأ إلى تعويم المصطلح و افراغه من مضمونه الاصطلاحي الذي هو نتاج رصد و توصيف لظاهرة سياسية عرفها واقعنا السياسي من قبل و لا زال،حتى لا يبقى من الكلمة سوى مدلولها اللغوي البسيط و هو أن كل الأحزاب إدارية لأنها تباشر عملها باستلام وصل إداري و تحت استيفاء شروط إدارية !!!!!!
    طبعا هذا تسطيح ما بعده تسطيح لمفهوم “حزب إداري” و استغفال و استغباء لعقول المغاربة، غير أن هذه السفسطة كلها ليست أولا و أخيرا سوى تمهيدلأجل تقديم الحزب الجديد حزب الألفية الثالثة:الأصالة و المعاصرة كما يصفه صاحب المقال، على أنه المقذ من الضلال و الهادي إلى سواء السبيل ! و استباق التصدي لأي محاولة تسعى إلى التشكيك في أصله و فصله و نواياه و طبيعة الأدوار التي قد يكون قد جيئ به للعبها أما الأحزاب الأخرى ، و خصوصا تلك التي تشاكس في طبيعةهذا الحزب و تنعته بالحزب الإداري فهي حسب دكتورنا الهمام_وهو الباحث طبعا في العلوم الاجتماعيةو الاقتصادية_ قد استنفذت أسباب وجودها و طال عليها الأمد و أن مكانها الحقيقي هو المتحف السياسي لتفسح المجال لحصان طروادة و فارسه الهمام السيد الهمة حتى يمضي بالجميع إلى الأمام

  • محمد ايوب
    الأربعاء 5 غشت 2009 - 22:53

    احب من احب وكره من كره…نعم هناك احزاب ادارية:حاليا كما كتانت موجودة سابقا وربما ستبقى موودة ما دام المغرب لم يقطع بعد مع اساليب الميوعة والرتابة واللامسؤولية في تدبير الاختلاف في الشان السياسي…ان ما جاء في المقال لا يعبر عن الحقيقة في شيء…جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية كانت حزبا اداريا…التجمع الوطني للاحرار كان حزبا اداريا ولا زال مع بعض الاختلاف…نفس الامر بالنسبة للاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديموقراطي…وانضاف الى ذلك مؤخرا حزب السي فؤاد صديق الملك…وما يجعلني اؤكد بان هذه الاحزاب هي احزاب ادارية هو موقف الدولة منها: من نشاتها الى نتائج انتخاباتها مرورا بتمتيعها بامتيازات لا تتوفر للاحزاب الاخرى…لعلك ايها الكاتب لم تلاحظ تعامل الدولة مع نشاط حزب صديق الملك عبر وسائل الاعلام العمومية وعندما تم الاحتكامل”لقضاء” لتفسير الفصل الخامس من قانون الاحزاب وعندما اصدر هذا”القضاء” حكما يقضي بالغاء نتيجة انتخابات احدى مقاطعات مدينة مراكش… هذا السلوك من طرف الدولة لن نر له مثيلا بمناسبة ما حدث في مدينة وجدة وبمقاطعة يعقوب المنصور…ما الفرق اذن؟ الفرق ياصاحبي هو وجود او عدم وجود حزب صديق الملك كطرف في القضية بصفته “ضحية”…ففي مراكش كان هو”الضحية” تجاوزا…وفي تفسير الفصل الخامس كان ايضا هو “الضحية” وتجاوزا ايضا…اقول تجاوزا لان الضحية في كل الحالات كانت هي المصداقية: مصداقية القضاء والادارة والانتخابات برمتها…شخصيا اعتبر الانتخابات الاخيرة من اسوأ الاستشارات التي عرفتها بلادنا بسبب شيوع استعمال الاساليب غير الديموقراطية في اعداد اللوائح وتفسير الفصل الخامس من قانون الاحزاب الذي جاء كما اراده حزب صديق الملك ثم ما استتبع هذه الانتخابت من تحالفات وتدخلات للدولة لفائدة حزب الجرار… لكل ما سبق اقول، وبالفم المليان: نعم هناك احزاب ادارية سابقا ولاحقا وستظل موجودة ما دام المخزن عندنا لم يقتنع بعد باعطاء المصداقية لصناديق الاقتراع…ويبقى ما جاء في مقال يدخل -في رايي-ضمن الرغبة في تلميع صورة المخزن في بلدنا ان لم اقل بانك جزء من هذا المخزن المائع والمتسيب…فقليلا من الرزانة والمعقولية في تفسير واقعنا السياسي المريض…

  • zeryab
    الأربعاء 5 غشت 2009 - 22:55

    في ظل موت الاديولوجيا وتحول السياسة الى مجرد لعبة قدرة ومطية للاغتناء السريع لايمكن ان يتباهى علينا نحن اللدين لم نلطخ ايدينا بنجاستها من تحزب او اصبح مجرد بيدق حقير في يد اولئك الانتهازيين !!!
    ان السياسة وضعت للبحت عن حلول لمشاكل الناس في اطار من التنافس الشريف والتداول السلمي على السلطة !!
    بمعنى لك الاسبقية ان كنت تملك حلا لمشاكلنا ومعارضتنا سداد لك !!
    يا صديقي عندما يسود الظلام تفقد الالوان قيمتها !!!
    لا بل يص الانسان مجرد ثور لطيف في محراث القاهر (اي الماسك بالقرار السياسي او المشارك فيه فعلا او صمتا )!!!!!!!!!!!

  • امجد
    الأربعاء 5 غشت 2009 - 22:57

    لقد شاء لدكتورنا الهمام ان يحلل بما اوتي من قوة فى المصطلح الاداري ليغطي على اعمال الهمة في تخريب العمل السياسي وارجاع المغرب للوراء

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد