ولادة في مستشفى عمومي...ولد ميتا

ولادة في مستشفى عمومي...ولد ميتا
السبت 22 غشت 2009 - 23:19

لم يخفف عنها وجودها فوق كرسي متحرك ألمها وعذابها، فهي تجلس فوق جراح خيطت قبل لحظات فقط، و تمسك طفلها بيديها المرتعشتين وتحرص ألا يفلت منها، وعليها أن ترفع قدميها من الأرض وتتحكم في توازنهما لأن الكرسي يفتقد الى ما يسندهما.. كلما استسلمت لإنهاكها الشديد وهي تسير في الممر الطويل كانت تشعر بأن قدميها تلامسان الأرض ، فتوقظها آلام جراحها التي تهتز تحتها قبل أن يوقظها صوت المرأة السمينة التي تبادرها “هزي رجليك أللا ..”


وصلت أخيرا الى المصعد، تنفست الصعداء،أرخت قدميها واستسلمت لإنهاكها للحظات وتمنت لو يستمر المصعد في الصعود الى ما لا نهاية، لكن الباب انفتح بسرعة..استجمعت قواها ورفعت قدميها وهي تنصت لجراحها كانت تنظر لطفلها الذي شعر بالدفء في حجرها فنام.


تحركت عجلات الكرسي في اتجاه قاعة أخرى، ما إن دلفتها حتى بادرتها المرأة “جابو ليك شي فراش؟” (هل أتوك بالفراش؟) ..”لا..” يا إلهي كيف نسيت أن أطلب منه أن يعود الى البيت ويأتي بالبطانية؟” تذكرت أنها في غمرة آلام المخاض، حملت حقيبة ملابسها وملابس صغيرها التي كانت معدة قبل أسابيع، لكنها نسيت الفراش الذي ستنام عليه، والغطاء الذي سيقيها برد هذه القاعات المترامية الأطراف.


لم تضيع المرأة السمينة المزيد من الوقت، فلديها نساء أخريات ينتظرنها في قاعة الولادة كما قالت، ساعدتها على الصعود الى الفراش البلاستيكي، بعد أن وضعت فوقه قطعة ثوب ، ووضعت طفلها بجانبها في فراش يشبه قفص حيوان صغير، ودفعت عجلات الكرسي ورحلت..


من حسن حظها أن موعد الزيارة حان، وسيأتي زوجها وأمها بعد قليل، وربما يحملان معهما الأغطية اللازمة، وبعض الأكل، خصوصا أنها بدأت تشعر بالجوع…


وهي تتطلع الى باب الغرفة، سمعت أنينا متقطعا يأتي من السرير الذي يبعد عنها بخطوات، حيث كانت امرأة أخرى تتقطع من الألم.. نادتها لكنها لم تجب، بحثت بعينيها عمن تطلب منه النجدة، لكن لا يوجد أحد معهما، تصفحت الجدان علها تجد تلك الأزرا التي تراها عادة في مستشفيات الأفلام، حيث يمكن الضغط على أحدها لتأتي الممرضة أو الطبيب المناوب، لكنها لم تجد شيئا، وكلما استمر أنين المرأة في التصاعد، زاد توترها .. أطلت امرأة يبدو أنها زائرة تبحث عن قريبة، تطلعت الى منبع الصوت المتألم، ومطت شفتيها “مسكينة..” كان هذا ما جادت به عليها قبل أن ترحل…


بعد لحظات عادت المرأة السمينة وهي تدفع امرأة أخرى، كانت أكثر حظا، كانت ترافقها شابة تشبهها لعها أختها، وكانت تحمل الأغطية التي بادرت ببسطها بعناية قبل أن تساعد في حمل أختها الى الفراش الذي تغير وجهه ولم يعد بائسا بفضل الأفرشة الجميلة، والغطاء الوردي الناعم..


“مالها؟..(ماذا بها) سألت الزائرة الشابة وهي تشير الى الفراش الذي ينبعث منه الأنين، “فيها الوجع” أجابت المرأة السمينة ببرود..”ما شافهاش الطبيب؟” (ألم يرها الطبيب؟) سألت الزائرة مستغربة..


باقي ما دخلوش..” (لم يأت بعد) ردت باقتضاب وهي تدفع العجلات خارج الغرفة.


ذهبت الفتاة الى مصدر الأنين، ورفعت الغطاء قليلا، وسألت المرأة عن سبب ألمها وهي تحاول أن تهون عليها، قبل أن تجيبها “الليل كامل وأنا كنتقطع بالوجع ولا حنين لا رحيم” مضيفة بلهفة “عندكم شوية ديال اللويزة سخونة؟” فهمت الفتاة حاجتها إلى شراب دافئ يخفف عنها بعض الألم، وتوجهت الى حقيبة كانت على الأرض، أخرجت منها سخانة بيضاء، وسكبت في كوب نظيف سائلا أصفر ساخن، ساعدتها على الجلوس، وسقتها برفق، ثم انتبهت الى الفراش الصغير الذي كان فارغا وسألتها ببراءة ” فين ولدك ولا بنتك؟ (أين طفلك)..سبقتها دمعة حارة قبل أن تجيب”تزاد ميت” (ولد ميتا)…


http://mariamtiji.maktoobblog.com

‫تعليقات الزوار

2
  • blue-sky
    السبت 22 غشت 2009 - 23:23

    الموضوع يذكرنا باننا في بلد الزواج فيه نحس والولادة فيه عذاب ان لم يكن نهاية للمرأة
    لا امل اينما وليت ناظريك في هذه الايالة الشريفة
    اقول للاخوات الواتي لم ينجبنا بعد ان يتقين هذا الشر في المغرب او تبحث لنفسها عن قابلة تكون ارحم عليها من ممرضة مختصة

  • احمد العربي
    السبت 22 غشت 2009 - 23:21

    راني ما قدرتش نقرا …وراني مامزوجش … و ما كانفكارش نسيفط مراتي لمستشفى عمومي … او خصوصي … غادي نعرض للقابلة للدار و نتهلا فيها مزيان … حياك الله يا عائشة بنت بوشتى .. القابلة التي استقبلت جيل بكامله في ثلاثة دواوير متجاورة لمدة عقد من الزمن … ساحسب انها اشرفت على توليد 300 امراة بعض النسوة بحالات العَوَدَ ريسيدفست لست مرات في المعدل .. المهم انها استقبلت شعبا باكمله بامكانيتها البسيطة بل و بقناعتها ايضا ..فهي الان تعيش في كوخ صفيحي تابع لاحدى المدن بعدان الح عليها ابنها بمرافقته للمدينة … يحى انها لم تكن في استقبال جنين ميت أبدا …بل اكثر من ذلك كانت تستشرف مستقبل المواليد من خلال لحظة الخروج و ظروف التوليد … و قالت لوادلتي بعد ولادتي انني ساكون مثقفا …يعني قاري مزيان . الحمد لله ما بعدتش بزاف… الوالد فاش اسمع الامنية دار عقيقة بالجوق يعني زايدا شوية لاضوز ….

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55 1

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج