صناعة اليأس

صناعة اليأس
الإثنين 7 شتنبر 2009 - 19:35

وأنت تتجول في أزقة المغرب السعيد” أجمل بلد في العالم”، وأنت تحتسي فنجان قهوتك في مقهى الركن، وأنت تستقل الحافلات ،لا بد وأنك شاهدت أو سمعت أشخاصا يعبرون عن يأسهم من هذا البلد ويؤكدون أن لا جدوى من الحديث عن تقدم إلى الأمام، بل بالعكس يرون أن الأوضاع لا تزداد إلا سوءا. وقد تكون أنت نفسك ممن يعتقدون بأن الوضع ميؤوس منه.


طيب. ما مدى صحة هذا الإدعاء؟ وهل نحن فعلا شعب يائس أو ميؤوس منه؟وكيف أصبحت شريحة عريضة من المغاربة تتحدث عن اليأس؟


إن ما يثير التساؤل حقيقة في موضوع اليأس هو تاريخ وثقافة المغاربة اللذين نجد فيهما الكثير من الإشارات حول عقلية صابرة ومتفائلة إلى أبعد الحدود أحيانا، و على العكس تماما مما قد نسمع من عبارات اليأس والإحباط، نجد المغاربة لا يملون من قول “الصابر ليه الله” “كل خيرة فيها توخيرة”، «إلا خيابت دابا تزيان”، “الخير أمام”…..الخ. أما إذا علمنا أن اليأس والقنوط من رحمة الله هو بحد ذاته كبيرة، فلا عجب أن تجد مسلما يعي هذا المعنى يعيش يائسا من واقع هو غير راض عنه.


ولذلك فاليأس بالشكل الذي نجد صداه داخل مجتمعنا، هو أكبر من كونه مجرد رد فعل طبيعي و مؤقت من الإنسان تجاه مجموعة من الصعوبات والمشاكل الذي قد تعترض حياته، والتي قد يستعصي عليه إيجاد حل لها. إن الأمر يتعلق بمحاولات مستميتة للتيئيس من طرف البعض، من طرف أولئك الذين رسموا لنا دائرة نتحرك بداخلها، ولم يعد يعجبهم محاولاتنا للخروج منها إلى فضاءات أرحب وأوسع نقتسمها معهم بصفتهم كائنات بشرية عليا، ينبغي أن تحض وحدها بشرف التواجد الحقيقي على وجه هذا الكوكب، في الوقت الذي ينبغي على الآخرين القيام على خدمتها وانتظار ما تجود به من حسنة عليهم.


ولذلك نتحُدث اليوم عن صناعة اليأس، التي أصبح يمتهنها بعض المنتفعين وبعض الكولونياليين ممن لم يعودوا يحتملون رؤِية بلد يتحرك، ولم يعودوا يرغبون بالأمل يحيا في نفوس الناس. إنهم باختصار أعداء التحرر الحقيقي، أولئك الذين يبيعون الوهم للناس ويريدون إقناعهم بضرورة المرور خلف نماذج معينة لتحقيق النهضة، أولئك الذين يدعون الناس للتنكر لماضيهم وثقافتهم ودينهم الذي فيه صلاح دنياهم وآخر تهم.


فحذار من هؤلاء الناس صانعي اليأس، ممن يبدعون في إنتاجه وبثه في النفوس. فقليل هي الأقلام والبرامج التي نجدها تنبث أملا ينسي الألم، وتشحذ الهمم، وتنشر يقينا في غد أفضل عوض حسرة على ماض تولى. فما أكثر تلكم الأصوات الناعقة التي لاهم لها إلا نفث سمومها بين الناس. فحذار من هؤلاء الأشخاص الذين يسميهم علم النفس “بالأشخاص السامون” les personnes toxiques وحذار من أفكارهم الملغومة !!


[email protected]

‫تعليقات الزوار

4
  • التلميدة الوفية
    الإثنين 7 شتنبر 2009 - 19:43

    تتحفنا دائما بجديدك يا أستادي العزيز …..لا تبخل علينا بمعرفتك الواسعة……في انتظار الغد على أحر ن الجمر لقراءة مقالك التالي…مع أجمل المتمنيات

  • abdo rabbih
    الإثنين 7 شتنبر 2009 - 19:41

    ça on le sait, mais le peuple a besoin d’un vraix remède à cette toxication pour y faire face

  • آمال المغرب
    الإثنين 7 شتنبر 2009 - 19:37

    نادرا ما نجد مقالا إيجابيا في هذه الجريدة أو غيرها ،هناك فعلا خطاب تيئيسي تشاؤمي يعتمد النحيب والشكوى والبكاء ويوجد بسيلان بالغ عبر الصحافة الشعبوية التي لا تعتمد التحليل والتدقيق وبهذا تجد التعاليق التشاؤمية مرتعا لبث
    العديد من السلبيات
    النقد البناء خطوة هامة لكن لا يمكن تجاوز ما ننتقده بهمم مريضة وفاشلة
    قد لا تكون الظروف المحيطة بنا جيدة لكن اتساءل معك هل نحن ايضا في المستوى ؟
    هل نحن كشعب نستطيع فعلا رفع التحدي ورفع راية الإصلاح أو حتى التغيير عوض النحيب وتعليق شماعة فشلنا على الآخر ؟
    إن النفوس التي يتسرب إليها الفشل وينخرها نخرا نفوس مهزوزة ومريضة ومرتبكة
    كل منا اعطاه الله طاقة لا حدود لها وإمكانيات لا تحصر فقط هي كامنة وجامدة نتيجة لتصرفاتنا اليائسة
    وبهذا نعمل على نشر الفشل وتعميمه
    النجاح يبدأ من شحذ النفوس
    وإطلاق الهمم والإيمان في قدرتنا على تحقيقه …..هذه هي الطريقة الوحيدة لهزم من نعتقدهم اعداء أ و إجبارهم على الانخراط في سيرورة البناء الذي لا يتم بدون أمل
    و شكرا للكاتب

  • najib
    الإثنين 7 شتنبر 2009 - 19:39

    فعلا نظرة ايجابية .وأتساءل ألا يمكن أن ننظر للظاهرة بأنها صحية .فهي تعبير عن عدم رضى عن أوضاع خاصة وعامة وبالتالي فهي رغبة في التغيير للأحسن والأفضل .المطلوب هو ان يسأل كل فرد نفسه بماذا ساهم من اجل ان يكون حلا وليس جزءا من ازمة مصطنعة.ان اهم ما ينقصنا هو اهم ما يحركنا . علينا فقط ان نحدد بالظبط نواقصنا الذاتية والفردية وان نتجنب التعميم تعويم المسوولية.واتساءل الا يمكن ان تدون هموم الناس وترتب حتى تصبح برامج عمل …على مستوى الفرد والجماعة.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 4

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال