تَديُّن المظاهر

تَديُّن المظاهر
الجمعة 7 مارس 2014 - 19:34

هل المجتمع المغربي مجتمع مُتَديّن أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مظاهر طقوسية لا تعكس السلوك الحقيقي للأفراد؟ سؤال يتبادر إلى الذهن في كثير من المواقف التي نعايشها و نصادفها باستمرار. كلما حلت صلاة الجمعة، أقفلت المحلات التجارية أبوابها و امتنع الباعة المتجولون عن تقديم خدماتهم. منهم من يلتحق بالمساجد و منهم من يتوارى عن الأنظار و يراقب عربته اليدوية من بعيد إلى أن تنقضي الصلاة فينتشر في الأرض و يبتغي من فضل الله.

يحرص التجار و الباعة على تنفيذ الأمر الإلهي (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع). لو كان حرصهم على تنفيذ هذا الأمر الإلهي بمقدار حرصهم على الامتثال لباقي الأوامر و النواهي لكنا النموذج الأمثل في النزاهة و مضرب المثل في صفاء المعاملات التجارية. لكن على النقيض من ذلك، نجد أن الكثير من هؤلاء هم من يغشون في الكيل و الميزان و من يزيدون في الأثمان و من يُسوِّقون للبضائع الفاسدة و من يتعاطون للفوائد الربوية و لو من غير عُسْرة. و يكثر تسجيل هذه التجاوزات بشكل ملحوظ، و العهدة على الربورتاجات التي تعدها قنواتنا الإعلامية’ خلال الشهر الفضيل حيث تعمر بيوت الله و يتلى الكتاب و تعقد حلقات الوعظ و الذكر.

لا يتحرج البائعون في التَّفَنُّن في ابتكار أساليب غشّ يَصعُب على الزبناء كَشفُها، و هم يعلمون أنه لا تخفى على الله خافية، لكن في المقابل لا يجرؤون على ترك أبواب متاجرهم مفتوحة خلال وقت صلاة الجمعة لأنها على مرأى الغادين و الرائحين. يتفادون نظرة الناس الازدرائية و يضعون في الحسبان ردود أفعالهم لكنهم لا يبالون بالرقيب الأعلى القريب من رقابهم.

تَدَيُّنٌ يقتصر على المظهر دون أن ينفذ إلى الجوهر. في الولائم و بعض المناسبات العائلية، يتطوع أحدهم ليُقدّم للمدعوين درسا في الوعظ و الإرشاد، دأب على إلقائه بحذافيره متى تأتّى له ذلك. يتحول إلى مُفتٍ يفتي في الناس و يصدر الأحكام و يَسُوق لكل منها الدليل و البرهان حتى و لو لم يناسب ظروف الحال و لا واقعة المثال، يصغي إليه الحاضرون بإمعان و يحركون رؤوسهم تأكيدا لِما أتى به من علم و بيان.

ما إن ينهي الواعظ كلمته حتى يُهلِّل مَنْ حوله إعجابا و تقديرا و يدعون الله أن يبارك في عمره و يرحم والديه. ثم يهمس بعضهم في أذن بعض : “عليه أن يعظ نفسه و أهله أوّلاً قبل أن يعظ غيره” فيحدثك أحدهم عن نزواته الصبيانية و تحرشاته بالمراهقات أو عن عدم سداده لديون قديمة أو عن شحنائه مع أشقائه و مع أولي القربى…

كل طَرَفٍ يلبس جُبّة غير جُبّته و يتقمّص شخصية غير شخصيته لإظهار وجه مُزيّف من التَّديُّن لا يلبث أن يسقط عنه القناع أمام مواجهة الواقع و سخرية المغتابين و النمامين.

تَدَيُّنُ المظاهر أو التّديُّن الشكليُّ لا يقتصر على الأفعال و الأقوال، بل نلمسه كذلك في الهيئة و الأشكال، لدى النساء و لدى الرجال. انتشرت أنماط من اللباس الإسلامي النسوي: فَهَا الحجاب و هَا النقاب و هَا البرقع و هَا الخمار. و لدى الذكور، نجد العباءات القصيرة و السراويل الأفغانية. الهندام المستورد من بلدان الشرق الإسلامية، أصبح عنوان التقوى فكثر عليه الإقبال و كأنه من سيمنحنا جواز العبور إلى الجنة كما لو أن زينا المغربي الأصيل نشاز، ساقط و فيه ما يناقض عقيدتنا السمحة. فالله تعالى لا ينظر إلى الوجوه و الأشكال بل إلى القلوب و الأعمال كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم و لا إلى صوركم و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم).

فالملبس يدخل ضمن المحددات الثقافية التي يتميز بها كل شعب عن الآخر. و حري بكل أمة أن تحافظ عليه لإثبات شخصيتها و ترسيخ هويتها، و من الغباء أن يُنظر إليه بنظرة الطهرانية و الدناسة.

كل شيء أصبح في منظور هؤلاء، قابلا للاستيراد و صالحا لاستعماله رمزا للتَّديُّن ك”ماركة مسجلة”، طريقة المشي بخطى سريعة و عريضة مع قليل من الانحناء أضحت هي الأخرى من علامات المتظاهرين بالتمسك بالدين.

الصور التي أوردناها، تُبيّن هشاشة الشخصية المغربية و سهولة اختراقها و الهيمنة عليها. هي تعبير عن النكوص الاجتماعي و احتقار الذات و البحث عن بديل للاحتماء من خلال تحقيق التميز و لفت الانتباه و جلب الاهتمام حتى و لو اقتضى الأمر التردي إلى درك النفاق و الرياء بارتداء رداء التَّدَيُّن الزائف و التقليد الأرعن المؤدي إلى الاستلاب.

الإعلام الإسلاموي القوي الذي غزا القنوات العربية و دعاة الفكر السلفي يُروِّجون بإلحاح لهذه النماذج من مظاهر التدين و يَتلقّفُها السذج و قصيرو التفكير و ذوو المصالح الدنيوية ليجعلوها أسلوبا في حياتهم الدينية بشكل نمطي و آلي.

تَدَيُّن المظاهر أو التَّديُّن الشكليُّ أو “التدين البديل” على حد تعبير الدكتور “علاء الأسواني” ظاهرة تستحق مزيدا من الدراسة و التحليل للوقوف على تجلياتها و مسبباتها و تداعياتها الآنية و المستقبلية. و هي مهمة موكولة بالخصوص للمهتمين بعلم الاجتماع الديني. فلا ينبغي لهذا العلم أن يبقى حبيس الظواهر الممارسة في المؤسسات و الأنساق الدينية فقط بل عليه أن يرصدها و يتتبعها كذلك في الشارع و مختلف مرافق الحياة العامة.

‫تعليقات الزوار

8
  • كمال
    الجمعة 7 مارس 2014 - 21:38

    السلام عليكم ورحمة الله. ان الطرح الذي تفضلت به يدل على تألمك على الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية شانك شان باقي المسلمين الغيورين على دينهم، لكن تصرف الناس على هذا النحو و وجود هذه الهوة الكبيرة بين القول والفعل وبين الشكل والعمل لا يدل بالضرورة على انهم يمارسون النفاق بل يدل على مدى تأثير فتنه الشهوات و الشبهات عليهم، فنحن نبقى في النهاية بشر وجهاد النفس ليس بالامر الهين، لذلك لا يجب ان نتشائم فالخير سيبقى في هذه الامة الى يوم الدين. والسلام عليكم.

  • اصيـــــوان
    السبت 8 مارس 2014 - 09:53

    يا رجل انه اسلام المنافقين اسلام شكلي موروث عن الأسلاف وهؤلاء لم يسلموا ابدا وانما استسلموا للغازي العربي ولتفادي اراقة الدماء اظهروا هذا الأسلام والغزاة كانوا يدركون ذلك لكنهم لم يجدوا من بديل ما دام انهم قضوا حاجاتهم من الغزو.جز رؤوس عظماء الأمازيغ, سبي جميلات نسائهم .نهب ثرواتهم.ان الأمازيغ(الشعب المغربي) اقصد هنا على سبيل المثال لم يسلموا ولن يسلموا ابدا وللتاكد من ذلك ما على الدولة سوى الغاء نصوص القانون الحامية للعقيدة لترى بام عينك كيف سيتم الجهر بالكفر بالمحمدية . ان النظام وتجار الدين يعلمون ذلك علم اليقين لكنهم يحاولون ذر الرماد في العيون بادعاء كون الشعب مسلما والعاقل يدرك ان لا احد في استطاعته الحسم في شان عقيدة الغير وجودا او عدما لأنه ليس له ان يفتش الظمائر.لهذا فالعلمانية وحدها قد تنقذ الدين لما يعود الى حيزه الطبيعي اي علاقة خاصة بين العابد والمعبود دون ذلك فلن نكون الا امام شعب منافق مريض وبالتلي دولة منافقة مريضة.

  • عمر كيني
    السبت 8 مارس 2014 - 12:02

    هذا النوع من التظاهر الخارجي بالتدين من خلال ارتداء أزياء مجتمعات بعيدة عنا بداعي أنها توصف بالإسلامية أو الشرعية أعتبره نوع من إزدراء المقلدين لأنفسهم و لثقافتهم و أصولهم. ولست أدري من اين لؤﻻئك القول أن هذا اللباس أو ذاك هو الشرعي وأن ما سواه ليس كذلك ؟!!! مع أن اللباس في ديننا له مواصفات معلومة : ساتر للعورة ﻻ يصف أو يجسم و ﻻ يشف، و ليلبس من شاء ما شاء ما دامت المواصفات محترمة و الاولى ان يبقي كل مسلم على تميزه الثقافي الذي يثري الرقعة الاسلامية.
    ان من يقلد غيره يكون قد محى و ألغى وجوده، فلا هو بقي من هو ولا هو أصبح من أضحى له مقلدا، و أعطى للعقلاء من الناس اليقين على انه ليس لما اراد التمظهر به واعيا ولا لمن قلد مدركا.

  • جمال
    السبت 8 مارس 2014 - 19:43

    التعريف الذي أعطاه الفقهاء للإسلام هو الأركان الخمسة التي لا تشمل القيم والأخلاق.
    السراط عند الفقهاء هو الخيط الدقيق الذي نقطعه للمرور فوق النار باتجاه الجنة وفي القرآن شيء آخر: قل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليم أن لا تشركوا به شيء…….وان لا تقتلوا النفس التي حرم الله……..وأن هذا سراطي مستقيم فاتبعوه والتي تتبعوا السبل…..
    الإسلام ليس الإيمان.فإبراهيم أول المسلمين ولا يعرف ما هي الأركان الخمسة إلا جزءمن واحد منها شهادة لاإله إلا الله وكذلك عيسى وكل الأنبياء والرسل.إذا ماهو الإسلام وما هو الإيمان؟؟؟للتوسع يرجى الاطلاع على كتب محمد شحرور ومنها الكتاب والقرآن والإسلام والإيمان.

  • Ahmed52
    السبت 8 مارس 2014 - 23:51

    مجتمع يعيش على المظاهر والطقوس والخرافية والاساطير والخوارق والمعجزات. مجتمع فقد الثقة في نفسه يحتقر ذاته وعقله ووجوده ويفكر بعقل ابي هريرة في القرن 21 ويعيش على النفاق و الرياء بالتَّدَيُّن الزائف عله ينال رضى الشيوخ والفقهاء.

    مجتمع يكره الغرب ويعيش بفظل علمه واختراعاته حياة سهلة كريمة لم يسبق لهم ان حلم بها في الجو والبر والبحر.

    مجتمع يحبد الجلوس على الارض ويحرم الكراسي لكنه يسافرون الى الديار المقدسة "كما يحلو له ان يسميها" على مثن طائرات الغرب الكافر. يركب 4×4 ويسب صانعها. يعالج مرضاه في الغرب ويكفر اطبائهم وعلمائهم.

    مجتمع يفظل رداء معطف الافغان ويهلل لفتاوى مقززة ك -"تحريم السفر الى المريخ" ووووووووووو.

    انفصام في الشخصية وتخلف خطير بلغ ببعضهم الى تقديم بني الانسان فربانا الى الخالق البارء منهم.

    شعب يمشي على راسه ويريد اللحاق بمن يركد على قدمين. هيهات هيهات لا مجال لمقارنة سرعة الحصان بالسلحفاة.

    وشكرا.

  • كمال
    الأحد 9 مارس 2014 - 12:06

    فقط للتوضيح، لس الفقهاء من أعطى التعريف لأركان الإسلام بل رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ( راجع حديث جبريل مع الرسول المشهور ) فالفقهاء دورهم هو التثبت من صحة الدليل وتوضيحه للناس. ثم ان السراط المذكور في القرآن ( وان هذا سراطي مستقيما فاتبعوه… ) المقصود به هو طريق الإسلام والمنهج النبوي وليس السراط الذي ذكره رسول الله في الأحاديث الصحيحة ( راجع الاحاديث ) لذلك ان كان الانسان علمه متواضع او يختلط عليه الأمر في بعض الأمور يجب عليه ان يراجع اهل العلم لان الاسلام ليس فيه تناقض. شكرا والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

  • اصيـــــوان
    الأحد 9 مارس 2014 - 15:53

    يقول المعلق المسمى كمال(الأسلام ليس فيه تناقض) فما قولك يا رجل في:°°قاتلوا الذين لا يومنون بالله واليوم ألآخرحتى يومنوا او يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون°° /°°لو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا°°/ لا يجتمع دينان في هذا البلد/ لكم دينكم ولي دين/ من اختار غير الأسلام دينا لن يقبل منه/ لا اكراه في الدين/ بعثت بين يدي الساعة بالسيف ختى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي/ ووو . ان الغموظ والتناقض هما اساس الأسلام ولقد اعتمدا عمدا لفتح المجال لخادمه ان يراوغ ويخادع فان وجه بالجانب الأسود فيه التجأ الى الجانب الأبيض بسهولة ليستقي منه الأدلة لكن اللبيب لن يخفى عليه انه من المستحيل ان تكون وراء هذا التناقض والغموظ قوة منسوبة اليها الخلق وانما انسان حاول جهده تغيير الواقع ولم يستطع ان يتخلص من بشريته المتسمة بالنقصان وكذا تاثير بيئته عليه كما غيره.لقد آن الأوان لفتح المجال للملحد واللاديني لأستعمال وسائل الأعلام الرسمية من اجل التنوير والا حق له ان يرفض صرف الأموال العامة على المؤسسات المهتمة بالعقيدة اذ لا يمكن ا ن يحابا جانب من الشعب على حساب آخر كما نه وجب ابعاد الدين عن الدولة .

  • أحمد
    الأحد 9 مارس 2014 - 21:44

    التدين الحقيقي هو الإلتزام بشرع الله ظاهرا وباطنا، في السر والعلن، اعتقادا وقولا وعملا، أما غير ذلك، خصوصا إذا تحول إلى قناعات، فهو ارتباك وتناقض وانفصام للشخصية واستلاب هوياتي،

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 20

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات