8 مارس وتكريس دونية المرأة

8 مارس وتكريس دونية المرأة
الإثنين 10 مارس 2014 - 06:16

يعيش العالم يوم 8 مارس من كل سنة غمرة الإحتفالات بعيد المرأة أو ما يسمى اليوم العالمي للمرأة، حيث يتم تأنيث الخطاب الرسمي والخطاب الشعبوي، وتسويقه عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، طيلة يوم الإحتفال بالأنثى ، مما يوحي أننا مازلنا لم نرتقي بالمرأة إلى مصاف الإنسان الذي كرمه الله عز وجل في القرآن الكريم، حينما قال عز من قائل ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ” صدق الله العظيم، إلا أن سوء فهم معنى الكرامة سواء بالنسبة للعالم المتقدم أو العالم المتخلف أدى إلى ارتكاب تجاوزات و جرائم إنسانية في حق الطرف الثاني في معادلة الحياة ألا وهو المرأة تحت مسميات مختلفة.

فبالرجوع إلى تاريخ المرأة في العالم الغربي ،فإنها كانت تئن تحت وطأة جميع أصناف العبودية والقهر سواء بطريقة مباشرة وميكانيكية أو بطرق رمزية ومضمرة ، إذ كانت تستغل كوسيلة لتحقيق مجموعة من مآرب الرجل ، فعلى سبيل المثال لا الحصر إشباع رغباته الجنسية أو تخصيصها للإنجاب، وبالرغم مما حققه الغرب من تقدم وتطور صناعي وتكنلوجي وبصفة عامة في جميع المجالات المرتبطة بالحياة، فالمرأة مازالت لم تصل بعد إلى مستوى التعامل معها على أساس أنها من صلب الرجل، وأنها مكملة له بل شرط وجود الرجل مرتبط بوجود المرأة، أضف إلى ذلك توظيف صورة المرأة بشكل ينقص من إنسانيتها في الغرب،خصوصا في المجال الإقتصادي إذ يتم التعامل معها على أساس أنها آلية للتسويق والإشهار،وهذا ما تكشف عنه مختلف الوصلات والإعلانات الإشهارية الموجهة للإستهلاك، والتي تعرف حضور صورة المرأة بنسب كبيرة مقارنة مع حضور صورة الرجل في نفس المجال.

ولا ننكر أن الغرب قد عرف تطورا فكريا وعلميا مضطردا، أدى في مراحل تاريخية لاحقة وبعد تراكمات معرفية، إلى ظهور حقب فكرية بتوجهات فلسفية – سياسية مختلفة تتقاطع في تناول العديد من القضايا المجتمعية، مما أفرز مرحلة الحداثة كنموذج لرقي المجتمع الغربي في تدبير شؤونه، مع الإنفتاح على الآخر،على أساس إحترام إنسانيته و حقوقه وواجباته بمفهومها الكوني.

إن التعامل مع المرأة في البلدان المتقدمة يختلف كثيرا عن التعامل معها في البلدان النامية ،ذلك أن النموذج الأول يعمل جاهدا على توفير شروط تأنيث المرأة لكن ليس بمنطق اعتبارها الطرف الثاني في معادلة الحياة،بل قصد الإبقاء عليها ككائن من الدرجة الثانية،رغبة في تحقيق انتصار الوجود السيكلوجي للذكر في المجتمع ، ويشكل هذا التمثل الذكوري المجحف في حق الأنثى بمثابة قيد للتحرر الجماعي وللمجتمع الحديث .

قد تتباين نسبة إشراك المرأة في بناء المجتمع سواء في العالم الغربي المتقدم أو العالمين العربي والإسلامي المتخلفين،رغم أن فعالية مشاركتها تكاد تتساوى مع فعالية مشاركة الرجل أو تفوقها احيانا، رغم أن ترمومتر قياس هذه المشاركة لا يأخذ في الحسبان مقومات مرتبطة بالتكوين الفزيولوجي للمرأة كالغيرة على المصلحة العليا للوطن، والإتقان في العمل. وبالرجوع إلى تاريخ الاهتمام بقضية المرأة فإنها ليست ببعيدة في الأجندة الغربية إذ يمكن تصنيفها ضمن الجيل الثالث من الحقوق إلى جانب البيئة والتنمية المستدامة .

أما بخصوص وضعية المرأة في البلدان النامية فإنها مازالت لم تطرح للنقاش الجاد والفعلي إذ غالبا ما يتم تداولها قصد الإستهلاك السياسي أو بالأحرى للإسترزاق و التسول الدولي، فعلى سبيل المثال مازالت المرأة في البلدان الإسلامية والعربية ترزح تحت وطأة جميع أشكال التمييز والتعنيف، إلى درجة أن المرأة في هذه البلدان مازالت لم تصل بعد إلى مستوى الآدمية، ويكفي استقراء الواقع اليومي النسوي، قصد الوقوف على زيف الشعارات السياسية والدينية الرنانة التي تجعل من المرأة مجرد عناوين موسمية موجهة للإستهلاك ودغدغة العواطف الأنثوية .

إن القاسم المشترك بين المرأة في العالم المتقدم والعالم المتخلف رغم اختلاف آليات ووسائل التعامل معها أو بالأحرى طرق استغلال قضيتها داخل المجتمعات، يكمن في أن الأنثى مازالت لم تتعامل بنفس الدرجة التي كرمت بها من أعلى عليين علما أن لفظ الكرامة جاء جامعا مانعا للذكر والأنثى على السواء.

وبالرجوع إلى المرأة المغربية باعتبارها جزء من الكل الأنثوي المحتفى به يوم 8 مارس ، فإننا نود أن نسائل أنفسنا قبل أن يسائلنا التاريخ هل اليوم العالمي للمرأة كفيل برد الإعتبار لمن تحملت عناء ومشقة تسعة أشهر من الحمل؟ إن تخصيص يوم واحد للمرأة من أصل 365 أو 366 يوم خلال السنة، يبدو من مدخلات إهانة أنوتثها، لكن بمباركتها هي باعتبارها منساقة وراء الخطاب الرسمي والشعبوي، الذي يحتفي بالمرأة في الفضاءات العمومية، و في الإعلام العمومي الذي جند كل طواقمه لنقل العالم الأنثوي من المغرب العميق،- لكن ليس من باب معرفة مشاكله وحلها -بل من باب الفرجة والمتعة التي تقدم على طبق من دهب إلى من يضحكون على ذقون نساء المغرب النافع والغير النافع.

إن الصيرورة التاريخية لقضية المرأة المغربية، تعكس بشكل جلي مدى التأثير السلبي لانتكاسة المرأة الغربية، التي اتسمت مند بدايتها بالتراجع على مستوى اعتبار أنسنتها ،على خلاف نظيرتها المغربية التي احترمت أنسنتها المتسمة بالوطنية الصادقة، قبل أن تتأثر بالتحولات العميقة للحركة النسوية الغربية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر فقد تقلدت (المرأة المغربية) وظائف اجتماعية مهمة، كفقيهة وعالمة بل ومحاربة وملكة،مما مكنها من المساهمة في بناء الحضارة المغربية بانتاجاتها الفكرية والعلمية والأدبية.

إن تلخيص قضية المرأة في يوم 8 مارس لا يمكن أن يساهم إلا في تكريس دونيتها، ويجعل منها موضوعا خصبا للمزايدات السياسوية، لا أقل ولا أكثر فبالرغم مما يبدو للمرأة المغربية من مكتسبات تحققت لصالحها، فإن ذلك لا يعدو أن يكون سوى مجرد در للرماد في العيون من قبل مختلف الأحزاب التي تجعل من الموضوع عنوانا بارزا لحملاتها الإنتخابية .

وتعتبر الإنتكاسة التي عرفتها المرأة السياسية من خلال التجربة الحكومية الحالية ،خصوصا في نسختها الأولى بل وحتى النسخة الثانية، والتي جاءت بعد دستور ،2011 وبعد الحراك المجتمعي لدليل قاطع على أن النظرة الدونية للمرأة تظل ذلك الشبح الذي يطاردها أينما حلت وارتحلت. ويمكن قراءة تخصيص قوانين وامتيازات خاصة بالمرأة على سبيل المثال الكوطا بالنسبة للنساء البرلمانيات، لدليل واضح على كون التعامل مع المرأة في الممارسة السياسية والمشاركة الديمقراطية ليس القصد منه سوى جبر الضرر الأنثوي، كما لو أن الديمقراطية ذكورية فقط .

وفي الأخير، لا يمكن تصور تنمية مستدامة وشمولية دون إعادة النظر في صورة المرأة في المتخيل الجماعي وذلك بالتصالح معها على أنها مكون أساسي في معادلة الحياة التي أفرزت الرجل الذي يمارس الإقصاء طيلة 365 يوم ويخلد للراحة يوم 8 مارس لتحتفل هي بإقصائها.

وختاما نورد بعضا من قصيدة الفنان الأمازيغي إكوت عبد الهادي التي تعتبر صرخة معبرة عن معاناة وأوضاع المرأة في القرية رغم دورها ومركزيتها في هذا المجتمع.

إميحنا كافربيغ تاس ولا ءولي
نتات أيتسون أفود أرفلاتي تنتال
ا دالنس أصميد اتسمستر فلاغ
تزضا تزدمد تكومد غ لحما ولا أصميد
تصبر ءيتازيت ن باب تش فلات ءاكراي
آح أبابا ءيح تسوكيت إمي تقورتاغ
آدوكان تفوغ منيد نك تاسيتءاكوراي

باحث وفاعل جمعوي
[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • أستاذ
    الثلاثاء 11 مارس 2014 - 20:37

    فيما يخص الجانب السياسي، فالمرأة بطبيعتها لا تهتم بالشأن العام باستثناء بعض النساء الحديديات.
    المرأة الناخبة تفضل التصويت على الرجل في جل دول العالم.
    لكن هناك من يهتم كثيرا بإدماج المرأة في الجانب السياسي ولو بطريقة غير ديموقراطية (الكوطا) لأهداف أيديولوجية.

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 6

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال