أُكْذُوبَةٌ، اِسْمُهَا: "عِيدُ الْمَرْأَةِ" !

أُكْذُوبَةٌ، اِسْمُهَا: "عِيدُ الْمَرْأَةِ" !
الثلاثاء 11 مارس 2014 - 12:30

اختار العديد من الصحفيين والكتاب والمهتمين أن يكتبوا عن المرأة وعن حقوقها قبل يومها العالمي الذي يصادف يوم 8 مارس من كل سنة؛ حتى يُذَكِّرونا بواجبنا كفعاليات سياسية وثقافية وعلمية وإعلامية إزاء هذا العنصر المحوري والرئيس في بنية المجتمع، تعبئةً للاحتفاء والاحتفال بعيدها السنوي. واخترتُ أن أكتب عن المرأة وحولها، بعد انصرام هذا العيد لأقف عند “مخلفات” / انطباعات العالم حول هذا الحدث السنوي الخاص. وأسجل انطباعاتي الخاصة حول هذا الحدث الذي شِيء له أن يكون استثنائيا، يُحَوِّلُ إعلامنا، وتلفزتنا، وإداراتنا، وصالوناتنا الفكرية، ومؤسساتنا التشريعية، والقضائية، والتربوية، وأحزابنا السياسية، وتنظيماتنا الجمعوية والنقابية،… إلى “نون النسوة”؛ تقتعد فيه المرأة مقعد التبجيل والتوقير والاعتراف، بعد عام من لا مبالاة “الرجل”، ومعه العالم، بشيء اسمه “امرأة” !!.

ولقد فضلت أن أقفز على ما قيل حول المرأة ودورها القيادي والمحوري والرئيس، في بناء المجتمعات، وتأسيس الدول، وتحرير الشعوب، ومحاربة الفساد، ومقاومة الاستبداد، والمشاركة في فعاليات النهوض والانعتاق؛ قديما وحديثا. فهذا مما لا يجادل حوله اثنان، ولا ينفيه إلا ظالم مستبد. وقررت أن أجعل من هذا المكتوب إشاراتٍ عابرةً حول انطباعاتٍ شخصيةٍ تهم هذا الحدث العالمي، و موضوعَه :(المرأة).

فلقد استغربت شخصيا، وأنا أتابع حجم الاهتمام غير المسبوق الذي أولاه المجتمع السياسي والثقافي والإعلامي المغربي، خلال هذه السنة، للمرأة. والحجم الهائل للمواضيع التي خصها “الرجال” للإشادة بالنساء، وبدورهن الخطير في التنمية والرقي. بما أعطى انطباعا عند الكثير من الناس، بأن “العالم الذكوري” قد أضحى يهتم بهذه المرأة؛ حقيقة لا نفاقا. وأن المرأة تعيش، بالفعل، كل هذه الهالة من التوقير، والاهتمام، والاعتراف، والحضور !!!.

أجل، لقد استغربتُ، وحُقَّ لي أن أستغرب، وأنا أشهد يوميا على الانتهاكات الصارخة ضد المرأة؛ في البيوت، والشوارع، والإعلام، وداخل الأحزاب، والتنظيمات المدنية والسياسية،… من الكثير ممن رفع يوم ثامن من مارس، عقيرته للإشادة بالمرأة، وتقديم عبارات الحب، والوفاء، والتقدير لها.

لقد استغربت ممن انتصبوا ــ خلال هذا اليوم ــ خطباء في النساء يذكرونهن بحقوقهن التي مُكِّنَّ منها، ويدعونهن للمزيد من التعبئة، والنضال، وتوحيد الصفوف، لمواصلة المطالبة ببقية الحقوق. وأغلب هؤلاء، لا يهتمون لأمر المرأة إلا حينما تكون وسيلة لتصفية الحسابات الأيديولوجية والسياسية مع الخصوم الجذريين، أو كتلة ناخبة ترفعهم إلى سدد المناصب، أو ترجح كفة الأصوات لصالحهم داخل دكاكينهم السياسية، أوالنقابية، أوالجمعوية.

لقد تحولت” قضية المرأة”ــ للأسف ــ إلى وسيلة لتصفية الحسابات السياسية والأيديولوجية مع تيار واسع داخل المجتمع اختار أن ” يتواضح” مع المرأة من منطلق أحكام الله تعالى التي أصلت لوجودها الإنساني، كإنسان كامل الكينونة، ولوجودها الاجتماعي كعنصر فاعل في المجتمع، إلى جانب شقيقها الرجل. حيث ساوى الشرع الحكيم بين كليهما في الأحكام، ولم يفضل أحدهما على الآخر إلا بمقدار المبادرة والاجتهاد، في تدبير الدنيا، والإعداد للآخرة.

لقد اختار خصوم التيار الإسلامي أن يلجوا من باب هذه “القضية” المفتعلة، لعلمهم أن أفضل وسيلة لمواجهة هذا التيار، هو استثارة مشاعر النساء إزاء رغبتهن الجموح في الدفاع عن حقوقهن التي حرمنها بسبب التقاليد، والعادات البائدة التي كرست دونيتهن، و”لامعناهن” في واقع الناس. ويقدموا أنفسهم، بعد أن يربطوا مسؤولية كل هذا الحيف المسلط على المرأة بالدين وشرائعه “الماضوية”، وبجماعة المتدينين-زعموا !!-، كدعاة لتحريرها من مُكَبِّلات التقاليد و”الظلام”، ومن براثين “الإسلاموية” الظلامية التي تبغي إعادتها إلى عصر الجمال والحمير والإماء !!

ولقد استغربت، كذلك، من انحشار العديد من الدعاة والعلماء، في المغرب وخارجه، في هذه الجوقة التي أقامها الضاحكون على ذقون النساء، وأخذوا يقدمون- من موقع الدفاع !!- الدليل تلو الدليل على المكانة التي بوأها الإسلام للمرأة. ويحاولون محاولاتهم المستميتة لتقديم الحجج، المشفوعة بالنصوص الدينية الصحيحة، لدفع شبهة ظلم الإسلام للمرأة، والتدليل على أن الإسلام كان السبَّاق إلى تحرير المرأة من براثين الظلم، والعبودية التي رانت عليها، خلال وطول، عصر جاهلي جاء الإسلام على أنقاضه لإقامة دولة المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، ووو….

إنه تحصيل حاصل، هذا “الإعلان الحقوقي الإسلامي” الذي يحاول هؤلاء أن يُذَكِّروا به. وإنه لجهد ضائع، ومحاولات زائدة، ما انشغل به هؤلاء الدعاة والعلماء في يوم عيد المرأة السنوي.. !!!

إن مكانة المرأة في الإسلام لا تحتاج إلى دليل. كما لا تحتاج ليوم يُعترف لها فيه بمكانتها في دنيا الناس. لأنها في الإسلام هي الأساس؛ بل هي الحياة. وكفى !!. فهي الأم التي أوصى الله تعالى ورسوله –صلى الله عليه وسلم- ببرها، ثلاث أضعاف ما أوصى ببر شقيقها الرجل(الأب)، والزوجة التي ظل الرسول –صلى الله عليه وسلم- يوصي بها خيرا حتى آخر نفس من أنفاسه، والبنت التي جعل الله تعالى من حسن تربيتها، والإحسان إليها، سبيلا لنيل مرضاتِه والجنةَ، والمواطنة التي قرر لها القرآن مشاركة أخيها الرجل في كيان الدولة والمجتمع، وجعل لها الحق، مثله، في النشاط الاجتماعي والسياسي بمختلف أشكاله وأنواعه…

فأحكام الإسلام وتشريعاته تنضح، بما لا يدع مجالا للتوضيح والشرح والبيان، بتأكيد دور المرأة اللازم في استمرار الحياة، وموقعها الاستراتيجي والخطير – بجانب شقيقها الرجل – في حفظ توازن المجتمع؛ أسرةً ودولةً .

فنحن، المسلمين، لسنا في حاجة إلى يوم نخصه للاحتفال بعيد للمرأة، لأن السَّنَة- على طولها-، في شرع ربنا الذي ندينه به، كلها عيد لهذه المرأة؛ ينالها منا الاحترام، والتقدير، والاعتراف، والبر المستمر والدائم.

فما معنى- إذن- أن نُخضع المرأة لسلطاننا “المذكر”؛ في البيوت، والشوارع، والمعامل، والشركات، والمؤسسات العمومية، وداخل الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية،…ونهضم حقوقها، وننتقص من قدراتها التدبيرية، والعقلية، والعلمية،… طيلة أيام السنة، ثم نأتي خلال يوم فريد من هذه السنة الطويلة والممتدة، لنطبطب عليها، ونهديها ابتساماتنا الصفراء، وورودنا الذابلة، وقصائدنا الركيكة، كعربون على تقدير مؤقت، وحالة طارئة، لا ندعها تمر دون أن نتاجر بها لصالح هيئاتنا، ومؤسساتنا، ووضعنا الاعتباري بين العالم. في الوقت الذي نُعْمِل فيه آلة التنقيص والإهانة في حق هذه المرأة طيلة أيام السنة !!!.

إنها بكل بساطة، أكذوبة روج لها مُشَيِّئُو المرأة، ومُهِينو كرامتها، ومُسْتلبو حقوقها؛ فصدقناها، وانجررنا خلفها؛ نقلد ونحتفل.. بل و”نُؤَسْلِمُ”، وَنُشَرْعِنُ. والمرأة على حالها البئيس؛ تعاني، وتنتظر، عيدا بعد عيد؛ ولات مغيث!

.دامت لكِ المسرات.. وكل أيام الله تعالى وأنتِ بألف خير !!!

‫تعليقات الزوار

3
  • saccco
    الأربعاء 12 مارس 2014 - 20:42

    تنتقد الكل من صحافيين وإعلاميين والتيارات المعادية للتيارات الاسلامية ولابأس إن عرّجت أيضا على إنتقاد بعض الدعاة والعلماء بل تنتقد العالم بإسره وتجعل إحتفاله بعيد المرأة أكذوبة لتتحمل لوحدك عبء الدفاع عن المرأة في دور دونكيشوطي
    وبما انك تفردت بالدفاع عن المرأة إستبشرنا خيرا وقلنا لعله يحمل خطابا جديدا متميزا عن الجموع التي إنتقدها لكن إذا بنا نعيد السمع الى تلك الاسطوانة المشروخة المملة وهي ان الدين كرم المرأة وووو….
    لكن خطابك وواقع المرأة في المجتمعات العربية الاسلامية على طرفي نقيض فالمرأة المسلمسة هي أكثر معاناة من المرأة في المجتمعات غير الاسلامية بأكملها
    لأن المرأة في موروثنا الثقافي يؤكد على دونية المرأة خلقا وطبيعة والعامل المحرك الرئيسي في هذا التراث وفي دونية المرأة هي النصوص الدينية الصريحة القطعية (ناقصة عقلا ودين – جهنم مملوءة بالنساء – الميراث ….)
    إن اللجوء الى الدين للدفاع هن المرأة هم تحايل ومكر لتكريس الوضع الفضيع للمرأة في المجتمعات الاسلامية
    إن الدفاع الحقيقي عن المرأة لا يتأتى الا في ظل الحقوق الكونية التي بلورتها الانسانية في ظل تطور العلوم الانسانية

  • مأساة ليلى
    الخميس 13 مارس 2014 - 22:58

    أثناء حروب الردة غشيت سراية خالد بن الوليد قوم مالك بن نويرة تحت الليل، ارتاع القوم فأخذوا السلاح للدفاع عن أنفسهم، فقالوا: إنا المسلمون. قال قوم مالك: ونحن المسلمون، قالوا: فما بال السلاح معكم؟ قال القوم: فما بال السلاح معكم أنتم؟ قالوا: فإن كنتم المسلمين كما تقولون فضعوا السلاح، فوضع قوم مالك السلاح ثم صلى هؤلاء وأولئك، فلما انتهت الصلاة، باغتوهم وكتفوهم وأخذوهم إلى خالد بن الوليد، فسارع أبو عبادة الأنصاري (الحارث بن ربعي أخو بني سلمة) وعبد الله بن عمر بن الخطاب فدافعوا عن مالك وقومه وشهدوا لهم بالإسلام وأداء الصلاة، فلم يلتفت خالد لشهادتهما.

    وتبريراً لما سيقدم عليه خالد ادعى أن مالك بن نويرة ارتد عن الإسلام بكلام بلغه أنه قاله، فانكر مالك ذلك وقال: أنا على دين الإسلام ما غيرت ولا بدلت – لكن خالد لم يصغ لشهادة أبي قتادة وابن عمر، ولم يلق أذناً لكلام مالك، بل أمر فضربت عنق مالك وأعناق أصحابه(8).

    وقبض خالد بن الوليد زوجة مالك بن نويرة وكانت تسمى ليلي أم تميم فجامعها في الليلة التي قتل فيها زوجها!!!

    فهل هذا هو تكريم المرأة التي تتحدث عنه ؟

  • هواجس
    الجمعة 14 مارس 2014 - 21:22

    تكريم المرأة في ثقافة الفقيه هو احضار القفة مملوءة بالبطاطيس والبصلة والمعطيشة و… اما ان يتنازل عن كبريائه ويشتري وردة ويقدمها لها وهو ينظر في عينيها ويقول لها احبك ، فهذا محال ، ينقص من رجولته وذكورته ويبدو ضعيفا امامها ، وهذا الموقف ، القفة ، ينسجم مع منطق القوامة ومنطق الدين الذي يخص الله ورسوله بالحب فقط ، اما الزوجة فهي للعشرة والمعاشرة ، اذا كانت المنابر الاعلامية كلها "منوضة الحايحة على باطل " فهل تصرفت انت بشكل مغاير مع النساء التي في عنقك ، العيد مجرد رمز يافقيه زمانه ، 8 مارس يوم مثله مثل باقي ايام السنة ، الذين يحترمون المرأة يحترمونها على مدار العمر

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة