وأنا مــَــالــِــي ....

وأنا مــَــالــِــي ....
الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:02

حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : في بلد يمسي فيه الرشيد سفيهـَا ، ويصبح فيه ” المخزني ” إماما وفقيهَــا ، ويرتقي فيه اللص ليكون آمرا ومقربا ووجيهـَا ، في هذا البلد الذي أغرقه الوحل من كل جانبْ ، وأرّقه نهب الذئاب والثعالبْ ، وأهلكه حزب النوائب والمصائبْ ، مرض الملك والمرض للناس ابتلاء وطهارهْ ، فرجموا الصحافة وأغلظوا في الحجارهْ ، ثم حاكموها ولم يبرروا سلخها ولو بجزء من عبارهْ ، واستغل الفراغ الروحي ثلة من الفتيات والفتيانْ ، فحاولوا الإفطار جهرا في شهر الرحمة والغفرانْ ، وما تحركت حكومتنا إلا بعقلية التائه الحيرانْ ، وتجبر القاضي على الخدم فأحرقهم إحراقـَا ، وضرب لنا مثلا للجور فصار به علما خفاقـَا ، ونجح في تكريس العنصرية وما أخفق إخفاقـَا ، وفوتت الصفقات لآل ” عبس وتــولـَّى ” ، وعبِّدت الطرق لفهري عن أبنائه ما تــخــلّى ، وسدت أبواب الخير في وجه شعب بالبؤس والبأساء تـحـــلّى ، … فلما صعب علي فهم وتقبل ما جرى ويجــري ، طلقت خوفي من جهْـــري ، وتوجهت نحو صديق عــــمْري ، ابن أبي الرعايهْ ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ ، فوجدته بعد جهد جهيد في سوق المتعة والغوايهْ ، يحدث الناس عن مبنى التوبة ومعنى الهدايهْ ، فلما انتهى من حديثه الجميل للغايهْ ، قصصت عليه أمْـــري ، وبحت له بما في صــدْري ، وسألته تحليل وتقييم ما يدور في قـُـطْري ، فقال بعدما حمد الله وشكرْ ، وتمعن في السماء وأطال النظرْ ، واستوى على القرفصاء واستقــرْ ، : << يا مفجوع الزمان الجوعاني ، يا من ضاقت به السبل وقتلته القوافي والمعاني ، لا تغرنـّك الشعارات و الوعود والأماني ، ولا تخدعنك الزينة والبهرجة والمهرجانات ذوات المفاتنْ ، فأنت في بلد ظاهره لا كالباطنْ ، يُرى من بعيد كأنه يمٌّ هادئ ساكنْ ، وهو البحر المتقلب الأسود الداكنْ ، وأنا مالي سوى الرحمان ينجيني من سياسة هذا البلدْ ، فأنا مالي فيه مسروق شأني في ذاك شأن الوالد والولدْ ، وحقي فيه مهضوم والهاضم كل من فسدْ ، وصوتي فيه مقموع والقامع للقمع قد عبدْ ، وجسدي فيه قد هـُدّ من كثرة العيش بين الشقاء والنكدْ ، فإن تعجب فاعجب من قلم يختار الزبدْ ، وإن تسأل فاسأل معي بجرأة من لله قد سجدْ ، عن أشياء ضاعت وأشياء لا يرتضيها الفرد الصمدْ ، وقل بعلانية ترفض سرا يعيش في كبدْ : أنا مالي أسكت عمن لجلدي بالظلم قد جلدْ ، وأنا مالي لا أسَخر قلمي لوأد من للحق قد وأدْ ، وأنا مالي لا أكون ذا همة تأبى الموت من كمدْ ، وأنا مالي أرتضي معيشة ذل لم يقدرها علي الواحد الأحدْ ، وأنا مالي أرى الطاغية للجبار قد ولدْ ، فلا أحرك أمامه إلا غبطة تنم عن حسدْ ، وأنا مالي أحَوَّل من غير حبكة أو عقدْ ، إلى حقل عن التجارب ما زهدْ ، … وأنا مالي إن تكلمت عن صحة الملك اعتقلوني ، وخلف جدران الزنازن أسقموني ، وبالإرهاب والترهيب استجوبوني ، ولحلة الإجرام والمجرمين ألبسوني ، ولقاعات المحاكم أدخلوني ، وبكل متسلط ومتلون صفعوني ، ومن كل أحرف الحرية جردوني ، … وأنا مالي إن صرخت لا تستخفوا بديني وشريعتِي ، اعتقلوني وعشيرتِي ، وضيقوا الخناق علي وعلى قبيلتي ، وحرفوا عمدا علانيتي و كذبوا على سريرتي ، وسطروا القوانين لتحريم وتجريم عقيدتي ، …. وأنا مالي إن قلت لا إله إلا اللهْ ، جعلوا لي ثالوثا يقدس بالجبر والإكراهْ ، وقالوا لا تقدس إلا ما نقتضيه ونراهْ ، ولا تسأل عن مغزى جواب لا تفهم فحواهْ ، ولا تجب عن سؤال قد يمس عظيم الجاهْ ، ولا تقرأ لمن كتبه لا تعترف بــإياه ، ولا تسمع إلا ما سمعناه ولا ترى إلا ما رأيناهْ ، …. وأنا مالي كلما قرأت جرائد الصباح والمساءْ ، إلا وألفيتها مليئة بالذم والهجاءْ ، فهذا صحفي يسب ذاك من غير استحياءْ ، وذاك إعلامي يلفق التهم لإخوانه الأموات والأحياءْ ، وتلك صحافة ضاعت حصافتها بين حروب من فيها من أدعياءْ ، فتفرج على مآسيها الشامتون والأعداءْ ، ويا ليتها كانت توجه سهامها النارية السوداءْ ، نحو أبواب المسؤولين عن أوضاع النكد والشقاءْ ، والمساهمين في رجوع المغرب إلى ما وراء الوراءْ ، … وأنا مالي كلما نظرت في التعليم وجدته كعهدي به يتعثرْ ، وأحلام شغيلته والمتخرجون من أطواره تتبخرْ ، والإصلاح المعول عليه بالأزمات يتفجرْ ، والمخططات الإستعجالية في بدايتها تتكسرْ ، …. وأنا مالي كلما فتشت عن الرياضة في هذه البلادْ ، إلا وسمعت لها أنينا يشكو كثرة الفسادْ ، وبكاءً مريرا من جامعات فرعون وقوم عادْ ، فلا كرة القدم تفرح الأولادْ ، ولا عَدْو الأبطال يأتي بالمرادْ ، ولا من مسؤول يكشف البلوى ويزيل الأرق والسهادْ ، …. وأنا مالي لا أتفرج إلا على شاشة تلفاز عقيمْ ، لا تقدم لي إلا كل برنامج لئيمْ ، ولا تشفي إلا غليل العتل الزنيمْ ، ولا تفلح إلا في ترجمة المسخ إلى واقع أليمْ ، … وأنا مالي كلما دخلت إلى مستشفى الشعب القيِّمْ ، إلا وكان ملك الموت علي يسلمْ ، فإما موت بمأساة للعمر يختمْ ، وإما مرض للغم علي يٌحـَـتمْْ ، …. وأنا مالي أراني ” بخوشا ” وذبابا في نظر الكبراءْ ، وخطرا في الوقفات على النظام نظام الوزراء والمدراءْ ، ومخلا بالأمن كلما تجاوزت الخطوط الحمراءْ ، وجاسوسا كلما فجرت ملفا حساسا بين يدي القضاءْ ، و ” بلعيريجيا ” كلما أريد لورقتي الإحراق والفناءْ ، …. وأنا مالي كلما ذهبت للإنتخابات إلا وأهين اختياري ، وتحكم في من لم يصنعه قراري ، وحكمني بدستور قديم يأبى التعديل أو التواري ، وساهم في تشكيل حكومة لا تملك الحق في التخرك أو التباري ، …. وأنا مالي للغرب أوالي وأولــِّـي ، ولله لا أصوم ولا أصلِّـــي ، ولإبليس لا أهدي حروف الاستعاذة أو دعاء التخلي ، …. وأنا مالي ومالي ومالي ، ثم أنا مالي ومالي ومالي ، ألا فلتجيبوني عن سؤالي ، ولا تصعدوا بسلم الغرب إنه ليس بالعالي ، وآخر الكلام ليس ” وأنا مالي ” ، بل صلاة وسلام على المصطفى الغالي ، محمد ومن تبعه بإحسان إلى يوم يجمعنا فيه جميعا الله الكبير المتعالي >> .


http://elmafjoue.maktoobblog.com

‫تعليقات الزوار

7
  • sherki
    الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:16

    و أنا مالي كلما ياست من مغربيتي نبغ مثلك وزرع الروح في جسدي وجدد الامل والحنين في دمي و ارغمني على كتابة تعليقي و انا مالي لي ملوك يواسي غربتي بجواهر الكلمات الراقية الجبارة

  • صحفي بدون
    الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:14

    قل ما تشاء وأنا “مالي”، لكل ما يشاء أن يفعل ويقول، وليس ماله مالي، اختر كما تريد الأسفل أو الأعالي، واترك عنك شأن الآخرين ولا تبالي، لكل سوقه أكان رخيصا أو غالي، فعش كما أنت ولا تتكلف سهر الليالي، ولا تفرض رأيك على من يهتم بقولك ومن لا يبالي، أبد الدهر لن تسوى الرؤوس هنا أو في البلد الخالي، و تسعى عبر جمل ذات فتنة وجمال، تفتن ببدلها ونعتها وبالحال، لكنها لا تبدل شيئا في المآل والحال، كلماتك ذات رنة وموسيقى لكنها لا تحيل على سؤال، تكلف من منطلق الاستعلاء، لغة مستعصية تدور على الخواء، تضفي غموض على غموض وتجعل القارئ في جفاء، فالعربي قد غادر زمن الأجداد وترك في الوراء أدب بديع الزمان الهمداني، يصبو للغة واضحة تربطه بالميدان، بعيدا عن صولة باهتة للجوعاني، رغم حرصه على تنميق وتفان، لا يرفع غمة عن شعب منه الناعس والناقم والمتفاني؛ نائم لا يصحو في الآن، وساخط لا يعرف ما يفعل في الزمان والمكان، ومضح بماله وفكره ووقته لكنه يعاني، نحن يا صاحب البيان، في الهم سوى، رغم أن واحد زائد واحد ليسا اثنين، أنا أدعو للوضوح والصرامة والبساطة كي يفهم القريب والداني، وأنت تركب لغة زمن مضى لا تفهم أنه فان، تزويق يريح محبي الافتتان، لكن لا نفع فيه لإنسان، عد إلى رشدك بلغة سهلة واضحة المعان، والزمن يسير في سرعة البرق بلمعان، وكل حر في فعله مادام لا يسيء لأحد “بلعاني”، واستمر في لغة نحن لمعانيها شديدو النسيان.

  • tanger
    الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:04

    مقال جد رائع فيه من الحس الفني الكثيـــر أشكركم على إتحافنا بهذه المقامة

  • zeryab
    الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:06

    نعم قد يكون ما قلته صحيح لكن هل نحن مستعدون للتضحية في سبيل التغيير ؟؟؟
    يا صديقي إن كل ما قلته جميل بيد أن الأجمل أن نمتلك جيلا مشبعا بقيم التضحية في سبيل الأحسن ، ولتعلم رحمك الله أن معسكري الخير والشر في صراع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فكما للخير جنود فإن للشر جيوش ، ومادامت منظومة الظلم قد هبت رياحها فإنه يتحتم علينا أن نوفر أسباب نهضتنا ، فقبل أن يكون أي شئ تكون القابلية لهذا الشئ !!!!! ، وزد في علمك أخي الكريم أن التغيير ما ثبت أن صنعه المترفون أو أولي النعمة بتعبير القرآن ، وإنما الأمل معقود على من نام ليلته بنصف شبع أو بات يدندن على أوتار بطن خاوية !!! وأظنني متفق معك على طول !!!!!
    تحية نضالية

  • الغزال الشمالي
    الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:08

    و انا مالي كتبكي عليا . والله لو كان تعبيرك واسلوبك يفوق المعلقات السبع وأضفت عجب واقعنا المرير في هذا البلد الأمين إلى عجائب الدنيا السبع وكانت شيمك وأخلاقك تضاهي أخلاق الرجال السبع ما نلت المعدل ولا نلت الرضى ولا نصب لك تمثال في ساحة جامع الفنا لأن كل ما قلته يعلمه الرضيع قبل الكبير ويعلمه الشاوش قبل الوزير .لقد رسبت في الإمتحان لأنك أجبت على السؤال بنفس السؤال .

  • همام جاي من الحمام
    الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:12

    يمكنني ان اقول ان هذا المقال هو احسن ما كتب في موقع هسبريس منذ ان ولجته اول مرة مقال رائع جدا بلاغي فصيح قل نظيره ذكرني باسلوب احد صحافيي الجزيرة الكبار للاسف لم اذكر اسمه.نحن في حاجة كبيرة لمثل هذه المقالة الفنية الجميلة حتى تذكرنا ان الله حبانا باجمل لغة ولكم فائق التقدير اخي كاتب المقال .

  • سقرديوس
    الجمعة 25 شتنبر 2009 - 07:10

    السلام عليكم ملحوظة عملك هذا يااخي الكاتب كما قال بعض الاخوة بغض النظر عن المضمون ولكن بطريقة السرد يعتبر عملا فنيا رائعا قابل للقرصنة من طرف مخرجي الافلام [را هاذ العمل ممكن يكون فيلم سينمائي اسمه ”مفجوع الزمان الهمداني ” [ايوا حضي راسك لا يقرصنو ليك هاذ العمل ”را خاصك دير ممنوع قرصنة الحقوق الابداعية .

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين