نحوَ إصلَاح ﭐلْإِملَاء في ﭐلكتابة ﭐلعربية

نحوَ إصلَاح ﭐلْإِملَاء في ﭐلكتابة ﭐلعربية
الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 - 10:12

ثمة مشكلات كثيرة تُعانيها ﭐللغة العربية في مجال ﭐستعمالها، نجد من بينها: تعقيدات ﭐلنحو ﭐلعربي، خُلُوُّ ﭐلكتابة من ﭐلصوائت، ﭐختلَالَات ﭐلكتابة ﭐلْإملَائية، عدم وجود قاموس تاريخي، عدم تجديد ﭐلقواميس ﭐلمعتمدة، ﭐستمرار ﭐعتماد طرق تقليدية في ﭐلتعليم، تشعب ﭐلِاجتهاد ﭐللغوي بتعدد ﭐلمؤسسات، ﭐلِاضطراب ﭐلمصطلحي، ﭐلفساد ﭐلترجمي، ضعف و/أو عدم وجود تأطير قانوني ومؤسسي، إلخ. وكل مشكلة من هذه ﭐلمشكلَات تحتاج معالجةً مستفيضةً على نحو شامل مع ﭐستحضار علَاقاتها بالمشكلَات ﭐلْأخرى. لكنَّ أسوء ما تُعانيه “ﭐلعربيةُ” إنما هو تَهاوُنُ مُستعمليها في حفظ ورعاية ﭐلشروط ﭐلمُقوِّمة لِاكتسابها وﭐستعمالها، ومن ثم ضعف أو ﭐنعدام ﭐلِاجتهاد في حل ﭐلمشكلَات ﭐلمتعلقة بها. وليس هذا، في ﭐلواقع، إلَّا أثرًا من آثار ﭐلتخلف ﭐلذي تعرفه ﭐلمجتمعات ﭐلعربية منذ قرون. ولِلدَّلَالة على عمق تلكـ ﭐلمشكلَات يمكن ﭐلنظر في إحداها وﭐلعمل على معالجتها. ولعل مشكلة ﭐلكتابة ﭐلْإملَائية في علَاقتها بـ”ﭐلْألفباء ﭐلعربي” تُمثِّلُ نموذجا مناسبا لمقاربة ﭐلواقع ﭐلمتأزم ﭐلذي تعيشه ﭐللغة ﭐلعربية وﭐلذي ينعكس سَلْبيا على مناحي ﭐستعمالها ﭐلمختلفة ويتجسد في أشكال ﭐلْإنتاج ﭐلمرتبطة بها على نحو لَا تكاد تُخطئه ﭐلعين ﭐلناقدة.


من ﭐلمعلوم أن ﭐللغة ﭐلعربية كُتِبَت ولَا تزال بنظامٍ خطي مَرَّ بعدة تطورات إلى أن ﭐستوى بالشكل ﭐلمستعمل ﭐلْآن على نحو واسع وﭐلمسمى عموما “ﭐلخط ﭐلنسخي”. ويتميز هذا ﭐلنظام ﭐلخطي بكونه نظامًا يُمثَّلُ فيه كُلُّ صوت من أصوات “ﭐلعربية” بعلَامةٍ خطية مفردة تَتَّسم بخصائصَ تجعلها متغيرةً، بهذا ﭐلقدر أو ذاكـ، حسب موضع وُرُودها في ﭐلكلمة (في أولها أو وسطها أو آخرها)، وقابلة للوصل مع ما يسبقها أو يلحقها من علَامات. ويُعَدُّ هذا ﭐلنظام ﭐلخطي بخصائصه تلكـ نظامًا ألفبائيا وصوتيا، ﭐلْأمر ﭐلذي يُعطيه ﭐمتيازًا واضحا بالمقارنة مع ﭐلنُّظُم ﭐلكتابية غير ﭐلْألفبائية وغير ﭐلصوتية. لكنه، مع ذلكـ، يبقى مَشُوبًا بنوعين من ﭐلْإشكال، يتعلق أولُهما بإمكان تغير ﭐلحرف حسب موقعه من ﭐللفظ (في أوله أو وسطه أو آخره)، ويتعلق ﭐلثاني بِخُلُوِّه من علَامات ﭐلصوائت على ﭐلنحو ﭐلذي يجعل صوامتَه قابلةً للقراءة بأكثر من شكل. ومن هنا، فإن ﭐلكتابة ﭐلْإملَائية في “ﭐلعربية” تفتقد ﭐلتنميط أو ﭐلتقييس ﭐلمعياري (Standardisation) ﭐلذي يُوجب أن يَتَّخذ ﭐلحرف صورةً كتابية واحدة بغض ﭐلنظر عن موقعه من ﭐلكلمة، كما أنها تُهمل كتابة ﭐلصوائت بشكل يُفْقِدها ﭐلقابلية لِأن تكون مقروءةً فقط بواسطة حروف ﭐلهجاء ومن دون حاجة إلى ﭐلِاستعانة بوسائط أخرى (في حالة “ﭐلعربية”، ﭐلحاجة إلى قواعد ﭐلنحو ﭐلتي تميز أواخر ﭐلكلمة وإلى معاني ﭐلْألفاظ ﭐلتي يتحدد بالنسبة إليها شكل ﭐلكلمة). ولهذا نجد أن ﭐلطريقة ﭐلتي تُكْتَب بها ﭐللغة ﭐلعربية تُعَدُّ مُكَلِّفةً للقارئ من حيث إنه يحتاج إلى مُعاناة “علم ﭐلنحو” (علم ﭐلتراكيب) و”علم ﭐلدلَالة” (علم معاني ﭐلْألفاظ) على ﭐمتداد سنوات قبل أن يتمكن من ﭐستعمال هذه ﭐللغة شِفَاهيا وكِتَابيا على نحو سليم ؛ وفي ﭐلوقت نفسه فهي غير مُكلِّفة للكاتب ﭐلذي يكتفي، في معظم ﭐلْأحيان، برسم ﭐلكلمات من دون أن يهتم بتحديد شكلها زيادةً في بيان مقاصده. فهل من سبيل لتجاوز هذه ﭐلمشكلة وجعل ﭐللغة ﭐلعربية تمتلكـ نظاما خطيا يتحدد بأنه ألفبائي وصوتي على نحو حقيقي؟


إننا نجد أن “ﭐلْألفباء ﭐلعربي” (ما يُسمى “ﭐلْأبجدية ﭐلعربية”) يتكون من ثمانية وعشرين حرفا (ألف، باء، تاء، ثاء، جيم، حاء، خاء، دال، ذال، راء، زاي، سين، شين، صاد، ضاد، طاء، ظاء، عين، غين، فاء، قاف، كاف، لَامٌ، ميم، نون، هاء، واو، ياء). أما ﭐلهمزة، فَتُعَدُّ -على ﭐلْأرجح- نوعا من ﭐلنَّبْر ﭐلذي يَلْحق ﭐلْألف ولَا يظهر في ﭐلواقع إلَّا من خداع ﭐلكتابة. وإذا تفحصنا هذه ﭐلحروف ﭐلثمانية وﭐلعشرين، فإننا نُلَاحظ أنها من ﭐلناحية ﭐلكتابية تنقسم إلى نوعين: نوع لَا يتغير شكله كثيرا بحسب موقعه من ﭐلكلمة، ﭐللهم إلَّا في ﭐلتعريقة ﭐلتي تلحقه في آخر ﭐلكلمة (ا، ب، ت، ث، ج، ح، خ، د، ذ، ر، ز، س، ش، ص، ض، ظ، ط، ف، ق، ل، م، ن، و، ي) ؛ ثم نوع يتغير شكله كثيرا أو قليلًا بحسب وُروده من أجزاء ﭐلكلمة (عـ/ـعـ/ع، غـ/ـغـ/غ، كـ/ـكـ/ـك/ك، هـ/ـهـ/ـه/ه).


ولذلكـ، فإن كون ﭐلكتابة ﭐلمعيارية تفرض رسم كل حرف بصورة واحدة ما أمكن، يجعل من ﭐلضروري أن يتم إصلَاح ﭐلخط ﭐلعربي على ﭐلنحو ﭐلذي يُمَكِّن من جعل كل حرف يُكتَب بصورة واحدة أو على ﭐلْأقل متقاربة، ﭐلْأمر ﭐلذي يُوجب مَثلًا كتابة “ﭐلكاف” بشكل واحد (كلم، لكم، ملكـ) وكتابة تعريقة ﭐلحرف في ﭐلْآخر من دون إطالة، ثم فَكّـ ﭐلتداخل بين بعض ﭐلحروف (محمد، نجم، لا) بحيث يظهر كل حرف على حِدَةٍ (محمد، نجم، لَا). ذلكـ بأن هذه ﭐلطريقة هي وحدها ﭐلتي تجعل ﭐلكتابة ﭐلعربية ألفبائيةً، بحيث لَا يُمَثِّلُ كل حرف إلَّا قيمةً صوتية واحدة، مما يُفترَض فيه أن يُزيل ﭐلِاشتباه ويُيَسِّر ﭐلمقروئية.


لكن أشد ما تفتقده ﭐلكتابة ﭐلعربية إنما هو كونُها تُغَيِّبُ بعض ﭐلصوائت ﭐلطويلة (خاصة ﭐلْألف) وكل ﭐلصوائت ﭐلقصيرة (ﭐلفتحة، ﭐلضمة، ﭐلكسرة) وﭐلعلَامات ﭐلْإِمازية (ﭐلسكون، همزة ﭐلوصل، همزة ﭐلقطع، ﭐلشدة، ﭐلمَدَّة، ﭐلتنوين)، وذلكـ بدعوى أن ﭐلكتابة بالصوامت وحدها تكفي لقراءة ﭐلْألفاظ ﭐلعربية. لكننا نعلم، في ﭐلواقع ﭐلفعلي، أنَّ تغييب ﭐلصوائت وﭐلعلَامات ﭐلْإمازية كان ﭐبتداءً بسبب ﭐلجهل بهما من ناحية رسم ﭐلكتابة (إذ لم تُعرفا إلَّا لَاحِقًا)، ثم صار فيما بعد بدافع ﭐلكسل وﭐلتقاعس عن ﭐلضبط (إلَّا في بعض ﭐلحالَات كما في نص “ﭐلقرآن” أو حينما يُضْطَرُّ ﭐلكاتب كما في بعض ﭐلمعاجم بذكر ما هو مفتوح أو مضموم أو مكسور) ؛ وهو ﭐلْأمر ﭐلذي يجعل قراءة ﭐلمكتوب تتم ﭐضطرارًا بحركة تراجعية إلى ﭐلخلف على شاكلة ﭐلمحاولة وﭐلخطإ على نحو يؤكد بوضوح أنه لَا يُسعف فيها مدى ﭐلتمكن من “ﭐلنحو” و”ﭐلدلَالة” (بهذا ﭐلصدد، تستحق ﭐلتأملَ حالةُ ﭐلخطابات ﭐلمقروءة على ﭐلملَإ، حيث يكثر ﭐلتلعثم في تَهَجِّي ﭐلكلمات ويزداد ﭐلخطأ حتى بين ﭐلمحترفين من رجال ﭐلْإعلَام، بل لعل خيرَ شاهد يتمثل في شُيُوع ﭐللحن حتى على ألسنة ﭐللغويين وﭐلمثقفين).


وبما أن ﭐلقراءة يجب أن تكون “تِلَاوةً” تَتْبَعُ فيها ﭐلعين ﭐلمُبصرة ﭐلحروف في تَتَالِيها على نحو خَطِّي وسَطْري، فإنه لَا مناص من كتابة ﭐلصوائت ﭐلتي تصير -من ثم- جزءًا لَا يتجزأ من “ﭐلْألفباء ﭐلعربي” ﭐلذي لَا سبيل إلى حصول ﭐكتماله إلَّا بتقديرها حسن قدرها. ولَا ينفع في ﭐلِاستغناء عنها ما يَدَّعيه كثيرون من أنه لَا حاجة إليها إلَّا بالنسبة للمبتدئ، إذ لو كان ﭐلْأمر على هذا ﭐلنحو لما كانت هناكـ صعوبةٌ في قراءة ﭐلكتابة ﭐلعربية ولَمَا فَشَا ﭐلخطأ في نُطق مئات ﭐلْألفاظ (مثلًا: “عَلَاقة” [صِلَة] و”عِلَاقة” [ما يُعَلَّق منه ﭐلشيء]، “سَلْبي” [متميز بالسَّلْب بمعنى “ﭐلنفي”] و”سِلْبي” [ما يُنسب إلى “ﭐلسِّلْب” ﭐلذي هو “قصبة ﭐلمحراث”]) ﭐلتي صار ﭐلناس -من فَرْط إيلَافِهم ﭐللحن- يظنون أن ما يجري على ألسنتهم هو عين ﭐلصواب. وأكثر من هذا، فلو نظرنا إلى نص “ﭐلقرآن” بصفته ﭐلنص ﭐلذي ﭐلْتُزِم فيه بالتشكيل ﭐلتام، لَوَجَدْنَا أنَّ قارئَه لَا يُمكنه ﭐلبتة أن يستغني عن إظهار علَامات ﭐلشكل، وإلَّا لَأَخذ يُخطئ بغير حساب. ومن ﭐلمعلوم أن “ﭐلقرآن” يُتْلَى من قِبَل كثير من ﭐلناس صباح مساء. إذن، لو كان ثمة نص مكتوب يُمكنه أن يستغني تمامًا عن علَامات ﭐلشكل بدعوى كفاية ﭐلتعود، لكان هذا ﭐلنصَّ نفسَه ﭐلذي يتميز بكونه أكثر مقروئيةً بين ﭐلناس. ولذا، فإنه لم يُكتب بالشكل ﭐلتام إلَّا لتفادي كل أنواع ﭐلخطإ في أثناء تِلَاوته، بل كان هذا هو ﭐلسبب ﭐلرئيسي في وضع علَامات ﭐلشكل في ﭐلكتابة ﭐلعربية كما هو معلوم. ومن ثم يتبين أن “ﭐلْألفباء ﭐلعربي” هو -في آنٍ واحد- صوامتُ وصوائت، وليس فقط صوامت تُكتَب على نحو يَحتمل ﭐلقراءة بأكثر من شكل ويجعل ﭐلمقروئيةَ مُتدنِّيَةً ومُكلِّفةً زمنيا وذهنيا لكل من يجد نفسه أمام نص مكتوب من دون صوائت.


لذلكـ، فإنه حينما تتأتى كتابةُ ﭐلعربية بشكل معياري وتام (بإدخال ﭐلصوائت وﭐلعلَامات ﭐلْإمازية)، سيصير مُمكنا إصلَاح إملَاء كثير من ﭐلْألفاظ ﭐلتي تَعَوَّد ﭐلناسُ كتابتَها بإهمال بعض حروفها (صوامت وصوائت). إذ يجب حفظ نوع من ﭐلتنميط بين كل ﭐلحروف وﭐلكلمات ﭐلمتشابهات حتى يسهل إدراكـ ﭐلعلَاقات ﭐلصرفية وﭐلتركيبية وﭐلدلَالية ﭐلتي تجمع بينها. وهكذا، سنجد أنه لَا بُد من إظهار ﭐلْألف في “بـﭑسم” (لِأن ﭐلْأمر يتعلق بأداة خفض “بِـ” ولفظ “ﭐسم”)، وفي “ﭐلرَّحْمَان” (صفة مبالغة بصيغة “فَعْلَان” مثل “عطشان” و”كسلَان”)، وفي “هَاذَا” (أداة تنبيه “ها” وﭐسم إشارة “ذا”)، وفي “هَاذِهِ” (أداة تنبيه “ها” وﭐسم إشارة “ذه/ذي”)، وفي “هَاكَذَا” (أداة تنبيه “ها” وأداة تشبيه “كَـ” وﭐسم إشارة “ذا”)، وفي “لَاكِنْ/لَاكِنَّ” (كما تُنْطَق وربما كان أصلها “لَا كَانَ” أو “لَا كَوْنَ”)، وفي “ذالكـ” (لحفظ قربها من “ذاكـ)، وفي “أُولَائكـ” و”هَاأُولَاءِ” (لبيان قربهما صرفيا ودلَاليا) ؛ وكذا في ﭐسم “ﭐللَّاهُ” (لِأنه ليس سوى ﭐسم “ﭐلْإِلَاهِ” بصيغة “فِعَالٌ” مخففًا بحذف ﭐلهمزة وتشديد ﭐللَّام “ﭐلْـ[إِ]لَاهُ” بعيدا عن كل توهمات ﭐللغويين). ومن هنا فإن كون “ﭐلِاسم” من علَاماته أن يُعَرَّف بسابقة “ﭐلْـ” يُوجب كتابةَ ﭐلْأسماء ﭐلموصولة بشكل مختلف عما هو سائد (ﭐللَّذي، ﭐللَّتي، ﭐللَّذِين، ﭐللَّذان، ﭐللَّواتي) لتأتلف مع أسماءٍ أخرى تُكتب بالشكل نفسه (ﭐللَّفظ، ﭐللَّيل، ﭐللَّون، ﭐللَّحن، ﭐللُّغة، ﭐللُّهْوة، ﭐللِّسان، ﭐللِّثَةُ، ﭐللِّين، ﭐللِّيف، إلخ.). وكذالكـ، فإنه لَا بد من كتابة ﭐلهمزة مَدَّةً في مثل “آخرة” و”قراآت” و”إجراآت” (مثلما هو ﭐلْحال في “آخُذُ” و”آمُرُ” و”آجُر” و”آصِرَة”، و”آمين”، إلخ.).


ولَا شكـ أن كل هاذه ﭐلْإصلَاحات تبدو، لِأول وهلةٍ، غريبةً ومُتكلَّفةً. لَاكِنَّها ليست، على ﭐلْإطلَاق، غير منطقية من ﭐلناحيتين ﭐلصوتية وﭐلصرفية. فلَا شيءَ يمنع أصلًا من إصلَاح ﭐلكتابة ﭐلْإملَائية كلما دعت ﭐلحاجة إلى ذالكـ. ولقد كانت حاجةُ ﭐلناس كبيرةً ولَا تزال إلى مثل هذه ﭐلْإصلَاحات، ليس فقط بالنسبة إلى ﭐلمتعلمين وﭐلمبتدئين، وإنما أيضا بالنسبة إلى كل مُستعملي ﭐللغة ﭐلعربية. أما إذا كان إصلَاحُ ﭐلْإملَاء ﭐلعربي على هَاذَا ﭐلنحو يَكْفُل ﭐلتغلب على مشكلتَيْنِ كُبْريَيْن طالما أرقتا ﭐلمشتغلين باللسان ﭐلعربي (أعني “ﭐلْإعراب” و”ﭐللَّحن”)، فإن نجاعته تَصِير بَيِّنةً وأكيدةً، إلَّا أن تبقى ﭐلغَلَبةُ لِمَا ﭐستقر في أعماق ﭐلنفوس بفعل ما رَانَ عليها من ﭐلْإِلف وﭐلتعوُّد ولِمَا حُبِّب إليها من ﭐلمكابرة في قَبُول ﭐلصواب.


إن مثل هَاذِهِ ﭐلدعوة إلى إصلَاح ﭐلْإملَاء ﭐلعربي ليست -كما قد يَظُن بعضُهم- مجرد ﭐشتغال نظري لَا غَنَاءَ فيه إلَّا لمن كان منتهى غايته أنْ يَلْتذَّ ببدائع ﭐلتأمل، بل هي نابعةٌ أساسا من مُلَابَسةٍ طويلةٍ للمعاناة ﭐلمُضنية ﭐللَّتي ما فَتِئ يُكابِدُها كثيرٌ من متعلمي ومستعملي ﭐلعربية عبر ﭐلعالم. ولَا يخفى أن تيسير ﭐكتساب وﭐستعمال هذه ﭐللُّغة أمرٌ مَنُوطٌ بجعل ﭐلكتابةِ معياريةً ومشكولةً كما ظل يُؤكده ﭐلمرحوم أحمد ﭐلْأخضر غزال (“الحلول التقنية لمشاكل الكتابة العربية”). لَاكِنَّ أصحاب ﭐللسان ﭐلعربي وﭐلمنتفعين من ﭐستعماله لم يستطيعوا حتى ﭐلْآن أن يتَبيَّنُوا كل ما يُمكن أن يترتب على مثل هذا ﭐلِانقلَاب. وإنه لَانقلَابٌ عظيم لو كانوا يعلمون. ذالكـ بأنه يؤسس لمراجعةٍ عميقة وشاملة للنحو ﭐلعربي ويُمَكِّن من زيادة إنتاجية ﭐلكتابة ﭐلعربية. فجعلُ ﭐلكتابة ﭐلعربية نسقيةً (بتنميط حروفها وإظهار صوائتها وعلَاماتها ﭐلْإمازية) يقود حتما إلى ترسيخ ﭐلْإعراب كآلِيَّةٍ مُلَازِمةٍ للكتابة، وهو ﭐلْأمر ﭐللذي من شأنه -إذا فُهِم وأُعْمِلَ كما ينبغي- أن يقود إلى تجديد ﭐلنظر في ﭐلِاشتغال ﭐلوظيفي للمُكوِّنات ﭐللغوية صرفيا وتركيبيا ودلَاليا، بعيدا عن كل ﭐلتوهمات ﭐلمرتبطة بحركات أواخِر ﭐلْكَلِم ﭐللتي تصير مُدرَكَةً على نحو بديهي من خلَال نظام ﭐلكتابة نفسه. وهذا معناه، في ﭐلواقع، ﭐطِّراح جزء كبير من نظرية ﭐلنحو ﭐلعربي ﭐلتقليدي من حيث إنها تُبَالِغُ في ﭐلتقديرات ﭐلدائرة حول “ﭐلعوامل” وتُهمِل توصيف و/أو تفسير ﭐلعلَاقات ﭐلوظيفية في سلسلة ﭐلكلَام كما نَحَا إليه ﭐلعرب بمقتضى طَبْعِهم في ﭐللغة لَا كما يُريد أن يُقَدِّره عقلُ ﭐلنحوي تَحكُّمًا وتَمَحُّلًا.


وفي جميع ﭐلْأحوال، فإنَّ ما ينبغي ﭐستحضاره يتمثل في ضرورة ﭐلرُّقِي بـﭑللغة ﭐلعربية لِتَكُون في مَصافِّ ﭐللُّغات ﭐلطَّيِّعة على ﭐلِاكتساب وﭐلِاستعمال بـﭑلشكل ﭐللَّذي يُدمجها في سيرورة ﭐلْإبداع على كل ﭐلمستويات ﭐلثقافية وﭐلحضارية. وإن ﭐلعمل على بُلوغ هذه ﭐلغاية لَا يجب أن يكون من موقع ﭐلجهل بخصوصية هذه ﭐللغة ﭐللَّذي يقود، في معظم ﭐلْأحيان، إلى إفقادها أهمَّ ما يُميزها و، من ثم، إفساد نظامها ؛ كما أنه يَلزم ألَّا يكون تحت وطأة ﭐلِافتتان بـﭑللغات ﭐلمسيطرة حاليا في ﭐلعالم على نحو يُفْضي إلى تعنيف “ﭐلعربية” لكي تستوي وَفْق ما يقتضيه نظام تلكـ ﭐللغات ﭐلمختلف عنها بهاذا القدر أو ذاكـ. ومن أجل ذالكـ، فإنه لَا يكفي، كما يظن كثيرون، أن يُلِمَّ ﭐلمرءُ بَعْضَ إلمامٍ بِنُتَفٍ من ﭐللسان ﭐلعربي فيأخذ في خوض ما لَا قِبَل له به مطلقا إلَّا على أساس تغلغلٍ من بعد تغلغل يجعل صاحبه يُحيط بجوامع هذا ﭐللِّسان فيقتدر، بـﭑلتالي، على ﭐلِاجتهاد في معالجة ما يُعدُّ من مشكلَاته. وإنه لمن ﭐلمؤسف جدًّا أن كثيرا من ﭐلمتقولين في “ﭐلنحو ﭐلعربي” و”ﭐللغة ﭐلعربية” يعجزون، في معظم ﭐلْأحيان، عن ﭐلبرهنة بأعمالهم شِفَاهيا و/أو كتابيا على بَالِغ تَمَكُّنهم منها فيما يزعمونه، حيث لَا تَعْدَمُ أن تجد بين أقوالهم من ﭐللَّحن وﭐلْعِوَج ما لَا يستقيم مع ﭐلْأصول ﭐلمقرَّرَة في ﭐستعمال ﭐللِّسان ﭐلعربي. وليس يخفى أن قلة ﭐلتضلع من ﭐللُّغة وضحالة ﭐلفقه فيها تُعَدّان من ﭐلْأسباب ﭐللَّتي أدت إلى إفساد ﭐكتسابها وﭐستعمالها ورَسَّخَت، من ثم، جملةً من ﭐلعادات ﭐللَّتي صارت تدفع كثيرا من مستعمليها إلى مقاومةِ أي ﭐجتهاد يطمح إلى ﭐلنهوض بهذه ﭐللغة على نحو مَتِين وناجع. ولِهَاذَا، لَا يَبْعُد أن تُصادِف أُناسًا يَدَّعون عدم حاجة “ﭐلعربية” إلى أي إصلَاح بخصوص ما يرتبط بها من مشكلَات، وذالكـ لِأنها في ظنهم كاملةٌ أبدًا حتى مع وجود ﭐلنقص ﭐلبَيِّن في ﭐستعمالهم لها، وهو ﭐلِاستعمال ﭐللَّذِي لَا يرقى بأمثالهم إلى إدراكـ مزياها ولَا يدل على تحصيل كفايتهم من علم ﭐللغة لِيَصِحَّ قَبُولهم أو رَدُّهم لِمَا يُطلب من إصلَاح لِثُبوت عدم قدرتهم على تَبَيُّن مدى جدارته علميا وعمليا. ومثل هَاأُولَاء كانوا ولَا يزالون يُمثلون ﭐلعقبة ﭐلكأداء أمام إصلَاح نواحي ﭐلخلل ﭐلمحيطة باكتساب وﭐستعمال ﭐللسان ﭐلعربي. فليست ﭐلمشكلة، على ﭐلحقيقة، في ﭐللغة ذاتها وإنما هي في نفوس وعقول مستعمليها أو أدعياء ﭐلعلم بها من ﭐللَّذِين لَا يجتهدون بما يكفي للِاقتدار على تَبُّين مدى لُزوم كل ﭐجتهاد يأتي فيَدَّعي أنه يَرُوم صوابا أو يدفع فسادا في هاذا ﭐلمجال أو ذاكـ من مجالَات حياة ﭐلناس.

‫تعليقات الزوار

4
  • سعيد
    الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 - 10:16

    لو الحكومات العربية تبذل 10 في المائة فقط مما تبذله فرنسا من اجل الفرنسية لصارت العربية اللغة الاولى عالميا،ولكن اكثر من يحارب اللغة العربية هي الطبقات السائدة في المجتعات العربية لضمان اقصاء الاغلبية،لانهم يعلمون انه من دون اللغة العربية ستبقى الوضعية في صالحهم كما هي وليس في صالح الجماهير الشعبية.

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 - 10:14

    عنون السيد الورياغلي تعليقه بـ”تخبط الكاتب” ولم يبين في المقال المعني نواحي هذا التخبط، وإنما أخذ يسرد أشياء كما لو كانت بديهية ولا تحتمل أي مراجعة. ومع ذلك يمكن النظر في بعض ما أتى على ذكره:
    – قولك بأن “العربية قبل زمن أبي الأسود الدؤلي لم تكن تعرف النقط والشكل، ومع ذلك يقرؤها العربي دونما خلط، بل يستنير في التمييز بين الكلمات بمجرد السياق والموضوع”، حتى لو صح، فهو ليس حجة ضد الكتابة المعيارية المشكولة، بل دليل على ضرورتها. فنحن لا نعرف سوى أن اختراع النقط والشكل جاء لحل مشكلة كانت قائمة هي كثرة الخطإ في قراءة “القرآن”. ومن كان يخطئ في تلاوة القرآن، فحري به أن يخطئ في قراءة غيره. وإذا كانت هناك عبقرية لدى المشتغلين بعلم العربية، فهي تتمثل في إصلاح المشكلة باستحداث التنقيط والتشكيل بحيث لم يعد مقبولا إهمالهما والاستغناء عنهما خصوصا في نص القرآن. ومن ثم فالواجب هو التزام التنقيط والتشكيل في كل نص حتى لا يشيع الخطأ كما هو حاصل الآن.
    – قولك “إن الأخطاء التي يقع فيها الخطباء ليست بسبب الكتابة على الإطلاق، بل هي بسبب العجمة المتأصلة في هؤلاء الخطباء، ولو تعربوا لما أخطأوا”، هو تأكيد لأهمية الكتابة المعيارية المشكولة. إذ هناك مشكل في تفادي الخطإ في قراءة الكتابة العربية، وبالتالي في نطق كثير من الكلمات العربية. والسبب ليس هو العجمة، وإنما هو بالأساس الكتابة العربية باعتبارها من شرورط اكتساب واستعمال اللسان العربي، بحيث إن العربي والمستعرب سواء في هذا. فلا يخطئ الخطيب أو غيره إلا لأنه يجد صعوبة في قراءة مكتوبات بدون تشكيل.
    – قولك “والإملاء العربي لا يمكن أن يوازيه أي إملاء على وجه الأرض، فهو أولا: يختصر الكلمة بحذف المدود الطبيعية والشكل الحرفي كما في بقية اللغات”، لا يصح إلا إذا كان نتيجة لدراسة مقارنة بين كل الألفباآت المعروفة في العالم. وبهذا الصدد، فالثابت أن الإملاء العربي لا يفوق الإملاء اللاتيني، بل كونه لا يكتب الصوائت ينزل به درجات دونه. مع العلم أن الإملاء اللاتيني يختلف من لغة إلى أخرى، حيث يجب التمييز بين كتابة تقرأ كل الحروف في اللفظ (الإسبانية، اليونانية،الألمانية، إلخ.)وكتابة لا تقرأ بعضها (كما في الفرنسية والإنجليزية). وأكيد أن جعل الكتابة العربية معيارية ومشكولة سيمكن من الرقي بها إلى مستوى الكتابة الصوتية، وهو وحده الذي يسمح بالحديث عن تفوق الإملاء العربي على كثير من الإملاءات (من دون أن يكون أحسنها، لأن عيوبه معلومة لدى المتخصصين). ولهذا نتحدث عن ضرورة إصلاح الإملاء العربي.
    – حديثك عن الترجمة والاشتقاق لا صلة له بموضوع المقال. لكنه يؤكد نوعا من الهروب بعيدا عن المشكلة القائمة. وعلى العموم، فإن لكل لغة محاسنها ومساوئها من الناحية اللسانية المحض، وليست هناك لغة كاملة، بما في ذالك اللغة العربية.
    – ولعل مما يحسن التفكير فيه هو لفظ “كتب” الذي أوردته والذي يقبل أن يشكل على أكثر من نحو. ترى كيف يمكنك أن تميز بين صوره الخمس من دون إظهار الصوائت القصيرة؟ أما مسألة السياق التركيبي والدلالي، فإنها لا تغني عن الصوائت، وإنما توجب كتابتها للتقليل من الالتباس واتساع التأويل.
    – أخيرا، فإن ما تحتاجه العربية ليس هو “العرب الأقحاح” وإنما المستعمل المجتهد في ضبط وإحكام شروط اكتسابها واستعمالها. وخير دليل هو المستعربون في شرق آسيا وفي أوروبا وأمريكا وأفريقيا ممن يتقنون اللسان العربي أفضل من كثير من العرب أنفسهم. وهذا معناه أن اللغة القوية والمتينة لا تشتغل وحدها، بل تقوم على جهود مستعمليها الذين يتفانون في خدمتها والرقي بها والذي لا يترددون في إصلاح ما تعرفه من مشكلات.

  • عبد الله اغونان
    الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 - 10:20

    هذه هي المشكلة .الصعوبات معروفة لكنك لم تقدم لنا حلا.
    من اعظم الافات في العالم العربي
    الكل ينتقد ويصف المشكلةولايقدم اي حل.لايجب ان نكتفي بوصف المزبلة لابد ان نفكر في كيفية ازالتها.اذا عرف الطبيب الداء وشخصه الخطوة الاهم ان يقترح الدواء.ادعو كل الاخوة المعلقين
    الى اخذ هذا بعين الاعتبار.

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 - 10:18

    السيد عبد اللـه إغونان،
    تناول المقال مشكلة محددة هي مشكلة الكتابة في العربية وحاول أن يقدم حلا عمليا هو الذي قال به كثيرون منذ عقود. لكن أين هي العقول التي يمكنها أن تمحص؟ وأين هي الهمم التي تستطيع أن تنهض للعمل؟
    أما إذا لم يكن الحل هو الكتابة المعيارية المشكولة، فما هو في نظركـ الحل المناسب للغة تكتب بإملاء غير معياري ومن دون صوائت؟ ما هو الحل الذي يمكنه أن يسهم في جعل الكاتب والقارئ لا يخطئ كثيرا في استعمال هذه اللغة؟ وذلك بعيدا عن المحاولات الاستسهالية الشائعة التي تكتفي بإقرار الأمر الواقع بكل مناقصه، إما بالإمعان في تسويده وإما بالتقليل من خطورته.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات