مَا تْقِيشْ "شَيْخِي" !!

مَا تْقِيشْ "شَيْخِي" !!
الجمعة 21 مارس 2014 - 19:49

كنت دائما أتساءل مع نفسي، وأنا في بدايات انخراطي في “العمل التنظيمي”، هذا السؤال: لماذا يحرص “المخزن” على دعوة المغاربة إلى الانخراط في الأحزاب، والقطع مع “اللانتماء” السياسي والتنظيمي، في ذات الوقت الذي يعمد فيه إلى “تدجين” الهيئات والمنظمات المدنية، والأحزاب السياسية. و يتدخل في شؤونها الداخلية، ويعمل على توجيه بَوْصَلَتِها التنظيمية إلى توافقات محددة، و”ترضيات” مهيإ لها؟؟ !!

وظللت أبحث عن “السر” وراء هذا “الكرم” السياسي، و”الجود” التنظيمي، الذي يَمُنُّ به من يهمهم الأمر على المواطنين والمواطنات المغاربة، وأنا أتمرغ في أحابيل “التنظيم الطائعي”، أذعن بين “المنشط والمكره”، إلى توجيهات المسؤول، وتنبيهات السادة القادة، وتأطيرات النخبة المتساقطة بين يدي “الشيخ” !. فلم أهتد إلى هذا “السر”، حتى قررت الانسحاب من “التنظيم”، والانطلاق في فضاء الحرية الشاسع الواسع؛ ليبدأ التخمين الجاد، في كشف هذا “السر” الذي لم يتطلب مني كبيرَ جُهْدٍ، كما تطلبه مني، وأنا بين أحضان “الغول”/التنظيم؛ مُوَجَّهَ التفكير، مربوط العقل !.

فقد اكتشفت أن هذا الإصرار الذي كان يصره من يهمهم الأمر، زمن الجمر والرصاص، لم يكن “لله وفي سبيل الله”، كما لم يكن لسواد عيون أحد؛ بل كان إصرارا يَنِمُّ عن رغبة أكيدة في ضبط عموم المواطنين والمواطنات في “بوتقات تنظيمية”، تسهل حصرهم/ضبطهم، و تربي فيهم سلوك الطاعة والانقياد، وتُفْقِد تفكيرهم كل قدرة على الانطلاق، وعقولهم كل قدرة على التحرر من توجيه “الشيخ” الذي لم يكن سوى بيدقٍ “مُدَجَّنٍ”، يصفق ويبارك !.

فلقد اكتشفت، منذ أزيد من ربع قرن، أن الإبداع، والعطاء، والمشاركة الفاعلة في التغيير، والتعبير الحر عن القناعات المحايدة، والأفكار المستقلة، والتخلص من أدواء التعصب، والتشدد، والتطرف، والتكبر،… لا يمكن أن تتحقق إلا عند من استقل بذاته الموضوعية عن الأصنام المتسلطة على الرقاب الذليلة؛ المُقَيِّدة للهامات المُفَكِّرة، والمانعة لها عن كل محاولات الانطلاق خارج الفضاء الذي حددته لها. حيث يضيع الفكر، ويضيع الاجتهاد، وتَرْزَأُ الأمة في العلوم الناهضة، والعطاءات الحرة؛ المُعْتِقة لها من براثين الجهل، والأمية، والتخلف.

لقد أضحت – للأسف الكبير- عبارة “الاستقلالية”، أيقونة تؤسس عليها التنظيمات والهيئات أساسها المذهبي كما التنظيمي. فقد أصبحت هذه العبارة، لا تبرح برامج وأوراق التنظيمات النقابية والمدنية. والحقيقة أنها ليست سوى مواربات لذر الرماد في العيون، وإيهام الناس بأن الوضع، كذلك، مستقل عن كل توجيه حزبي أوسياسي، أو إملاءٍ يتحكم في القرارات، ويوجه الرؤى والقناعات نحو ما يبغيه المُتَحكِّمون الفعليون في رقاب الساسة، والنقابيين، والجمعويين، والنُّخَبِ حَتَّى !!!.

واليوم، وبعد أن رفع “المخزن” بعض يده عن الحياة الحزبية، والنقابية، والجمعوية، وبدأ الجميع يتنسم الحرية داخل هذه التنظيمات، وأصبح للكلام أفق أوسع، وللاعتراض مجال أرحب. كما أصبحت للديمقراطية الداخلية، كلمة في بلورة المواقف والقرارات؛ لم تتخلص – للأسف- العديد من هذه الهيئات والتنظيمات من عقلية “الشيخ والمريد”، التي لا زالت تتحكم بكل تجلياتها التقليدانية في العلاقات البَيْنِيَّة داخلها. إذِ استمرت التراتبية الهيكلية، بذات التعالقات “المطيعة” التي وسمت فترة، كانت التشكيلات الهرمية تتم في الدهاليز المغلقة، بتوجيه “الشيوخ” الأبديين، وعن طريق” الريموت كونترول” من “أصحاب الحال” ورؤسائهم !!.

فلا اليساريون، التقدميون، الديمقراطيون…، ولا العلمانيون الليبراليون، التحرريون،.. ولا الإسلاميون، الوسطيون، المعتدلون،.. الذين قبلوا بالمشاركة السياسية على كمالها وتمامها، أو الذين اختاروا أن يعاكسوا العالم في فهم سنن الحضارة، واستيعاب شروط النهضة، أو الذين رفعوا شعار (التغيير الجذري أو الطوفان !)؛ استطاعوا أن يتخلصوا من هذه العقلية التقليدانية “العبيدية”، في تنظيماتهم الحزبية، والنقابية، والجمعوية. فالكل في طاعة “الشيوخ”، والدفاع عن “الشيوخ”، والإذعان “للشيوخ”، مصيبين ومخطئين؛ سواء !!.

فحديثهم عن الحرية، والديمقراطية، والوصاية،…إذا تعلق الأمر بالآخر؛ “مخزناً” كان أو خصماَ سياسياَ أو أيديولوجيا؛ لا ينتهي. ولكن، ما أن يقترب تفكيرهم “المتحرر جدا”، وصراخهم الناقد المنتقد، ناحية “الشيوخ”، حتى يَخْبُوَ، وتشتغل العاطفة؛ تُفَلْسِفُ المواقف، وتبرر الأخطاء والسقطات !!

فمن يتتبع مواقف الأتباع والمريدين، من كل الاتجاهات، والأشكال، والحساسيات؛ لا يرى أمامه إلا دُمىً تسبح بحمد “الشيوخ”، وتبرر الأخطاء، وتتمسح بالبركات الفكرية، وتنافح دون المواقف التي أثبت العالم تهافتها، وتشتغل على رد انتقادات خصوم الديمقراطية، وهجوم أعداء الحرية، وكارهي “الفرقة الناجية”، وحُسَّاد محبي الجماهيرالأبية،… !!!!!

فلقد حاورنا كل هذه التوجهات، والحساسيات، واحتككنا بنماذجَ منها على مستويات من العلم والثقافة، والمكانة السياسية والاعتبارية، مُخْتَلِفَةٍ؛ فما وجدنا لتأثير ” الشيوخ” في نفوسها إلا مكاناتٍ مُقَدَّرَةً. ولما زاد احتكاكنا بها؛ كتابةً ومحاورةً .. نقداً ومجادلةً، انفجر أشدها صبرا، وأحسنها قبولا بالرأي الآخر؛ غضبا، وغيْضا، لم يُبْقِ من سيماء العلم والفهم والأدب على وجهه، شيئا مذكورا !!!

ولم يتوقف – للأسف- هذا التداعي نحو “حضرة” الشيخ” المُبَجَّل، عند هذا الطابور السياسي والأيديولوجي التابع، بل انتقل إلى حضن النخبة الفكرية “المستقلة”(!). حيث تحول معها إلى أسوأ حالات التبعية، والإذعان، والتساقط المخجل. فقد شاهدنا هاماتٍ فكريةً وعلميةً قدمت مشاريع في الفكر والعلم أبهرت العالم، تتساقط بين يدي بعض شيوخ التصوف، تدخل حضرتهم مطأطئة الرأس، خافضة الجناح، ملبية نداء”الحضرة”؛ رقصا، وصراخا، ورعشة،… في قلب الفيلات المجهزة بآخر صيحات الموضة، وغاية البذخ والترف المادي. والعالم الفكري يحتفي بإنجازاتها الفكرية والعلمية، في المؤتمرات والمنتديات، ولم يجرؤ أحد أن يسألها عن هذه المفارقة ” الشيزوفرينية” بين إسهاماتها العالِمة، في مجال تجديد العقل وإعادة تشكيله، وقبولها بالارتماء بين أحضان “شيوخ” يتوقف عندهم العقل، وتتجمد الذات، ويرتفع الفهم !!.

إنها – وأيم الله – مفارقات عجيبة وغريبة، أن يختار كل هؤلاء الفضلاء “شيوخا” قُصَّاراً ومخطئين. يتمسحون بجنباتهم، ويعطلون عقولهم أمام عقولهم، وينافحون دون اجتهاداتهم؛ مصيبين ومخطئين. وإذا ما انتُقِدُواْ؛ انتفختِ الأَوْدَاجُ، وجَحَظَتِ الأَعْيُن، وتَتَرَّسَ الجميع بألْسِنَةٍ حِدَادٍ، تلهج في جنون :..(ما تقيش “شيخي” !!).. !!!.

‫تعليقات الزوار

6
  • لشكر
    السبت 22 مارس 2014 - 01:13

    خلق الله الانسان حرا وجعل له عقلا يفكر به
    وخلق الانسان شيخا يفكر بدلا عنه وجعل منه صنما يدافع عنه
    لن يكتمل البنيان طالما الحر يبني والشيخ يهدم
    موضوع مفيد سيدي شكرا لك

  • ahmed52
    السبت 22 مارس 2014 - 01:14

    هده هي الماساة وهده هي المعظلة والطامة الكبرى. يعبدون الاصنام من دون الله ويفتون بالكفر والردة عندما تتقلص زاوية نفودهم المبني على الخرافات والاساطير.

    ثقافة العبودية والخنوع والتبعية العمياء "لشيوخ" اكل الدهر وشرب على افكارهم.اناس هائمون بدون بوصلة، همه الوحيد هو نصب العداء لكل من لا يتفق مع افكارهم البالية.

    هده الرهبنة "لا يحق ان تكون في بلد اسلامي" المتمثلة في الزوايا والاضرحة والتي نعرف من ينميها ويغدق عليها.

    لكن هدا الانسان الخرافي المنصاع واللاهث وراء الفكر الاسطوري المتمثل في شيوخ لو وجدوا في عهد السوماريين لفرضوا الوهيتهم على البشر مثل انكي ومردوخ في بلاد الرافدين.

    اما الطامة الكبرى هي ان تنحى بعض "ان لم تكن جل" الاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني منحى الشيوخ السالفي الدكر فتتجند بالخنوع والخوف والزبونية والعشيرة والقبيلة والاسرة العريقة. فيضيع الامل والعدل والدمقراطية .

    اتفق مع صاحب المقال مشكورا عن اثارته لهدا الموضوع والحق يقال اننا جربنا العمل في الاحزاب والنقابات غير ان المنتمي اليها يصبح كالة "روبوت" مشحون بافكار تمنع العقل من حريته الطبيعية.
    وشكرا.

  • amar
    الأحد 23 مارس 2014 - 19:44

    الزوايا مدارس تعلم الاخلاق والشيخ الذي تستهزا به احسن منك خلقا

  • elyoussi
    الأحد 23 مارس 2014 - 23:18

    شكرا الأستاذ صالح ! إنِّي والله مقتنع أن غالبية المثقفين الذين استطاعوا الإنتفاض وطرد الغشاوة التي كانت على أعينهم،كانوا في انتظارك لتلملم أفكارهم وتصوغها في هذا المقال القيِّم !
    إن الدولة المخزنية شيدت كيانها وشكلت بنياتها على مدى 12 قرنا بكيفية تضمن لها الاستمرار. وقد استفاد منظروها من فكر ماكيافيلي و تابعيه من ساسة أوربا الكولنيالية وبعد ذلك ،في العصرالحديث ، من الفكراليميني الذي استمات في إبداع أساليب تمويهية كفلت له السيطرة بغطاء الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان … بينما تفاقم الاستغلال و توسعت مجالات العبودية. و المصيبة أن المريدين الذين تكلمت عنهم،ازدادوا استلابا ومن تم، ازدادوا ضراوة في دفاعهم عن شيوخهم السياسويين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، مستفيدين في سعيهم البئيس هذا من بعض الفتات وما فضُل من سقط المتاع !

  • Lahcen
    الثلاثاء 25 مارس 2014 - 08:35

    Je dis au Mr écrivant est qu'il a vivez avec ces gens pour donnez son opinion, je voie aucun justificatif, par contre on dit pas que tous les membres soufies on le même but au niveau de la religion, certains trouve ce chemin pour rapprocher au dieu en aimant le dieu, son prophète et tous le monde sans aucun but quelque soit, sauf qui vivre dans ce monde comme le vie de notre prophètes (selallaho âlahi oua salame

  • عبد العليم الحليم
    الثلاثاء 25 مارس 2014 - 22:43

    بسم الله والحمد لله

    لا أدري كم مرة عنّ بفكري الهمُّ بوصف السائرين على بعض الإتجاهات الذي

    يسِمُه خصومه بالتغريبي

    بموريدي "الشيخ " الغرب أو كلاما متوافقا مع ذاك

    وما أوحى لي أو يوحي لي بذالك هو كونهم – (أو بعضهم :مخافة التعميم

    المجانب للصواب) – لا يتحرجون من قبول ما يأتي من الغرب بعجره وبجره

    كان ذاك مذهبا فلسفيا أو نظريات كائنا ما كان إيغالها في اللاعقلانية

    واللاتوافق مع هويتنا اوثقافتنا

    وحدث الميل لديّ الى تفسير ذالك الأمر بأن السبب هو أن أولائك كانوا قد

    نشأوا في بيئات صوفية أويطبعها التقليد الأعمى أو في بيئية تربوية مثأثرا

    بذلك

    والله أعلم

    وابتغاء توافق محتوى التعليق مع الواقع الفكري الجواني أشيرا الى انه هناك

    قد يحصل تداخل في كلامي بين الماضي وألآني على مستوى الأفكار

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة