القنابل " الناعمة "

القنابل " الناعمة "
الجمعة 20 نونبر 2009 - 05:03

بين الفينة والأخرى تفجر بعض الجهات “قنابل ناعمة” جسّا لنبض قلوب الشرفاء، وقياسا لحرارة الغيرة عن الدين عند المواطنين الخلصاء، والمدافعين عن قيم هذا البلد الجميل الذي لا يمل العلمانيون من ندب وجهه بمخالبهم المتسخة، حسدا من عند أنفسهم أن يرجع الناس إلى ما أنزل ربهم من فضل ورحمة.


أما وصفنا لتلك القنابل بـ”الناعمة” فلأنها لا تحدث دمارا في الممتلكات، ولا تسقط واجهات الفنادق والشرفات، بل لا تثير حتى غبار الأزقة والطرقات.. قنابل ناعمة لا دوي لها.. ناعمة كالسم، ناعمة كفيروس قاتل يتسلل خفية إلى جهاز المناعة، فلا يلبث حتى يسقط ضحيته على فراش الموت بعد أن جعله هدفا سهلا لأضعف الجراثيم وأحقر الميكروبات.


“قنابل ناعمة” يفجرها في وجه المغاربة الآمنين نواعم من الجنس اللطيف، ونحن في هذه العجالة سنتناول “قنبلتين ناعمتين” حديثتي التفجير، فبالأمس فجرت رئيسة حركة مالي “قنبلة” انتهكت بها حرمة شهر رمضان، واليوم فجرت زوجة رئيس المركز السينمائي المغربي “قنبلة” أخرى انتهكت فيها كل بنود الحياء والحشمة، حيث تعرت بالكامل لتأخذ لها مصورتها الأجنبية صورة لفائدة مجلة مغربية تسمى زورا “نساء من المغرب” في نسختها الفرنسية، لتنشرها في ساحتنا الإعلامية البعيدة في غالب أركانها عن هوية بلدنا العربي المسلم.


لكن الذي يهمنا في موضوع “القنابل الناعمة” هو ما يحدث بعد تفجيرها من تداعيات، فإن كان هناك إجماع على شجب “القنابل الخشنة” التي فجرها المتطرفون الجهال، في الأحداث الإرهابية التي عرفتها الدار البيضاء، فالعكس هو الذي يقع عندما تُفجَّر القنابل الناعمة، حيث ترى الإرهابيات اللائي فجرنها محفوظات الجانب من كل شجب بل يُقدَّّّمن في الإعلام على أنهن بطلات مناضلات من أجل إرساء مبادئ الحداثة، ويُجمع لهن التأييد من كل الأطراف التي ترى في هذا النوع من “التفجير” خدمة للوطن الذي يعاني في نظرهم من الرجعية والتخلف عما وصل إليه الغرب في مجال حماية الحريات والحقوق الفردية.


فخلال الأحداث الإرهابية التي اقترفتها حركت “مالي” سمعنا عشرات النداءات تصوب تفجير “قنبلتها الناعمة” وتؤيدها في مطالبها، وتدعمها بمقالات وتحليلات تشرعن المجاهرة بانتهاك ركن من أركان الإسلام في بلد الإسلام، إلا أن الأمر لم تتدخل فيه الأعضاء الحكومية العلمانية نظرا لكون الإرادة الرسمية كانت ضده، فخسئ الجميع.


أما في “القنبلة الناعمة” الأخرى فالأمر تعدى مجرد هرولة الإعلاميين العلمانيين إلى مسح آثار الدمار الذي أحدثته، إذ عرفت تدخل عضو علماني ناعم من الحكومة حاول تزوير المحاضر وقلب الحقائق وصرح بكل “نعومة”: (إن صورة نادية لاركيت -وهي عارية من أي لباس، وقد صور نصفها العلوي، واضعة يدها على ثدييها، ببطن حامل- على مجلة “فام دي ماروك” صورة عادية تماما، لأن مظاهر الأنوثة كانت مخفية، وما كان بارزا هو الحمل، الذي يرمز للأمومة. كانت صورة طبية في جانب كبير منها، ولا تحمل ملامح الإثارة والجنسية. لكنها مع ذلك، صورة أزعجت وصدمت الكثيرين..، وهذا التباين في المواقف، يعكس التناقضات الفكرية للمجتمع المغربي، ويبرز صورا متناقضة تنطلق من أقصى الرفض إلى أقصى القبول..، وهذا وضع صحي على العموم لأنه يؤشر على الإمكانيات المتاحة للنقاشات والجدالات الفكرية والمجتمعية..).


ونتساءل: ما دامت نزهة الصقلي وهي عضو علماني في الحكومة قد تجرأت وساندت فعلا إرهابيا يمس المرأة لأنه يتماشى مع إيديولوجيتها التخريبية، فلماذا لزم عضو الحكومة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الصمت؟


أليست القيم الإسلامية جزء من الشؤون الإسلامية؟


أم أن المشروع التساوقي بين الديني والسياسي الذي يبشر به الوزير لا يتعارض مع “القنابل الناعمة”؟


أم أن عملية إحياء المذهب المالكي عند الوزير اقتصرت على التسليمة الواحدة، وقراءة الحزب جماعة، ودعاء القنوت في صلاة الصبح، وتركت للعلمانيين كل مناحي الحياة لينظموها وفق رؤيتهم المادية العلمانية للكون والإنسان والحياة؟


فليخبرنا الوزير عن موقفه من “التناقضات الفكرية للمجتمع المغربي” التي قالت زميلته في الحكومة أن صورة “لارغيت” العارية الفاضحة قد عكستها، فما دامت هي مع الصورة فهل يقف بجانبها الوزير أم يتناقض معها ويشجبها؟


وما دامت صورة المرأة العارية ذات حمولة فكرية نافح عنها العلمانيون من إعلاميين ووزراء، فلماذا لا يدافع وزير شؤوننا الإسلامية عن المحجبات والمنقبات أليست صورهم ذات حمولة “فكرية” إسلامية؟ -إن صح التعبير-.


فإذا كانت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن لا تستعمل التقية في التعبير عن منظورها للمرأة وللأسرة وتحاول أن تعيد صياغة كل القوانين المتعلقة بهما حتى تستجيب للمفاهيم العلمانية حول القيم المتعلقة بهما، فلماذا نلحظ كسوفا بل هروبا من طرف وزارة الأوقاف وكذا المجالس العلمية من ساحات المدافعة الفكرية والوجودية، ومحاولة قصر كل مجهودات الفاعلين فيهما على ما تعلق بأعمال المسجد بينما يترك البيت والمصنع والمدرسة للعلمانيين؟


فماذا ينفع الإرشاد في المسجد إلى غض البصر مثلا، إذا كان العلمانيون يعملون على تعرية النساء في الطرقات كل يوم بالإغراء وبالفكر وبالإعلام وربما كان بقوة القانون غدا -لا قدر الله-؟


وفي الأخير نود الإشارة إلى أن التفجير الناعم هو صنو التفجير الخشن، فالذين فجروا القنابل الخشنة في الدار البيضاء أرادوا أن يفرضوا على المغاربة المسلمين نوعا من القناعات عن طريق الإرهاب، الأمر نفسه بالنسبة لصاحبات “القنابل الناعمة” فهن أيضا من خلال ممارستهن لإرهابهن حاولن فرض نوع من القناعات على المغاربة ضدا على دينهم وعقيدتهم، وكما أن الأولين أحدثوا دمارا في الأرواح والممتلكات فكذلك الأخريات يحدثن دمارا في الأرواح بإماتة تدينها وحشمتها، ودمارا في الممتلكات بما سيفرزه لاحقا شيوع مثل هذه الأفكار من أمراض اجتماعية ونفسية مدمرة للأسرة والمجتمع ستنهك معالجتُها ميزانية الدولة، مع العلم أن هذه الأمراض تمثل أفظع ما يعاني منه المجتمع الأوربي الحداثي، رغم استعداداته المسبقة “للقنابل الناعمة” التي تفجرت فيه منذ ثوراته ضد كنيسته ودينه.


إن تقليدنا للغرب رغم ثبوت فشله على مستوى الأسرة والمرأة لدليل على انهزاميتنا وغثائتنا، ودلالة من دلائل النبوة التي تضمنها قول سيدنا ونبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: “لتتبعن سنن من كان شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟” صحيح البخاري.


وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

‫تعليقات الزوار

6
  • رحال
    الجمعة 20 نونبر 2009 - 05:07

    الأستاذ ابراهيم الطالب كما عهدناه دوما من خلال كتاباته في جريدة السبيل، يتميز بذكاء وحدة ذهن وقلم سيال، وهو من خلال هذا المقال يؤكد مرة أخرى أنه حامل فكر مستنير ويقظ جدا لمخططات التفتيت والتخريب التي تستهدف مجتمعنا المغربي.
    شكرا جزيلا أستاذ ابراهيم وبارك الله في جهودكم

  • إبراهيم
    الجمعة 20 نونبر 2009 - 05:09

    اشكر الأستاذ الكريم إبراهيم الطالب على هذه المقالة الموفقة التي تأتي ضمن سلسلة ذبه عن دين المغاربة وثقافتهم.و بالمقابل فضح الأطروحات العلمانية ونوايا الخداثيين الخبيثة.

  • مغربي
    الجمعة 20 نونبر 2009 - 05:13

    مقالة رائعة أخي ، أحييك على إشاراتك التي وجهت للسيد وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية . لكنك أخي غفلت عن توجيه نفس الإشارة إلى من هم أولى بالمسؤولية منه ، فما هو سوى مجرد مدرس تاريخ لا يستطيع مهما بلغ باعه في البحث أن يتجاوز سادته العلماء ، و على رأس هؤلاء العلماء المجلس العلمي الأعلى بمختلف مكوناته .
    * * * * *
    و أما تسميتك لتلك القنابل بالناعمة ، فأرى أن الأولى أن نسميها بالخبيثة قياسا على القنابل الجرثومية و مثيلاتها من القنابل التي تهلك الناس دون أن تحدث دمارا في الأشياء .
    * * * * *
    ـ اللهم لا تهلكنا بما يفعله السفهاء منا.
    ـ اللهم عافي مجلسنا العلمي من إعاقاته .

  • المهندس
    الجمعة 20 نونبر 2009 - 05:15

    مقالك يدخل في خانة المقالات التي تخون الآخر لأنه مختلف عنك و لا يريد أن يفكر مثلك.و نعتك بما حدث إرهاب غير صائب تريد فقط أن تستعمل هذا المصطلح حتى تحي للقارئ أن ما وقع حدث فظيع.ما حدث من الممكن تسميته إستفزازا و عملا غير مقبول لا غير.
    ثم انه لآ أحد أراد ان يفرض علي المغاربة شيئا ما. كان ذاك قناعتهم لا غير فهم
    لم يدعوا الناس للإفطار و لم يحتجوا أمام البرلمان على إلغاء قانون تجريم الإفطار ، و الدولة رفضت ما حدث جملة و تفصيلا.
    ثم كذلك ما كتبته في الأخير” إن تقليدنا للغرب رغم ثبوت فشله على مستوى الأسرة والمرأة” فأحب أن أصحح لك بأن الغرب غير فاشل على هذا المستوى أبدا. فقط هو في خيالك و تريد أن تقنع به القارئ.نعم كما في كل مجتمع تعيش الأسرة في الغرب مشاكل و لكن مشاكل تتم دراستها و محاولة إيجاد حلول لها.

  • عالَم أوابد
    الجمعة 20 نونبر 2009 - 05:05

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تحية للاخ ابراهيم الطالب على هذا الموضوع القيم . الكثير من بني علمان يعلمون ان هذا صحيح ولكن الحصانة التي تقدم لهم تشجعهم على المضي في مشروعهم التخريبي..

  • محمد
    الجمعة 20 نونبر 2009 - 05:11

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الرد على 4 اما قولك لا اكراه في الدين فهدا لغير المسلمين اما هؤلاء فهم منا للاسف بل قل اداابتليتم فاستتروا لكي لا يفتن المسلمين اما الافطار فهم بفعلهم هدا يريدون نشر هده الافكار الخبيتة وهم ممولون من جهات خارج البلادلتطبيق مخططهم التخريبي للدين والدنيا والله المستعان اللهم هدا منكر

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز