ناطح ومنطوح...وبينهما كبش العيد

ناطح ومنطوح...وبينهما كبش العيد
الجمعة 27 نونبر 2009 - 13:10

“شاطر ومشطور وبينهما رجل” أقصوصة جميلة للطبيب الأديب أيمن الجندي، يصف فيها شقاء بعض الرجال الذين يجمعون أما وزوجة متنافرتين تحت سقف واحد. نستعير العنوان بصيغة النطح لنتحدث عن عيد الأضحى المبارك، وهو مناسبة تجلي بعض سجايا المغاربة وطباعهم الفريدة كما تبرز بعض متناقضات هذا الوطن. أما الكبش فأقحمناه في العنوان كي نزيل اللبس وندفع عن هذه البهيمة تهمة هي منها براء، إذ ينحي عليها البعض باللائمة لما يصيب جيبه من خروم وما يحمله العيد من مشقة وتكلفة…مع أن كل ما في الأمر أن المغرب أصلا مقسوم فئتان: ناطح ومنطوح، سواء في العيد أو في غيرالعيد…فما ذنب الكبش المسكين إن وجد نفسه كل عيد بين ناطح لا يرحم ومنطوح مصر على اقتنائه مهما كلف الثمن؟؟


المواطن المطحون (أو المنطوح لا فرق) صار العيد بالنسبة إليه عبئا ينوء بحمله، فقبل أن يستفيق من دوخة الدخول المدرسي ورمضان وكسوة العيد…يجيء كبش العيد ليصيبه في مقتل (ليس الكبش إنما تكاليفه). الغريب أن هذا المواطن المسكين هو الذي مازال يحتفي بالعيد الكبير أكثر من غيره، ففي الوقت الذي يسقط كثير من “المستلبين ثقافيا” عن أنفسهم هذه “التقليد”، لكيلا تمتلئ فيلاتهم بمخلفات الكبش من روث وأبوال وتتلطخ جدرانها بدماءه…ينتشي الفقراء برائحة المواشي العطنة ويحرص بعضهم على أن تنبعث من ثيابهم، حتى يعلم من يصادفهم أنهم قد اقتنوا أضحية العيد أو أنهم قد أمضوا يومهم في “الرحبة” بحثا عن الكبش الموعود… بينما تحفل نساؤهم بتلك الدماء التي يرينها حناء تزين كل ركن تطاله من بيوتهن المتواضعة. تلمحهن يوم النحر وقد دب نشاط غريب في أجسادهن، يقفن على أدق التفاصيل ويحرصن على أن تحترم جميع العادات الموروثة حتى أنك-مثلا- لا تكاد تجد بعيد العيد سطح منزل خاليا من أحشاء كبش تجفف لتصير قديدا يعددن به أشهى الأطباق…ولبعضهن فيه مآرب أخرى…


وفي كل عيد تظهر حرف ثم تختفي: بيع العلف والفحم، تحديد السكاكين وشي الرؤوس…أنشطة يزاولها الشباب قانعين بما تدره عليهم من دراهم أيام العيد، ثم ما يلبثوا أن يتفرقوا على زوايا البطالة بعده…يسارع الكثير من الميسورين لنجدة إخوانهم الفقراء ممن لا قبل لهم بثمن الكبش، كما يتطوع بعض الشباب لنحر أضحية من لا يحسن الذبح من جيرانهم ومعارفهم، ويقضي بعض الأبناء المتزوجون العيد مع الأسرة الكبيرة صلة للرحم وتوفيرا للمصاريف…خصال الصبر والتضامن الآخذة في الذبول هي سر من أسرار استحمال المغاربة لتردي أوضاعهم المعيشية وكابح من كوابح الغضب الشعبي المتزايد على سياسات المخزن المفلسة…


المغرب بلد يعيش خمسة ملايين من مواطنيه بأقل من 10 دراهم في اليوم. الحد الأدنى للأجور فيه 2000 درهم ونسبة عطالة ساكنته النشطة في ارتفاع مضطرد…باستحضار مثل هذه المعطيات وبالنظر للأسعار التي تكاد تناطح السحب يبدو -نظريا على الأقل- أن اقتناء المواطن للأضحية أمر مستحيل، ومع ذلك فلا أحد يقوى على مقاومة إلحاح ربة البيت أو نظرات الاستعطاف التي لا ترحم في عيون الأبناء ولا الضغط الاجتماعي الذي تخلقه غريزة التكاثر والتفاخر بين الناس…يرضخ المغاربة إذن على مضض، وتراهم يدخرون ثمن الأضحية شهورا ويقترضون ويبيعون ملابسهم وأثاثهم إن لزم الأمر…وكل هذا تكلف يورد صاحبه المهالك، لم يأمر به الشرع الحنيف كما لا يتفق ويسر الدين وبساطته…


بقدر ما يعظم البسطاء هذه الشعيرة، بقدر ما لا يرعى الناطحون فيهم إلا ولا ذمة، بدءا بالكساب والمضارب وموظف الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالعمالة وانتهاء ببعض الجزارة -سامحهم الله- الذين لا يتقيدون بالضوابط الشرعية لنحر الأضاحي، دون أن ننسى حكومة لم تكلف نفسها عناء ضبط الأسعار لتمكن بذلك المنتجين والمضاربين من رقابنا، ويجعل هؤلاء أثمنة الأضاحي نارا تستعر بها الجيوب، أما المصارف التي تقدم نفسها كإطفائي يريد إنقاذ الموقف…فإنما تنصب شركا لمتوسطي الدخل حتى تأسرهم بقرض لا يكملون أداءه إلا بعد شهور، أي بعدما يكون اللحم المحفوظ في المبردات قد صار في خبر كان، وصرنا على مشارف رمضان.


بين فرحة العيد وصدمة الأسعار ينسى بعضنا تدبر المغزى من العيد، الذي أصله رؤيا الخليل إبراهيم عليه السلام…نستحضر هذه الذكرى الغالية لنتعلم اليقين من أب الأنبياء وفرض بر الوالدين من ولده إسماعيل عليهما السلام…من هدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتصدق بثلث الأضحية ويهدي ثلثها لجيرانه، كان يذبح شاته بنفسه، ويضحي عمن لم يضح من أمته وأجاز لبلال رضي الله عنه أن يذبح ديكا في العيد لقلة ذات اليد…هو القائل صلى الله عليه وسلم عن أيام العيد أنها أيام أكل شرب وذكر… فلا تنس ذكر الله، أما الأكل والشرب فمحال أن ينساهما أحد.


[email protected]

‫تعليقات الزوار

3
  • يوسف
    الجمعة 27 نونبر 2009 - 13:14

    كبش العيد فور كي جبور او كور كي متمور او فيه الكبدة كي يبدة او يدير القيرة كي بوقرة او ياكل لحشيش كي حليش

  • يوسف
    الجمعة 27 نونبر 2009 - 13:16

    صباح العيد
    قصة قصيرة، بقلم: د. حسين علي محمد
    (1)
    خرجتُ من حجرتي التي تقبع في ممر طويل مظلم، مُلحق بتلك المدرسة النائية في جبل «النخلة الحمراء» .. أمام الباب مطلع وعر، تمرُّ منه السيارات القادمة من صنعاء، والمتجهة إلى مدينة «الأحد».
    الوقتُ أمامي قصير لألحق صلاة العيد .. لماذا تأخرتُ في النوم؟ .. لم أنم إلا قبيل الفجر بنصف ساعة أو أقل قليلاً .. باق عشرُ دقائق على الصلاة .. عليَّ أن أصل إلى الساحة التي سيصلون فيها صلاة العيد.
    نظرتُ أمامي فوجدت الأستاذ «سيد ريحان» المدرس بالمدرسة الابتدائية المُجاورة يمشي مُصطحباً ابنه الأكبر «مصطفى» ذا التسعة أعوام .. أما حلمي ذو الأعوام الخمسة فيبدو أنه مازال نائماً .. فعل خيراً فالدنيا برد، ودرجة الحرارة تنخفض عن عشر درجات!
    تلفت «سيد ريحان» إلى الخلف فأبصرني، فانتظر لألحقه .. شدَّ على يدي مهنئاً بالعيد السعيد، راجياً أن يُطيل الله عمرينا لنكون العام المقبل «على جبل عرفات معا» .. وعانقني، فشممتُ عطراً رخيصاً يفوح من طيات ثيابه.
    ثياب ريحان مكوية، وشعره لامع، وفرحة العيد ترقص في عيني طفله «مصطفى».
    لاحظت سيد ريحان وهو يُحملق في وجوه اليمانيين، ويهمس لي:
    ـ رباه! .. كم هم مختلفون اليوم عن الأيام السابقة!
    مشينا صامتين ـ أنا وسيد ـ والولد يقفز وكأنه عصفور!

    جلستُ بجوار سيد ريحان على حشيش أخضر، في أرض مستوية، تتخللها بعض أشجار الخوخ .. تأكّدت أني أيضاً ألبس بنطلوناً وقميصاً جديدين، اشتريتهما منذ أسبوع من «صنعاء»، لكن بلا مكواة تمر عليهما .. فأين أجد الكوّاء في هذا المكان النائي؟!!
    (2)
    هاأنذا أجلس مطرقاً في مصلّى العيد، بكل مشاعري أستمع إلى «الشيخ محمد الأعرج»، وهو يُلقي خطبة العيد، عن معنى التضحية والفداء. والشيخ محمد مدير المدرسة الابتدائية المجاورة، وقد أخبرني منذ عدة أسابيع أنه درس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية ـ وإن كان لم يُتم دراسته الجامعية ـ ولذا فهو يفهم الفقه السني فهماً جيداً، وإن كان يُخطئ في اللغة ـ في كل خطبة ـ في كلمات قليلة!
    (3)
    هاهم اليمانيون يتعانقون في مودّة وفي حرارة بعد انتهاء الإمام من خطبته القصيرة .. وضحكات الإمام الصافية العالية تحتوي المكان.
    نظرت إلى اليمانيين وهم يسلمون عليَّ بإعزاز، فوضعتُ على فمي ابتسامة عريضة، لكن لم يقل لي «سيد ريحان» هل كانت حقيقية أم باهتة، كما اعتاد أن يصف ضحكاتي فيما سلف من أيام؟
    عانقني بعضُ طلابي، وعانقني بعضُ من لهم أولاد يدرسون عندنا في المدرسة الثانوية .. في حرارة حقيقية.
    (4)
    في المدرسة الثانوية ثلاثة أساتذة فقط:
    عبد الغني حسنين: مدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية، وقد ذهب ليلة الأمس إلى قرية «الخرابة» المُجاورة ليقضي يومين من أيام العيد مع ابن قريته «فريد»، وقد ألحَّ على أن أذهب معه (فزوجة «فريد» ابنة خالته، وليست غريبة عليه) .. ولكنني لم أستجب!!
    وعلي عوض الكريم: سوداني، يدرس اللغة الإنجليزية والمواد الاجتماعية، وقد ذهب منذ يوم الخميس ـ من ثلاثة أيام ـ إلى «صنعاء» ليُمضي العيد مع أبناء يلده، (وكان قد قضى عيد الفطر في ذمار) وعرضَ عليَّ أن أذهب معه إلى صنعاء، ولكني قلتُ له:
    ـ أنت ستذهب إلى أقاربك وأصدقائك .. وأنا ماذا سأفعل؟!
    ضحك ضحكة عذبةً أنارت وجهه الأسمر:
    ـ أنت أيضاً قريب وصديق.
    ولكنني لم أستجب!!
    وأنا .. مدرس الرياضيات والعلوم!

    أما المدرسة الابتدائية المُجاورة لمدرستنا فلها مدرس واحد هو «سيد ريحان»، وقد أعدّت له القرية سكناً مؤثثاً، مكونا من حجرة واحدة، يسكنُ فيه هو وزوجته الجميلة النحيفة البيضاء وولداه مصطفى وحلمي.
    اليمنيات يزرن زوجته عصر كل يوم، فلا يجد مفرا من أن يصطحب ابنه الكبير «مصطفى»، ويأتي ليجلس معنا، ويُخفف عنا وحدتنا بأحاديثه الجميلة، وقصصه المسلية!
    هل يعود من المُصلَّى ليجلس معي، ويُخفف عني وحدتي، ويذكرني بأيّام الأعياد في مصر!
    (5)
    صحبني «سيد ريحان» وابنه في طريق العودة. وقبل خطوات من البيت استأذن مني .. في سرعة ولهوجة .. لأنه مدعو عند شيخ القرية ـ هو وزوجته وطفلاه ـ ورجعتُ إلى حجرتي عابراً الصالة المُظلمة.
    أوارب الشباك قليلاً .. لأسمع ضحكات الأطفال .. وصياحهم .. وصفاراتهم.
    أخرجتُ بعض الحلوى التي اشتريتُها أمسِ من البقال الوحيد في القرية .. ليست جيدة، لكنها خير من لا شيء!
    تذكّرتُ أبنائي وزوجتي وأخواتي الأربع (فأنا الأخ الوحيد الذي يدخل عليهن في العيد) فأحسستُ بغصة في حلقي! .. مددتُ يدي لأشرب كوب الشاي البارد الذي عملتُه قبيل الفجر ونمتُ، ولم أشربه!
    أُحسُّ ألماً شديداً في ساقي اليُسرى.
    البردُ شديد .. فلأغلق الشباك، ولأتمدد على سريري، ولألبس جورباً سميكاً عساهُ يخفف عن ساقي بعضَ ألمها.
    .. يبدو أنني لن أخرج من البيت ـ اليوم أو غداً ـ حتى يعود عبد الغني من «الخرابة»!
    حسناً .. لقد اشتريت أمس من البقالة ما يكفيني يومين!

  • سحنون
    الجمعة 27 نونبر 2009 - 13:12

    مبروك علا كل مسلم كولو الكبدة او كترؤ

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين