المشروع التركي والتوازنات الدولية

المشروع التركي والتوازنات الدولية
السبت 29 مارس 2014 - 21:48

في إطار محاولة للفهم, تُجدر الإشارة لبعض المسائل الترتيبية, حتى تتضح معالم ما يحدث هنا في تركيا للمتتبع أبسطها في بضعة أسطر. فالحملة التي تشن على أردوغان منذ بدايات هذه السنة, و التي كثرت في فترة الحملة الانتخابية للمجالس البلدية, و كذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها هذا الصيف, يجب أن تفهم الأمور في سياقها. أردغان رئيس وزراء جمهورية تركيا بصلاحيات واسعة, يقود حزب العدالة و التنمية الذي يحكم البلد منذ 12 سنة. هذه السنوات من خذمة الشعب لم تثمر إلا إنجازات مهمة في قطاعات مختلفة داخل تركيا ما عزز شعبية الطيب أردوغان لدى الطبقات المتوسطة و الفقيرة, أما فيما يخص رجال الأعمال, فالمناخ العادل للتنافسية و النزاهة في السوق بالإضافة إلى شفافية الصفقات الدولية و ما إلى ذلك… جعلت حزب العدالة و التنمية بقيادة رجب طيب أردوغان الحل الأوحد و الوحيد أمام الشعب في مختلف الاستحقاقات الانتخابية.

كل هذا لا يهم.

المهم أن هذه النجاحات الداخلية, التي لمعت صورة الإسلام السياسي أو السياسة بثوابت إسلامية أو الممارسة السياسية بمرجعية إسلامية (لا تهم المسميات)… جعلت منه نموذجا أثبت واقعيته و نجاحه على مستوى الدولة كما ذكرت آنفا, كان له تأثير و إشعاع على المستوى الدولي أيضا وهذا هو الأخطر. منذ نهاية الحرب الباردة بين العملاقين الأديولوجيين و الاقتصاديين: الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية وجدت هذه الأخيرة نفسها تحكم العالم لوحدها. قوة اقتصادية و سياسية أمسكت بخيوط و شبكة المنتظم الدولي من كل جهة. أمريكا -و الغرب للتعميم- نجح في أن يكون اللاعب الواحد و الأوحد في ملعب التوازنات الدولية. القوانين الدولية في خدمة مصالح أمريكا, الحروب في خدمة مصالح أمريكا, الاقتصاد العالمي في خدمة مصالح أمريكا, الإرهاب (11 سبتمبر) في خدمة أمريكا, النظريات الأكاديمية (نظرية صراع الحظارات) في خدمة أمريكا, الديكتاتوريات العربية في خدمة مصالح أمريكا, التخلف العربي في خدمة مصالح أمريكا. لا توازن.

لنعد الآن لتركيا, نموذجها الناجح اقتصاديا و سياسيا و بروزها كدولة ديمقراطية يحكمها حزب سياسي ديمقراطي ذو مرجعية إسلامية أصبح يرعب الغرب. لم؟ بكل بساطة, لأن هذا الحزب و هذا المثال في الحكم لو استمر في حصد النجاحات, و تطوير قوته الاقتصادية, العسكرية و الاستراتيجية و لو أصبح نموذجا يتبع فعلا في البلدان العربية و الإسلامية… فهذا ينبئ لا بسقوط أمريكا لكن بصعود قوة أخرى عالمية موازية لها من حيث الحجم و التأثير في العالم الإسلامي و العربي و التي قد تكون نواتها تركيا.

هل تَرى إلى أين أتجه؟

طيب, لو كنت امريكا ماذا كنت ستفعل؟ (استحضر قوة هذا الكيان على المستوى الدولي و ادرسه على جميع المستويات حتى الثقافي والديني! ثم اربطه بالحفاظ على المصالح مهما كلف الثمن(

الولايات المتحدة الأمريكية واعية تمام الوعي بهذه النواة التي لو استثمرت كما يجب ستضيع على أمريكا و الغرب عموما مركزيته و محوريته في العالم ستضيع عليه فرص الاستغلال المواردي و البشري… ستضيع عليه بكل بساطة أريحيته في التقتيل عندما يشاء و التذبيح حينما يشاء و المناداة بحقوق الإنسان حين يشاء و تسمية جماعة أو أخرى إرهابية متى يشاء و استخدام “حق الفيتو” و اللعب في مجلس الأمن و هلم جرا… الغرب لن يبقى اللاعب الوحيد و سيعاد النظر في توزيع القوى دوليا, لن يبقى العرب تحت رحمة أمريكا و لن تتبقى اقتصادياتنا مرتبطة بقراراتهم وبرامج إعادة هيكلتهم, و لن يفرز هذا إلا نوعا من التوازن المطلوب على مستوى المنظومة الدولية.

هكذا نفهم أكثر ما يجري في تركيا, هكذا نفهم لم يتم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بالضبط لضرب تركيا من الخارج فمن يتحكم في هذه المواقع و من ورائها؟ هكذا نفهم كيف استدرج شيخ تركي قابع بأمريكا, أسهم في تأسيس دولة موازية هنا في الداخل ضربا ببلاده و محاولة لتدمير سمعة حزب أعطى له و لبني شعبه الكثير؟ لم آخر التسريبات كان تنصتا على لقاء سري يهم الأمن الوطني لتركيا؟ لما هذا التهببج و التجييش من الداخل و الخارج ضد رجل بسيط كسب قلب شعبه و تعاطف أبناء ملته في الأوطان المجاورة؟ كل هذا ضد رجل واحد؟ حزب واحد؟ ..ما يحدث في تركيا هو ضرب لنواة مشروع لو استثمر استراتيجيا كما يجب فاستقوائه قد يضيق مجال استفراد اللاعبين الكبار بالساحة الدولية.

*طالبة بجامعة إسطنبول شهير تخصص العلوم السياسية و العلاقات الدولية
عضو شبيبة العدالة والتنمية

‫تعليقات الزوار

10
  • ahmed
    الأحد 30 مارس 2014 - 00:18

    Merci beaucoup arma ans il a sorti il a adan sariya

  • yassine
    الأحد 30 مارس 2014 - 00:55

    تحليل جيد…لكن تركيا وحدها لن تسطيع قلب الموازين …لابد لنهوض دول أخرى كمصر …

  • متابع بسيط
    الأحد 30 مارس 2014 - 01:14

    رحم الله عبدا عرف قدر نفسه.

    يحاول "السلطان" أردوغان وثعلبه في الخارجية داود أوغلو ورفاقهما من العثمانيين الجدد لعب دور أكبر من حجمهم وشعارهم في ذلك للأسف : الغاية تبرر الوسيلة.
    ففي سعيهم المحموم لإحياء المجد العثماني البائد، اعتمدوا سياسة خارجية براغماتية ومنافقة لا تتورع في استخدام الدسائس وإبرام الصفقات السرية والمعلنة، حيث :
    – أبقوا على الاتفاقيات العسكرية مع الكيان الصهيوني
    – اقترحوا نشر الدرع الصاروخية الأمريكية على الأراضي التركية
    – تحالفوا مع أمريكا في دعم وصول التيار الإخواني إلى الحكم في دول "الربيع العربي"
    – رفعوا شعار "صفر مشاكل مع الجيران" لكن في المقابل يتدخلون بشكل جلي فج في إذكاء وتسعير حرب أهلية في سوريا ومحاولة إسقاط نظامها، وكان آخر تجليات هذا التدخل السافر ما تم تسريبه من اجتماع سري لقادة سياسيين وعسكريين أتراك والذي فضح النوايا السيئة لهؤلاء القادة وتآمرهم لشن حرب على الجار السوري.

    لقد انتهج العثمانيون الجدد سياسة خارجية منفرطة ولم يخضعوها لأي حدود أو ضوابط كما يفترض أن يفعل أي سياسي يدعي الالتزام بالمرجعية الإسلامية ولو كان هذا الالتزام في أدنى مستوياته

  • non à la turquie
    الأحد 30 مارس 2014 - 12:09

    le maroc n'a pas de leçon à recevoir de l'expérience turque sous le joug islamiste ,car le maroc connait parfaitement ce que cherche le parti turc au pouvoir,c'est revenir à l'impérialisme ottoman qui a colonisé avec une main de fer les pays arabes ,sauf bien sur le grand pays le maroc,l'insoumis à l'impérialisme ottoman,
    l'empire ottoman a offert l'algérie à la france et la palestine aux sionistes,et aujourd'hui il envoie des mercenaires de toutes les nationalités pour détruire la syrie qu'il considère sa propriété ottomane à recolonniser, non le maroc ne veut nullement de l'expérience islamiste turque

  • متابع بسيط
    الأحد 30 مارس 2014 - 13:39

    رحم الله عبدا عرف قدر نفسه.

    يحاول "السلطان" أردوغان وثعلبه في الخارجية داود أوغلو ورفاقهما من العثمانيين الجدد لعب دور أكبر من حجمهم وشعارهم في ذلك للأسف : الغاية تبرر الوسيلة.
    ففي سعيهم المحموم لإحياء المجد العثماني البائد، اعتمدوا سياسة خارجية براغماتية ومنافقة لا تتورع في استخدام الدسائس وإبرام الصفقات السرية والمعلنة، حيث :
    – أبقوا على الاتفاقيات العسكرية مع الكيان الصهيوني
    – اقترحوا نشر الدرع الصاروخية الأمريكية على الأراضي التركية
    – تحالفوا مع أمريكا في دعم وصول التيار الإخواني إلى الحكم في دول "الربيع العربي"
    – رفعوا شعار "صفر مشاكل مع الجيران" لكن في المقابل يتدخلون بشكل جلي فج في إذكاء وتسعير حرب أهلية في سوريا ومحاولة إسقاط نظامها، وكان آخر تجليات هذا التدخل السافر ما تم تسريبه من اجتماع سري لقادة سياسيين وعسكريين أتراك والذي فضح النوايا السيئة لهؤلاء القادة وتآمرهم لشن حرب على الجار السوري.

    لقد انتهج العثمانيون الجدد سياسة خارجية منفرطة ولم يخضعوها لأي حدود أو ضوابط كما يفترض أن يفعل أي سياسي يدعي الالتزام بالمرجعية الإسلامية ولو كان هذا الالتزام في أدنى مستوياته.

  • غير معروف
    الأحد 30 مارس 2014 - 14:00

    أردوغان يطبق العلمانية ، أما نجاحه ففقط في أداء ما بذمة تركيا من قروض ، وتطبيقه الحرفي لنصائح البنك الدولي ، فهو لا يطبق أي نموذج إسلامي لا إقتصاديا ولا إجتماعيا ،لأنه في الحقيقة لا وجود لنموذج إسلامي ،ربما تطبقه الصومال، السودان،أفغانستان في عهد طالبان ، وأيضا السعودية

  • loujdi
    الأحد 30 مارس 2014 - 14:41

    هناك مجموعة نقط تغفلينها في تحليلك:

    1) الدور اللذي لعبه أردوغان و حكومته في الحرب ضد بشار، أردوغان سمح لعشرات الآلاف من المجاهدين الدخول لسوريا عبر التراب التركي و كل هذا بتنسيق مع المخابرات السعودية و الأمريكية.

    2) أمريكا و أوباما بشكل خاص طلب من الإتحاد الأوروبي ضم تركيا، و هذا دعم أمريكي واضح لحزب العدالة و التنمية التركي و أردوغان.

    3) الإقتصاد التركي أكثر من 30% منه تساهم به الإستثمار الخارجي اللذي أغلبه موزع ما بين رأس مال أمريكي و أوروبي. عكس إيران اللتي يقيم عليها الغرب حضرا، فتركيا الغرب و أمريكا خصوصا إستراتيجيا أرادت دعمها و خلق نموذج منها.

    4)تركيا أردوغان هي عضو في الناتو، لديها صفقات مهمة من الأسلحة مع إسرائيل، مشاركة في مشروع F-35 الإستراتيجي.

    لو كان الغرب يعتبر أردوغان عدوا أو منافسا لما أعطاه كل هته الإمتيازات. يكفي مقارنة كيف يتعامل الغرب مع الصين و إيران من جهة و مع تركيا من جهة أخرى، تركيا حليف غربي بإمتياز و لا علاقة بين أردوغان و صلاح الدين الأيوبي أو سليمان القانوني.

  • sifao
    الأحد 30 مارس 2014 - 19:44

    اين تتجلى اسلامية الدولة التركية ؟ تركيا دولة علمانية يقودها حزب زعيمه مسلم ، بمعنى يمارس الشعائر الدينية التي يمارسها كل متدين ، اما الاسلام السياسي فلا رائحة له لا في خطاباته السياسية ولا في برامجه الانتخابية ، خطاب موجه الى الشرق بالتحديد طمعا في استثمار تخلفه باللعب على اوتار مشاعر الناس الدينية ، لماذا لم يقطع العلاقات مع اسرائيل بعد مهاجمة سفينة "مرمرة" ؟ وانت تعرفين ماذا تعني اسرائيل بالنسبة لكل مسلم .
    تركيا بوابة اروبا وكل من جاور الغرب الا ويستفيد من فتاته ، بعدما اغلق الابواب في وجه انضمامها الى الاتحاد الاروبي ، توجه اردوغان الى الشرق ، حيث تعود الاتراك مجيئهم كلما شعروا بالقوة ، وكانت للشرق تجربة مريرة مع تركيا ، والآن لا يريد معايشتها من جديد .
    اذا كان الاسلام الساسي هو من يحكم تركيا ، فليتجرأ اردوغان على اقامة حد من حدوده على اي تركي او تركية لتتضح لك طبيعة مرجعية الدولة ، اسلامية ام علمانية .

  • darine mostafa
    الإثنين 31 مارس 2014 - 00:02

    أولا شكر خاص لصاحبة المقال على تحليلها رغم حداثة سنها, نشجع الشباب المبادر المفكر والمحلل عوض من يقلد ويتبع الآخرين.

    ثانيا إليك ياصاحب الرد رقم 4 لديك الكثير من المغالطات التاريخية حول الدولة العثمانية, ممكن هناك انتقادات توجه لها ومن منا لا يخلو من العيوب والإنتقادات, عليك ان تعلم أن الإمبراطورية العثمانية لعبت دورا كبيرا في حماية العالم العربي والإسلامي من المد الشيعي, كما أوصلت الدين الإسلامي إلى ماوراء البحار. وأعود لتسليم العثمانيين لفلسطين للصهاينة, لا يا أخي اقرأ التاريخ مجددا ورفض السلطان عبد الحميد رغم الظروف التي كانت تعيشها الإمبراطورية في نهاياتها, لكنه رفض العرض الصهيوني والبريطاني حتى لا يقال فرط في فلسطين, أما بخصوص الجزائر, ما هي دلائلك بتسليمها للفرنسيين؟ وإلا لمتذا المغرب استعمر وكان مستقلا آناذاك,,,,المرجو قبل التحامل وحمل الأحقاد على جماعة أن نتأكد ونتبين.
    وعوض اتهام تركيا بما يحدث بسوريا اتهم أولا إيران وأطماعها بالمنطقة والصهاينة,,,,هؤلاء هم من يجب الحذر منهم وأخذ الحيطة من تدخلاتهم بالمنطقة العربية,

  • أبو علاء
    الإثنين 31 مارس 2014 - 19:47

    المسلمون لا يقرؤون التاريخ، ولا يستشعرون الصراع الدولي والميكانيزمات المتحكمة في العلاقات بين الأمم والنموذج الأسوأ يوجد في الخليج وكيف يبذرون ثروات الأمة لصالح أعدائها. تنقصنا ثورة فكرية منطلقة من القرآن وفقط القرآن ليس شيئا آخر. حينها فقط نستطيع الاقلاع كما أقلع أجدادانا الذين سبقونا.

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 17

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات