حاجتنا إلى الفلسفة .. حاجتنا إلى التفلسف

حاجتنا إلى الفلسفة .. حاجتنا إلى التفلسف
السبت 19 دجنبر 2009 - 14:26

تعقيبا على المقال الصادر تحت عنوان : ” تدريس الفلسفة في مغرب الألفية الثالثة ” بجريدة ” المساء ” الرائدة ، للأستاذ المصطفى مرادا عدد 999 يوم الثلاثاء 08 دجنبر 2009 ، أقول بأن منهاج الفلسفة المعمول به حاليا، يروم ، في نهاية المشوار التعلمي للمتعلمبن و المتعلمات ، أن ينخرط هؤلاء في ” إنتاج الخطاب الفلسفي و تداوله شفهيا و كتابة ” انطلافا من تحقيق كفايات استراتيجية و تواصلية و منهجية و ثقافية .. و لكنه ، في اعتقادنا الشخصي ، لا يروم في أن ينخرط هؤلاء الشباب ، بعد التخرج و الدخول إلى معترك الحياة العامة و المهنية و الخاصة ، انخراطا حقيقيا ، ذلك الانخراط الذي يجعل من التفلسف و مقاصده ، قيمة القيم .


وهنا، في هذا الصدد، ينبغي طرح التساؤلات التالية:


_ هل استطاع المتعلمون و المتعلمات أن يعبئوا مختلف الموارد والمعارف الفلسفية و يستثمروا المكتسب الفلسفي و التجربة المعرفية و الروح النقدية و الثقافة العقلانية التي أمدهم إياها الدرس الفلسفي طوال سنوات التمدرس بالثانوي التأهيلي لتكون جهاز مناعة ، تقيهم ويلات هذا العصر الذي يتحكم فيه الاقتصاد المعولم ؟؟؟


_ فإذا سلمنا ، مثلا ، أن دارس الفلسفة في الباكالوريا قد احتك بمختلف جوانب الوضع البشري ، على سبيل المثال ، على المستويات النفسية و الاجتماعية و التاريخية و الحضارية في أبعادها الإنسانية ، اعتمادا على معينات ديداكتيكية معينة ( نصوص فلسفية ، شرح ، مناقشة … ) فهل يحق لنا أن نقول أن الدرس الفلسفي قد نجح في أن يخلق ذلك التفاعل الإيجابي و البناء بين المتعلم (ة) و محيطه ؟؟؟


_ و هل استطاع، أيضا، أن يزوده بتلك الآليات الفكرية التي تساعده على تفكيك البنيات المعقدة التي بات يتسم بها واقعه ؟؟؟


_ وإلى أي حد توفق المتعلم ، عبر هذا الدرس الفلسفي ، في أن يخلق المسافة الممكنة بينه و بين ماضيه الحضاري و ثقافته وموروثه الذي ينتمي إليه ، الذي يجهل عنه الكثير ، لفهم إشكاليات عصره ، اتقاء شرور المظاهر الاستيلابية التي أصبحت موضة هذا العصر المعولم ؟؟


تساؤلات باتت تطرح نفسها ، و بإلحاح ، على كل متتبع لما آل إليه مستقبل التدريس ببلادنا ، على العموم ، و تدريس الفلسفة على الخصوص ، لا ندعي أننا نستطيع أن نجيب عنها ، بقدر ما نستطيع أن نلفت عناية القارئ الكريم إلى خطورة ما تحمله من أفكار ، و جسامة غموض الآفاق التي تشير إليها .


فإذا كان من أبرز رهانات التربية و التكوين ، كما تفضل الأستاذ مصطفى مرادا بذكره في مقاله المهم ، هو الانكباب ، على ” ترسيخ قيم التعايش و المواطنة و حقوق الإنسان ثقافة و سلوكا ” خصوصا بعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية ، وتمرير خطابات الفكر الحداثي الأنواري ، عبر دروس معينة ، و من جملتها دروس الفلسفة ، فإن هذه الرهانات لن تكسب بالشكل المطلوب و المرغوب فيه ، ما لم يؤخذ بعين الجدية ، الإدماج الفعلي للفلسفة و الفكر الإسلاميين ، في المناهج و البرامج الجديدة .


فالشكل الذي تظهر به الفلسفة الإسلامية ، حاليا ، عبر نصوص فلسفية ، لفلاسفة مسلمين ، مبتورة عن سياقاتها ، تجعل مدرس الفلسفة ، أمام إكراهات التدبير الزمني ، وتدبير أنشطة التعليم و التعلم ، عاجزا عن الاستفاضة في الشرح و إعطاء صورة عامة للمتعلم (ة) ، تربط المفاهيم المركزية في النص المدروس بمختلف سياقاته التاريخية و الاجتماعية ، و مرجعياته الفكرية و الإيديولوجية .


فالصورة الباهتة التي أصبح يظهر بها الدرس الفلسفي في ثانوياتنا التأهيلية ، تكشف عن أن ما يقدم للمتعلمين و للمتعلمات ليس سوى دروس معدة على طريقة الوجبات السريعة والخفيفة ، الغرض منها الحصول على نقطة جيدة في الامتحان ، و ليس الغرض منها هو إشباع نهم المتعلم (ة) و تعطشه للمعرفة الفلسفية .


فإذا تأملنا الطرق البيداغوجية المعمول بها قديما في سنوات السبعينيات و الثمانينيات من القرن المنصرم ، سنجد أنها لم تكن أبدا متمركزة حول الأستاذ أو حول الدرس ، بل هي كانت طرقا و صيغا تفاعلية بين أقطاب العملية التعليمية ـ التعلمية الثلاثة : الأستاذ ، الدرس ، المتعلم . و الأستاذ لم يكن يشكو من هذا الذي يشكو منه الآن الأساتذة ، من تدن مزمن في مستوى التحصيل ، وغلبة الكم على الكيف وغيرها من المثبطات . فقد كان لديه هامش واسع من حرية التصرف التي يفتقدها خلفه الآن ، يتيح له القدرة ،على شحذ الهمم ، خلق المتعة في الدرس ، و على جعل المتعلم (ة) يتخذ مواقف و يتبنى اتجاهات معينة تفيده في حياته . و هكذا وجدنا أن مادة الفلسفة ، إلى جانب أخواتها المواد ، ( خاصة مادة التاريخ ) قد قدمت للمغرب أجيالا من المتعلمين المتنورين استطاعوا أن يساهموا في تطور و ازدهار المغرب ، كل حسب موقعه .


لكن .. يصبح الأهم اليوم ، هو انكباب الجهد الديداكتيكي على تنمية و تطوير القدرة على تملك آليات تحليل نص فلسفي وتنمية مهارة الكتابة الفلسفية .. و كأن المشكل الذي يعترض متعلمينا و متعلماتنا ، هو مشكل تقني فقط .. فتمكن المتعلمين و المتعلمات من آليات و تقنيات التحليل و التركيب له أهميته القصوى ، فهذه مسألة لا يختلف فيها اثنان ، لكن ، لا ينبغي علينا أن ننسى ، أن الجوانب الأخرى المرتبطة بتملك المادة المعرفية ، لها درجة كبيرة من الأهمية أيضا في و نحت الإنسان ، جوانب تترك آثارها العميقة في نفسه ، تولد المواقف الإيجابية و تعزز لديه المبادئ و الاتجاهات ، على المدى المتوسط و المدى البعيد .


فالمهندس و الطبيب و المقاول و السياسي و المواطن الصالح ليسوا بمعطيات جاهزة ، بل يخضعون لسيرورات متصاعدة و متسلسلة تربط الخاص بالعام ، المحلي بالكوني ، في تشكل وعيهم و نحت شخصياتهم : فلا قيمة لمفاهيم فلسفية ، كالعقلانية و الديمقراطية و الشخصانية و الغيرية والتواصل و الاختلاف ، إذا لم تكن تسكننا على نحو تجعلنا نتجاوب و نخاطب عبرها إشكالياتنا التاريخية و الثقافية و الحضارية!!!


الفلسفة ، تقدم و تتيح مثل هذا التجاوب و هذا التخاطب ، عبر مساءلة الذات و ذات الآخر ، تلك المساءلة التي تقودنا ، بتعبير كارل ياسبيرز ، إلى التفلسف .


فهل كونا عبر هذه البرامج و هذه المناهج التعليمية الجديدة ذواتا مغربية متفلسفة ؟؟؟ وهل سيسمح رصيد هذه الذوات في الفكر و التجربة أن تفلسف المهام الموكولة إليها ، إذا دخلت ، مثلا ، قبة البرلمان أو مجالس البلديات ، و أصبحت تملك سلطة اتخاذ القرار في تدبيرها للشأن الوطني أو المحلي ؟ و هل سيصبح نشاطها هذا عامل تحرر أم عامل استلاب لها ؟؟ فمظاهر الفساد التي تطفو على السطوح في الإدارات و مختلف مرافقها الحيوية، التي تنخر جسمنا الثقافي و تمزق نسيجنا الاقتصادي شر تمزيق، شاهدة على غياب روح التفلسف في سلوكنا اليومي.


وبناء عليه ، فصناع القرار السياسي و التربوي في بلادنا ، مدعوون إلى التفكير في بلورة استراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار ، أثناء التخطيط ، جانب التفلسف ، ذلك العامل الحاسم في تقدم و رقي و ازدهار شعب من الشعوب .


[email protected]

‫تعليقات الزوار

6
  • الانسان الحديث
    السبت 19 دجنبر 2009 - 14:36

    لولا التفلسف والشك في المعتقدات الجاهزة والموروثة لما توصل الانسان الى نسبية الحقيقة . ان البداية هي الاعتراف بالخطااو الأخطاء في معتقدات الماضي ومراجعة كل معارفنا السابقة لكي نبني حاضرا جديدا يناسب عالمنا الحديث الذي جعل حياتنا مكشوفة أمام عالم معولم لايمكن للشمولية ولا للدغماتية ولا للطابوهات أن تبقى تسيطر على عقولنا . لنبدأ من الصفر لنبني عالما انسانيا بدون ارهاب ولا تعذيب ، فلربما المدينة الفاضلة حلم جميل يمكن تحقيقه اذا اصبح كل الحكام فلاسفة يؤمنون بكرامة الانسان وحقوقه في حرية التعبير والعيش الكريم في عالم المصالح والتنافس العبثي من اجل السيطرة على الكون .الفلاسفة يحلمون بعالم السلام والتسامح وحقوق الانسان والتفلسف حق انساني لانقاد عالمنا المعاصر من كوارث الطغيان والعنصرية والابادة للآخر بسبب اوهام ايديولوجية وديماغوجية يفندها العقل والبرهان العلمي.

  • maghribi
    السبت 19 دجنبر 2009 - 14:34

    انا لا احب الفلسفة ياتون لنا بما يقوله سقراط و ارسطو بدون فائدة ولا يريدون ان يعلمونا تفسير القران الكريم لنتامل و نفهم كثيرا ما يقوله الله سبحانه و تعالى لا حول ولا قوة الا ب لله ارجوكم ان تنشروا هده الملاحظة جزاكم الله خيرا

  • خوكم
    السبت 19 دجنبر 2009 - 14:38

    هل الفلسفة الالحادية يجب ان تدرس ام الفكر الاسلامي ؟ للاجابةعن هذا السؤال نقول:يجب تدريس الفكر الاسلامي ثم بعد ذلك تدريس الفلسفة.فمثلا كارل ماركس لديه فلسفة تخدم الاطماع الشيوعية وهذا الاخير قدسقط حكمه .فهل سياسةلم تنجح فلسفتها ندرسها لنيتخدمها في انجاح حياتنا؟

  • عمر من تازة
    السبت 19 دجنبر 2009 - 14:32

    لقد أعطت المداخلتان 2 و 3 اجابات محبطة على الأسئلة القلقة للسيد عبد الجبار الغراز .. ها هي نتائج محاصرة تدريس الفلسفة و العلوم الانسانية نهاية الثمانينات تعطي ثمارها “الحلوة” ..
    في المداخلة 2 يشتكي المعلق من تدريس أفكار أرسطو و سقراط أو “الفضلاء” كما كان ينعتهم الفلاسفة المسلمون الأكثر عقلانية و تسامحا و انفتاحا من أبناء مسلمي اليوم عربا و عجما
    و هذا هو تقييم فكر كارل ماركس في ثلاثة أسطر :
    ((كارل ماركس لديه فلسفة تخدم الاطماع الشيوعية وهذا الاخير قدسقط حكمه))
    افرح يا عز الدين العراقي فجهودك المباركة في أسلمة التعليم و تخريب الوعي أثمرت و أينعت ..
    و اندب و الطم يا محمد كسوس .. لقد سخط عليك البصري يوما بسبب محاضرة عنوانها “انهم يديرون خلق جيل من الضباع” .. و قد كنت محقا فعلا
    نحن ضحايا تعليم يريد صنع روبوتات او كائنات سباينية تبرمج باللوغاريتمات لتحقق قدرها كأي “مواطن صالح” يفكر بعقل الجماعة و بالعقل الذي أريد له مذ بدئ ينشد “مدرستي الحلوة” !!!

  • ابو شادية محمد
    السبت 19 دجنبر 2009 - 14:30

    استاذي المحترم وانا ابادلك المهنة من موقع اخر وابادلك الهم التربوي والغيرة والانتصار للفكر الانواري
    اقول كيف يمكن ان نستنبت الدرس الفلسفي في تربة معادية للسؤال والانسان والعقل ؟؟؟؟ تامل معي الردود؟؟؟ تعرف كم سؤالا لابد من استنباته في فكر متحجرممانع للنقد والسؤال ؟؟؟
    لكن لابد من ثقب في جدار الصمت ؟؟؟

  • خليل بادي
    السبت 19 دجنبر 2009 - 14:28

    الفلسفة خطاب متعالي، هذا النص كالفلسفة، وهما معا كأكاديمية أفلاطون، أرجو ألا يدخل علينا في النقاش إلا فيلسوف أو رياضي.
    عجبا، ما أن يطرح موضوع على هذا المنبر، حتى تجد المتطفلين أول من يتهافت على المساهمة في التعليق عليه.
    السيد محمد أبو شادية، صدقت أخي، نعم الملاحظة.
    الأخوان، صاحبي الرد2
    الفلسفة ليست بالضرورة إلحادية، انظر فلسفة ديكارت مثلا، إنها فلسفة مؤمنة.
    هل كل أساتذتنا كفار؟
    حاشا لله.
    ثم إن كارل ماركس، عالم اقتصاد،وليس فيلسوفا.
    أنت تختزل الفلسفة في الفكر الاشتراكي وفلسفته. وهذا خطأ.
    وجهات النظر تختلف في هذه القضية،وتحترم.
    إخواني الفلسفة ليست مجرد وجهة نظر.إنها تخصص قائم بذاته.وينبغي احترام التخصصات.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 2

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة