مكاتب بوعشرين وحواسيب بوكفو

شهد المغرب في الشهور الأخيرة موجة اعتقالات ومحاكمات في حق صحفيين ومدونين ونشطاء أنترنيت بمبررات انتهاك حرمة العائلة الملكية وتشويه صورة المغرب في مجال مكافحة الاتجار بالمخدرات وفي مجال حقوق الإنسان . إلا أن الملفت للانتباه عدم اقتصار تلك المحاكمات على توقيف الأشخاص المتهمين وفق أحكام القضاء بل طال الاعتقال الأجهزة التي استخدموها في تنفيذ ما اعتبرته السلطات جرائم يستحقون عليها العقاب ، ومن أهم حوادث اعتقال الأجهزة حجز مكاتب يومية ” أخبار اليوم ” والتي يديرها الإعلامي المخضرم توفيق بوعشرين وإغلاقها إلى يومنا هذا ، وكذلك حجز حواسيب مسير مقهى الإنترنيت بتغجيجت عبد الله بوكفو بعدما سمح للمدون البشير حزام في نشر بيان الطلبة حول أحداث تغجيجت انطلاقا من مقهى الإنترنيت الذي يسيره .

يمكن تفسير اعتقال أجهزة عمل يومية بوعشرين بكون السلطات المغربية مغتاظة من المجهود الإعلامي الذي يبذله الرجل انتصارا للقارئ المغربي وحقه في الحصول على المعلومات التي تهم شؤون بلده ، لذلك سارعت بحجز مكاتبه دون انتظار الحكم القضائي لتعبر في خطوة غير محسوبة عن ضرورة الانقضاض على الصحيفة في الوقت المناسب ، أي لحظة الخطأ ، فكان الرسم الكاريكاتوري للفنان خالد كدار وكانت بداية تنفيذ مخطط الاستيلاء على العش بعصافيره .

وبعد أن منح الترخيص للإعلامي بوعشرين من أجل إصدار صحيفة جديدة لم يسمح له باستعمال أجهزة الصحيفة السابقة وكأنها ساهمت في تنفيذ جرائم حقيقية ضد الدولة المغربية ، نسي المسئولون أنها أدوات جامدة طيعة بيد الإنسان يستعملها كما يشاء . ولكن الرسالة التي تريد السلطات المغربية إيصالها لبوعشرين وأمثاله هي الثمن الذي يمكن أن يدفعه كل مزعج للسلطة ، فعندما استنفذت السلطات ورقة الغرامات المالية جاء دور الاستيلاء على الأجهزة ، أي تكرار شراء الأجهزة والتي نعلم غلاء أثمنتها كشكل من أشكال الحصار الاقتصادي ضد المقاولة الصحافية .

وفي حادث مماثل حجزت السلطات المغربية حواسيب مسير مقهى الإنترنيت بتغجيجت عبد الله بوكفو وكأن هذه الحواسيب تخزن معلومات سوف تقلب الأوضاع بالمغرب رأسا على عقب ، لذلك كنا ننتظر من القناة الأولى أن تعد تحقيقا مشوقا عن المعلومات الخطيرة التي تحتويها حواسيب بوكفو كما يحدث مع أخبار التهريب والاتجار بالمخدرات ، لكن انتظارنا في غير محله لأن تلك الحواسيب لا تحتوي شيئا من ذلك ، بل مجرد اندفاع متسرع يستهدف حق الإنسان في التواصل مع العالم الخارجي عبر الشبكة العنكبوتية .

ما تريده السلطات المغربية من خلال عمليات الاستيلاء على الأجهزة التي تستهدف تقريب التواصل الإنساني هو الترويج لفكرة مفادها خطورة تلك الأجهزة على الاستقرار الاجتماعي للمغاربة ، فمادام أغلب المغاربة أميين فإن سماعهم عن حوادث احتجاز الأجهزة يعني مزيدا من الوصاية على الأبناء المتعلمين وتحذيرهم من قراءة الصحف وولوج مقاهي الإنترنيت ما دامت هي وسائل تواصل يمكن أن تؤدي بمستعملها إلى غياهب السجن .

والدليل على ذلك الرعب الذي أصاب بيتنا في تغجيجت بعدما سمع أبي عن نشري لمقالات حول أحداث تغجيجت عبر الإنترنيت ، فقد انقلبت طمأنينة البيت رعبا وخوفا وتوجسا وأصابت أمي وإخوتي حالات إغماء رغم أنني خارج البلدة في الأيام التي وقع فيها التدخل الأمني ضد طلبة تغجيجت ، أصابهم الخوف فقط لأنني عبرت عن رأيي عبر الإنترنيت .

السلطات المغربية لا تتعظ من أخطائها ، وتريد ممارسة الوصاية على كل أشكال الخطاب المتداولة في العقل الجمعي المغربي ، ولن تنجح في ذلك لأننا في عالم يوصف بالقرية الصغيرة ، فشعوب العالم تتواصل مع بعضها بطرقها الخاصة دون الحاجة لدبلوماسية الدولة ، فما بالك بالشعب الواحد ذا لغات تواصل موحدة . فمن هيكلة جميع الحقول التي تعتبرها السلطة منابع لصناعة الخطاب ، بقي لها حقلان يستحيل إخضاعهما هما : الإعلام المستقل والتدوين ، لذلك تحاول بين الفينة والأخرى تضييق الخناق على رواد هذه الحقول بسيف القضاء الموجه ، قلوبنا معك مكاتب بوعشرين وحواسيب بوكفو .